منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 6 من 6

العرض المتطور

  1. #1

    إنحياز - قصة قصيرة : نزار ب. الزين

    إنحياز
    قصة قصيرة : نزار ب. الزين*
    *****
    إذا كنت تظن يا صديقي أن الصغار لا يحبون فأنت مخطئ ...
    إنهم يحبون ، و يتعلقون بحبال الهوى ، و يجربون لواعج العشق و أوجاعه ، يبهجهم اللقاء ، و يعذبهم الفراق ؛ تماما كما يعاني العشاق الراشدون .
    كنت في الرابعة ، عندما دعيت ربيعة لتلعب معي فاستجابت ، كنت يومئذ فوق سطح منزلي ، و كانت فوق سطح منزلها ، و لا يفصل بين السطحين سوى حاجز خشبي بارتفاع يتجاوز المتر الواحد بقليل ؛ سمعت والدتها تحذرها من الاقتراب من السور المطل على الشارع ، فاستبد بي الفضول ، جررت كرسيا و بمشقة كبرى تمكنت من إلصاقه بالحاجز ، صعدت على الكرسي ، أطليت برأسي ، فشاهدتها تفترش الأرض و بين يديها الصغيرتين لعبتها المصنوعة يدويا من القماش .
    * ما اسمك ؟
    ** اسمي ربيعة ، و أنت ؟
    ·أنا نصوح ، تعالي لنلعب معا !
    ** سأسأل أمي ..
    و منذ ذك اليوم لم نعد لنفترق ، و كنا سببا لتعارف والدتينا اللتين لم تعودا تفترقان كذلك ..
    و ذات يوم وقفت على الشرفة ، ناديتها – كعادتي - فلم تجب ...
    رفعت صوتي أكثر ..صرخت .. و لم تجب ..
    مددت رأسي إلى أقصى ما أستطيع ، فكان باب شرفة بيتها مغلقا و كذلك جميع نوافذ بيتها ..
    ربيعة .!..!.. صرخت مجددا ، سمعتني أمي ، فجاءني صوتها بعيدا ، فقد كانت لاهية بالعناية بذلك الشيء الذي أسموه شقيقتي ، و التي أنجبتها لتسليني كما ادعت ؛ صرخت بشيء من الغضب : " سد حلقك يا ولد .. صوتك مثل الجرس رن في الحارة ، مؤكد سمعه كل من فيها ، ربيعة و أهلها مسافرون ، يا ولد ! "
    صدقني أنني شعرت – أنا ابن الرابعة – أن الأرض مادت بي ،
    صدقني أنني دخلت إلى فراشي و رفعت الغطاء فوق رأسي و أجهشت بالبكاء ..
    بربك أليس هذا عشقا ؟
    كان غيابها طويلا ، ربما أكثر من شهر ، كابدت خلاله الأمرين ، شعرت بنفسي كالتائه ، صدقني ، لم أعد أشتهي الطعام ، لم أعد أهنأ بالنوم ، أخذت الكوابيس تنتابني و ترعبني ...
    و ذات ليلة ، صحوت و أنا اصرخ رعبا ، فنهض والداي مذعورين و هرعا نحوي ، فأجبتهما : " ربيعة أكلها الضبع " و كم كانت مفاجأتي كبيرة ، عندما انفجرا معا ضاحكين ..
    *****
    كبرنا معا ، و دخلنا المدرسة الإبتدائية معا ، و لكن هي في مدرسة الإناث و أنا في مدرسة الذكور " ترى لماذا لسنا في مدرسة واحدة ؟ " كنت أتساءل دون أن أجد من يجيبني ؛ و لكن الأمر لم يختلف كثيرا ، فكانت غالبا ما تجمعنا الأمسيات ، فنكتب وظائفنا معا ، و نذاكر بعض الوقت ، ثم نبدأ باللعب ..تارة في بيتها و مرة في بيتي .
