منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 15

العرض المتطور

  1. #1

    Arrow البحيرة - شعر لامارتين - ترجمة سعيد محمد الجندوبي

    البحيرة

    للشاعر الفرنسي لامارتين (1790-1869)
    نقلها إلى العربيّة سعيد محمد الجندوبي

    عندما كتب لامارتين "البحيرة"، كانت حبيبته جولي لا تزال على قيد الحياة، وإنّما أجبرها مرضها القاتل على ملازمة باريس. كان الشاعر إذًا وحيدا، في مكان لقائهما المفضّل، وكان مشهد "بحيرة البورجيه" يبعث في نفسه شعورا بالحنين، وكذلك صورا من ذكريات سعادته المهدّدة. وهذا ما حدى به للتعبير عن قلقه وخوفه أمام "هروب الزمن"، وكذلك عن رغبته الجامحة في تخليد حبّه، على الأقل بالذكرى. فالقصيدة إذًا مرتبطة بأحداث محدّدة. ومع هذا فلامارتين يتحدّث بلغة صادقة و موغلة في الإنسانيّة، بحيث غدت "البحيرة" قصيدة خالدة، تتناول مسألة قلق الإنسان أمام القدر، وكذلك شوقه لسعادة وحبّ سمتهما الدوام والخلود.


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    وتلك الأيّام، تلقي بنا دوما نحو سواحل جديدة،
    وفي الليل الأزلي تأخذنا بدون رجعة،
    فهل يمكننا يوما، على سطح محيط العصور
    حطّ الرحال ولو ليوم؟

    ألا يا بحيرة! ها هو العام قد ولّى،
    وقرب الأمواج التي نعشق والتي كانت من جديد سَتَراها،
    انظري! ها أنا اليوم جئت وحيدا، لأجلس على صخرة،
    طالما رأيتِها جالسة فوقها!

    كنتِ تعوين هكذا تحت هَذِي الصخور الغائرة؛
    هكذا كنتِ تتحطّمين على أجنبها الممزّقة؛
    هكذا كانت الريح تلقي بزبد موجاتك
    على ساقيها المحبوبتان.

    هل تذكرين ذات مساء؟ كان قاربنا يسير بصمت؛
    ولم يكن يصلنا من بعيد، فوق الموج وتحت السماوات،
    غير ضجّة المُجَدّفين، وهُم يقرعون بإيقاع،
    أمواجك المنسجمة.

    فجأة، لهجات تجهلها الأرض،
    من الساحل المفتون، ضَربتْ بالأصداء
    وأصغى الموج، ومن الصوت الذي أحبّه
    تناثرت الكلمات:

    "أيا دهر، رويدك! وأنتنّ، أيّتها الساعات المناسبات
    قفن !
    ولنهنأ بالملذّات السّرعَى
    للأجمل من أيّامنا!

    كُثْرٌ من هُم تعساء في هذي الأرض يستجدونك:
    تدفّقْ، تدفّقْ، لهم؛
    خذ مع أيّامهم مآسيهم التي باتت تنهشهم؛
    وانسَ السعداء.

    لكن، عبثا أسألك، من الزّمن المزيد
    يفلت الوقت منّي، ويفرّ؛
    أقول لهذه اللّيلة: "تمهّلي!"؛ فالفجر لا محالة
    سيبدّد الظلام.

    "فلنعشق إذًا! فلنعشق! ومن السّاعة الهاربة،
    فلنعجّل، ولننعم!
    ليس للإنسان مرفأ، ولا للزّمان ساحل؛
    فالزمان يجري، ونحن نمرّ!"

    ألا أيّها الدهر الحاسد، هل لساعات النشوة،
    عندما يسقينا الحب السعادة بدون حساب،
    أن تطير بعيدا عنّا، بسرعة
    أيّام الشّقاء؟

    ثمّ ماذا! هل لنا، على الأقلّ، تخليد أثرها؟
    ماذا! انقضت إلى الأبد؟ ماذا! ضاعت كلّ تلك الساعات؟
    هذا الدهر الّذي أوجدها، هذا الدّهر الّذي محاها،
    أفَلن يعيدها لنا من جديد؟

    أزل، عدم، ماض، لجج سحيقة،
    ماذا تراكم تفعلون بالأيّام التي قد ابتلعتُم؟
    تكلّموا! هل ستعيدون لنا تلك النّشَوَات العظيمة
    الّتي قد خطفتم؟

    أيا بحيرة! أيّتها الصّخور الصمّاء! أيّتها الكهوف! أيّتها الغابات الحالكات!
    أنتنّ يا من يحافظ عليكنّ الزمان، أو من قد يعيد لكنّ الشباب،
    احفظن من هذه اللّيلة، احفظي أيّتها الطبيعة الغنّاء،
    على الأقلّ، الذكرى!

    لِتكن في سكونكِ، لِتكن في عواصفكِ،
    أيّتها البحيرة الجميلة! وفي منظر تلاّتك الضاحكات،
    وفي صنوبركِ الدَّجِيّ، وفي صخرك المتوحّش،
    وهُم في تدلٍّ فوق مياهكِ!

    لِتكن في نسماتكِ المرتعشة وهيَ تمرُّ،
    في أصداء ضفافكِ... بضفافك المكرّرة،
    في النّجم ذو الجبين الفضّي يضيءُ سطحك
    بأنواره المسترخية!

    ولتقلِ الريح وهي تئنّ، والقصب المتنهّد،
    وعبق ريحك العطر، اللّطيف،
    وكلّ ما نسمع، ونرى، ونستنشق،
    ليقل كلّ شيء: " لقد أحبّا!"

