قد تذهب إلى أخطر بقعة في الأرض لتروي قصة مؤلمة مؤمنةً بكشف الحقيقة، لكنها سرعان ما تفقد مصداقيتها أمام والدتها. فتتحول المرأة الشجاعة إلى طفلة جميلة وكاذبة. قراراتها جريئة وحاسمة وحرّة، كتجوّلها في أسواق حلب المحروقة. فضّلت ريما مكتبي أن تتحدث بالعربية في «العربية» مجدداً، بعدما انتقلت إلى شاشة CNN العالمية. وتحدّثت عن الكثير في هذا الحوار، طاقتها كفتاة في الحرب وبطاقتها المهنية كمراسلة... ارتدت الإعلامية اللبنانية أزياء بيضاء ليحلّ السلام بين إجاباتها الواقعية والمرعبة أحياناً، كما اختارت السترة الكاكية حاملة غصن زيتون في عينيها.
- اعتدت على طرح الأسئلة فقط...
أفضل طرحها طبعاً، ولذلك أنا مقلة في إجراء الحوارات. أجد نفسي مكان المحاور دوماً وفي موقعه.- متى تترددين إلى لبنان خصوصاً أن إقامتك بين دبي والمناطق التي تكونين فيها لتغطية الأحداث؟
قد أغيب أشهراً، أنا أقيم خارج لبنان منذ ثماني سنوات.- تتعاطين الشأن السياسي خارج لبنان نسبياً، واللبناني يحب الحديث في السياسة. إلى أي مدى أنت بعيدة عن دائرتك المحلية كمواطنة؟
لست بعيدة عن الشأن اللبناني لأنني على تواصل دائم مع والدتي وإخوتي وأصدقائي، لكن لا أخفي أنني قد أمضي أسبوعاً كاملاً أحاول فيه الاختلاط والاقتراب من الشارع لتغطية حدث لبناني. مهنتي جوّالة، ولذلك حين أسافر أستقلّ سيارة أجرة وأتكلم مع بائع الخضار في أي بلد لأقترب من مشاكل الناس وأطرحها. والأمر نفسه ينسحب على لبنان. أحيي علاقاتي وألتقي أشخاصاً مرّ وقت طويل لم أجلس معهم، ألتقي أصدقاء وصحافيين وشخصيات في مواقع معينة، كذلك أصحاب مواقع ومحللين وأقارب.- ما هي أصعب تغطية أجريتها أخيراً؟
سورية. استجوبنا رجل أردني عند حاجز تابع لجبهة «النصرة» مدة نصف ساعة هناك. لم أكن أضع غطاء على رأسي. وكانوا ليحتجزونا. هذه أول مرة أتكلم فيها عن هذا الموضوع. ولذلك خرجت من سورية ولم أعد إليها. فقد اعتبرت أنني حين أضع نفسي تحت الخطر لهذه الدرجة...- هل كان قراراً شخصياً؟
تتردد الإدارة في قناة «العربية» في مطالبة مراسليها بتغطية الأحداث في سورية خصوصاً بعد مقتل مراسل لدينا هناك. لقد ساء الوضع كثيراً على الأرض. دخل زميلي محمد دغمش لنهار واحد، لم نعد نستطيع البقاء أسبوعاً. لم تقصّر «العربية» مع الثورة وغطت شؤون السوريين. وأرفض أن يوقفني أردني في جبهة «النصرة» في سورية، وكان يرافقني شباب دفنوا أفراداً من عائلاتهم قبل يوم من الحادث. كان هذا الأردني يسائلهم في بلدهم ويحقق معهم. تغطية سورية باتت مكلفة جداً رغم أن ثمة ما يسمى الخطر المدروس في الإعلام العالمي. وبدراستي للخطر وجدت أن ثمنه أكبر من طاقتي على التحمل ومما تحملته.- هل شعرت بالخوف أم بقيت متماسكة؟
خفت نعم. لكنني صلّيت كثيراً. أنا إنسانة مؤمنة جداً.- هل يرتبط الخوف بالإنسان أم بالإيمان؟
أؤمن بأن الله يقرر مصيري، لكنني أحمل همّ والدتي وأقاربي وأحبائي. لا أود أن أضعهم في هذا الظرف. أخاف أن أصاب بعاهة أو أتعذب. أشعر بوجود الله إلى جانبي، ومع ذلك أخاف كثيراً. خوفي صلب... فأنا ابنة حرب. عشنا حروباً كثيرة في لبنان.- لا أود التركيز على الأردني. لكن هل تذكرين كلمات محددة وجهها إليكم؟
اتهمنا بالعمالة. لم أكن محجبة لكنني كنت أرتدي كالرجال لباساً محتشماً مثالياً لمراسلة حرب موجودة في سراقب. كنت أربط شعري، ولم أكن أعلم أن تنقلي يقتضي وضع غطاء الرأس. كنا مع فصيلين مقاتلين من «الجيش الحر»، وهذا ما ضمن عودتنا. ظنوا أنهم قد يختلفون مع الفصيلين إن حصلت لنا مشكلة.- نراك مختلفة الآن مع أحمر شفاه...
أضع أحمر الشفاه في المقابلات أحياناً وحين أخرج برفقة أصدقائي. أحب الماكياج لكن لا أشعر بأنه يليق بي لأن ملامحي تبرز بسهولة.- هل الشعر المجعد يجعلك تبدين أكثر جدية؟
لا أهتم بما يجعلني أكثر جدية. شخصيتي هي التي تعكس جديتي. أضيق ذرعاً من الجلوس في صالون تصفيف الشعر. أحتاج ساعات لتمليس شعري في الصالون ولا أملك هذا الوقت.- أنت غائبة عن اللقاءات الإعلامية...
أشعر بأن من يحاورني هو زميل، وبالتالي لمَ يريد أن يجري معي لقاء؟- اعتدنا رؤية المرأة اللبنانية على القوائم الجمالية والأكثر أناقة. على أي قائمة ورد اسم ريما؟
ما رأيك؟- الشجاعة؟
بالتأكيد لن يرد اسمي على قائمة العربيات الأكثر جمالاً. وأجد أن ثمة إعلاميات عربيات كسرن هذه الصورة قبلي. صناعة الإعلام اليوم لا تقوم على المضمون فقط، وأصبح التلفزيون في العالم يتوجه إلى أصحاب الوجوه المقبولة والعقول الذكية. الصورة النمطية أن المتواضعة الجمال ذكية واللافتة بلهاء انكسرت. في «حلوين وبشعين هبل»! والعكس صحيح. كما أعتقد أن ما من امرأة قبيحة اليوم مع دخول المرأة إلى عالم الجمال والاستفادة منه. لكن بالتأكيد لن يرد إسمي على قائمة النساء العربيات الأكثر جمالاً أو نفوذاً. ومع ذلك، أتساءل من يضع هذه القوائم؟- ورد اسمك ضمن قائمة أكثر 100 صحافي مؤثر في الحروب حول العالم...
هذا شرف كبير لي. وأعتقد أنني لم أحقق ذلك بشكل فردي، فـ «العربية» أعطتني المجال وفتحت أمامي الطريق رغم التحذيرات الدائمة من دخول سورية.- كيف تقومين بمهمتك خصوصاً أن تغطية الحروب مرتبطة بالمراسلين الرجال؟
ثمة مراسلات خرقن هذه القاعدة، وحضرن بقوة على الأرض. لكن تبقى الصورة النمطية في العالم العربي مرهونة بهذه التساؤلات: «ما الذي أتى بك إلى هنا وهل أنت مضطرة للمخاطرة؟». يعتبرون أن هذا المكان ليس للمرأة، ويعتقدون بجرأة الرجال في الحروب أكثر. فيما المرأة أكثر قدرة وجرأة على تغطية الحروب. أعتقد أن لدي نظرة إلى وقائع على الأرض في سورية مختلفة عن أي مراسل رجل. أشعر مع المرأة، فهي الضحية الأولى في الحروب. هي والأطفال والعجزة. أضع نفسي مكانهن بسهولة وأروي قصة إنسانية أشعر بها وأدركها جيداً. نظرة المرأة مختلفة في الحروب. وثمة موضوع واحد تخاف منه المرأة في الحروب وهو الاغتصاب والتحرش الذي حدث في مصر. هذا يرعبني.- قلت إنك امرأة مؤمنة. لكن كيف تحمين نفسك؟
ما من حماية، فأنا أدخل مع المصوّر. أنسق مع فصائل على الأرض ومع مواطنين. بينما في الإعلام العالمي ثمة تدابير أمنية وحماية ترافق المراسل. وبصراحة لا أعتقد بأي حماية في الحرب لأن القذيفة قد تقتل المراسل ومن يتكفل بحمايته. كذلك القنص. لا تطلب الإدارات والتلفزيونات من المراسل الذهاب إلى أماكن الحروب. المراسل هو الذي يعرض نفسه، لا أظن أن ثمة محطة تطالب مراسلها بأن يسير باتجاه الموت.- إلى متى ستظلين تعرضين نفسك للموت؟
هذا يعتمد على القصة. ثمة خطر مدروس لأنجز تقريري بأقل ضرر ممكن، فأنا لا أدخل بمفردي كالإعلام المكتوب بل يرافقني مصوّر. أعرّض حياة إنسان آخر للخطر كما أعرّض حياة الناس الذين أقابلهم للخطر. وبالتالي هي مسألة معقدّة.- تابعت أحداث سورية من مؤتمر جنيف أيضاً. كيف تصفين تجربة متابعة الأزمة السورية من الأرض ومع أطرافها؟
متابعة الأحداث السورية من جنيف كانت مملّة. لعبة مملة.- تفضلين التشويق على الأرض؟
ليس فقط لأنني أحب التشويق. لكن المؤتمرات كانت تمتد ساعات طويلة. كان نهاري يبدأ في السابعة صباحاً وينتهي بعد منتصف الليل. جلست مع مصادر متشعبة وكنت أظهر على الهواء مباشرة غالبية الأوقات.- هل مهمتك كانت أسهل على الأرض في سورية؟
نعم، وهذا مضحك. قصتي كانت أمامي. تغطية جنيف كانت مؤذية، لم أكن أكيدة من الطرف الذي حضر من أجل سورية، حضرت الأجندات أولاً، بينما على الأرض تناولت قصصاً إنسانية صادقة. غاب الصدق في جنيف، وأزعجني الكذب السياسي الذي لا أنتمي إليه. ورغم ذلك، حرصت على تغطية جيدة ومتوازنة، مصادري كانت قوية ومقابلاتي حصرية.- هل التقيت هناك زملاء سابقين في CNN؟
نعم. ألتقيهم وأقبّلهم وأنا داعمة لهم على الدوام. يحتاج إليّ البعض في المنطقة لنسج علاقات. وأنا بحاجة للقائهم لأنني أشتاق إليهم.- لمَ أنت في «العربية» اليوم؟
أنا في مكاني الطبيعي. أنا في «العربية» لأنني مؤثرة على شاشتها. وأي قصة على شاشة «سي إن إن» لن تؤثر في العالم العربي على صعيد الشعوب والمشاهدين مثل قصة تبث على القنوات العربية. حين عدت إلى العربية دخلت سورية وحققت ما لم تستطع اختراقه بعض القنوات الأجنبية. التزامي بالنهاية للشرق الأوسط وعندما ذهبت إلى «سي إن إن» لم أذهب لتغطية القضايا الأميركية بل قضايا الشرق الأوسط، طوال سنتين ونصف السنة. لكنني وجدت أنني إن أردت التأثير في المنطقة يجب أن أكون في إحدى القنوات العربية... فعُدت.- كيف تقوّمين السنتين ونصف السنة؟
كانت تجربة غنية جداً لكنني لم أكن سعيدة. وهذا مؤثر في العمل.- ما الذي كان يحول دون سعادتك؟
اهتمام «سي إن إن» بالشرق الأوسط ليس بقدر اهتمام القنوات العربية به. يجب أن يكون الحدث جللاً لتناوله على هذه الشاشة. «خبر كبير»! كما أنني كنت موجودة في مكتب أبو ظبي وبالتالي التجربة مع زملاء بريطانيين أو أميركيين لم تكن موجودة. فكرت جيداً ودرست خطواتي، وأدركت أن هدفي كإعلامية في المنطقة مرتبط بقضايا إجتماعية وسياسية وشبابية وقصص تعني لي شخصياً. بالنسبة إليّ العمل هو شغف، وفي آخر مرحلة في «سي إن إن» فقدت هذا الشعور، كما أنني حين تركت «العربية» لم أكن أملك هذا الشعور أيضاً.- هل كان ختامها مسكاً لناحية تقاريرك في «سي إن إن»؟
انتهى عقدي مع «سي إن إن» لكن حتى آخر لحظة حرصت على أن تكون تغطيتي مميزة. أفتخر بالكثير من التفاصيل. استطعت أن أقدم تغطية مختلفة عن المرأة السعودية بينما الصورة النمطية عن السعودية في العالم الغربي أنها المرأة التي لا تقود. استعرضت حياة نساء منجزات في السعودية وقضية المرأة العاملة وحقوقها التي حصلت عليها من القضاء والسماح لها ببيع اللانجري والمستلزمات النسائية. حين قدمت استقالتي استمرت المفاوضات بيننا نحو شهرين، لكنني لم أشعر بأنني سأكون مرتاحة.- هل شعرت بأنك في «سي إن إن» يتم حصرك في القضايا الإجتماعية والإنسانية على حساب الخبر السياسي وكان ذلك سبباً في عودتك إلى قناة «العربية»؟
قدّمت تقارير سياسية في «سي إن إن»، قمت بتغطية ثورات تونس والبحرين ومصر... لكن «سي إن إن» مختلفة بتغطياتها عن «العربية». فالحدث السياسي فيها قد يكون خبراً عن الإرهاب أو انهياراً اقتصادياً أو ثورة أو إنجازاً علمياً. وبالنسبة إلي كمراسلة تتساوى الأخبار. لم أكن أقدم برنامجاً سياسياً بينما «العربية» متخصصة في القضايا السياسية.- كيف تصفين حياتك المهنية اليوم؟
متعبة لأنني مذ رجعت إلى «العربية» ينقصني الإستقرار. لا أجلس في استوديو بل اخترت أن أكون جوالة مع الأحداث المهمة. أقدّم الأخبار من وقت إلى آخر وأجري حوارات، لكن أخرج في تغطيات وحياتي مبنية على السفر المهني. أما الجزء الآخر من حياتي، فهو مرتبط بوالدتي إن كانت قادمة لزيارتي في دبي أو أريد أن أطمئن عليها في بيروت. هذه هي حياتي. شقيقاي في السعودية ونلتقي مرتين سنوياً بمناسبة الأعياد.- كيف تقسمين حياتك المهنية؟ الكل يعرف بدايتك من تلفزيون «المستقبل» وأنك إعلامية على شاشة «العربية» اليوم؟
أنا لا أحتسب أول فترة أمضيتها في «المستقبل» لأنني كنت لا أزال أتابع دراستي. دخلت في سنّ 18 سنة ودون خبرة. وفي آخر سنتين في «المستقبل» كنت في المكان الذي أرغب فيه فعلاً. تنقلت من المحلية إلى الإقليمية ثم العالمية.- علي جابر الذي يشغل منصب مدير مجموعة mbc كان مديرك في «المستقبل»، وقد التقيتما مجدداً خصوصاً أن «العربية» تابعة لهذه المجموعة...
كان من أوائل الأشخاص الذين قابلتهم حين توظفت في «المستقبل». هو بمثابة أخ كبير وقف بجانبي في مواقف صعبة كثيرة أخيراً. وقد دارت الأيام وأصبح مديري في موقع ثانٍ وفي المؤسسة نفسها أيضاً. أصبحنا صديقين ومقربين، أكنّ له ولعائلته المحترمة ولزوجته تمارا كل الحب. نلتقي باستمرار. هو إنسان أجده في الأوقات الصعبة.- بين الأمس ومرحلة ما قبل «سي إن إن» والحاضر، ما الذي اختلف في حضورك في «العربية»؟ وكيف استعدت الشغف للعودة والعمل فيها؟
ازدادت مهنيتي بالتأكيد. وأنا لم أعد عبر برنامج إخباري يومي. وبالتالي، صحيح أنني ضحيت ببرنامج في وقت الذروة لكنني أنا الآن أقدّم ما أحبه. وما اختلف أنني عدت لأتحدث بالعربية. أخذت إجازة ثلاثة أشهر بعد تركي «سي إن إن» تلقيت خلالها عروضاً مهنية عديدة لكنني اخترت العودة إلى «العربية».- هل كانت استعادة موقعك في «العربية» سهلة؟
لا. لم تكن كذلك، لأنه لم يكن سهلاً أن أترك «سي إن إن». إضافة إلى التحدث بالعربية في «العربية».- غير اللغة العربية، ما الذي تعنيه العودة إلى غرفة أخبار «العربية»؟
العودة إلى «العربية» هي بمثابة رجوعي إلى البيت. أنا أكثر سعادة فيها لكن «سي إن إن» أكثر مهنية. ومن الظلم أن نقارن لأن عمر «العربية» أصغر من «سي إن إن».- هل كان مفيداً لك التنقل بين أكثر من مؤسسة؟
أنا الآن في الـ 37، دخلت عالم الإعلام في الـ 18.- لا تجدين مشكلة في كشف عمرك؟
لا أبداً. سأحتفل بعشرين عاماً في الإعلام العام المقبل. ولا أظن أن ثلاث مؤسسات في 19 عاماً كثيرة، خصوصاً أنني كنت اتطور مع كل خطوة.- ما هو هدفك الإعلامي؟
لا أضع نصب عيني هدفاً محدداً. حلمت بأن أقدم أخبار «المستقبل» وفعلت، كما حلمت بنيل شهادة ماجستير في العلاقات الدولية. حلمت بأن أكون في «العربية» وعلى شاشة «سي إن إن»... حققت جزءاً كبيراً من أحلامي. ثمة المزيد وأتركها للوقت. أحرص اليوم على أن أوازن حياتي أكثر، فحياتي تساوي المهنة منذ 19 عاماً. منحت عملي الكثير.- هل تلمّح لك والدتك أنك تظلمين نفسك؟
لا، والدتي هي الداعمة الدائمة لي. ذهبتُ إلى المكان الذي قادني إليه شغفي. أنا التي اخترت عدم الارتباط وتكريس وقتي لعملي في المرحلة السابقة.- من تفاخر بأنها نجحت في أن توازن بين حياتها الشخصية والعملية، هل هي امرأة مدعية؟
لا، لكن ثمة من يملكن القدرة. أنا لا أقول إنني لم أكن أملك هذه القدرة لكن لم أكن مهتمة بذلك. لطالما تقدم عملي على قرار الخروج برفقة الأصدقاء. قد أنتهي من مقابلتي مثلاً لكن يهمني أن أعود إلى المكتب لمتابعة الأصداء. لدي صديقات عاملات في مواقع مهمة تزوجن وأنجبن وكانت تضحياتهن ضخمة. لا يمكن أن أقارن نفسي بهن.- هل ثمة رجل يتقبل حياة شريكة مليئة بالتنقل؟
أفكر بهذه الناحية بالتأكيد. لكن الرجل الذي يريد أن يكون جزءًا من حياتي وطموحي سيحبني كما أنا. ولا أنكر أنني يوم أعرف الاستقرار العاطفي وأصبح أماً سأكون مختلفة. فأنا أصاب بالمرض جراء بعض التغطيات وأتعب كثيراً. حين أقرر الاستقرار سأكون على مستوى هذا القرار.- ما هو أقسى موقف تعرضت له في التغطيات؟
كانت لحظة بيني وبين الموت في المواقع الأمامية في أسواق حلب القديمة. كان المشهد يشبه أسواق بيروت القديمة وقت الحرب. وكان الرصاص ليصيبنا لو أننا لم نركض... شعرت حينها باقتراب الموت. لكنني أمضيت أسوأ أوقاتي في المخيم. أسوأ مكان قد يقيم فيه الإنسان هو المخيم. كانت أحلك ساعات وأيام في مخيم أطمة في سورية. كما تلازم تفكيري امرأة زرناها في إدلب مرّ خمسة أيام عليها دون خبز. مات ولداها وهي مسؤولة عن 15 طفلاً تحمل همّ إطعامهم، أكبرهم في الثالثة عشرة وأصغرهم ستة أشهر.- هؤلاء أبطال قصصك، هل تخافين عليهم أحياناً حين تعرضين واقعهم على الشاشة؟
أخبرهم مسبقاً بأنهم سيظهرون على الشاشة وأن ذلك قد يعرضهم للأذى والقرار يعود لهم. أريد أن أذكر موقفاً صعباً إضافياً، هو لقائي الفتاة المغتصبة التي تعرّضت للتعذيب. صورت عنها وثائقياً تحت عنوان «مهمة خاصة»، هي رائعة الجمال بعينيها الواسعتين وشعرها الأسود وعمرها 19 عاماً وكانت في السجون السورية 3 أشهر وأطلق سراحها لاحقاً. طالبتني بأن أغطي لها وجهها وبأن أعطيها اسم «أمل» المستعار. أصبت بالاضطراب الليلي شهراً كاملاً بسبب هذه الحالة. وكان تحدياً كبيراً لأن السوريين قرروا التعتيم على موضوع الاغتصاب لئلا «يفتضحوا أمر بناتهن».- نقلت إضاءات قد لا ترضي بعض الجهات السياسية. هل تخشين من ردات فعل محتملة في بيروت أو أي مكان آخر؟
لا أتخذ احتياطات معينة لكنني أشعر بالقلق في لبنان أكثر من سورية. فالخطر في سورية معروف المصدر، قذائف أو طيران أو احتمال الخطف. بينما في لبنان لم يعد مصدر الخطر معروفاً، خطف مقابل المال أو جراء تفجير يحصل وأنت تعيشين حياتك الطبيعية، أو اشتباكات تستيقظين على صوتها أو عملية اغتيال تحصل وأنت تمرين بالصدفة في المكان نفسه فتموتين بالصدفة. أنا مثل أي لبناني يشعر بالقلق.- هل صادفك أعداء لنجاح؟
بالتأكيد، والبعض منهم أصدقاء وأقارب. أعرف جيداً أن من يجاملني لا يقول الحقيقة أحياناً. الأهم أن أهدافي واضحة في هذه الحياة.- هل أعداء النجاح هم معجبون مربكون وسرّيون؟
أحرص على إبقاء العلاقة مع الشخص الذي يذكرني بكلام سيئ في غيابي. أناقش من ينتقدني رغم أن النقد لا يؤخذ به من أي كان. فحين يتعدى النقد الجانب المهني ويتطرق إلى الشخصي أفقد حاسة السمع.- بين الحرب السورية والحرب الإسرائيلية على لبنان...
الحرب الاسرائيلية على لبنان كانت أصعب. مجازر سورية سيكتب عنها التاريخ، لكن ما عشناه في لبنان نحن كأطفال وحتى حين كبرنا هو أضعاف أضعاف ما يعيشه السوري اليوم. حرب اسرائيل شنت على بلدي، لبنان هو بلدي. أنا متعاطفة مع أي إنسان يموت في العالم لكن لبنان بلدي، وجنوبه لي وجسر زحلة الذي قصف ومن استشهدوا هم أبناء وطني.- أخطر منطقة...
حين أصرينا أن نلحق بسيارة تابعة للصليب الأحمر في منطقة صور في جنوب لبنان، لإنقاذ عائلة مطمورة تحت الركام. وكانت إسرائيل تقصف المنطقة المحيطة. أقمت في الجنوب في آخر أسبوعين من حرب تموز/يوليو 2006.- هل أنت نجمة تلفزيونية؟
لا أحب أن أكون كذلك. لا يمكن أن نعمم، ثمة من يشتمني في الطريق. هذا غير صحيح.- يسأل النجم عن تجربة سينمائية يحب أن يخوضها. ريما مكتبي، أي منطقة نزاع ترغب في دخولها؟
دمشق، لكن أرغب في إجراء لقاءات أيضاً. أريد أن أقابل السيد حسن نصرالله، لديّ الكثير من الأسئلة لأطرحها عليه. كما أريد لقاء بشار الأسد وحسني مبارك وزين العابدين بن علي...- حين نقول السيد حسن نصرالله، ما هي أول صفة تحضر في بالك؟
الأمين العام لحزب الله، هذه صفته!- تريدين لقاء كل «المغضوب عليهم»...
لديهم الكثير لقوله، كذلك فلاديمير بوتين. ولدي بعض الأسئلة للسيدة أسماء الأسد. هذه أمنياتي الحالية كإعلامية.- هل ثمة سعي لتحقيق ذلك؟
بالتأكيد، معظم الشخصيات التي ذكرتها سعيت لإجراء مقابلات معها.
بإختصار- الفراغ اللبناني ..
أعتقد الأهم في لبنان هو شعبه لأنه بلا رئيس ومع برلمان ممدد له ومعطل... مثيرة ولافتة قدرة البلد على التماسك من دون انهيار كامل. وهذا يدل على حيوية اللبناني وصموده رغم الواقع وقدرته على تحمل كل الضغوط. هذا إنجاز لكننا نستحق وطناً أفضل. محزن كيف يطرد لبنان أبناءه ويدفعهم إلى المغادرة.- هل أنت واحدة منهم...
نحن عائلة من ثلاثة أشخاص، شقيقاي في السعودية وأنا في الإمارات. قصتنا مثل قصة الكثير من العائلات اللبنانية. محزن ألاّ تكون المدينة الإعلامية المهمة في لبنان بل أن تصبح كل الامور المهمة في الخليج فقط.- «ماشي البلد»...
لا أريد أن أستخدم هذه العبارة فهي تحمل معنى سياسي إضافي Connotation يذكّر بزمن معين. الأمور «مش ماشية. ما في شي ماشي بس الناس عايشة».- الطموح السياسي...
حسمت أمري في الموضوع السياسي منذ سنوات. عرفت عام 2005 أنني لن أطمح يوماً إلى دخول عالم السياسة في لبنان. نحن بلد قائم على المحسوبيات والطائفة والعائلة والإطار السياسي، ولا مكان لي في هذه المعادلة. يهمني أن أبقى سعيدة بما أقوم به، والتوفيق بين نجاح حياتي المهنية وأن أؤسس عائلة وحياة أسرية.- صورة المرأة السياسية...
ليت الحياة السياسية توصل نساء لسن من عائلات مهمة أو ميسورة مادياً، أو زوجات دفنّ أزواجهن قبل دخولهن البرلمان.- أنت شجاعة كما توحين؟
عشنا في لبنان ظروفاً صعبة، الشجاعة من شيم شعوب الشرق الأوسط التي عاشت الكثير من الحروب. سواء كنت لبنانية أو فلسطينية، لدي قدرة على التكيف مع الخطر. إلأ أن خلف الجرأة والقوة صلاة وإيماناً وحظاً لأعود أدراجي سالمة.- الخطر المدروس...
الأعمار بيد الله، مهما درست الخطر بوجود الطيران الحربي فوق رأسي والميليشيات والفرق المسلحة المتطرفة.- المكان الذي لن أعود إليه...
حلب. لا أعرف عما سنحكي اليوم في سورية عن حرب أهلية أو جماعات متطرفة أو شعب سوري لاجئ. أهم إنجاز في الحروب اليوم بات أسر صحافي، بينما كانت كل الأطراف تحيّد الإعلاميين.- الفرق بين الجرأة والشجاعة...
أكذب على والدتي حين أقصد مكاناً خطراً، فأنا أكلمها يومياً. أفقدتني مصداقيتي حرصاً على مشاعرها. هي لا تعرف حتى اللحظة أنني كنت في بغداد. أخبرت شقيقي بأنني كنت في أربيل. لا أريد أن يقلق أهلي. ليس سهلاً أن أقنع الإدارة بقرار دخول منطقة خطرة، فهي مسؤولية كبيرة.- أن يرتبط اسمك بالحرب...
أفضل أن يوازي الحدث والمصداقية، فأنا قمت بتغطية المفاوضات النووية في مسقط، والإنتخابات في تركيا... لكن قد تكون صبغة الحرب طاغية في صورتي المهنية لأنني تجرأت.- نقيض التجول في حلب...
سأقارن حلب ببيروت، حين كنت أعود من سورية لأطمئن والدتي. كنت أمشي في شوارع وسط بيروت وأحلم بإعادة إعمار حلب وبأن ثمة أملاً.- التقرير «الرائع» عن حقيقة بشعة...
أحاول أن أنقل الحقيقة كما هي ببشاعتها ولا ألطّفها. وهذا صعب لجعل الناس يتفاعلون وإحداث تغيير. المرأة كائن ضعيف ربما، لكنها حساسة وتستطيع رؤية ما لا يتنبّه إليه الرجل. - صفات غيرتها فيك المهنة...
النضج المهني والعاطفي، وأدركت أنني كامرأة يجب أن أؤدي دوراً في الوطن العربي وأشجع نساء كثيرات. حاولت وفشلت ونجحت لاحقاً.- أمل علم الدين التي عرفها لبنان بعد زواجها من جورج كلوني...
النساء المؤثرات مهنياً والمجهولات مثل أمل عديدات. أنا سعيدة أنها لبنانية ووضعت لبنان على الخريطة العالمية، لكن الإعلام يلحق بالقصة الساخنة دوماً وفي كل مكان. كانت محامية مؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج لكنها لم تشغل العالم. لحق الإعلام بزواج جورج كلوني وكانت العروس أمل بالصدفة وكانت امرأة كفوءة بالصدفة أيضاً. فشعرنا بالفخر. كتابة : مايا بنّوتتصوير : دافيد عبد الله
ريما مكتبي: المرأة ضحية الحروب الأولى وهي الأقدر على تغطيتها | Laha Magazine