    كانت متعتنا الكبرى عندما نصنع خيمة من الملاءات و الأغطية ، و نملؤها بالعابنا و بما تواجد في الدار من حليوات أو مكسرات ، ثم نندس داخل الخيمة فرحين ، و كأننا قد بنينا بيتنا أو عشنا المشترك .
    و لم يكن ينغص متعتنا عندما نكون في بيت ربيعة ، سوى شقيقها الكبير فاروق ، كان كبيرا جدا أو هكذا كنت أراه ، كان فارع الطول مع سِمنة واضحة ؛ كان فاروق يقضي معظم وقت ما بعد المدرسة في الحارة ، و لكنه عندما يعود إلى البيت ، يبدأ بمعاكستنا ، و كثيرا ما كان يخرب خيمتنا ، أو يسرق سفرتنا من الحلويات أو المكسرات ، و إذا ما احتجت ربيعة كان يوسعها ضربا و بلا رحمة ، فستنجد بأمها ، إلا أن كانت تتجاهل استغاثاتها ، و إن تشددت قليلا كانت تعاتبه بميوعة واضحة : " حرام عليك يا فاروق ، اختك أصغر منك ترفق بها " ، و كم كنت أشعر بأن ما أشاهده ظلم مبين واقع على المسكينة ربيعة ، سواء من قبله أو قبل أمه .
    و ذات يوم صفع فاروق ربيعة فأدمى فمها ، و فجأة وجدت نفسي أندفع نحوه و أضربه بيدي الصغيرتين ، و كانت النتيجة ( قتلة مرتبة )* تعرضت لها ، وضع فيها كل قوته ، و خلفت في راسي نتوأين و في وجهي و يديَّ بقعا زرقاء و بنفسجية .
    عندما شاهدتني أمي على هذه الحال ، اندفعت إلى بيت ربيعة ، و لم أعلم ما جرى هناك ، لولا أني سمعت أمي و هي تحدث أبي عن الواقعة ، و أنها كادت تتشاجر مع أم فاروق ، التي كانت منحازة تماما لابنها ، و أنها متعجبة من هذا الأسلوب التربوي الفاشل .
    و منذ ذلك اليوم لم أعد أذهب إلى منزل ربيعة إلا عندما أتيقن من عدم وجود فاروق لفترة طويلة ، و لكنها لم تنقطع أبدا عن قدومها إلى منزلي ...
    *****
    و لكن .....
    عندما بلغنا الصف الخامس الإبتدائي ، و بدون سابق إنذار أو أية مقدمات ، منعونا من اللعب معا : " ربيعة كبرت يا نصوح ، و قد منعها أبوها من اللعب مع الصبيان !!! " قالت لي أمي ، فأجبتها بسذاجة : " و لكنها لا تلعب مع الصبيان ؟ لا تلعب إلا معي !! " فضحكت أمي و هي تجيبني بنبرة ساخرة : " ألستَ صبيا يا نصوح ؟ "
    صدقني أنني تعذبت ،
    صدقني شعرت بنفسي كالتائه ،
    صدقني ، لم أعد أشتهي الطعام ،
    لم أعد أهنأ بالنوم ، عادت الكوابيس تنتابني و ترعبني تماما كما أرعبتني عندما سافرت و أهلها ذلك الشهر المشؤوم...
    صدقني ، كانت صدمة جعلتني أتساءل : " و ما معنى أنها كبرت ؟ و ماذا لو كبرت ؟ فأنا ايضا كبرت ، و لم تقل لي أمي أن اللعب مع البنات ممنوع ، و هل ستقول لي أمي ذات يوم لا تلعب مع أختك لأنها بنت ؟ "
    أحجية خلطت الأوراق في دماغي الصغير ....
    و كان السؤال الملح يتضخم .." و ما الفرق بين الصبي و البنت ؟ "
    *****
    بيوتنا العتيقة كانت تُبنى من هياكل خشبية ملبسة بالطين ، فكان من السهل عليّ أن أسمع كل كلمة من محاورات جيراننا عندما يكونون في الغرفة المجاورة لغرفتي ، و كنت أميز بوضوح صوت ربيعة ؛ فأفرح و أحاول التقاط كل كلمة تتفوه بها ، حتى أصبح التنصت عليها عادة متأصلة .
    و لكنني كثيرا ما كنت أسمعها أيضا تتشاجر مع شقيقها فاروق ، لينتهي الشجار ببكائها الذي كان يقطع نياط قلبي ...
    كم تمنيت أن أندفع إلى نجدتها ، و كم تخيلت أن لدي من القوة ما يجعلني أهدم هذا الجدار لأقفز فوق ذلك العملاق الفظ ، فآخذ بثأري و ثأر ربيعة منه ..
    و ذات يوم ارتفعت أصوات استغاثات ربيعه فوق المعتاد ، فهرعت إلى والدتي ، و جررتها إلى غرفتي و أسمعتها استغاثات ربيعة و صراخها و ولولتها : " إفعلي شيئا يا أمي " رجوتها بعين دامعة ، فأجابتني مؤنبة : " و ما دخلنا نحن ؟ من تدخل في ما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه يا نصوح !.." و لكن فجأة تطور الأمر إلى منحى آخر ، أم ربيعة تصرخ : " من عملها فيك يا كلبة ، اعترفي و إلا ذبحتك بيدي هاتين ذبح النعاج .. من يا كلبة .. قولي .. انطقي " ؛ و يبدو أنها أخذت تضربها بشراسة ، فقد ارتفعت وتيرة استغاثاتها حتى بلغت عنان السماء .
    لم أفهم معنى العبارة ، و أخذ السؤال يطن في أذني " من عملها فيك يا كلبة ؟؟ " من عمل ؟ و ماذا عمل ؟
    والدتي التي كانت تؤنبني قبل قليل و تتهمني باستراق السمع و التجسس و التدخل بما لا يعنيني ، أخذت تصيخ السمع و قد بدا عليها التوتر الشديد ..
    " من يا كلبة ، احكي ..انطقي .. قولي ، هل هو نصوح ؟ "
    هنا ، التفتت أمي نحوي و حدجتني بنظرة حائرة لم أدرك مغزاها ، و نظرت إليها نظرة بلهاء و قبل أن أقسم لها أنني لم أفهم ما تعنيه ، قاطعتني مشيرة إليَّ أن أصمت ، كانت ربيعة في تلك اللحظة تعترف ، قالت بصوت مرتعش يقطعه النحيب : " حرام عليك ، نصوح لم أقابله أو أكلمه منذ أكثر من عام ، سأعترف و ليكن ما يكون ، إنه فاروق !!!! " .
    و ما أن سمعت أم فاروق اسم أثيرها ، حتى جن جنونها فانهالت على ربيعة ضربا من جديد و هي تصيح : " تتهمين أخاك يا كلبة ؟ تورطين أخاك الكبير يا مجرمة ؟ تريدين فضيحتنا يا بنت الحرام ؟ تبغين القضاء على مستقبل أخيك يا حقيرة ؟ و الله و بالله إن سمعتك ثانية تتهمين أخيك لما أبقيتك حية ساعة واحدة ! "
    و يبدو أنها انهالت عليها ضربا من جديد ..
    ثم ...
    سمعناها تصيح : " إلى أين أنت ذاهبة يا كلبة ؟ إرجعي في الحال .."
    ثم ....
    سمعناها و قد ابتعد صوتها ، و هي لا تزال تهدد و تتوعد ربيعة ..
    ثم .....
    سمعناها ، تولول ، و صوتها آتٍ من ناحية الشرفة ..
    ثم ......
    هرعنا نحو الشرفة ، و يا لهول ما رأينا :
    جسد ربيعة مسجى جثة هامدة على رصيف الطريق .
    ----------------------------
    سوري مغترب
    عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
    الموقع : www.FreeArabi.com
    ----------------------------

  2. #2
    السلام عليكم اديبنا العزيز ومرحبا بجديدك دوما
    أراها ريح رواية قادمة لنا بقوة....
    لعامل الزمن الممتد فيها..
    لكنه تفتح تساؤلات كثيرة..ويسعدنا ان نراها بعد حين رواية مكتملة الفصول
    كل التقدير
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم اديبنا العزيز ومرحبا بجديدك دوما
    أراها ريح رواية قادمة لنا بقوة....
    لعامل الزمن الممتد فيها..
    لكنه تفتح تساؤلات كثيرة..ويسعدنا ان نراها بعد حين رواية مكتملة الفصول
    كل التقدير
    *********
    أختي الفاضلة أم فراس
    الشكر الجزيل لإعجابك بالقصة
    و ألف شكر لاقتراحك البناء
    بتحويلها إلى رواية

    و سأعمل على ذلك
    حيثما تسنح لي الفرصة

    فمجلة "العربي الحر"
    تستهلك جل وقتي

    و على الخير دوما نلتقي

    معا لنرتقي

    نزار

  4. #4
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم اديبنا العزيز ومرحبا بجديدك دوما
    أراها ريح رواية قادمة لنا بقوة....
    لعامل الزمن الممتد فيها..
    لكنه تفتح تساؤلات كثيرة..ويسعدنا ان نراها بعد حين رواية مكتملة الفصول
    كل التقدير
    ******
    أختي الفاضلة أم فراس

    الشكر الجزيل لإعجابك بالقصة

    و ألف شكر لاقتراحك البناء

    بتحويلها إلى رواية

    و سأعمل على ذلك حيثما تسنح لي فرصة

    فمجلة "العربي الحر" تستهلك جل وقتي

    و على الخير دوما نلتقي

    معا لنرتقي

    نزار

  5. #5
    سيدي الفاضل قصة رائعة جدا جدا جدا والحقيقة نهايتها مفجعة ومفاجأة تعيسة جدا ،نجحت في تصوير واقع رائع بعيون طفل صغير فكأننا نعيش معك ونسمع صوت دقات قلب ذلك الطفل وبكينا معه على ربيعة ..والحقيقة تلك القضية هامة جدا ..وتعقد لها مؤتمرات عديدة ويقع ضحيتها العديد من الأطفال والمجرم الرئيسي هنا للأسف الشديد هو الأم التي من المفروض ان تكون حامية لتلك الطفلة البريئة وشقيقها الجاهل ,,, دمت بخير سيدي ,, وجعل قصتك هذه في ميزان حسناتك ..لأنها تضيء شمعة بدل ان تلعن الظلام .

  6. #6
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الهام بدوي مشاهدة المشاركة
    سيدي الفاضل قصة رائعة جدا جدا جدا والحقيقة نهايتها مفجعة ومفاجأة تعيسة جدا ،نجحت في تصوير واقع رائع بعيون طفل صغير فكأننا نعيش معك ونسمع صوت دقات قلب ذلك الطفل وبكينا معه على ربيعة ..والحقيقة تلك القضية هامة جدا ..وتعقد لها مؤتمرات عديدة ويقع ضحيتها العديد من الأطفال والمجرم الرئيسي هنا للأسف الشديد هو الأم التي من المفروض ان تكون حامية لتلك الطفلة البريئة وشقيقها الجاهل ,,, دمت بخير سيدي ,, وجعل قصتك هذه في ميزان حسناتك ..لأنها تضيء شمعة بدل ان تلعن الظلام .
    ********
    أختي الفاضلة إلهام
    مشكلة استغلال الأطفال و الإعتداء عليهم
    لا تلقى الإهتمام الكافي –كما تفضلت- من قبل المربين
    سواء في البيت أو المدرسة
    أو وسائل الإعلام
    و كما نوهتِ أيضا فإن المجرم الحقيقي
    في هذه القصة
    هو "أم فاروق"
    لانحيازها الأعمى
    إلى جانب ابنها
    رغم عدوانيته المبكرة
    ***

    أختي الكريمة
    زيارتك أضفت على نقاش النص حيوية و بهاء
    أما إعجابك بأسلوبها
    فهو وسام
    سأعتز به على الدوام

    و أما دعؤك الطيِّب
    فقد أثلج صدري

    فلك الشكر و الود ، بلا حد

    نزار

المواضيع المتشابهه

  1. اعذرني أرجوك - قصة قصيرة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-11-2012, 11:26 PM
  2. عبد الله - رواية قصيرة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 11-02-2010, 07:28 PM
  3. هل يجدي الندم . قصة قصيرة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 10-13-2010, 11:52 PM
  4. الغدير - رواية قصيرة - نزار ب. الزين
    بواسطة نزار ب. الزين في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 05-18-2008, 03:23 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •