قراءة استكشافية لرواية" جسد ومدينـــة" لزهوركرام

[خالد عبد اللطيف]

دراسة نقدية " قراءة استكشافية لرواية" جسد ومدينـــة" لزهوركرام"

خالد عبد اللطيف/ المغرب.

رواية" جــــسد ومدينة" منعــــطف جـــــديد في الرواية المغربية المعاصرة،فيها يمتزج الجسد بالمدينة،والرغبة بالعشق الواقعي،والواقـــــعي بالإستيهامي والرمزي بالمتخيل.
فسعيد الشاب الملتزم بقضايا الوطن،والمولع بالسياسة،يعشق مدينة/الجسد،المدينة/الرمزفتحبل منه،وعند غيابه النهائي ترث عنه ثورثه مخلفة منه الإبن البديل.
إن المدينة التي ولد فيها الإبن تغــــــسلها الأمطارمن الـــــــقذارة والـــــــــــــوشاية والمؤامرة.
" آمال " هي الخيط الرفيع الرابط بين سعيد وحبيبها ابراهيم،خوفها عـــلى الأم من الـــــصدمة الكبرى عند اعتقال أخيها سعيد وتعرضه للتعـــــذيب أثناء الإستنطاق،والحب هــوالبوصلة التي تقود إبراهيم وآمال الى الإبتعاد عن القلق،وإعادة بــــــناء الحياة الآمنة.
تقول الساردة" إسمعي آمال ...أنت الأمل والدفءوأنــت الخلاص..أمل دعيني أحذف الألف لأنك صرت الأمل، اسمعيني جيدا بقدر ما أعشق روحك بقدر ما أخاف أن نبقى على العتمة " ص31
يظل الجسد هوالدعامة الأساسية في بــــــناء أحــــداث الرواية مجسدا تواريخها المرئية والغير المرئية.
فالجسد هوانفلات من وضعية الرتابة والملـــــل والخوف،فـــــلا نفكر فــي الجسد إلا حين نشعر باللاطمأنينة بالقلق وتلف الأعصاب،والرواية تعتبرالمدينة والجسد شيئـــــين غيــرمنفصلين،بل متواجدين في وحدة صوفية" المدينة والجسد شيئان يلتقيان في التآكل،غيـــــر أن التآكل يتلون حسب جغرافية الجسد" ص25.
المدينة المتآكلة كالجسد،ينخرها النسيان والـــــسوس،وتدب في أوصالها بــــــرودة الـشيخوخة المزمنة،وتتصلب كالجثامين،المدينة الآيلة للسقوط محاطة بالسور،حتى لا تنتـــــقل عدواها الى الطبقات الثرية.
في العادة عند المــــــسؤولين،فــــكل الأحياء الهــــــامشية والمدن السـفلى يتم تطويقها بأسوار حقيقية لإخفاء معالمــــــها الكارثية الحزينة،حيث تنـــــتشرالأمراض والأوبئة والثـلوت،ورائحة المستنقع" وجسد المدينة مبعثرا ومشوها لكــــــنهم أحاطوه بسوريخــــفي سر التآكل" ص25.
تضع الرواية مؤشرات قوية على امتزاج جسد المدينة المثخن بالآلام والأحزان ،والمــدينة التي أرادها سعيد نظيفة وهادئة" صارت قضية،ومابعدها إنتشاء في الفراغ الوجودي،هكـــــــذا حدد هدفه من مفهوم البقاء" ص27.
جسد المدينة يستوعب كل أنواع المآسي الإجتماعية(الحـــــمل الغــــير الشرعي) وارتفاع نسبة الجريمة والأمية والمرض والتكس والإزدحام،والأوساخ وانتشار الفـــــــقر والألم والحصار.
جسد المدينة يتقاطع مع جسد المرأة التي تمتص كل الأحياءواستيعابها،فجسد المرأة يظل الملاذ والوجهة الآمنة للنسيان والتوتروخط الفزع المتعدد الوجوه والدلالات" الأ حيــــــــاء المتناسلة تتوحد في جسد المرأة في احتكاكها ببعضها ،فقد تناسلت واوالدت،كلما كثرث هــــــــموم الرجل كثرطلب الجسد،الجسد المخدر،الجسد الوكر،إن با تخاذك من جسد المرأة عباءة تـــنسى مشاكل اليوم بكامله" ص26.
جسد المرأة في الرواية يرصد الكينونة والخصوبة،والولادة والخصوبةوالمخاض،يــــمثل إحدى إحدى الهواجس الحقيقية لدى الرجل في الإغراق في النمطية وممارسة لعـــــــبة الإخــــــــتفاء القسري،من جهة والإختفاء الطفولي في جسد المرأة الــــــمشبع بـــــــــرائحة الأمومة والأنوثة والإغواء والغواية والسحروالجاذبية.
في الجسد يجد الرجل طفولته المفتقدة وفحولته الضائعة وسط صخـــــــب جـسد المدينة المليء بجرعت قوية من مآسي وفواجع الزمن المتكرر،الـــــــــفقروالزمن الإرتدادي (النكسة) والزمن الخارجي (فقدان الهوية والأصالة).
جسد المدينة موشوم في جسد سعيد" المدرسة عشقه الموشوم في جسده" ص 31.
المدينة تسكن ذات سعيد،أصبحت جزءا منه،سواء في حــــــــضوره أوغيابه،ساعة الزج به في الفضاء المغلق (السجن) أوالفضاء المفتوح (العالم الخارجي) حيث الحرية،جسد المدينة يعيـش على انتظارات سعيد،جسد هذا الأخيريعيش على حافة الالم المتكرروالمعاناة" صعوبةتميزه بين النظافة والقذارة،أيهما أأحق بالعبادة،أيهما أحـــــــق وأنقى" ص39.
الرؤية المأساوية في الرواية يتــــــــصارع فيها الجسد الظاهر/ بالجسد الباطن/ الجسد الطاهر/ بالجسد الموبوء وبالنظافة الوهمية،والتخلص من القذارة الداخلية،والـعلاقة بينهما أيهما أصلح للعبور؟
في الأعراف السياسية للنضال،أن من اعترف لدى( المخزن) فقد سقــط،ومن وشى بالآخر دخل عالم الخيانة،وخرج عن الصف،صف الـــــــمقاومة المنظمة إلى صف القذارة" كل شئ يساوي حقيقة واحدة،الحب،النظافة،القدارة التنظيم" ص40.
رغبة ابراهيم في إقحــــــام سعيد في تــــــــــيمة الحب،وتــصورهذا الأخيرللحب باعتباره حرية وشرعية،وإمكانية،وفق رؤية بسيطة غير حركية ولامعــــــــقدة،صورة موحدة غيرمجزأة.
لنقرأ المقطع الثالي:
" لومنحوني محبوبتي دقيقة واحدة،سأنزوي بها في غرفة...يعــني أملك الغرفة أنا..لكن بشرط ألا يشعروني بأن وراء الباب من يقف يعد الثواني...أريد أن أشعرأنـــــــي أملك محبـــــــــوببتي حقيقة،الحب لغة واحدة" ص41.
عند كل أزمة،تتدخل شخصيات الرواية،يتحرك الجنين بشكل خفي،المدينة الحالمة/ الرومانسية حاملة هذا السر،هي الحابلة بخط الرجعةمع سعيد والتشبت بذكرى سعيــد في حالة اخـــــــتفائه النهائي.
المدينة تعيش عريها الجنائزي في صورة متعددة،ووجوه مختلفة لرمزية الجسد الملقى" الشابة التي جثة عارية في الفندق الشاطئي" ص72.
الأجساد المبرمجة للرجفة والإهتزاز في كــــــــل مساء من خلال استعــــــــــدادا تها اليومية في صالون"ميلودة" للحلاقة،والإعترافات السرية للنساء حول التدخين في المــــــرحاض،واختزال الرجل بكل لحمه وشحمه وقيمه إلى عضو..إلى فحولة،ينبغي أن تــــمزج بما يمنــــــحه من مال للمومسات.
الجسد الذي يخضع للذة هولذات دخلت بسرعة مخيلة" آمال" " ترى لــوطاوعت اهتزازي،هل كنت سأضبط الطفل في ابــــراهيم،هــــــــل يشبـه ابراهيـــــــم هؤلاء الرجال،لكني أريده أن يعي اهتزازه،اهتزازنا،فالحب يمضي بنا نحــــــــوالرجفة والرعشة" ص 66 .
تتلاشى أحلام المدينة في اختفاء سعيد لمدة طـويلة داخل المعتقلات،انتحار ابراهيم بعدما لم تجد مقالاته في جريدة الوفاق صدى،قتله الهوى،رفض الإنـطواء،وعشق هواء مدينته،ومن حقه أن يطالب بنقاء الهواء،من خلال فضح المستنقع الذي يقيـــم كل ليلة مهرجان الذباب....أينما وليت وجهك فثمة الرقيب الذي لايترك صغيرة ولاكبيرة إلا وأحصاها.
في الرواية تمتد تمفصلات الجسد وامتداداته في مكتب الـــــمسؤول عن جواز السفر والحصول عليه يبدأ بمفاوضات حول الجسد الباب السحري للحصول على هذ الوثيقة.
نساء وفتيات مارسن لعبة الجسد وحصلن على الجواز في رمشة عين وأخريات رفضن العرض وحرمن من جواز السفر.
لكل شيء ثمن للعبور/المال/ الجمال/ الوساطة/ السمسرة وفي اخــــرالمطاف حظ وصدفة ترمي بخيط ضئي للبار بوالديه.
" كلمة من هنا وكلمة من هناك تجعل المسؤول ينحني ويبوس تراب رجليك ويقول لك "سبيك لبيك" أنا عبد بين يديد ها الباسبور" ص54.
آمال وسعيد كانا يفكران في العــبور،لكنه عبـــورمن نوع خاص،عبــــــــور نحـــــوآفاق الحرية والتذكر،محوخطيئة المدينة واستـــــبدالها بتصحيح مسار النضال حيث الرفاق يتنظرون تحقيق الأحلام في وطن وإن أجهض أحلامــهم فهم يحبونه على حد قول بعضهم" سأغتالك ياوطني بالسفر"
" يملؤني الشعور بالبكاء حتى سعيد كان مهـــــــــووسا بالعبور،نفس الكلمةولكن عبورنا ليس هوعبورهم،حلم عبورنا كان من أجل مديتنتا جسد سعــــــــيد الموشوم ضريبة للم العبوركما كنا نفهمه كنا مع المدينة ضد فيضان المستنقع" ص54.
المدينة التي تــــــناسلت فــــــيها الحكايات وتعـــــددت فيها الــــــرؤى هزمت في المبادئ قوتها وصيرورتهاوالتاريخ الذي كان يتشبت به سعيد أصبح نسيا منسيا،الجدران تآكلت،والقيم دمرت دفعة واحدة،عما كان يبحث سعيد في جسد المدينة؟ عن صورة للذكرى والتذكر،عن النبش في حقائق محظورة،رحم الحبيبة أوالعشيقة لايتسع لكل هذه الآلام،قلبها انفطر من الغـــيض لأن كل الأحلام مثقوبة الرقيب يملأ ساحات المدينة بأشجار تتــــدلى منها أوراق اليأس والحصار،سعيد أودى به إيمانه الذي أودى بإدريس في رواية ' أوراق" لعــــــــــبد الله العروي"
" هكذا صارت المدينة تدمر كـــل من عشقها،المهم ألا تموت المدينة،ألا تموت حكاية المدينة ،
أن تتوالد ذاكرة حكايتها،مهما كانت ملحمة الموت" ص81.
ذاكرة المدينة تختفي وراء ستار التـــــمويه والوله بعشق منمق،أحياء تقتلها التعاسة في ألوان باهتة غريبة.
سعيد أحب مدينته بالـــرغم من كــــل شيء فهي "جنة ولوكانت قعــر جــــــــب" كما يقـــــــول جلال الدين الرومي.

خالد عبد اللطيف/ المغرب.

• الهوامش:
• رواية"جسد ومدينة" زهوركرام ـ ط1 1996 مطبعة وليلي.

[ملده شويكاني]

عندما تصطدم الاحلام مع الواقع...
ونواجه الحقائق نجد انفسنا امام مواجهه صعبة بين الاستمرار والتقبل او الحرب والثورةاو الهروب وكلها حلول يترتب عليها مسيرة حياة
تحية لك كاتبنا
ملدا شويكاني

[خالد عبد اللطيف]

الى الفاضلة ملدا: شكرا لمرورك الكريم.
لك تحياتي.