الموساد في الخليج
في معظم دول المنظومة المشيخية هناك قوائم لـِطـَيـْفٍ من الجنسيات الأوروبية والأمريكية معفية من شرط الحصول على التأشيرة، أو الخضوع لنظام الكفيل، لدخول دول تلك المنظومة، ويكفي اليهودي، أو الصليبي والمشرك الكافر، وكله حسب الخطاب الصحوي الرسمي لتلك المنظومة، أن يبرز جواز سفره "المميز"، كي يدخل ويسرح ويمرح هناك، ومن دون خضوعه لرزمة الإجراءات والقوانين العنصرية والتمييزية المطبقة على العرب والمسلمين، وفقراء الآسيويين. وهذا الأمر ثمرة اتفاقات بين حكومات الدول الغربية والمنظومة المشيخية تلزم الجانب المشيخي بالخضوع لإملاءات وشروط تلك الحكومات الغربية بضرورة مراعاة مواطنيها وتمتعهم بمعاملة خاصة ومميزة، حتى في الرواتب والأجور والإقامة والعمل والسكن ضمن مجمعات سكنية فخمة ومحمية أمنياً، مقابل تأمين الدعم لأنظمة المشيخية والتعهد بحمايتها، من المخاطر المتعددة ولاسيما من شعوبها، وإيران. هذا الأمر يتيح لعشرات الجنسيات الأوروبية، وما أدراكم ما "الأوروبية"، بالتصرف بهذه البلدان باعتبارها بلدانهم بالذات،ويحق لهم فيها ما لا يحق لغيرهم باعتبار أن لهم الفضل في وجودها وبقائها واستمرارها على قيد الحياة، ومن هنا فهم لا يخضعون لقوانينها، ويرفضون الانضواء تحت نظام الكفيل العنصري، ولا تصادر جوازات سفرهم كما هو الحال مع أبناء العروبة والإسلام وفقراء الآسيويين والعمال المهاجرين من الجنسيات من درجة المغضوب عليهم و"أي كلام". وما يعزز هذا القول فرار ونجاة وإفلات حملة الجوازات الغربية من عقوبات بسبب جرائم اغتصاب وتفجير ومخدرات ارتكبوها في تلك المشيخات، وأدينوا بها، والأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى، فيما يتم قطع رؤوس عرب ومسلمين لنفس الجرائم والانتهاكات.
على المستوى الرسمي المشيخي، فالعلاقات الدبلوماسية، الخفية والعلنية، بين هذه المشيخات وإسرائيل باتت أمراً واقعاً وفاقعاً، وعلم بني إسرائيل يرفرف، شامخاً وعالياً، وبفضل من الله وبركاته، وبالقرب من مآذن ومساجد شيوخ ورموز الصحوة المباركة، الذين لا يأتون على ذكر ذلك أبداً، في خطبهم وعظاتهم. والوفود الرسمية والشخصيات الإسرائيلية "المرموقة"، ومجرمو الحرب الصهاينة هم ضيوف أعزاء ومدللون في المنظومة المشيخية ويحظون باحترام وتقدير كبيرين من شيوخها طويلي العمر الأكارم. هذا التساهل والتوادد و"التراحم" مع اليهود والكفار والصليبيين والمشركين ، وكله حسب الخطاب المشيخي، جعل الموساد يدخل على خط هذه العلاقات، شعبياً، ورسمياً، عبر سبل شتى كالوفود والشركات التجارية والمجموعات السياحية والنشاطات الأخرى متعددة الأنواع والأشكال، ويتيح له دراسة المنطقة عن كثب والإبحار في تفاصيلها، ومن دون الخوف من أية مساءلة أو استجواب فهو محم بالجوازات الغربية "المميزة، والمعفية، استعداداً للقيام بأية عملية استخباراتية أو أمنية، وصارت بعض مدن الملح بؤراً وتجمعاً للموساد لممارسة نشاطاته، والانخراط غير المشروط في قلب الحياة العامة هناك، لجمع ما يتيسر من معلومات ومعطيات عن الأنظمة والشخصيات والأحزاب والهيئات، والتحرك بفعالية وانسيابية وسرعة ملحوظة وتحديد أدق الأهداف والتعامل معها وفق ما هو مطلوب ومحدد. وليس من المبالغة القول، أن المنظومة المشيخية مخترقة أمنياً