الغاية تبرر الوسيلة ..............محمد محضار
ظل طوال الليل يتقلب في فراشه . كان مسهدا ، والأرق قد سلب من عينيه نِعمة الكرى ، كان عقله مشوشا وغارقا في آتون التفكير ..قد مضى عليه الآن أكثر من أسبوع على هذا الحال ..وهو يحاول عبثا الخروج من من هذا الوضع بأقل الخسائر الممكنة ، لم تعد الحبوب المهدئة قادرة على احتواء فورة أعصابه وانفلاتها ، ولا زجاجات الجعة التي يلجأ إليها لتعطيل هواجسه حافظت على ذلك المفعول السحري الذي يحدث في نفسه المتعة اللحظية . إنه يجد صعوبة في ضبط نفسه، والتكيف مع الوضع الجديد الذي أصبح يعيشه ..الأمر بالنسبة له يشبه حلما رهيبا ، بل قل كابوسا مزعجا لم يخطر له على بال .
....................2..........................
زئير أسد جريح يدوي في أعماقك ، لهفة وحيرة تجثمان على صدرك العليل ..رغبة قوية في التميز الذاتي تسيطر على عقلك ، تَودّ لًوْ أنك تأبطت مدفعا رشاشا ، ثم اندفعت إلى مكان مزدحم وأطلقت العنان لرصاصه يلعلع فيحصد أرواح القطيع المهرول في كل الاتجاهات دون غاية أو هدف ، عندها سَينتَبهُ إليك الجميع ، وستصبح أشهر من نار على علم ، ستكتب عنك الصحف ، وتقدم الفضائيات نشرات خاصة بك .
.......................3....................
تهادى إلى أسماعه آذان الفجر ، لعن الشيطان عدة مرات ثم تلا المعوذتين، وقام من فراشه ، توضأ ثم صلّى ركعتين وخرج .
كانت المدينة ماتزال غارقة في سباتها ، والسماء قد بدأ ظلامها يتبدد ، والعمال والعاملات ينحدرون نحو مصانعهم وشركاتهم وهم يَدعكون عُيونهم ..أما هو فكان بلا هدف يسير على غير هدى نحو المجهول. كانت لديه قناعة بأن رحلته تبدأ من الصفر ، وتنتهي إليه ، والخروج من هذا الوضع يرتبط بمدى قدرته على القيام بعمل جبار يشد إليه الانتباه ويكسر طوق الصمت الذي يغمره ..حتما مثل هذا العمل يتطلب تضحية كبيرة لا يمكن أن يقدم عليها إلا الرجال الأفذاذ.
كان قد وصل إلى حديقة المدن المتوأمة ، المكان شبه فارغ والمقاهي المحيطة قد فتح بعضها أبوابه لبعض الرواد ، وقعت عيناه على مقصف " فينيسيا" تذكر أنه دفع مائتي درهم مقابل طُرْطَة مثلجة وكأسي عصير ، لما صاحب إحدى الفتيات إلى هناك منذ أسبوعين، تابع سيره على امتداد الحديقة ، نسمات هواء الصباح تلفح وجهه فيحس ببعض الانتعاش ، لا حت له بناية العمالة ، وسمع لغطا قادما من هناك ، فاستحث الخُطى متجها إلى مصدر اللغط.
..................4............................... ...
ها أَنت تجد نفسك أمام جمع من الشّباب يحملون لا فتة يحملون كُتب عليها بخط غليض : " المكفوفون يطالبون بحقهم في الشغل والحياة الكريمة "،..تقترب منهم ..هناك رجال أَمن وسُلطة يحيطون بهم ، كانوا يحملون قِنِّينَاتِ بنزين وَولَّاعات ، وكان مُتزعمهم يُمسك مكبّر صوت ويُردد شِعارات مُندّدة بالحكومة والمخزن، فيجاريه رفاقه فيما يفعل ، ثم ما يلبث أن يهدد بانتحار جماعي عن طريق الحرق الذّاتي .
تُحسُّ بالرهبة والدَّهشة في نفس الوقت ، تستيقظ كل حواسك ، ويَتَردّدُ داخلك صوت قَوي : " المَكفوفون أقوى منك لهم إرادة ويعرفون غايتهم"
تتقدم خطوات إلى الأمام ، تصبح وسط الجماعة المُحتجة ، تشاركهم الاحتجاج ..فجأة تَخطف قِنينة بَنزين وولّاعة من أحدهم ثم تصرخ وأنت تصب البنزين على جسدك : " الآن سأقوم بعمل جبار ، سأدخل التاريخ وأخرج من عالم القطيع"
وقبل أن ينتبه إليكَ أحدٌ كانت ألسنة اللّهب قد بدأت تأكل جسدكَ ، وكان الصراخ يأتي من كل مكان ، ورجال الأمن يحيطون بك محاولينَ إطفاء النّار ، أما رجال الصحافة فكانوا يلتقطون صورا لك وأنت تحترق !!
محمد محضار 21دجنير 2011