نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي








الفلسطينية الراحلة سميرة عزام أديبة مبدعة وشاعرية متوارية
سميرة عزام صوت متفرد في مسيرة القصة القصيرة العربية التي بدأت بأليس بطرس البستاني وزينب فواز ولبيبة هاشم ومريانا مراش، ولمعت في سمائها مي زيادة ووداد السكاكيني وإلفت الإدلبي وعائشة عبد الرحمن وسهير القلماوي وصوفي عبد الله، واكتمل نتاجها الأنيق علــى أيـــدي كوليت الخوري وغادة السمان وسلمى الحفار الكزبري وسلمـــى الصايغ وليلى بعلبكي وحنان ا...لشيخ وإميلي نصر الله وديـــزي الأمير وآسيا جبار وغيرهن كثيرات. لم تعش سميرة عزام طويلاً كي تنتزع لنفسها المكانة التي تستحقها في تاريخ الأدب العربي الحديث، لكنها، في أي حال، تمكنت من أن تحفر لاسمها علامة وضاءة في ذلك الفضاء الإبداعي، وكانت حقاً رائدة القصة القصيرة في فلسطين.


******

كانت القصص القصيرة التي كتبتها النساء في خمسينيات القرن العشرين، وحتى في حقبة الستينيات، كأنها منسوجة على نول واحد، فلم تتجاوز مضامينها قضايا العشق ومشكلات الأسرة والكلام على الرجال والزواج والأطفال، وتصوير المغامرات العاطفية ولوعة الحب وحسرة الغياب والغرام الفاشل... إلخ. غير أن سميرة عزام انفردت عن هذا المسار التقليدي، وراحت تنتقي أشخاصها من قاع المجتمع وسطحه، ووجدت في حياة الآخرين مجالاً رحباً لصوغ قصصها، فتناولت مسالك الناس بأنماطهم المختلفة ونزعاتهم الفردية وتمزقاتهم الوجودية، كالمرأة الأرملة التي تترك ابنها الوحيد لتتزوج ثانية، والفلسطيني الذي يبيع كل ما يملك في سبيل الحصول على هوية لبنانية ثم يكتشف أن هذه الهوية مزورة، والخادمة التي تسرق الأحذية لابنتها ذات القدم الواحدة. وفي هذا السياق لم تصدر سميرة عزام أي أحكام خلقية، ولم تُدن مثل هذه الشخصيات، بل كانت تدين الأحوال.


******

ولدت سميرة عزام في 13/9/1927 لعائلة معروفة في مدينة عكا. وثمة ريبة تسربل تاريخ ميلادها، إذ يعتقد أنها ولدت قبل ذلك، وربما ولدت في سنة 1925. ومهما يكن الأمر، فقد بدأت سميرة عزام رحلة الكتابة في جريدة «فلسطين»، وكانت توقع مقالاتها باسم «فتاة الساحل». وبعد نزوحها إلى لبنان في سنة 1948، اقامت مع عائلتها في بلدة فالوغا، ثم انتقلت إلى بيروت، وهناك قرأت إعلاناً في إحدى الصحف عن حاجة العراق إلى معلمات، فتقدمت بطلب لهذه الوظيفة فقُبلت، ثم غادرت إلى العراق حيث التحقت بمدرسة الإناث في مدينة الحلة، وبقيت هناك سنتين عادت بعدها إلى لبنان.
في سنة 1952 التحقت بإذاعة الشرق الأدنى في قبرص مذيعة وكاتبة برنامج «ركن المرأة». وعندما انتقل بعض مكاتب الإذاعة إلى بيروت في سنة 1954 انتقلت معها وصارت مسؤولة عن برنامج يومي بعنوان «مع الصباح». وفي عام 1956، بعدما توقفت إذاعة الشرق الأدنى في أثر العـــدوان الثلاثـــي على مــصر، حصلت على عقد للعمل في إذاعة بغداد. لكنها لم تستمر في عملها الجديد أكثر من ثمانية أشهر، استقالت بعدها وعادت إلى بيروت. وفي أثناء إقامتها في بغداد تعرفت إلى شاب من الناصرة يقيم في العاصمة العراقية يدعى أديب يوســــف حُسن وارتبطت به. وقد جرى زواجهما عشية الميلاد سنة 1959 في بيروت وعادا معاً إلى العراق لتعمل مجدداً في برنامج يومي إذاعي هو «ركن المرأة»، ولكن في إذاعة الجمهورية هذه المرة بعد أن أطاح عبد الكريم قاسم الملكية العراقية في 1٤/7/1958. غير أن النظام الجديد لم يلبث أن أبعدها وزوجها إلى بيروت بتهمة الناصرية والعداء لنظام الزعيم عبد الكريم قاسم. وفي أثناء إقامتها في بغداد كتبت في صحيفة «الشعب» العراقية التي كان بدر شاكر السياب ينشر فيها قصائده.


******

بعد عودتها من العراق إلى بيروت عملت معلمة في الكلية العاملية لعدة أشهر، ثم لم تلبث أن التحقت بمؤسسة فرانكلين للترجمة والنشر في بيروت، وكانت تكتب في مجلة «صوت المرأة»، ومجلة «دنيا المرأة». وفي هذه الأثناء أصدرت أربع مجموعات قصصية وترجمت أكثر من عشرة كتب، فضلاً عن عدد كبير من المقالات والبرامج. وفي الوقت نفسه كانت إحدى ناشطات «لجان السيدات العربيات» التي تألفت في بيروت في أعقاب حرب 5 حزيران 1967 لجمع التبرعات للنازحين، كما كانت من أوائل اللواتي ساعدن في انطلاقة الإذاعة الفلسطينية. وفي 8/8/1967، بعد شهرين على حرب حزيران، بينما كانت في طريقها إلى عمان، وعند وصول السيارة إلى مكان قريب من مدينة جرش، تعرضت لأزمة قلبية صاعقة توفيت في إثرها. وأعيد جثمانها إلى بيروت لتدفن في مقبرة البروتستانت في رأس النبع يوم 9/8/1967.




حياة قصيرة وإبداع لافت

- وُلدت في عكا في سنة 1927.
- والدها: قيصر عزام، ووالدتها أولمبي البوري.
- درست المرحلة الابتدائية في عكا، والمرحلة الثانوية في مدرسة الراهبات في حيفا.
- بدأت التعليم وهي في السادسة عشرة.
- بدأت الكتابة في جريدة «فلسطين» وكانت توقع مقالاتها باسم «فتاة الساحل».
- لجأت مــع عائلــتها إلــى لبــنان في ســنة 1948.
- سافرت إلى العراق للعمل في مدرسة الإناث بمدينة الحلة.
- عملت في الميدان الإذاعي في إذاعة الشرق الأدنى في قبرص ثم في بيروت، وكذلك في إذاعة بغداد.
- عادت إلى لبنان مـن العــراق بعد ثورة تموز 1958 التي أطاحت الملكية، وعملت في حقل الصــحافة والترجمة.
- أبرز ترجماتها: كانديدا (برنارد شو، 1955)، ريح الشرق وريح الغرب (بيرل بك، 1958)، حين فقدنا الرضا (جون شتاينبك، 1962)، عصر البراءة (أديث آرثون، 1963).
- مؤلفاتها القصــصية: أشـــياء صغيرة (1954)، الظل الكبير (1956)، قصص أخرى (1960)، الساعة والإنسان (1963)، العيد من الــنافذة الغربــية (1971)، أصداء (19٩7)؛ والمجموعة الأخـــيرة نُـــشرت بــعد ثلاثين سنة على وفاتها .

******
وجدت سميرة عزام في حياة الآخرين مقلعاً غنياً لقصصها، لكنها لم تجد في حياتها نبعاً تستقي منه ما تعطشت إليه. كانت قلقة جداً وساخرة ومتهكمة. ومن غير المعروف، تماماً، مبعث هذا التهكم وشيوع تلك السخرية في نصوصها. ألأنها ولدت وفي رجلها اليسرى بعض القِصَر؟ أم لأنها لم تُرزق أطفالاً؟ أم غير ذلك؟ وفي أي حال، جنحت قصصها إلى الرومانسية القريبة من الواقعية، وافتقدت ذلك الصخب الداخلي، وافتقرت إلى ذلك التمزق الذي يعصف بامرأة شرقية مثلها، فجاءت نصوصها، على الرغم من رومانســـيتها، أقرب إلى الحوار الذاتي. أما طريقتها في السرد فكانت هادئة وبسيطة ومقتصدة مع أناقة في اللفظ واهتمام بمطالع القصص وخواتيمها، ولم تعتمد الحبكة والعقدة والتشويق، بل التصوير والتحليل. وربما استفادت من عملها في الإذاعة فتأثرت بطريقة إعداد النصوص فجاءت قصصها رشيقة وممتعة في آن، تقصد المنطق في تقرير مصائر شخصياتها.


******

في مجموعة «أصداء» التي نشرت بعد ثلاثين سنة على وفاتها، عثرتُ على نص شعري يتيم عنوانه «عفواً أيتها الأجراس» كتبته سميرة عزام في 7/1/1948، أي بعد سنة واحدة من ظهور قصيدة «الكوليرا» لنازك الملائكة، وفي السنة التالية لصدور ديوان بدر شاكر السياب «أزهار ذابلة». وكان نقاد الشعر العربي يعتبرون قصيدة «الكوليرا» وديوان «أزهار ذابلة» نقطة الانطلاقة لحركة التجديد في الشعر العربي الحديث. ولعل في الإمكان القول إن هذا النص الشعري اليتيم لسميرة عزام يشير إلى موهبة متوارية، ويومض بشاعرية مختفية طمرها ركام الأيام، وقتلت حوادث الزمان فيها رونق الحياة، وغيّضت فيها رحيق الشعر، ومع ذلك تمكنت سميرة عزام من أن تخلّف لنا إرثاً إبداعياً مدهشاً وفريداً وجميلاً.