ومكشوفة كلياً، وعلى أعلى المستويات، أمام أجهزة الاستخبارات الغربية، وتـُعرف أدق تفاصيل حياتها اليومية، من خلال طبقة كبار المستشارين والخبراء الغربيين المتغلغلين في شتى المجالات، والمتواجدين بكثافة في أدق المفاصل الحكومية وأكثرها حساسية في المنظومة المشيخية، ومنهم من لديه جنسيات مزوجة أحدها الإسرائيلية وتكون غالياً غير معلنة، ولا يخفى البتة، علاقة هؤلاء بمراجع أمنية وأجهزة استخباراتية في بلدانهم، وتزويدها بكل ما يلزم من معلومات ومعطيات تساهم كلها في سرعة ودقة إتمام أية عملية، ولاسيما كتلك التي حصلت يوم 20/1/ 2010 بحق القيادي لفلسطيني في حركة حماس محمود البحبوح، الذي تقول الأخبار أنه تم استدرجه عبر عملية أمنية دقيقة ومحسوبة للغاية إلى إحدى المشيخات الخليجية، وتم اصطياده هناك بسرعة، ودقة عالية، أذهلت وفاجأت الجهاز الأمني المشيخي في تلك الإمارة، وأحرجته، ولذا لم يعلن عن العملية إلا بعد وقوعها بأيام، وبحيث لم يستطع مطاردة وتتبع المنفذين الذين انطلقوا على متن أول طيارة، وأوكل أمر تنفيذ القبض عليهم للإنتربول الدولي أي عملية "تمويت" رسمية للعملية ونفض اليد منها، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول القضية. فما هي إلا سويعات قليلة ما بين وصول القيادي الحمساوي، وما بين تنفيذ العملية بمهنية ودقة وسرية عالية المستوى، ما يلقي الضوء على المدى، والإمكانية، والمستوى العالي من سرعة التحرك والانسيابية وتأمين التسهيل اللوجستي الذي وصل إليه جهاز الموساد الإسرائيلي هناك، ما يمكنه من تنفيذ أدق العمليات الأمنية والسرية وبأقصى سرعة ممكنة.
إن الافتقار للكادر المحلي المؤهل هو المعضلة الأولى التي تواجه هذه المشيخات التي تعاني نقصاً خطيراً وخللاً في الميزان الديموغرافي المائل دائماً لصالح الوافد والمهاجر الأجنبي، ما يجعل الاعتماد على العنصر الأجنبي أمراً لا مفر منه، وهذا ما يفتح الباب لاختراقات أمنية وعلى مستويات عدة ومتعددة، وفي وزارات ومفاصل سيادية، عليا، ومن المفترض، من وجهة نظر أمنية، أن تكون مغلقة ومحدودة على عامل بشري محلي "مفلتر" وموثوق، وعلى نحو دقيق، ومدروس "أمنياً"، من مختلف الجوانب.
وجود الموساد الإسرائيلي، وتغلغله، في مفاصل المنظومة المشيخية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وتجارياً، لم يعد أمراً سرياً، ولا قضية عابرة يمكن تجاوزها أو القفز من فوقها، لاسيما أن الأمر بات يتعلق بأمن المنطقة والإقليم برمته، وشخصيات بارزة ترسم وتحدد سياساته كما بالنسبة للاستراتيجيات والرؤى المعدة له، ما بات من الضروري العد للعشرة قبل التفكير بالذهاب إلى هناك من قبل أية شخصية ذات وضع قيادي خاص، ومع الأخذ بالاعتبار، أيضاً، الاستحقاقات "الأمنية والعسكرية والاستراتيجية" الكبرى التي تنتظر المنطقة مع تطور البرنامج النووي الإيراني، ووصوله إلى مراحل متقدمة قال فيها نجاد، وتخمينياً، أنه بصدد الإعلان عن إنجاز عسكري هام في الأيام المقبلة، الأمر الذي دعا على لاريجاني، للتعبير عن هذا الواقع المؤرق، وبشكل علني، وفي تصريحات غير مسبوقة عبر توجيه تهديدات غير مسبوقة ومن قلب عاصمة مشيخية ضد هذه المنظومة بعد أن بلغ التغلغل الموسادي، والتوطؤ المشيخي ضد شعوب ومصالح دول المنطقة، حداً لا يطاق. (انتهى).
وها هو أحد التقارير، من جملة تقارير متوفرة بكثرة حول الموضوع، والذي نشرته هاآرتس، في 19/9/2008 عن جانب، ربما هو رأس جبل الجليد الظاهر، من التغلغل الموسادي في النظام المشيخي:
هآرتس: مسؤولون سابقون في "الشاباك" و"الموساد" ينشطون في عدد من دول الخليج
نشرت صحيفة "هآرتس" في عددها الصادر اليوم الخميس، تقريراً يشير إلى أن العشرات من كبار الضباط السابقين، وعدداً كبيراً من كبار المسؤولين السابقين في جهازي "الشاباك" و"الموساد" الإسرائيليين ينشطون، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، في عدد من دول الخليج، التي لها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، وذلك ضمن شركات أجنبية مختصة بالمجال الأمني.
ويشير التقرير إلى أن الإسرائيليين يقومون بنشاطات أمنية واسعة النطاق، تصل قيمتها إلى عشرات ملايين الدولارات، وتتركز في تقديم إرشادات بشأن تفعيل أنظمة أسلحة متطورة، وعتاد استخباري، وتدريب المحليين على العمل على حماية الحدود وعلى إحباط عمليات مثل احتجاز رهائن أو انقلابات أو محاولات لاحتلال أهداف إستراتيجية، مثل المنشآت النفطية.
كما يتناول التقرير عدداً من الأسماء البارزة في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والتي تأخذ دوراً في هذا المجال، مثل غيورا آيلاند الرئيس السابق للمجلس للأمن القومي، والجنرال دورون ألمو، بالإضافة إلى عدد من الشركات التي تعمل تحت إشراف وزارة الأمن الإسرائيلية مثل "رفائيل- السلطة لتطوير الوسائل القتالية"، وكذلك شركة الصناعات الجوية.
وكتبت الصحيفة أن الشركة الدولية AGT السويسرية، التي أسسها ويديرها رجل الأعمال الإسرائيلي الأمريكي، ماتي كوخافي، فازت بعقد تصل قيمته إلى مئات ملايين الدولارات لبناء مشروع تابع للأمن الداخلي في إحدى إمارات الخليج، وأن نشرة "الزاوية" للشؤون الاقتصادية في الشرق الأوسط، والتي تصدر في الخليج قد نشرت ذلك في آذار/مارس الماضي.
وجاء في النشرة أن شركة AGT (آسيا غلوبال تكنولوجيز) قد فازت بعقود من الحكومة في تلك الإمارة.
وبحسب النشرة أيضا فإن هذه العقود هي لجيش الإمارة، وتتصل بما يسمى "أمن الوطن Homeland Security"، وتهدف إلى الدفاع عن الحدود والمنشآت الإستراتيجية في البحر (حقول النفط). ويعتبر "أمن الوطن" مجالا لعدد من الأجهزة يتم دمجها في الحراسة والاستخبارات والدفاع، ويشتمل على أنظمة مراقبة وتحكم.
ويشير النبأ في النشرة المذكورة إلى غاري لينش، الذي يوصف كمندوب للشركة، إلا أنه في نشرة أخرى سابقة، في العام 2007، يعرف ماتي كوخافي "الإسرائيلي الأمريكي" كمؤسس ومدير عام للشركة.
كما تشير النشرة ذاتها إلى أن كوخافي هو رئيس شركة "STG - سنتري تكنولوجي غروب"، وهي إحدى الشركات التي ازدهرت بسرعة في مجال الأمن في الولايات المتحدة، وكانت شريكة للصناعات الجوية الإسرائيلية في بيع المعلومات والعتاد والتكنولوجيا المخصصة لأمن المطارات في الولايات المتحدة ودول أخرى، بينها دول في الشرق الأوسط.
ونقل عن مصدر في الصناعات الأمنية قوله، قبل عدة شهور، إن تم وقف الشراكة مع كوخافي بسبب خلاف في الرأي، إلا أن شركة STG قامت قبل مدة بشراء عتاد بقيمة عشرات ملايين الدولارات من شركة إسرائيلية تدعى "نس تكنولوجيت"، وهي تعمل على تطوير أنظمة مراقبة وتحكم.
ومن جهته صرح قائد سلاح الجو الإسرائيلي سابقا، إيتان بن إلياهو، الذي عمل في حينه في "سنتري" إنه ترك الشركة قبل عدة سنوات منذ أن بدأت تعمل خارج الولايات المتحدة.
ويؤكد التقرير على أن شركة كوخافي لا تزال تشغل عشرات الضباط من خريجي الجيش الإسرائيلي، الذين استقالوا من الجيش، بالإضافة إلى كبار المسؤولين السابقين في الصناعات الجوية وفي جهازي الشاباك والموساد.
ونقل عن ناطق بلسان كوخافي قوله إن كافة عمليات الشركة تعمل بتنسيق وبتوجيه من قبل وزارة الأمن بكافة أقسامها.
وكوخافي هو إسرائيلي، انتقل للسكن في الولايات المتحدة، وجمع ثروته من مجال العقارات. وفي السنوات الأخيرة، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر دخل مجال "هوملاند سيكوريتي"، وأقام علاقات مع أجهزة الأمن في إسرائيل، وبدأ بتشغيل كبار المسؤولين السابقين. وقبل عدة سنوات تعهد بإقامة جامعة راقية في النقب على الحدود بين إسرائيل والأردن، وذلك بهدف الدفع بعلاقات السلام بين البلدين، إلا أنه لم يحصل أي تقدم في هذا المشروع.
ويشير التقرير إلى أنه في الواقع يوجد أكثر من 10 شركات إسرائيلية، بينها "رادوم"، التي تقوم بتركيب عدد من الأنظمة في الطائرات، والتي يترأسها جنرال الاحتياط ورئيس المجلس للأمن القومي سابقا، غيورا آيلاند، وكذلك الشركة لإنتاج طائرات بدون طيار (التي يعمل شريكا فيها جنرال الاحتياط دورون ألموغ)، وشركة "إيميت"، وكذلك الصناعات الجوية و"رفائيل- سلطة تطوير الوسائل القتالية" وهي تتبع لوزارة الأمن.. كل هذه الشركات ضاعفت من نشاطها في السنوات الأخيرة في الدول العربية والإسلامية، مع الإشارة إلى أن بعض هذه الدول لا تقيم أية علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
وجاء في التقرير أنه في إطار هذه المشاريع يجري الإسرائيليون نشاطات أمنية واسعة النطاق تصل إلى أكثر من مائة مليون دولار.
وفي إطارها يتم تقديم إرشادات بشأن تفعيل أنظمة أسلحة متطورة، وعتاد استخباري، وتدريب المحليين على العمل على إحباط عمليات مثل احتجاز رهائن أو انقلابات أو محاولات لاحتلال أهداف إستراتيجية. ويعمل في إطار هذه المشاريع عناصر سابقون من الموساد والشاباك والجيش.
وبحسب معد التقرير فإن هذه النشاطات الواسعة النطاق تثير الاستغراب. ففي الأسبوع الماضي وجهت الأجهزة الأمنية وما يسمى بـ"الهيئة لمكافحة الإرهاب" تحذيرات لكبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية؛ الجيش والشاباك والموساد، بعدم زيارة دول عربية معينة خشية أن يكونوا أهدافا لعمليات اختطاف من قبل عناصر حزب الله والاستخبارات الإيرانية.
وكان من بين من وجهت لهم التحذيرات جنرال احتياط، منعت الرقابة العسكرية نشر تفاصيله. وادعى الجنرال المذكور أنه لم يقم بزيارة أية دولة عربية أشير إليها. وبحسبه فإنه لم يتلق أية تحذيرات، كما أن مسؤولين كبار في الأجهزة الأمنية أو ممن لهم علاقة معها، ويعملون معه في نفس الشركة، لم يتلقوا أية تحذيرات.
ويضيف أن هذا النشر يبرز التناقض الذي تعمل به الأجهزة الأمنية، فمن جهة تعمل على "تشجع الصناعات الأمنية لتصدير العتاد الأمني والسلاح الإسرائيلي إلى دول عربية، وخاصة تلك التي لها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، والتي من الممكن أن تجد نفسها مهددة من قبل إيران". ويتابع أنه من أجل زيادة حجم التصدير يتطلب من الشركات إقامة علاقات وإرسال مندوبين إلى تلك الدول.
(إلى هنا ينتهي تقرير الهاآرتس وتعني الأرض باللغة العبرية- الكاتب).
المصدر
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=566&aid=201634