  2. #2
    الحقيقه اشكرك جزيل الشكر لايرادك مختارات من شعر لامارتين كنت اتوق لقراءته بالعربيه
    اهلا بك
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    الحقيقه اشكرك جزيل الشكر لايرادك مختارات من شعر لامارتين كنت اتوق لقراءته بالعربيه
    اهلا بك

    الأخت الفاضلة الأديبة ريمه الخاني

    أعتزّ بمرورك العطر ويسعدني أن أقدّم لكِ وللقارئ العربي ترجمة الشعر الفرنسي ما قدرت على ذلك

    مع محبّتي

    سعيد محمد الجندوبي

  4. #4
    ترجمة رائعة لقصيدة البحيرة
    استمتعت كثيرا بالنص اخى الجميل / سعيد محمد الجندوبى
    أشكرك على هذه المختارة الرائعة من شعر لا مارتين
    خالص ودى

  5. #5
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمود الديدامونى مشاهدة المشاركة
    ترجمة رائعة لقصيدة البحيرة
    استمتعت كثيرا بالنص اخى الجميل / سعيد محمد الجندوبى
    أشكرك على هذه المختارة الرائعة من شعر لا مارتين
    خالص ودى

    أخي العزيز محمد الديداموني

    كيف حالك؟
    أشكرك على المرور وعلى كلماتك الحفزة لي

    مع محبّتي وتقديري

    سعيد مجمد الجندوبي

  6. #6

    ترجمة الزيات لقصيدة لامارتين: البحيرة

    دراسة بقلم أ. د. إبراهيم عوض
    كلية الآداب- جامعة عين شمس- القاهرة

    Ibrahim_awad9@yahoo.com
    http://awad.phpnet.us/
    http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9

    قصيدة "البحيرة" للامارتين
    ترجمة: أحمد حسن الزيات

    أهكذا قضى الله أن نمخر في عباب الحياة
    مدفوعين في ظلام الأبد من شاطئ إلى شاطئ،
    دون أن نملك الرجوع إلى ملجأ،
    أو الرسو ذات يوم على مرفأ؟


    ** ليس فى الأصل شىء عن قضاء الله، بل يتساءل الشاعر: أولن يستطيع هو وحبيبته أن يلقيا بمرساتهما ولو يوما واحدا فوق محيط الزمن؟ كذلك ليس فى القصيدة إشارة إلى أى ملجإ يرجعان إليه، بل الحديث عن دفع الحياة لهما على الدوام إلى شواطئ جديدة يحملهما الليل السرمدى دونما رجوع، أيا كان هذا الرجوع دون تعيين المكان الذى يرجعان إليه، وإن كان المقصود الإلحاح على الشعور بالألم جراء جريان الزمن وانقضاء كل شىء دون أمل فى عودة ما فات وانقضى من أوقات السعادة والهناء. وبالمثل لا يوجد فى القصيدة أى حديث عن المرافئ، بل كل ما هنالك هو تمنى الشاعر لو توقف الزمن به هو وحبيته بدلا من هذا الاندفاع الذى يحملهما حملا فوق أمواج الحياة ولا يعطيهما فرصة للتمهل والتقاط الأنفاس. فالمترجم إذن يعكس عقيدته الإسلامية حين يتحدث عن قضاء الله الذى لا مرد له، مما لا وجود له فى النص الأصلى.

    انظري أيتها البحيرة!
    ها هو ذا العام قد كاد يشارف تمامه،
    وأنا وحدي بجانب أمواجك الحبيبة
    أرتقب عبثًا عودة جوليا إليها،
    جالسًا فوق الصخرة التي كنت ترينها جالسة عليها!


    ** ليس فى القصيدة شىء عن ارتقاب الشاعر لحبيبته، فضلا عن أن يكون قد ذكر اسمها. وبالمناسبة فقد سماها على محمود طه: ألفير. وها هو ذا الزيات يسميها: جوليا. والذى فى القصيدة هو قول الشاعر إنه جالس الآن وحده على الصخرة التى كان ينبغى أن تعود جولى فتراها مرة أخرى، تلك الصخرة التى طالما رأتها البحيرة جالسة عليها. وقد قرأت للشاعر اللبنانى صلاح لبكى هذه الأبيات التى يخاطب فيها شاعرنا قائلا:
    يا وحيد الشعر من أي دجى* جئت هذي الأرض أو أي سماء؟
    عشت في الدنيا غريبا ملهما* نير الفكرة شأن الأنبياء
    هل تلاقيت و"ألفير"؟ وهل* هي ما زالت على عهد الولاء؟
    أم تراها أعرضت مذ أبصرت* في سما عينيك أظلال البكاء؟
    وهل العاشق في الجنة، يا* مؤنس العشاق، موصول اللقاء؟
    وفى هذه الأبيات يسمى لبكى حبيبة الشاعر: "ألفير" هو أيضا. والمعروف أنها كانت تدعى: "جولى شارل"، فتسمية الزيات لها باسم "جوليا" مفهوم إذن. ولكن ماذا عن "ألفير"؟ وإذا كانت ألفير هى فعلا جولى شارل، فهل كان هذا اسما آخر لها؟

    كذلك بالأمس كنت تهدرين فوق هذه الصخور المعلقة،
    وتتكسر أمواجك على جوانبها الممزقة
    ويقذف هواؤك الزبد على قدميها المعبودتين.


    ** لم يقل لامارتين إن البحيرة كانت تهدر فوق الصخور المعلقة، بل تحت الصخور العميقة، وشتان هذا وذاك. ثم إنه ليس مما يسوغ فى الذوق العربى وصف الصخور بأنها ممزقة، إذ التمزيق إنما يكون للورق والملابس وما أشبه، أما الصخور فتوصف بأنها مكسورة أو مثلَّمة أو محطمة أو متآكلة مثلا. ومعروف أن الفرنسية تستعمل الفعل: "déchirer" للتمزيق والكسر معا. كذلك فالشاعر لم يقل إن الصخور كلها متثلمة، بل جوانبها فحسب. وفوق هذا فليس الهواء هو الذى يقذف بالزبد، بل الريح. ولو كان الزيات ينظم ترجمته شعرا لكان له بعض العذر. أما وهو يترجم نثرا، وكان ضليعا فى الفرنسية، فليس له مندوحة من الأعذار.

    أتذكرين ليلة كنا فوق صفحتك بين الماء والسماء
    نجدف في سكون وصمت،
    وقد ضرب الله على آذان الطبيعة وختم على أفواه الخليقة،
    فلا نحس حركة ولا نسمع ركزا
    غير إيقاع المجاديف على أنغام الموج؟


    ** فأما التجديف فى صمت، بمعنى أنهما كانا يجدفان دون أن يتكلما، فمفهوم ومقبول، ولكن كيف يمكن التجديف فى سكون، والسكون إنما يعنى عدم الحركة، على حين أن التجديف لا يمكن أن يتم دون حركة؟ واضح أن الزيات قد استخدم الكلمتين بمعنى واحد مع أنهما غير مترادفتين. كذلك فقوله إن الله قد ضرب على آذان الطبيعة وختم على أفواه الخليقة قد يوحى بأنه لم يعد فى الدنيا كلها أحد أو شىء يصدر صوتا أو يسمع شيئا، ما دام مترجمنا قد ذكر الطبيعة والخليقة كلها فلم يستثن منها شيئا. ولا أظن هذا هو المراد من كلام لامارتين، فقد حدد نطاق ذلك بالمحيط الذى كان يشمله هو وحبيبته لا غير، إذ قال: "au loin". ومعنى هذا أنهما، فى نطاق ذلك المحيط الذى كان يمتد حولهما إلى بعيد، أى إلى ذلك المدى الذى تستطيع آذانهما أن تلتقط أى صوت يصدر فيه، لم يكونا يسمعان شيئا. ثم إن الشاعر لم يحدد الوقت بــ"الليلة" بل بــ"المساء". كما أنه لم يقل إن الحبيبين كانا فوق سطح البحيرة بين الماء والسماء، بل قصد أنه لم يكن هناك صوت يُسْمَع بين الماء والسماء (أو إن أردت الدقة: على صفحة الماء وتحت السماء) سوى صوت المجداف.

    وإذا بصوت لا عهد للآذان بمثله ينبعث من ضفتك الجميلة،
    فشق حجاب السكون، وأطلق لسان الصدى.
    وهناك أنصت الموج، وأصغى الهواء.
    وأخذ هذا الصوت الحبيب إليّ يساقط هذه الكلمات:


    ** الواقع أن الصوت لم يأت من ضفة البحيرة، بل من القارب نفسه، ثم ترددت أصداؤه فى كل مكان على الشاطئ. وهذا واضح على الأقل من وصف الشاعر للصوت بأنه حبيب إلى نفسه، فهو إذن صوت حبيبته. وإلا فمن يا ترى ذلك الذى كان يغنى ويناشد الدهر أن يقف جريانه حتى يتملى السعادة التى هو فيها؟ لا أظن الشاعر كان يقصد راعيا أو صيادا مثلا يغنى على الشاطئ، وإلا لما نعته بأن صوته حبيب إليه، ولا كان معقولا أن يتجاهله تماما فلا يشير إليه طوال القصيدة ويتركه هكذا مجهَّلا. ثم إن تركيب البيت يدل على أن الصوت قد تردد صداه على شاطئ البحيرة لا أنه هو نفسه صادر من الشاطئ. ولقد فسر د. خليل الموسى الأمر بأن الشاعر "قد سمع صوتا غريبا في داخله" (د. خليل الموسى/ هجرة النصوص وجماليات القراءة والتلقى- قصيدة "البحيرة" نموذجا/ مجلة "الموقف الأدبى"/ دمشق/ كانون الأول 2006م)، وهو تفسير مبعد فى النُّجْعة، إذ لا يصف شاعر فى العادة صوتا كهذا بأنه حبيب إلى نفسه، كما لا يمكن أن يكون لمثل ذلك الصوت المعنوى أى صدى تردده الجبال والوديان فى كل مكان حول البحيرة، فضلا عن أنه من غير المعقول أن ينشغل الشاعر عن حبيبة الفؤاد الجالسة قبالته أو لصقه فى القارب بما يدور فى خواطره من أفكار تتجسم على هذا النحو العجيب الذى يشبه أن يكون هلوسة مرضية. كذلك لم يصف الشاعر الضفة بأنها جميلة، بل بأنها مسحورة، أى سحرها الصوت الفاتن الجميل. وأما قول المترجم إن صوتا قد "شق حجاب السكون" فليس له وجود فى الأصل، بل هو زيادة من عنده أضفت على الترجمة النكهة التى تتلاءم مع سياق الكلام والوصف. كما أن الأصل يخلو من قوله: "وأصغى الهواء"، إذ ليس فيه إلا أن الموج قد ألقى السمع وانتبه.

    أيتها الأرض قفي دورانك!
    وأنت أيتها الساعات قفي جريانك!
    ودعينا نتمتع بعاجل لذاتنا، وننعم بأجمل أيام شبابنا"


    ** فى الأصل: "أيها الزمن، كف عن الطيران، وأنت أيتها الساعات السعيدة توقفى عن الحركة"، فلا خطاب من الشاعر إلى الأرض البتة، أما الساعات فليست الساعات بإطلاق، بل الساعات السعيدة على وجه التحديد. ثم إن بقية المقطع تقول: "دعينا نستمتع باللذات السريعة التى تتيحها لنا أجمل أيامنا". ولا أظن المترجم قد أخطأ هنا، بل حاول أن يقتنص إيحاءات النص فأضاف إليه ما ليس فى ألفاظه وحروفه، مما يكمن بين السطور.

    إن كثيرا من صرعى الحياة وفرائس البؤس
    يتضرعون إليك أن تسرعي بهم
    لتخففي من كربهم،
    فاستجيبي إليهم،
    وكري مسرعة عليهم، وخذي مع عمرهم الذاهب ألم عذابهم الواصب،
    واتركي السعداء والناعمين غارقين في غفلات العيش وظلال الأمن!


    ** مرة أخرى لم يكتف الزيات بترجمة النص كما هو، بل أضاف ما رأى أنه يأتى بالمعنى العميق الذى فى بطن الشاعر بإشعاعاته وإيماءاته. لقد قال لامارتين مثلا: "إن كثيرا (كثيرا بما فيه الكفاية: Assez de) من البائسين يتضرعون إليك"، أما عند الزيات فنقرأ: "إن كثيرا من صرعى الحياة وفرائس البؤس يتضرعون اليك أن تسرعي بهم لتخففي من كربهم، فاستجيبي اليهم". فانظر الفرق بين الأصل والفرع. أما قوله: "وكرى مسرعة عليهم" فليس دقيقا، إذ المقصود أن تعدو الأيام من أجلهم، أى أن تأخذ شقاوتهم وتعاستهم وتمضى بها بعيدا عنهم، وتتركهم فى حالهم. ونفس الشىء نقوله فى عبارة المترجم: "اتركي السعداء والناعمين غارقين في غفلات العيش وظلال الأمن". ذلك أن كل ما قاله الشاعر هنا هو: "أما السعداء فانْسَيْهم".

