منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: سقط سهوا

العرض المتطور

  1. #1

    سقط سهوا

    سقط سهوا
    كان عليه أن يشد كل تفاصيل وجهه اليابس ليرسم شبه ابتسامة خافتة ، كي يثبت للعالم أجمع أنه متفائل وسعيد.
    كثيرا ما يصب الآخرون زيت نصائحهم المتسخ، في آذاننا أن نتحمل مشاق الحياة وهمومها ، لم يكلف أحد من الحكماء نفسه أن يهمس للحياة في أذنها ،أن تتحملنا قليلا وترأف بنا ، نحن الفقراء، عيال الله ، كُتـَلُ الطين والهم والحزن ، كوابيس الحكام ، وعفاريت الأغنياء ، والدمى على طاولات الشاهبندر وقوجة التجار ، في ليالي سمرهم الحمراء ، ومؤتمرات صفقاتهم السوداء، واتفاقياتهم الشيطانية ، التي يحددون فيها سعر و حجم ولون وقوة الحزام الذي سنربطه على بطوننا في كل عام مالي جديد.
    ********
    الجو نار ... نار ... نار ...
    ********
    حملته أمه سهوا ، ووضعته كرها ، فكان القادم غير المرغوب فيه ، التاسع في الترتيب لأبوين فاقا البشر و الحجر في تحمل ذل الحاجة وضربات العوز ، فاتته كل القطارات :قوائم المواليد ، التعليم ، بطاقة التموين ، الإسكان الشعبي ، فاسمه قد سقط سهوا من كل السجلات ، لم يأخذ رقما في تقرير وزير العدل.
    رقم مطموس إلا من سجل واحد ،( التهرب من التجنيد الإجباري ) ، كان عليه الآن أن يثبت أولا وجوده ، وثانيا براءته وثالثا حقه في أن يكون له مكان في طوابير الخبز اليابس ، المخلوط بأشياء لا نعلمها نحن الجهلاء.
    *********
    الشمس تتحدى الجميع في صيف لا يرحم سوى من يملك أجهزة التكييف ، الشارع مختنق بطوق أمني جبار.
    الأرصفة منتفخة بالبشر والبضائع والعربات المدفوعة باليد والوجوه الكالحة، والأجساد التي يجب وعن جدارة ، أن تمثل الوطن في مؤتمر سوء التغذية الدولي . من ها هنا يمر الزعيم ، فليـُنتزع حقٌ الجميع في أن يذهب في الاتجاه الذي يريد ، لابد لنا جميعا أن نتوجه توجها عاما ، لأسباب قومية ودواعي أمنية.
    ******
    يداه المعروقتان تمسك بتلابيب أوراق عديدة ، ملوثة بحبر، وعرق وغبار ، وفي عينيه حسرة ولهفة بين الحزن على موظف لم يدركه ، ومدير لم يلحق به.
    • اسمك مطموس ،
    • الختم غير واضح ،
    • أين شهادة ميلادك ؟
    • الصورة غير لامعة
    • المسئول في المصيف ،
    • الختم مقفول عليه ،
    • المدير مشغول.
    • خرج لتوه.
    السكرتيرة تحتسي الشاي وتتطلع لأسطر الأخبار في جريدتها اليومية دونما اكتراث ، تتوجه بالحديث لزميلتها دون أن تدرك أن صاحبنا يقف بينهما.تتوجه بالكلام عبر جسده وكأنه هواء!!!
    ********
    لا نعلم من في خدمة من؟
    ********
    الجو نار ... والأسعار أيضا ... عجوز تموت تحت أقدام المتصارعين في طابور الخبز اليومي ....
    ( من معالم شوارعنا وصورتها الثابتة في الأذهان) : ( طابور العيش) .
    ********
    بالروح بالدم نفديك يا هذا ....
    هتاف ، حول مواكب المماليك ، انقطع من شوارعنا منذ عقد أو يزيد...إذ انكشف المستور وترك معظم الزعماء بلادهم عارية مكشوفة العورة أمام قطاع الطرق الدوليين ، دون مكتسبات سوى المقابر الجماعية.
    ********
    الطوق الأمني يزداد ضيقا ، جميع الاتجاهات مغلقة ، نصال الأسلحة تلمع تحت الشمس الحارقة ، الجنود كالتماثيل دون دم في العروق أو اهتزازات في الملامح ، بلغت القلوب الحناجر، المحشورون في الحافلات الحديدية الساخنة ، المحشودون فوق الأرصفة ،في الأزقة الجانبية ، تحت الجسور ،خلف الحوائط ،تحت أعمدة الكهرباء البارزة أسلاكها استعدادا لصعق ما تيسر لها من المساكين .
    راح الجميع يتنفسون الهواء الأسود بصعوبة بالغة.بدا الميدان وكأنه قنبلة قابلة للتفجر في أي ثانية.
    لابد لنا أن نتحمل من أجل المصلحة العامة، ، نحن فقط جموع الحرافيش علينا أن نتحمل من أجل المصلحة العامة ، في سبيل أن يمر الزعيم بسلام ، علينا أن نذوب، نموت ، نذهب إلى الجحيم ، لدواع أمنية.
    ********
    لا نعلم من في خدمة من ؟
    ********
    الجو نار ..... والقلوب أيضا
    ********
    • لا عليك من رؤيته.
    • أمر محال .
    • سيمر حتما من شارع ما .
    • يمكنك أن تلمح جانب وجهه خلف زجاج السيارة الأسود .
    • لالا ليس هو ....إنه البديل المستنسخ.
    • هل يأكل مثلنا؟
    • الجو نار ... والأسعار أيضا .
    طوى دفتر أوراقة الرطبة بين أصابعه المتسخة.تحسس مكان حافظة نقوده الفارغة إلا من بطاقة الهوية ، الأمر لا يسلم في هذا اليوم النكد ، من مخبر سري يقبض على ذراعك ويسألك : بطاقتك؟
    ********
    ذاب الموظفون – اجتماع هام للمدراء العوام والمساعدون ووكلاء الوزارة ، بمناسبة زيارة الزعيم للمؤسسة .
    ********
    • اسمك ليس هنا ..
    • لا رقم لك ....
    • مر الأسبوع القادم ..
    • .الأسبوع القادم؟
    • عليه أن يسلم نفسه للمخفر المجاور ...
    • خائن متهرب من الخدمة الإلزامية للوطن العزيز ...
    الوطن العزيز ... شجر وماء ومتاجر وشوارع ومخافر... ليس لنا فيها نصيب ... سوى مساحة من زنزانة رطبة قاسية الحوائط.وموقع قدم ، تموت فيه بحرية تحت أقدام المتصارعين على كسرة خبز أسود.
    ********
    إقالة وزير العدل صباح اليوم. وتعيين مدرب جديد للمنتخب الوطني.
    ********
    الطوق الأمني كثعبان يزحف مضيقا الدائرة حول المساكين ، الملايين تحتضر بين فكي كماشة.
    • أنتم السبب ... يا فرعون من فرعنك؟
    • جبناء .
    • خانعون.
    • زبالة.
    • والله ولي النعم رجل طيب .
    • هل يأكل مثلنا؟
    • الحاشية هم السبب.لعنهم الله في كل كتاب.
    ********
    على من يعرض أوراقه ، وهمومه ، وانكسار قلبه؟ كلهم في اجتماعاتهم الهامة بمناسبة زيارة الزعيم للمؤسسة الرسمية.
    الطوق الأمني يزداد خنقا لعنق الشارع وعروق الحارات ، وشرايين الأزقة.
    صرخة (سيارة الزعيم) تخترق المكان وتملأ القلوب رهبة والأجساد ارتعاشا، ، الأعناق تمتد لرؤية أي شيء ـ الزحام يضيق حول الموكب ، النكد والتعطيل ، والذل ، والإهانات ،و الركلات والهراوات ، وقنابل مسيلة للدموع ، ورصاص حي ،هي الهدايا الدائمة المصاحبة لمواكب مماليك العصر.
    الهرج والرعب تسيدا المكان.
    ********
    غطوه بأوراقه التي اجتهد شهورا في جمعها وختمها وتأشيرها .... لم تكف سوى لتغطية جزء من وجهه الذي كان داميا مطموس الملامح.
    *******
    وقف الضابط يسجل ملاحظاته ببرود :
    أنه في ساعته وحينه ، وعند مرور موكب ولي النعم ، حاول موتور مجهول الهوية الإمساك بيد الزعيم ، لولا يقظة الجهات الأمنية
    .

    محمد نديم

  2. #2

    رد: سقط سهوا

    صدقني يشعر المرء وهو يقرأ تلك الرائعة انه في عالم محموم من الجروح الغائرة والألم العظيم والأصفاد الثقيلة الوزن والتي تذبح القلب قبل الروح....
    سلمت يداك رغم قتامة المشهد وجدا
    تحيتي وتقديري
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3

    رد: سقط سهوا

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    صدقني يشعر المرء وهو يقرأ تلك الرائعة انه في عالم محموم من الجروح الغائرة والألم العظيم والأصفاد الثقيلة الوزن والتي تذبح القلب قبل الروح....
    سلمت يداك رغم قتامة المشهد وجدا
    تحيتي وتقديري

    أ.ريمه الخاني

    تحيتي لمرورك هنا ...أظن أن الواقع يحمل من الأشياء والمشاهد ما هو أكثر قتامة وأشد إيلاما مما قد يرنو إلى خيالنا .
    .. لقد ساقني قلمي إلى بؤرة إنسانية عابرة قد تمر بنا ، دون أن نعلم أن فيها من الأحلام والمشاعر الإنسانية البسيطة والصادقة / ما يُقتل كل يوم ويُخنَق كل لحظة.
    أعتذر عن سواد المشهد ....الذي لا ذنب لي فيه .
    وأقدم امتناني باقة من الود.
    دمت مبدعة وبخير.

  4. #4
    صيدلانية/مشرفة القسم الطبي
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    2,020

    رد: سقط سهوا


    فعلا نص قاتم رغم واقعيته مؤلم وصارخ رغم تصويره الدقيق الصادق
    شكرا لك

  5. #5

    رد: سقط سهوا

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ندى نحلاوي مشاهدة المشاركة
    فعلا نص قاتم رغم واقعيته مؤلم وصارخ رغم تصويره الدقيق الصادق
    شكرا لك

    أ. ندى نحلاوي
    أشكر لك تواجد ومشاركتك .
    دمت بخير.

  6. #6
    قاص ومترجم
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    1,153

    رد: سقط سهوا

    قوة النص منبعها صدق ورهافة إحساس كاتب متمكن يستحق كل الاحترام

  7. #7

    رد: سقط سهوا

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسن لشهب مشاهدة المشاركة
    قوة النص منبعها صدق ورهافة إحساس كاتب متمكن يستحق كل الاحترام

    الأديب الراقي أ. حسن لشهب
    امتناني لحرفك النابض بالتذوق النبيل.
    أشكرك.

المواضيع المتشابهه

  1. حين يسقط اللوز سهوا ..
    بواسطة جلال الأحمدي في المنتدى فرسان النثر
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-27-2008, 06:32 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •