75% من حالات الزواج عن حب تنهي بالطلاق والفشل
عند الزواج.. الحب وأشياء أخرى
ميريهان محسن**
الزواج رابطة مقدسة تحقق معادلة الاستقرار، إلا أن معايير الأشخاص في الأسس التي يقوم عليها الزواج قد تتباين، فهناك من يرى ضرورة أن يقوم ذلك الزواج على الحب كشرط أساسي ويهمل أي اعتبارات أخرى، معتقدًا أن قصة حبه ستحقق له السعادة الأبدية وقد ينجح بداية، غير أن اعتبارات الفشل تبقى قائمة، وهنا تكون الصدمة لطرفي العلاقة الزوجية.. فأين ذهب الحب، وكيف فشل الزواج؟!!
سقوط أسطورة الحب
ألم تكن خيوط الحب كافية لتقوم عليها صرح الحياة الزوجية.. ربما هذا التساؤل هو ما تجيب عنه دراسة علمية صدرت حديثًا تقول: "إن تجربة الزواج القائمة على الحب تفشل إلى حد كبير، فيما يكون الزواج التقليدي هو صاحب الفرصة الكبرى في النجاح".
الدراسة التي صدرت مؤخرًا عن كلية الآداب جامعة الزقازيق، وأجراها الدكتور إسماعيل عبد الباري أستاذ علم الاجتماع، على عينة من 1500 زوج زوجة، أبرزت أن 75% من حالات الزواج عن حب تنهي بالطلاق والفشل، في حين أن 96% من حالات الزواج التقليدي دون سابق معرفة تحقق نجاحًا أكبر.
وأوضح الباحث في دراسته "أسس الفشل والنجاح في الحياة الزوجية" أن نسبة زواج الحب في المجتمع المصري عمومًا لا تتعدى 15%.
ورغم اختلاف البيئات فإن دراسة ميدانية فرنسية تظهر كذلك أن 85% من زيجات الحب تنتهي بالطلاق، أو بالمشكلات التي تنغص حياة الزوجين، بينما نجد في المقابل أن الزيجات القائمة على العقل والاختيار التقليدي نجحت واستمرت.
وتفسر الدراسة ذلك بأن النوع الأول من الزيجات تظهر العيوب بجلاء بعد الزواج بعد أن تكون اللحظات الجميلة ذابت والعواطف تبخرت.
فتكون النتيجة أن 85% من زيجات الحب تنتهي بالطلاق والفشل، بينما لا تتجاوز تلك النسبة 5% في الزيجات التقليدية التي تعتمد على العقل والتريث، ولا تستند إلى الاندفاع العاطفي.
وفي السياق ذاته تؤكد دراسة أمريكية أن العمر الافتراضي للحب هو 3 سنوات ليس أكثر.
ويقول الباحث في علم الاجتماع ويليام رويبنسون، في دراسته إنه عندما يصل الحب إلى نهاية عمره الافتراضي يصبح نوره خافتًا، وقد يتطلب ما يقرب العام حتى يدرك طرفاه علاقة الحب هذه الحقيقة التي تغلفها الحياة المشتركة وهي ربما الزواج.
ويؤكد ويليام "أن كيمياء المخ المسيطرة على عملية الحب تظل تولد شحنات وشحنات حب وطاقة عواطف لمدة ثلاث سنوات، ثم تتوقف تلك الشحنات وكأنها بطارية فرغت، ولا يمكن إعادة شحنها فتتحول العلاقة القائمة على الحب إلى علاقة دفء وإخلاص".
وقد استند رويبنسون في تحليله هذا إلى أن قصص الحب الشهيرة والواقعية أو الخيالية عمرها لا يتعدى الفترة ما بين الثلاث إلى خمس سنوات!!
كيف يرى الناس هذه الدراسات؟ ولماذا يفشل الزواج عن حب؟
الحب كان هو زاد الحياة في بعض الزيجات... ومن هذه الزيجات تجربة (ح.ع) 36 عامًا التي عرفت الحب مع شقيق صديقتها الذي رأت فيه الفارس الذي طالما قرأت عنه في الروايات.
أحبته سبع سنوات كاملة حتى أنهى دراسته بصعوبة وتخرج ولا يحمل شيئًا سوى حبه لها، لا شقة ولا عمل ولا مال.. شجعته على أن يتقدم لها وستتولى هي حل كل المشكلات مع والدها، وقد فعلت، وتحت إلحاح الحب والدموع خضع الوالد لرغبة ابنته ولمشاعرها وقدم فرصة عمل للزوج، واشترى شقه لابنته.
وبعد كل تلك التضحيات فوجئت (ح.ع) أن الصقيع قد ضرب حياتها التي لطالما أشعلها الحب.. وفوجئت بعد الزواج برجل كالطفل اعتاد أن يحصل على كل شيء دون أي عناء فقد اعتاد الحصول على كل ما يريده عبر تسهيلات والدها.. فما كان منها إلا أنها قررت الصبر، خاصة أن لديها طفلين يحتاجان التنشئة وسط بيئة مستقرة.
إلا أنه وقعت القشة التي قسمت ظهر حياتها الزوجية، عندما علمت أنه قد تزوج عرفيًّا بأخرى.
والآن ليس أمامها سوى الاختيار بين مواصلة الصبر والعيش في هوان أو الانفصال.. غير أنها أدركت متأخرًا أن الحب وحده لا يكفي لبناء حياة زوجية، فهناك أيضًا المسئولية المشتركة، والقدرة على التحمل.
المرآة العمياء
الحب كان هو الشرارة التي جمعت بين قلبي خالد وربى بعدما تزاملا خلال فترة الدراسة الجامعية، كانا يظنان أنه بحبهما يملكان العالم، انتهيا من دراستهما وتقدم خالد لخطبة حبيبته، ثم هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليبدأ عمله في مجال إدارة الأعمال، بالطبع هاجرت ربى معه بعد الزواج.
وفي أمريكا بدأ فصل آخر من فصول حبهما، كانت "البداية الحقيقية والنهاية الحقيقية في آن واحد" كما تصفها ربى (موظفة حاليًّا بأحد البنوك - 28 سنة).
وتتذكر ربى هذه الأيام، وتقول: بعد عقد القران كان كلانا مشغول بإعداد العدة للهجرة، وكانت العصبية أمر طبيعي من كلانا لم نتوقف عنده كثيرًا.. سافر خالد أولاً وبعد أربعة أشهر سافرت أليه.
بعد مضيّ أيام قليلة على حياتنا الزوجية وجدت رجلاً يختلف تمامًا عن الشخص الذي أحببته أيام الجامعة.. وجدته يبتعد عني يومًا بعد يوم.. كثرت خلافاتنا على أتفه الأمور.
وبعد أن رزقنا الله بطفلي الأول تصورت أن الأمور ستهدأ قليلاً بيننا، إلا أن الأمور تفاقمت، خاصة بعدما بات رجلاً عمليًّا جدًّا، وأكثر بخلاً، وعصبية، وأكثر سوءًا في أسلوب حديثه معي.
لم أستوعب الموقف، سألته ماذا جرى؟ من أنت؟ أين الشخص الذي أحببته أيام الجامعة؟ أجابني أنا كما أنا، ولكن مرآة الحب عمياء، وعقب أحد الخلافات قررت العودة للقاهرة.. وبعد عدة شهور عاد ليخبرني بهدوء أنه طلقني وتزوج بأخرى أمريكية..
الطموح بديل للحب
إذا كانت هذه تجارب السيدات اللواتي فشلن في الزواج عن حب فماذا عن تجارب الرجال؟
يحكي أحمد جبارة (صيدلي) -36 سنة- تجربته قائلاً: إن الحب لم يَعُد في العصر الحالي هو سيد الموقف في العلاقات الزوجية؛ لأن متغيرات الحياة أصبح لها مقومات أخرى، فإلى جانب الحب هناك أشياء أخرى كثيرة، منها التوافق النفسي والتكافؤ الاجتماعي والمادي.
فالحب والعقل لا بد أن يكونا هما الحكم في أي علاقة زواج بين طرفين وألا يكون جانب على حساب جانب آخر.. ويروي أحمد كيف أن الحب أغرقه في دوامة مشاكل خرج على أثرها (رجلاً مطلقًا)، ويسترجع تجربته حينما رقّ قلبه لزميلته في العمل وبعد أيام من الحب عرف فيها معنى السهر والقلق والاشتياق.
يقول: كنت أتوق لرؤيتها، وأشعر وكأنني طائر من طيور السماء.. تزوجتها وتغاضيت عن طموحاتها العملية التي كانت تجمح بها إلى أبعد مدى.
المهم تزوجتها، وبدأت المشاكل بتأخرها في العمل، وإهمالها الواضح في البيت، رغم وعودها بأنها لا يمكن أن تسمح للعمل أن يسرقها من البيت.. تراكمت المشاكل وضاع الحب، ووصل إلى محطة الطلاق.
أما عن السبب الرئيسي لضياع الحب فأقول إنه الطموح الجارف الذي جعل المرأة العصرية تضحي بأي شيء في سبيل العمل، وكأنه بديل للرجل في حياتها.
غياب الهدف
الدكتورة علياء عبد العال، مدرسة الإعلام الاجتماعي جامعة عين شمس، ترى أن الفشل في الزيجات التي تتم عن حب في العصر الحالي مردها إلى أن الشباب اليوم يختلفون عن الأمس، ففي الأمس كان السائد في الزواج هو أن هناك هدفًا واضحًا ومحددًا من الارتباط، وهو تكوين أسرة وبيت وأطفال وكانت الزيجات ناجحة إلى حد كبير، كما كان قوام الزواج هو العشرة والحب.
لكن ظروف المجتمع في الوقت الحاضر اختلفت بكل المعايير؛ لأن عصر الثورة المعلوماتية والتطور الإعلامي والتكنولوجي روَّجت لصور ومفاهيم عن الحب بشكل خاطئ إلى حد كبير، مما جعل الشباب يفكر في شكليات الزواج من شبكة ومهر وتأثيث منزل الزوجية، دون النظر إلى جوهر الزواج، من حيث الأسس والقواعد وترتيب الأدوار.
لذلك نجد أن كثيرًا من زيجات الحب (المتوهم) تنتهي إلى الطلاق؛ لأن هؤلاء الشباب لم يجدوا الموجّه لهم في الإعلام ولا المناهج الدراسية ولا الأهل كي يعرفوهم بأسس الزواج ومقوماته وكيفيه تعاطي الطرفين معًا بعد الزواج وبشكل ناضج، والتيقن بأن الحب وحده ليس هو الجانب الوحيد والكافي للحياة الزوجية.
وعلى ذلك تعتبر الدكتورة علياء أن هؤلاء الشباب أنفسهم ضحايا، وأنه يجب أن يتم تلقينهم الموضوعات المتعلقة باختيار شريك الحياة، واعتبار الزواج كالمؤسسة في إطار المنهج العلمي.
ويبقي المعيار الأساسي هو كيف يختار الفرد شريكه بشكل صحيح كي يحقق النجاح.. كيف يختار زواجًا بالقلب والعقل معًا.. كيف يدرك جيدًا أسس الاختيار الصحيح لشريك الحياة حتى لا يتعرض للفشل؟؟ فالزواج مشروع حياة لا بد أن تتوافر فيه العقل والعاطفة لخلق المودة والرحمة.
أما الدكتورة هبة طلال - استشارية الطب النفسي، فتعبر عن أهمية الحب في حياة الرجل والمرأة على حد سواء، وترى أن كل فرد في الحياة يختار الشخص الذي يشعر إزاءه بارتياح نفسي وأمان، ويظن أنه بالارتباط بهذا الشخص فإنه سيكون قد حقق السعادة الدائمة.
وعند ارتباط طرفي العلاقة برباط الحب فإن توقعات كل طرف تجاه الآخر تكون مرتفعه للغاية، ويكون هناك أسس مشتركة مسبقة بين الطرفيين متفق عليها؛ لأن أساس العلاقة هو الحب والمشاعر.
فالحب الحقيقي يمنح النفس شحنة من الطاقة الاستيعابية التي لا يستهان بها، ولكن في بعض الأحيان عندما يفشل الزواج الناتج عن حب غير حقيقي أو حب مرتبط غالبًا بالحاجة الجسدية، خاصة بعد اكتشاف حالة عدم التوافق النفسي أو الجنسي داخل مؤسسة الزواج وهو ما لا يمكن اكتشافه قبل الزواج، هنا تحدث "الصدمة".
حيث إن كل طرف يكون لديه توقعات مرتفعة إزاء الآخر، ولكن بعد الزواج وبعد أن يرفع كل طرف القناع عن وجهه، ويبدو على حقيقته وتحدث الصراعات بين الطرفين، يهبط معدل التوقعات خاصة أن كل طرف يشعر أنه استحوذ على ما كان يريد الوصول إليه.. وهنا تحدث عملية استرجاع ذهني للحب الذي كان.
ولكن يصل الطرفان في النهاية إلى أن الحب أصبح في خبر كان ويلقي كل طرف باللائمة على الآخر كنوع من إزاحة عبء الألم عن نفسه، وإما أن يصلا إلى الطلاق، أو يقررون الاستمرار في الحياة، ولكن لمجرد استكمال الشكل الاجتماعي لا أكثر.
--------------------------------------------------------------------------------
** صحفية مهتمة بالشأن الاجتماعي،