دمشق فترة السلطان عبد الحميد الثاني

[أسامه الحموي]

نزيه شيخ السروجية
غيض من فيض :
بين يدي الآن كتاب :
**دمشق فترة السلطان عبد الحميد الثاني 1293/ 1325 هجري ــ1876/1908 م **
تأليف الدكتورة ماري دكران سركو
(( سنتحدث عن الأمتيازات والحمايات والبرءات الممنوحة للرعايا الأجانب التي اعطتها السفارات لهم وخاصة يهود الغرب اللذين ارسلو وكلائهم الى الشام يشترون الأراضي ويقرضون المأزومين بالربا الفاحش ثم الأستيلاء على اراضيهم الى وكلائهم (روتشلد ودارزائيلي وغيرهم)) .
لم يكن من ضمن اهتمام الطبقة الناشئة في مدينة دمشق، إنشاء قاعدة اقتصادية متينة ثابتة، وإنما إقامة مشاريع سريعة الربح. وهذه المجموعة هي التي استمرت فيما بعد تحكم المنطقة العربية المشرقية. وعادة ما يكون صاحب المؤسسة تاجراً ومرابياً في الوقت ذاته؛ لذلك برزت وقويت في تلك الفترة، الطبقة التجارية الدمشقية، وازدادت أهميتها مقارنة مع أولئك التجار الذين خدموا بقوة التبادل التجاري بين أوروبا ومدينة دمشق، وتعزَّزت مواقعهم بمقدار صلتهم بالرأسمال الأجنبي. وقد ذكرت الوثائق كثيراً من الأمثلة على ذلك:
وعمل هؤلاء وسطاء بين الصناعيين المحليين وتجار الجملة في المدينة. وقد استغل الأوضاع عدد من اليهود، أصحاب مؤسسات التجارة والربا، وأثبتوا وجودهم في الأسواق، كشركاء، للحصول على الامتيازات، مثل امتيازات بناء الخطوط الحديدية وغيرها.
لذلك توجَّه المرابون والصرافون اليهود لاستغلال الضائقة المالية عند عامة الناس، فأقرضوهم بفوائد كبيرة. وعند موعد تسديد الدين، كانت الفائدة تعادل رأس المال. وإذا لم يدفع (الفلاح – العامل) يقوم الصراف بإلقاء الحجـز على ما يملك المديون، إن كان قطعة أرض يعيش منها أو عقاراً يسكنه. وقد ورد في الوثائق أسماء عدة صيارفة تكررت دعواتهم على الذين استدانوا منهم من أهل دمشق. وقد لعبوا دوراً خطراً في تلك المرحلة، وانتقلت إليهم نتيجة ذلك، كثير من أراضي الغوطة وعقارات ومساكن ودور مدينة دمشق مثل: نسيم وهارون عبادة، ومايرشويلا، وفارحي”. وقد تحسنت أحوال الصيارفة الذين كان غالبيتهم من اليهود أولاً، ثم من المسيحيين فيما بعد”. وانتقل إليهم كثير من العقارات والمساحات الواسعة من الأراضي الزراعية خاصة لليهود منهم. وقد تملّكوا قرى بكاملها مثل قرية زبدين وبالا وحديثة والمحمدية ( كما ذكر كرد علي). ولعبت المرأة اليهودية الدمشقية دوراً مشابهاً حيث مارست عمليات عقد الديون في مدينة دمشق وريفها. ففي إحدى الوثائق نقرأ مايلي:
“ادعت استير بنت شمعون من أهالي الشام، على محمد بن عبده من أهالي قرية دوما، بسبب دين (1725 قرشاً) بموجب سند للأمر مع الفائدة. وهي نفسها وضعت المال عند الصراف يوسف فارحي اليهودي الدمشقي، من تبعة دولة اتياليا، لتشغيله مدة ستة أشهر متتابعة بالفائدة .
واحتمى هؤلاء الصرافون الذين شكَّلوا طبقة اجتماعية قوية وغنية في مدينة دمشق، وكانوا عصب الحياة الاجتماعية والاقتصادية فيها، بالدول الأجنبية وقناصلها، من خلال حمل البراءة والتبعية لتلك الدول، ففي إحدى الوثائق نقرأ أن: “فارحي وهواري وشـركاهم صيارفة من تبعيـة دولة انكلترا وإيتاليا بالشام .
ونلاحظ من هذه الوثيقة أنهم شكَّلوا شركات صرافة. وذلك يدل على ازدهار هذه التجارة، نتيجة الفقر والضائقة المالية وعوز الناس للاستدانة في المدينة وريفها .
ورهن الناس ذوو الحاجة للمال، مجوهرات نسائهم، وهي غالية الثمن، مقابل الدين وإذا لم تَفِ أثمانها الدين، يدفع المديون الباقي مع الفائض .
وقد وجدنا الصرافين نسيم وهارون عبادة المقيمين في حارة اليهود بالشام، في الفترة الزمنية الواقعة بين عامي 1303 هـ – 1307 هـ / 1880 – 1890م/ أنه قد كانت لهما على أهالي دمشق وريفه، ديون فاحشة، مما دعا التجار إلى الاحتجاج على ذلك. وتنوعت صنعة الذين استدانوا منهم، فكانوا أصحاب أملاك، وزُرّاعاً من ريف دمشق وقراها مثل: كفر بطنا ، كفر العواميد ، سقبا ، سرغايا، سوق وادي بردى، حمورة . وقد وجدنا في الوثائق أنه قد صرح بمتن السند بالفوائد التي كانت سابقاً محرَّمة.
وهكذا انتقلت أراض من ريف دمشق لمثل هؤلاء اليهود في قرى الغوطة، وقرى وادي بردى. وإذا حاول المزارع المَدِين الاعتراض كان يخفق فقد عثرنا على اعتراضين على الأحكام الصادرة من المحكمة ضد صرّافيْنِ قد رُدا ونُفذ الحكم لصالحهما، لأن لمثلِ هؤلاء الصرافين اليهود، الكثير من الأساليب في الالتجاء والحماية وخاصة لقنصليات الدول الأجنبية في مدينة دمشق وغيرها من مدن سورية(بلاد الشام). والنتيجة تكون خسارة هؤلاء الفقراء الذين لا سند لهم سوى الله، أمام ضعف السلطنة، نتيجة الضغوط الأجنبية.
إنَّ الديون الموجودة في الوثائق والسجلات، هي جزء من ديون أكبر، وبفوائد تدفع دون الاضطرار لعرضها واللجوء إلى المحكمة، ولا ندري عنها شيئاً. وقد حاولنا قدر الإمكان، رصد مجموع الأموال (الديون) التي عرضت على المحكمة لتحصيلها للصرافيْن نسيم وعبادة المذكورين، في فترة خمس سنوات فكانت: 1124 ليرة فرنساوية، والليرة الفرنساوية تعادل 115.5غرشاً في تلك الفترة و195 ليرة عثمانية، والليرة العثمانية تعادل 100غرش([130]). و 33395 غرشاً.
وبملاحظة هذه المبالغ، نجد أنها وظّفَتْ في مجال الزراعة، وكانت لمدد مختلفة، وبفوائد نظامية(*) وغير نظامية.
وقد استدان من هذين الصرافين (نسيم وهارون عبادة) بالإضافة للزراع، تجار، وكتبة وأصحاب أملاك، حيث عانى أصحاب الأملاك من ضائقة مالية في تلك المرحلة، وكذلك موظفو الإدارة العثمانية، وحجزوا لهم مقابل الدين على قسم من المعاش، مع رهن على ما استطاعوا إليه سبيلاً، من أمتعة ومجوهرات.
وذكرت الوثائق عدداً غير قليل من الصرافين اليهود في تلك المرحلة في مدينة دمشق مثل: مايرشويلا، يوسف سقلي، وماير لزبونا .
((وهذة كانت اطماعهم في ريف دمشق واسيلائهم على قرى مع مزارعها ..ولولا تحولهم الى فلسطين وبيع املاكهم في ريف دمشق لكانت الأوضاع صعبة جداً وسنتحدث لاحقاً عن ذلك عند تحدثنا عن اليهود الدمشقيون ))

[أسامه الحموي]

نرجو من لديه الكتاب الكترونيا تزويدنا به لقراءته بتمعن .
وشكرا.