تحذير شديد اللهجة لفئة لا تريد أن تعي أن الوطن الأردني لا يحتمل خطابَها المريب..
إن هناك نبرة مشبوهة بدأت تتصاعد في أوساط بعض المعارضين الأردنيين الذين نعرف صدقهم ونزاهتهم، من الذين باتوا يؤكدون – بحسن نية – على أن مشكلتنا في الأردن تكمن في "استخدام الدين" أو في "قبول مقولاته المقدسة المفروضة القداسة على الناس"، وراحت تشخيصاتهم للأزمة الأردنية تنصب في هذا الاتجاه دونما اعتبار موضوعي لمكونات الأزمة في أبعادها الوظيفية الإمبريالية الصهيونية..
ومن العبارات التي تعرض توصيفاتهم ما يلي..
"المستفيدون من الوضع القائم يستخدمون الدين لتلبية مصالحهم"..
و"المتضررون منه يصدقون مقولاتهم المقدسة على أنها جاءت من عند الله"..
وفي هذا التسطيح للوضع القائم ولمكونات الأزمة الراهنة خطر كبير ينذر بالأعاصير..
فكل الدول التي تحولت فيها السياسة إلى دماء وأشلاء، والتنافس السياسي إلى صراع طائفي ومذهبي، بدأت الكارثة فيها، بخطابات تتظاهر بالبراءة وتنطلق من حسن النية كهذه..
فلنحذر هؤلاء البرءاء، ولنحذر تلك الخطابات..
إذ يمكننا أن نطرح ما نشاء من حلول لقضايانا، دون أن نضطر إلى خلق الاستقطابات بمثل هكذا خطاب مشبوه، ليس فيه أيُّ حلٍّ معروض أو مقترح، وقد يُستخدم من قبل النظام الذي نعارضه أصلا، ذريعة للتمهيد لكارثة في هذا الوطن..
وعلينا ألا ننسى أن الدب الغبي قتل صديقه بحسن نية..
فالسياسة المنتجة لا تكمن فقط في أن نقول الحقيقة..
بل هي تكمن في أن نقولها بالشكل المناسب، في الوقت المناسب، وفق الخطة المناسبة، وفي السياق المناسب..
الجماهير لا ترى هناك أيَّ فصل بين الدين والعدالة، وبينه وبين الحرية، وبينه وبين ثقافة المقاومة، فحيثما كانت الحرية والعدالة والمقاومة، كان الدين حتى في نظر العامة من الناس، وكائنا من كان ذلك الذي يطرحها ويحملها ويدعو إليها ويناضل من أجلها..
وعلينا ألا ننسى أن الشعب الذي انتخب الشيوعيين الماديين، والقوميين العلمانيين، في الخمسينيات على حساب حملة الخطاب الديني، هو الشعب الأردني المتدين، الذي لم تخدعه مقولات المتدينين التي لم ير فيها لا عدالة ولا حرية ولا مقاومة، ولا هو تحسَّس من شيوعية وعلمانية دعاة الحرية والعدالة والمقاومة، لأنه شعب يعرف أن من يدعوا إلى تلك المبادئ والقيم أقرب إلى الدين من سواه..
فلا داعي للهروب من العجز عن تقديم الحلول الحقيقية والتصورات الناضجة والمتكاملة والجديدة للحرية والعدالة ومقاومة الصهيونية والإمبريالية والوظيفية، بإثارة هذه النعرة المقيتة..
فليقدم من يملك حلولا حلولَه المقنعة، وليناضل من أجلها، ولينزل من برجه العاجي، وليثبت الناس وللشعب وللجماهير بأنه يناضل لأجلهم، وأنهم يتقدم صفوفهم عن العطاء، ويتأخر عنها عند المنفعة والكسب، كي يصدقوه..
ثم ليطمئن، فإنهم لن يسمحوا للمقولات الدينية التي يتحدث عنها وعن رجعيتها بأن تكون مُقَدَّمَة على حلوله التي يطرحها..
فالجماهير ليست غبية إلى هذا الحد..
فلا داعي لأن يتذاكى عليها ويستغبيها وهو يحفر لها خنادق ينصب فيها من حيث يدري أو لا يدري شراك التيه والضياع..
خلاصة القول نصيحة صادقة أقدمها لهؤلاء الذين أستشعر رعبهم من الدين وليس من خطاب المتدينين..
دعكم من الدين ومن الإسلام، وقدموا العدالة والحرية وثقافة المقاومة بمشروع وبرنامج واضح ومتكامل على أجنحة لادينيتكم وماديتكم، بل وحتى إلحادكم إن شئتم..
وأنا أضمن لكم أن الشعب الأردني سيقبل به وبكم، وسيرفض رواد المساجد الذين لا يطرحونه مثلما تفعلون..
أما أن تشغلوه بتشكيكه في الدين والخطاب الديني وأنتم لا تطرحون حلولا..
فإني أخشى عندئذٍ أن تكون هذه هي أجندتكم الحقيقية التي تختبئون وراء دعاوى التغيير والتحرير أو حتى الإصلاح لتمريرها..