دراما الأطفال
هل توقفت عند كان يا ما كان..؟في استبيان لعيّنة عشوائية من مرحلتي التعليم الأساسي في إحدى مدارس دمشق، سأل مدرّس اللغة العربية الطلاب عن أكثر مسلسل للأطفال يتذكّرونه وعلق في أذهانهم وتأثروا به واستفادوا مما ورد فيه من القصص والمعاني النبيلة، فكانت الإجابات تتمحور في أغلبها الأعم حول المسلسل الشهير "كان يا ما كان" وما عدا ذلك توجّهت الإجابات الأخرى نحو أفلام الكرتون المدبلجة والمترجمة وبرامج الأطفال المنوّعة ومسلسلات الكبار بمختلف ألوانها ولاسيما الكوميدية منها.
إذاً، لقد استطاع مسلسل "كان يا ما كان" رغم التقادم الزمني، حيث أُنتج الجزء الأول منه عام 1990 أن يستفيد من كل ممكنات النجاح والبقاء ذلك أنه وظّف وبكل بساطة الحكايات الشعبية والأسطورية لخدمة مقولات كبرى نواتها الخير والمحبة، معتمداً أحدث التقنيات البصرية المعاصرة. وكسب فيه الكاتب الراحل داوود شيخاني وابنه المخرج أيمن شيخاني الريادة في إنتاج أول عمل سوري للأطفال مكتمل العناصر، ليبقى المسلسل الوحيد العالق في ذهن الكبار قبل الأطفال.
إزاء ما سبق، تطرحُ مشكلة غياب الإنتاج الدرامي المخصّص للأطفال في سورية، كما في البلدان العربية الأخرى، سؤالاً كبيراً ظلّ معلقاً في فراغ التنظيرات والمشروعات المأمولة ردحاً من الزمن، إذ لم تستطع وعود المخرجين وشركات الإنتاج والندوات الحواريّة على كثرتها أن تجيب عنه، وتُبرّر لنا أو تقنع أطفالنا وطلابنا وتُفصح عن سر الإعراض عن مثل هذه الدراما التي باتتْ حاجة ملحّة أكثر وأكثر، بل تفرض نفسها بقوة اليوم مع نزوع معظم أبنائنا إلى البرامج والألعاب الالكترونية بمختلف مؤثراتها، واللهاث خلف "الثقافة المعولمة" التي أكد جلّ المختصين أنها ساهمت إلى حدّ بعيد في تسطيح رؤى وأفكار السواد الأعظم من الأطفال العرب، وهتكت بعض القيم العليا التي كانوا يؤمنون بها، وكانت إلى حين قريب سمة دالة من السّمات الروحية والأخلاقية لمجتمعنا العربي.
ولعلّ المستغرب أكثر أن يستمر هذا الغياب لمسلسلات الأطفال حتى اليوم، مع توسّع الإنتاج الدرامي السوري وتعدّد توجهاته في العقود الأخيرة والذي أضحى منافساً عنيداً للإنتاجات العربية بمجملها، ومع تحقيق الإنجازات القليلة والخجولة التي تصدّى لها كتّاب ومخرجون سوريون مراكز متقدّمة في المسابقات الدرامية العربية خلال العامين الماضيين، حيث نال – مثلاً- مسلسل "مغامرات طارق" من تأليف وإخراج مظهر الحكيم جائزة الإبداع الذهبية، وشهادة تقدير في مهرجان القاهرة للإعلام العربي، والميدالية الذهبية في مهرجان اتحاد إذاعات الدول العربية في تونس. كما نال مسلسل "الأحلام الذهبية" تأليف لينا كيلاني وإخراج حسام داغستاني جائزة الإبداع الذهبية لأحسن إخراج في دراما الطفل. ولا ننسى المحاولات التي قدّمها كلٌ من باسل الخطيب، وعصام موسى، وواحة الراهب، ومحمد شيخ نجيب، وفراس دهني وسواهم.
على أن العودة للاستبيان، تؤكد أن هذه الأعمال على أهميتها لم تحظَ بفرص المشاهدة الصحيحة والقبول لتتعالق مع ذهنيّة أطفالنا وطلابنا، ما يستوجب تشريح المشكلة وفهم أسبابها المنطقيّة، خاصة إذا علمنا أن ما يقدّم وينتج من مسلسلات للكبار يزيد سنوياً عن ثلاثين عملاً، فيما العدد ذاته لا يقدّم أو ينتج كمسلسلات للأطفال إلا في عشر أو حتى عشرين سنة، في إشارة واضحة إلى قلّة وندرة التوجّه نحو هذا الشكل من أشكال الدراما بذرائع شتى منها ما يتعلّق بسويّة النصوص المكتوبة، أو خشية شركات الإنتاج من تسويق مثل هذه الأعمال التي لا تلقى قبولاً في المحطات الفضائية العربية، أو الادعاء بأن دراما الأطفال تكلّف كثيراً بينما مردودها قليل وقد يكون معدوماً.
على الضفة الأخرى ثمّة من يرى أن قضايا عدة، طرحها كتّاب أدب الأطفال يمكن أن تكون دافعاً للمخرجين السوريين، فيما لو كانوا جادين، لتبنّي مجموعة متكاملة من النصوص التي تنسجم مع منظومتنا الاجتماعية والإنسانية وتقديمها وفق رؤية تستدرك هذا الفراغ والغياب، خاصة إذا علمنا أن المجتمع السوري مجتمع فتي، ومسؤولية تثقيفه معرفياً وفنياً وبصرياً تقع على عاتق المشتغلين في هذا الحقل الواسع المترامي الأهداف.
وثمّة من يقول: لقد بدأ آل شيخاني الخطوة الأولى، وتلتها خطوات بطيئة تنقصها الجرأة والإقدام والمغامرة.. فهل ستبقى دراما الأطفال متوقفة عند "كان يا ما كان"..؟!.
عمر محمد جمعة
http://www.albaath.news.sy/user/?id=1129&a=100194