    على أنني، واويلتاه، كلما لججت في الطلب
    لج الزمان في الهرب، فأنا أتمنى عليه المنى فلا تحقق،
    وأستزيده البرهة اليسيرة فلا أوفق.
    فسألت هذه الليلة أن تكون أطول وأمهل،
    ولكن السؤال خاب،
    وبازي الصبح قد افترس غراب الليل!


    ** ليس فى النص: "واويلتاه"، وكذلك ليس فيه "كلما لججت فى الطلب..."، بل الذى فيه هو أنه "عبثا ما أطلب من الزمن أن يملى لى فيما أنا فيه لحظات أخرى، فهو يفر منى ويهرب. ولقد قلت لليل: أبطئ وأبطئ. إلا أن الفجر سوف يطلع مع ذلك ويجعل الليل بَدَدًا". وانظر كيف استعان الزيات بمحفوظه من التراث فذكر افتراس بازى الصبح لغراب الليل، وهو ما يمكن فهمه وإساغته، أما الذى لا يمكن فهمه فهو تنكبه للزمن المستقبل إلى الزمن الماضى فى قوله إن بازى الصبح قد افترس غراب الليل، فى حين قصد الشاعر أن الزمن لن يُرْعِيَه سمعا أو يحقق له مطلبا، بل سوف يمضى فى طريقه بذات السرعة التى كان يمضى بها ويأخذ معه الليل فيما يأخذ.

    فلنتساق إذن كؤوس الهوى دهاقا،
    ولنقض مآربنا عجالا،
    فليس لسفينة الإنسان مرفأ، ولا لخضم الزمان ساحل:
    إن الزمان ليتدفق، وإنا مع تياره نمر ونمضي!


    ** واضح من العبارة اقتباس المترجم لقوله تعالى فى سورة "النبأ" عن أهل الجنة: "وكأسا دهاقا"، وإن كان قد جمع "الكأس" تعبيرا عن شدة لهفة الحبيبين للسعادة وحرصهما على أن يذوقا منها لا كأسا واحدة بل كؤوسا وكؤوسا مترعة كلها حتى الحافة. وهو اقتباس فى محله تماما، إذ الشاعر يحس أنه هو وحبيبته فى الفردوس ينعمان، وإن كان فردوسا عابرا ليس من طبيعته الخلود، ومن ثم نسمعه يناشد الزمن أن يمنحهما مزيدا من اللحظات، لكن دون فائدة، كما نسمعه يناشد حبيبته أن يسرعا فيستمتعا بالساعة التى هما فيها قبل أن تفر منهما هاربة بين أطواء الزمن حيث لا عودة.

  7. #7
    د. إبراهيم عوض
    دراسة ترجمة أ. الجندوبى لــ"بحيرة" لامارتين
    (مع إتباع كل مقطع من الترجمة بملاحظاتى عليه)



    Le Lac par Lamartine

    Ainsi, toujours poussés vers de nouveaux rivages,
    Dans la nuit éternelle emportés sans retour,
    Ne pourrons-nous jamais sur l'océan des âges
    Jeter l'ancre un seul jour ?

    Ô lac ! l'année à peine a fini sa carrière,
    Et près des flots chéris qu'elle devait revoir,
    Regarde ! je viens seul m'asseoir sur cette pierre
    Où tu la vis s'asseoir !

    Tu mugissais ainsi sous ces roches profondes,
    Ainsi tu te brisais sur leurs flancs déchirés,
    Ainsi le vent jetait l'écume de tes ondes
    Sur ses pieds adorés.

    Un soir, t'en souvient-il ? nous voguions en silence ;
    On n'entendait au loin, sur l'onde et sous les cieux,
    Que le bruit des rameurs qui frappaient en cadence
    Tes flots harmonieux.

    Tout à coup des accents inconnus à la terre
    Du rivage charmé frappèrent les échos ;
    Le flot fut attentif, et la voix qui m'est chère
    Laissa tomber ces mots :

    "Ô temps ! suspends ton vol, et vous, heures propices !
    Suspendez votre cours :
    Laissez-nous savourer les rapides délices
    Des plus beaux de nos jours !

    "Assez de malheureux ici-bas vous implorent,
    Coulez, coulez pour eux ;
    Prenez avec leurs jours les soins qui les dévorent ;
    Oubliez les heureux.

    "Mais je demande en vain quelques moments encore,
    Le temps m'échappe et fuit ;
    Je dis à cette nuit : Sois plus lente ; et l'aurore
    Va dissiper la nuit.

    "Aimons donc, aimons donc ! de l'heure fugitive,
    Hâtons-nous, jouissons !
    L'homme n'a point de port, le temps n'a point de rive ;
    Il coule, et nous passons ! "

    Temps jaloux, se peut-il que ces moments d'ivresse,
    Où l'amour à longs flots nous verse le bonheur,
    S'envolent loin de nous de la même vitesse
    Que les jours de malheur ?

    Eh quoi ! n'en pourrons-nous fixer au moins la trace ?
    Quoi ! passés pour jamais ! quoi ! tout entiers perdus !
    Ce temps qui les donna, ce temps qui les efface,
    Ne nous les rendra plus !

    Éternité, néant, passé, sombres abîmes,
    Que faites-vous des jours que vous engloutissez ?
    Parlez : nous rendrez-vous ces extases sublimes
    Que vous nous ravissez ?

    Ô lac ! rochers muets ! grottes ! forêt obscure !
    Vous, que le temps épargne ou qu'il peut rajeunir,
    Gardez de cette nuit, gardez, belle nature,
    Au moins le souvenir !

    Qu'il soit dans ton repos, qu'il soit dans tes orages,
    Beau lac, et dans l'aspect de tes riants coteaux,
    Et dans ces noirs sapins, et dans ces rocs sauvages
    Qui pendent sur tes eaux.

    Qu'il soit dans le zéphyr qui frémit et qui passe,
    Dans les bruits de tes bords par tes bords répétés,
    Dans l'astre au front d'argent qui blanchit ta surface
    De ses molles clartés.

    Que le vent qui gémit, le roseau qui soupire,
    Que les parfums légers de ton air embaumé,
    Que tout ce qu'on entend, l'on voit ou l'on respire,
    Tout dise : Ils ont aimé !

    *********************************
    وتلك الأيّام، تلقي بنا دوما نحو سواحل جديدة،
    وفي الليل الأزلي تأخذنا بدون رجعة،
    فهل يمكننا يوما، على سطح محيط العصور
    حطّ الرحال ولو ليوم؟
    ** لا وجود فى الأصل اللامارتينى لعبارة "تلك الأيام" كما هو واضح. ومع هذا فمن الممكن الإبقاء عليها، لكن ذلك يتطلب تعديل الكلام ليصبح مثلا: "تلقى بنا الأيام دوما نحو سواحل جديدة". كذلك فإن قول المترجم: "على سطح محيط العصور"، وإن كان صحيحا، يشعرنى بشىء من القلق. وإنى لأحس أننا لو قلنا: "على سطح أوقيانوس الدهور" فلربما كان أفضل، إذ أشعر أن عبارة "أوقيانوس الدهور" أليق بأسلوب الشعر. وهى مسألة أذواق كما يرى القارئ، الذى قد يؤثر ترجمة الأستاذ الجندوبى رغم كل شىء. وتبقى صورة "حط الرحال"، وهى تؤدى المعنى دون أى جدال، وإن كنت أوثر أن نقول: "فهل من الممكن أن نلقى بالمرساة ولو يوما واحدا؟". ذلك أننا فى البحر، والبحر يناسبه "إلقاء المرساة" أكثر مما يناسبه "حَطّ الرحال"، فضلا عن أن هذا هو فعلا ما قاله الشاعر.
    ألا يا بحيرة! ها هو العام قد ولّى،
    وقرب الأمواج التي نعشق والتي كانت من جديد سَتَراها،
    انظري! ها أنا اليوم جئت وحيدا، لأجلس على صخرة،
    طالما رأيتِها جالسة فوقها!
    ** لا أكتم القارئ إعجابى بقول المترجم: "ألا يا بحيرة"، فلها عُلْقَةٌ بالقلب أقوى من قولنا: "أيتها البحيرة"، إذ هذه رسمية، على عكس العبارة التى استعملها هو، علاوة على أنها تنفح بعطر التراث. لكن قوله: "قرب الأمواج التى نعشق" يبدو لى خاليا من السلاسة. ترى لم لا يقول مثلا: "قرب الأمواج الحبيبة"؟ وليلاحظ القارئ كيف ترك المترجم تعريف الصخرة وتعيينها باسم الإشارة ونكَّرها بدلا من ذلك، ولا بأس بما صنع، وإن لم أستطع أن أفهم السر فى هذا التنكب. كذلك زاد المترجم من عنده كلمة "طالما"، وهى غير موجودة لدى لامارتين، وإن كان وجودها أفضل من عدمه، إذ توحى بأن خلو المكان من حبيبة الشاعر أمر غريب يبعث على الدهشة والحيرة، فلطالما جلست هناك على تلك الصخرة حتى لقد أصبح وجودها فى ذلك المكان إلى جانب الشاعر أمرا معتادا وكأنه قانون طبيعى يستغرب الرائى تخلفه، ويثقل وقعه على نفس الشاعر ثقلا شديدا.
    كنتِ تعوين هكذا تحت هَذِي الصخور الغائرة؛
    هكذا كنتِ تتحطّمين على أجنبها الممزّقة؛
    هكذا كانت الريح تلقي بزبد موجاتك
    على ساقيها المحبوبتان
    ** الفعل: "mugir" لا يدل على "العواء"، بل "aboyer" أو "hurler" مثلا. أما هو فمعناه: "يهدر". وعلى أية حال فالبحيرات لا تعوى، بل الرياح والعواصف. وهو عواء على سبيل المجاز لا الحقيقة، إذ العاويات الحقيقية إنما هنّ الكلاب والذئاب والضباع وما إلى ذلك. وقد سبق أن اختلفت مع المرحوم أحمد حسن الزيات على وصف الصخور بالتمزق، فلا داعى لتكرار القول فيه هنا. لكن يحمد للمترجم التونسى مع هذا دقته فى قَصْر التكسر على جوانب الصخور فقط لا توسيعه بحيث يشمل كل شىء فيها، وإن كان قد استعمل كلمة "أَجْنُب" (وهو جمع لـ"جَنْب" لم أجده فى المعجم، وإن كان من الممكن قياسه على "فَلْس" و"أَفْلُس"، و"ضَرْب" و"أَضْرُب")، بدلا من "جوانب" (جمع"جانب"). ولدينا أيضا فى العربية "أجناب" و"جنائب". ثم إن قوله: "موجاتك" بصيغة جمع المؤنث السالم لَيُذَكِّرنى بأصداء من قصة حسان بن ثابت والنابغة فى الجاهلية حين قال له الأخير إذ رآه ينظم بيته على النحو التالى: "لنا الجفنات الغُرّ يلمعن فى الضُّحَى": "لقد قللت جفانك". وتقليل الجفان لدى العرب معناه البخل، فكان لزاما عليه أن يفتخر كما ينبغى أن يكون الفخر فيقول: "الجفان" لا "الجفنات" لأن جمع الألف والتاء يدل بوجه عام على القلة. وعلى هذا فلو قال مترجمنا: "أمواج" لكان أحرى، إذ إن أمواج البحيرة لا تعد ولا تحصى، فكيف يقال عنها: "موجات"؟ ثم إنى لا أدرى أوقع المترجم فى غلطة رفع النعت المجرور فى قوله: "على ساقيها المحبوبتان" أم هذه غلطة طباعية أم هو مجرد سهو لا أكثر ولا أقل. وأخيرا فلقد وددت لو أنه قال: "ساقيها الحبيبتين" مثلا بدلا من "المحبوبتين"، فإن صيغة "فعيل" تدل على المبالغة أو على صفة لا تنفك عن الشىء فكأنها طبيعة فيه، وهو ما يناسب المقام كثيرا. كذلك فالشاعر لم يقل: "الحبيبتين"، بل "المعبودتين"، إلا أن العبادة هنا إنما تدل على شدة الوله الذى يصل إلى حد التقديس والعبادة. وبالمناسبة فإنى لا أستطيع أن أتذكر استخدام لفظ العبادة فى الأدب العربى القديم بهذا المعنى. ويبدو لى أنه تعبير طارئ أتانا مع الأدب الغربى حين أقبلنا عليه فى العصر الحديث وأحللناه من نفوسنا فى محل رفيع بحكم تخلفنا وتقدم الغرب، وضعفنا وقوته، وعجزنا وقدرته، وإلا فلقد كان العرب يباهون بأدبهم ويفاخرون به ولا يرون لأى أدب آخر مهما كان شأنه أنه يساوى أدبهم، فضلا عن أن يتفوق عليه.

    هل تذكرين ذات مساء؟ كان قاربنا يسير بصمت؛
    ولم يكن يصلنا من بعيد، فوق الموج وتحت السماوات،
    غير ضجّة المُجَدّفين، وهُم يقرعون بإيقاع،
    أمواجك المنسجمة.
    ** القرع يناسب السطوح الصلبة، ولا يناسب الموج، ومن ثم وددت لو أن المترجم قال عن الملاحين إنهم "يضربون الأمواج" بدلا من "يقرعون". ولعل قولنا: "يضربون موجك المنغم ضربا موقعا" يكون أفضل، وإن كانت ترجمة الأستاذ الجندوبى ترجمة صحيحة مع ذلك، إلا أنها تبدو حرفية بعض الشىء.

    فجأة، لهجات تجهلها الأرض،
    من الساحل المفتون، ضَربتْ بالأصداء
    وأصغى الموج، ومن الصوت الذي أحبّه
    تناثرت الكلمات:
    ** لا يتعلق الأمر هنا بــ"لهجات"، بل بنبرات وما أشبه. والمقصود الشدو الذى سمعه الشاعر فاستولى على نفسه استيلاءً، شدو حبيبته مناشدةً الزمن أن يتمهل فى سيره حتى يرتويا من السعادة التى يتقلبان فيها، ذلك الشدو الذى رددت الآفاق أصداءه، وأصغى الموج إليه بكل كيانه. ترى هل نكون من المحسنين إذا ترجمنا هذا المقطع على النحو التالى: "وفجأة إذا بنبرات ليس للأرض بها عهد يردد أصداءها الشاطئ المسحور، ويُرْعِيها الموجُ سَمْعَه، فيتساقط من الصوت الحبيب إلى نفسى هذه الكلمات:"؟
    أيا دهر، رويدك! وأنتنّ، أيّتها الساعات المناسبات
    قفن!
    ولنهنأ بالملذّات السّرعَى
    للأجمل من أيّامنا!
    ** "heures propices" معناها فى هذا السياق: "ساعات الهناءة والسرور"، أما معناها الأصلى فهو "الساعات المواتية"، أى التى تجرى وفق ما نريد. وهل يريد الإنسان لنفسه إلا بهجة النفس وهناءة البال؟ كذلك فلدينا هنا كلمة "السَّرْعَى"، وهى مؤنث "السَّرْعَان"، أى "السريع". وهذه أول مرة، فيما أذكر، تقابلنى هذه الصيغة، فهى كلمة معجمية لا يستعملها أحد، والفضل للمترجم فى بعثها إلى الحياة، وما أكثر الكلمات التى تنام فى طيات القواميس لا يقترب منها أحد، ثم يُلْهَم أحدهم أن يوقظ واحدة منها أو أكثر، فإذا بها تنتفض بالحياة. وقد تبقى حية بعد ذلك إلى مدى لا يعلمه إلا الله، وقد تعود بعد قليل إلى مرقدها كما كانت، والعبرة فى ذلك بمدى إقبال الكتاب الآخرين عليها وتبنيهم لها أو انصرافهم عنها وإهمالهم إياها وكأنها لم تُبْعَث ولم تُسْتَخْدَم. فعندنا إذن "السريع" و"السُّرْعان" و"السَّرِع" و"السُّرَاع"، وكلها لوصف الشخص أو الشىء بالسرعة. وبطبيعة الحال فإن الشاعر يقصد اللذات التى سرعان ما تنقضى فكأنها لم تكن، ومن ثم يناشد حبيبته أن يهتبلا الفرصة السانحة فيعبّا من المتعة المتاحة لهما حتى يرتويا قبل فوات الأوان. ويمكن اقتناص المعنى فى السطرين الأخيرين من هذا المقطع على النحو التالى: "فلنستمتع بملذات الحياة السريعة الزوال التى تتيحها لنا أجمل أيامنا".

    كُثْرٌ من هُم تعساء في هذي الأرض يستجدونك:
    تدفّقْ، تدفّقْ، لهم؛
    خذ مع أيّامهم مآسيهم التي باتت تنهشهم؛
    وانسَ السعداء
    ** التركيب فى قوله: "كُثْرٌ مَنْ هم تعساء فى هذى الأرض يستجدونك" فيه اضطراب، فكلمة "كُثْرٌ" مبتدأ، وخبره هو "مَنْ هم تعساء فى هذى الأرض". وعلى هذا فقد تمت الجملة هنا، فما موقع جملة "يستجدونك"؟ وما علاقتها بالتعساء الكثيرين؟ الواقع أن كلام لامارتين يعنى أن "كثيرا من البائسين (أو "التعساء فى هذى الأرض" بتعبير مترجمنا) يناشدون الزمن أن يفعل كذا وكذا". ويستطيع القارئ فى ضوء هذا الكلام أن يرى إلى أى مدًى ارتبك تركيب الجملة فى يد المترجم. ولا ننس استلهامه لبيت أبى فراس الحمْدانى الذى يتحدث فيه على لسان حبيبته المتدللة ردا على قوله لها إنه قتيلها، إذ أجابته قائلة: "أيهم؟ فهُمُو كُثْرُ!". أما عبارة "تدفَّقْ تدفَّقْ لهم" فلعلها تكون أوضح فى الدلالة على قصد الشاعر لو غيرناها إلى "أسرِعْ، أسرِعْ من أجلهم"، بمعنى أن البائس الشقى يريد أن يجرى الزمن بأقصى ما لديه من سرعة حتى يخلص مما هو فيه من تعاسة وشقاء، بخلاف السعيد، الذى يتمنى على العكس من ذلك أن يتمهل الزمن فلا يمضى أبدا حتى يظل مستمتعا بما هو فيه من سعادة وهناء. ومرة أخرى لا أقول إن كل ما قاله المترجم خطأ، بل كل ما هنالك هو أنه ربما صار المعنى أوضح لو أخذنا باقتراحى.

    لكن، عبثا أسألك، من الزّمن المزيد
    يفلت الوقت منّي، ويفرّ؛
    أقول لهذه اللّيلة: "تمهّلي!"؛ فالفجر لا محالة
    سيبدّد الظلام.
    ** حين يقول المترجم: "عبثا أسألك من الزمن المزيد" فليس لذلك من معنى إلا أن الشاعر يخاطب شخصا آخر غير الزمن راجيا إياه أن يعطيه من ذلك الزمن المزيد، مع أن الشاعر فى الأصل الفرنسى إنما يخاطب الزمن ذاته طالبا منه أن يملى له فى سعادته ويمد حبلها بضع لحظات أخرى، إلا أن الزمن لا يستجيب، بل يمضى فى طريقه هاربا منا لا نستطيع أن نقبض له على زمام. ويبقى الشطران الأخيران، وقد ترجمهما الأستاذ الجندوبى ترجمة صحيحة، إلا أن... نعم، إلا أنه لم يضع يده على الرباط المناسب الذى يصل بين الجملتين، فاستخدم الواو، وكان ينبغى أن يقول مثلا: "أقول لهذا الليل: تمهل. بَيْدَ أن الفجر سوف يبدد الليل رغم كل شىء". فالأمر، كما ترى، لا يزيد عن تغيير رابط لغوى برابط آخر، ومع ذلك فأى فرق يحدثه تلك الأداة الصغيرة!
    "فلنعشق إذًا! فلنعشق! ومن السّاعة الهاربة،
    فلنعجّل، ولننعم!
    ليس للإنسان مرفأ، ولا للزّمان ساحل؛
    فالزمان يجري، ونحن نمرّ"!
    ** لا يسوغ فى العربية أن نقول: "ومن الساعة الهاربة فلنعجل ولننعم"، بل نقول مثلا: "فلنسرع، وبالساعة الهاربة فلننعم"، أو "وبالساعة الهاربة فلننعم دون توان"، أو "وبالساعة الهاربة هيا بنا ننعم". ثم ما رأى الأستاذ المترجم فى قولنا: "فالزمان يمضى، ونحن معه ماضون" بدلا من قوله: "ونحن نمر"؟
    ألا أيّها الدهر الحاسد، هل لساعات النشوة،
    عندما يسقينا الحب السعادة بدون حساب،
    أن تطير بعيدا عنّا، بسرعة
    أيّام الشّقاء؟
    ** الحق أن ترجمة الأستاذ الجندوبى لهذا المقطع من أجمل الترجمات، فضلا عن إيجازها.

    ثمّ ماذا! هل لنا، على الأقلّ، تخليد أثرها؟
    ماذا! انقضت إلى الأبد؟ ماذا! ضاعت كلّ تلك الساعات؟
    هذا الدهر الّذي أوجدها، هذا الدّهر الّذي محاها،
    أفَلن يعيدها لنا من جديد؟
    ** كذلك فترجمة هذا المقطع هى أيضا ترجمة جميلة، إلا أنه ينبغى تغيير الجملة الأولى فيه من الإثبات إلى النفى فتصبح هكذا: "ألن يكون بمقدورنا أن نستبقى منها الأثر؟". ثم لا شىء غير ذلك. أما إذا زاد المترجم فقال: "إيه إذن؟" بدلا من "ثم ماذا؟" أو على الأقل: يحذف "ثم" ويبقى "ماذا؟" وحدها لكان هذا كرما منه عظيما.

    أزل، عدم، ماض، لجج سحيقة،
    ماذا تراكم تفعلون بالأيّام التي قد ابتلعتُم؟
    تكلّموا! هل ستعيدون لنا تلك النّشَوَات العظيمة
    الّتي قد خطفتم؟
    ** وهذا المقطع قد ترجمه الجندوبى ترجمة جميلة كذلك، اللهم إلا السطر الأول منه حيث ينادى الشاعر الخلود والعدم والماضى والهُوَى السحيقة، فأورد المترجم هذا الكلمات على أنها أسماءٌ نكراتٌ، فأضاع المعنى الذى أراده الشاعر، وهو: "أيها الخلود، أيها العدم، أيها الماضى، أيتها الهوى السحيقة، هل لكُنّ...". ويبدو أنه لما لم يجد أداة النداء: "Ô" ظن أن هذه مجرد أسماء منكرة. والدليل على هذا هو أنه فى بداية المقطع التالى قد نادى البحيرة والصخور الصماء والغِيران والغابات المظلمة لأن الشاعر قد استخدم هناك أداء نداء، على حين أنه فى مقطعنا هذا لم يصرح بتلك الأداة. ومعروف أن النداء كثيرا ما يُفْهَم من السياق رغم غياب أداته. كذلك لو أذن لنا المترجم أن نقول: "النشوات السامية" عِوَضَ "العظيمة" فلربما كان أفضل. فما رأيه؟ وأنا لا أقول إن ما صنعه هو غير جميل ولا غير صحيح، بل كل ما قلت هو أنه ربما يكون أفضل. ومع ذلك فإنى لا أصر عليه.


    أيا بحيرة! أيّتها الصّخور الصمّاء! أيّتها الكهوف! أيّتها الغابات الحالكات!
    أنتنّ يا من يحافظ عليكنّ الزمان، أو من قد يعيد لكنّ الشباب،
    احفظن من هذه اللّيلة، احفظي أيّتها الطبيعة الغنّاء،
    على الأقلّ، الذكرى!
    ** أشعر لو أن الأستاذ المترجم وحَّد أداة النداء مع كل المناديات لكان أوفق، إذ بهذا يتحقق التناسق والتناظر بين جمل النداء المتتابعة، والتناسق قيمة فنية يحرص عليها الكتّاب عادة، اللهم إلا لضرورة فنية أقوى منه. وعلى هذا فلنقل: "أيتها البحيرة! أيّتها الصّخور الصمّاء! أيّتها الكهوف! أيّتها الغابات الحالكات!". كذلك لو أن المترجم قال مثلا: "... يا من لا يمسُّكُنّ الزمان بأذى، بل يمكن أن يجدد لكن شبابكن..." لكان أسلس.


    لِتكن في سكونكِ، لِتكن في عواصفكِ،
    أيّتها البحيرة الجميلة! وفي منظر تلاّتك الضاحكات،
    وفي صنوبركِ الدَّجِيّ، وفي صخرك المتوحّش،
    وهُم في تدلٍّ فوق مياهكِ!
    ** لا أستطيع أن أقبل قول مترجمنا: "وهم فى تدلٍّ فوق مياهك". لماذا؟ أولا لأن قوله: "فى تدل" أى مدلاة أو معلقة، هو كلام ينفح بالعجمة. وثانيا لأنه يظن أن كل ما ذكره من الأشياء من تلال وصنوبر وصخر هى فى تدلٍّ، أى مدلاة أو معلقة، ولذلك قال: "هم"، على حين أن المراد هو الصخور فحسب، إذ لا يقال عن التلال ولا أشجار الصنوبر إنها مدلاة فوق الماء. وثالثا لأننا إذا ما أردنا تشخيص الجمادات فإننا نستخدم لها عادة ضمير المؤنث: مفردا فى الغالب، أو جماعة فى القليل. وعلى ذلك ينبغى أن نقول: "وفى صخورك المتوحشة المعلَّقة (أو المتوحشات المعلقات) فوق مياهك". أما تشخيص الصخور، فى هيئة رجال فبعيد وغير مقبول، إذ ليس هناك أى غرض بلاغى يسوغ لنا تذكيرها على هذا النحو.

    لِتكن في نسماتكِ المرتعشة وهيَ تمرُّ،
    في أصداء ضفافكِ... بضفافك المكرّرة،
    في النّجم ذو الجبين الفضّي يضيءُ سطحك
    بأنواره المسترخية!
    ** لو كنت أنا مترجم هذا المقطع لقلت: "ليكن فى نسيمك الذى يهب مرتعشا، وليكن فى أصوات ضفافك التى ترددها تلك الضفاف، وليكن فى ذلك النجم الفضى الجبين الذى ينشر الضياء فوق مياهك بلألائه الرقيق". ولا أدرى لم رفع الأستاذ الجندوبى كلمة "ذو" هنا، وحقها الجر لأنها صفة لـ"النجم" المجرور.

    ولتقلِ الريح وهي تئنّ، والقصب المتنهّد،
    وعبق ريحك العطر، اللّطيف،
    وكلّ ما نسمع، ونرى، ونستنشق،
    ليقل كلّ شيء: " لقد أحبّا"!
    ** جملة "وهى تئن" جملة حالية، ومعنى هذا أنه مطلوب من الريح أن تقول هذا وهى تئن. لكن ليس هذا هو المراد، بل المراد هو وصفها بالأنين، بمعنى أن من طبيعتها الأنين فى كل حال لا أن المطلوب منها أن تئن فى حال قولها هذا فحسب. وعلى ذلك فلعل الصواب أن نقول: لتقل الريح الباكية، وليقل القصب المتنهد، ولتقل العطور الرقيقة التى ينفح بها نسيمك المضمخ بالعبير، وليقل كل ما نسمع، وكل ما نرى، وكل ما نتنفس، ليقل كل هذا: لقد كانا عاشقين!

  8. #8
    كنت أعس عصر اليوم بين أرجاء المشباك حين كنت أكتب دراستى عن ترجمة الزيات لبحيرة لامارتين، وهى الدراسة الموجودة هنا، فإذا بى أمام ترجمة الأستاذ الجندوبى لنفس القصيدة، فقلت: أهديه هذه الدراسة الطازجة رغم أنى لم أراجعها جيدا، إذ كتبتها اليوم على شىء من العجل. وقد تكون لى عودة إلى ترجمة الجندوبى، وأرجو من الله أن يجعلها عودة قريبة... مع تحياتى ومودتى

  9. #9
    كنت أعس عصر اليوم بين أرجاء المشباك حين كنت أكتب دراستى عن ترجمة الزيات لبحيرة لامارتين، وهى الدراسة الموجودة هنا، فإذا بى أمام ترجمة الأستاذ الجندوبى لنفس القصيدة، فقلت: أهديه هذه الدراسة الطازجة رغم أنى لم أراجعها جيدا، إذ كتبتها اليوم على شىء من العجل. وقد تكون لى عودة إلى ترجمة كاتبنا التونسى، وأرجو من الله أن يجعلها عودة قريبة... مع تحياتى ومودتى

  10. #10
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إبراهيم عوض مشاهدة المشاركة
    كنت أعس عصر اليوم بين أرجاء المشباك حين كنت أكتب دراستى عن ترجمة الزيات لبحيرة لامارتين، وهى الدراسة الموجودة هنا، فإذا بى أمام ترجمة الأستاذ الجندوبى لنفس القصيدة، فقلت: أهديه هذه الدراسة الطازجة رغم أنى لم أراجعها جيدا، إذ كتبتها اليوم على شىء من العجل. وقد تكون لى عودة إلى ترجمة كاتبنا التونسى، وأرجو من الله أن يجعلها عودة قريبة... مع تحياتى ومودتى

    العزيز الدكتور ابراهيم عوض

    هذه هديّة جميلة منك، وأصدقك القول بأنني لم أطّلع قبل ترجمتي لهذه القصيدة الفرنسيّة الرّائعة على ترجمة عربيّة أخرى لها.. وهذا تقصير مني أعترف به!

    سأنكبّ على دراستك العميقة لترجمة الزيات وسأنتظر بفارغ الصبر لفتتك البهيّة لترجمتي المتواضعة..

    مع محبّتي وتقديري

    سعيد محمد الجندوبي

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. قراءة في قصّة "والنخلة أرض عربيّة.. " للكاتب سعيد محمد الجندوبي
    بواسطة سعيد محمد الجندوبي في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-18-2008, 12:07 PM
  2. ملاحظات على ترجمة د. محمد مندور لــ"بحيرة" لامارتين
    بواسطة إبراهيم عوض في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 04-13-2008, 01:42 AM
  3. نرحب بالاستاذ(سعيد محمد الجندوبي)
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 04-09-2008, 12:54 AM
  4. ملاحظات على ترجمة د. محمد غنيمى هلال لــ"بحيرة" لامارتين
    بواسطة إبراهيم عوض في المنتدى الشعر العربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-08-2008, 11:06 PM
  5. "والنّخلة أرض عربيّة.." بقلم سعيد محمد الجندوبي
    بواسطة سعيد محمد الجندوبي في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 02-26-2008, 03:26 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •