كيف نفهم السلام العادل
كثيرا ما تطرح مسألة السلام العادل و الدائم في منطقة الشرق الأوسط و لكن هذه الأطروحات في معظمها مخادعة و مخاتلة و لا ترقى الى الحل النهائي و الشامل لمعضلة الشرق الأوسط و لا يمكن أن تنهي النزاع الدائر فيه منذ حوالي قرن من الزمان و ذلك أن الحلول المقدمة كلها في خدمة الكيان الصهيوني الغاصب للأرض و المعتدي على الحقوق و نحن نعلم علم اليقين أن لكل مشكل حل صحيح واحد موضوعيا وأنه بنفس اليقين لا يمكن حله بغير ذلك الحل و بناء عليه اذا فهمنا قضية فلسطين فهما موضوعيا حقيقيا و بدون خداع أمكن حينئذ و فقط السير نحو الحل الموضوعي الصحيح و قد أشرت في مقال سابق بعنوان ..الصراع العربي الصهيوني و طبيعته .. وأكدت أنه صراع و جود لا صراع حدود بحيث ان الصهاينة الذين يحتلون أرض فلسطين بالقوة الغاشمة و تساعدهم في ذلك قوى دولية و اقليمية خوفا أو طمعا أو لحسابات سياسية و اقتصادية و لكنهم لم يضفوا على ذلك الاحتلال الشرعية أبدا.
ونحن كأمة عربية أكثر من 90. /. من مواطنيها من المسلمين والبقية مسيحيون يتبعون في معظمهم الكنيسة الشرقية لا الغربية و هم أقرب ما يكونوا الى الاسلام من المسيحية بدليل اشتراكهم في الحروب الصليبية و حروب التحرير من الاستعمار الحديث الى جانب اخوانهم من المسلمين في الدفاع عن وطنهم وهذا الانتماء للاسلام حضاريا و قيميا يعني أنها
1 أمة مسالمة انسجاما مع مبادىء دينها و تاريخها يؤكد على هذه الحقيقة وأما الحروب التي خضناها عبر تاريخنا فلم تكن عدوانية استعمارية بل كانت دفاعية عن النفس وهذا أمر ثابت تاريخيا بحيث لم نأت بأفكار عدوانية كالاقطاع و الرأسمالية أو النازية أو الصهيونية فكلها مفردات من خارج أمتنا و قد اكتوينا بنيرانها و كنا ضحايا لها .
2 أمة مستعدة للدفاع عن نفسها الى أبعد الحدود والى آخر فرد فيها والى آخر قطرة دم وذلك أننا لا نظلم ولكن اذا ظلمنا فلن نسكت كما تفعل بعض الشعوب و من ذلك أن اليابانيين عندما أصيبوا بقنبلتين نوويتين أعلنوا الاستسلام و الهزيمة ومن ذلك الوقت و القوات الأمريكية تحتل بلدهم التي تعتبر تابعا ذليلا لأمريكا أما في العراق وأثناء الغزو الهمجي له سنة 2003 وفي عشرين يوما فقط سقط على العراق ما يعادل سبعين قنبلة نووية و لكن الشعب العراقي لم يستسلم وها هو يفرض على الأمريكان بعد ست سنوات و نيف من المقاومة الضارية
الانكفاء الى مواقع خارج المدن بعد سلسلة الهزائم العسكرية و الأخلاقية و السياسية و الاعلامية التي وقعوا فيها وها هو اقتصادهم يتهاوى و جنودهم ينتحرون فعلا على أسوار بغداد .
وفي سنة 1982احتاحت العصابات الصهيونية لبنان و لكنها بفعل المقاومة انسحبت مدحورة سنة 2000 وأعادت عدوانها عليه سنة 2006 ولكنها انهزمت ولم تحقق شيئا على الاطلاق و حاولت أن تجرب حطها في أضعف الحلقات العربية و الاسلامية غزة المحاصرة و المجوعة ولكنها لاقت نفس المصير .
وبناء عليه فان الوضع في الشرق الأوسط لن يستقر و لن تهدأ الأمور فيه مادام هناك احتلال للأرض وهناك ملايين من المهجرين من بيوتهموأرضهم و ان معظمهم لا يبعدون عنها سوى مسافة ساعة أو ساعتين بالسيارة لأنهم يأملون العودة الى بيوتهم يوما ما .
ان قضية فلسطين تكمن في بديهية واضحة تماما لا لبس فيها ولا تستحق جدلا كبيرا ببساطة هي قضية شعب اغتصبت أرضه بالقوة الغاشمة من قبل أناس اضطهدتهم أوروبا ومارست عليهم عنصريتها و استعلاءها و قهرتهم وأرادت أن تحل مشكلتهم على حسابنا فهذا لن يكون .
الحل يكمن في عودة الصهاينة الى بلدانهم الأصلية التي انطلقوا منها للعدوان على فلسطين و احتلالها بدون وجه حق وخاصة أنهم لا يزالون يحتفظون بجنسياتهم الأصلية أما العرب منهم و الذين خانوا أمتهم المعتدى عليها فيمكن للأمة أن تتجاوز عنهم اذا قبلوا فورا و دون تأخير العودة الى مواطنهم الأصلية و لكن القيادات المجرمة في الكيان الصهيوني لا بد أن تحاسب على قدر اجرامها و تحاكم محاكمة عادلة أمام محكمة لجرائم الحرب.
لابد من عودة اللاجئين الى ديارهم وتعويضهم عن سني العذاب و الحرمان وعلى أوروبا ان كانت ما تدعيه حقا من كونها تدافع عن حقوق الانسان و الديقراطية أن تساهم في هذا التعويض بقدر ما فعلت من مساندة غير مشروعة للكيان الصهيوني وأن تبادر فورا الى تسيير رحلات جوية لجلب رعاياها من فلسطين المحتلة .
ضرورة انسحاب أمريكا فورا ودون تأخير من العراق و اعادة الأمور الى ماكان عليه الوضع قبل الغزو و الاعتذار للشعب العراقي و تعويضه عن كل خسائره .
هذا هو السلام العادل و الشامل الذي يفهمه كل الأحرار و الشرفاء في العالم فضلا عن المثقفين العرب وقادة الرأي و المفكرين و حتى المواطن العادي لا يقبل أقل من هذا تحقيقا للسلام العادل و الدائم في الشرق الأوسط و بالتالي العالم ككل وهو الحد الأدنى الذي نقبل به و نعتبره المخرج الوحيد لكل القوى المتورطة في منطقتنا وكل الواهمين بأن الأمة العربية غير قادرة على فرض هذا الحل ولكن نقول لهؤلاء الواهمين ان الأمة العربية لها من امكانيات الصمود و المقاومة ولها من القدرات والامكانيات المادية و المعنوية و الحضارية و القيمية و التاريخية ما يجعلها قادرة ولو بعد حين الى ما تفرض به الحلول المثلى التي تتناسب مع ردع العدوان عنها و تحقيق كرامتها وعزتها المسلوبة و قادرة على الاسهام في التقدم البشري .
الناصر خشيني نابل تونس