منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قصة حدثت غدا"

العرض المتطور

  1. #1

    قصة حدثت غدا"

    قصة حدثت غدا

    تأليف : نيقولا ديب


    استمر الأجتماع عدة أيام بين كبار رجال القرية ، لم يتوقف الأهالي أثنائها عن طهي الطعام ونقلة الى مكان الاجتماع في أوعية كبيرة ممتلئة باللحم يتصاعد منها البخار أشكالا لا تلبث أن تتلاشى في بهاء الطبيعة .
    حبلا" متقطع من الناس يذهب حاملا الأوعية الممتلئة ثم يعود بالأوعية الفارغة ، ويتصل هذا الحبل بأبواب كل منازل القرية ، هذه القرية المختبئة عن الزمن تحت الصخور الناتئة التي تعلن عن وجود الطبيعة هنا منذ الأزل .
    وأخيرا" انتهى الاجتماع وصدر عنه بيانا مكتوبا يقول :
    " نحنو كبار رجال القارية ناقول وقاررنا ايرسال قايس ولايلا من مالينا للديراسة ورا الجبال ويتجوزو من مالينا ايدا"
    فهم أهل القرية البيان من الإشاعات المتسربة أثناء انعقاد الاجتماع ، التي حملها المقربون من المجتمعين وبثوها على الأهالي .
    فرح قيس وليلى الحبيبان المتفوقان في دراستهما بهذا البيان ، كيف لا! فهما يحبان العالم ويريدان أن يتمما علمهما فيما وراء الجبال العالية , وأقيمت الأفراح , واستلم قيس نفقات الدراسة مما جمعه الكبار, ثم ساعدهما أهل القرية في التحضير للسفر وحزم الأمتعة , وأخيرا سافرا بعد وداع كبير ، أصبح بعده لأبى قيس وأم ليلى مركزا" اجتماعيا" متقدما" في القرية غيّر من حياة أبو قيس وأم ليلى بقوة الإحساس الشديد الذي اجتاحهما وأعطاهما شيئا من السلطة .
    يقول أبو قيس بتأثير ضغط أمور العيش:
    العلم ليس مهما , والمال هو الأساس .لقد درست قيس ليتفوق في العلم كي يجلب لنا المال ونطمئن إلى الأيام القادمة , فهناك أمورا كثيرة يجب أن نفكر فيها , شراء التلفزيون وثمن البذار للزراعة وبناء المنزل وشراء الأثاث وتكاليف الزواج والكثير غيرها من النفقات .
    بعد عذابات كثيرة وصل الحبيبان إلى البلاد التي استقر رأيهما على إتمام علومهما فيها , ويا للصدمة عندما شاهدا أول كائن حي هناك !
    فقد أغمي عليهما وتمت معالجتهما فورا, ظن قيس وليلى للوهلة الأولى بعد أن أفاقا من أغمائهما أنهما في كوكب أخر !في عالم أخر! في جهنم مثلا أو في الجنة ! لم يستطيعا تحديد أي شيء يشير إلى مكانهما ، كائنات حية مذهلة ، الغرف مختلفة وكذاك اللغة والأجهزة والأبواب ، فكل شئ مختلف وخيالي ، لكن هذه الكائنات الحية ساعدت قيس وليلى على تخطي اللحظة ، وشعرا بالأمان دون أن يفارقهما الذهول ، فقد قفزت أمامهما كل إشارات الاستفهام في لحظة واحدة ، اجتاح قيس وليلى شعور عميق من الدهشة والرهبة ، لكن هذا الشعور بدأ يخبو رويدا" رويدا" بمساعدة الكائنات الحية من السكان الأصليين في أرضنا الكروية الواحدة ! فقد ساعدوا الوافدين الجديدين في كل متطلبات عيشهما ، وقدموا لهما السكن في أحد الطوابق الأرضية، ثم أحضروا لهم كل حاجياتهم من السواق العالية على الأسطح .
    بعد تعلم لغة البلاد الجديدة , ذهب طالبا العلم إلى مركز الأبحاث ليساعدهما على تقرير أبحاثهما , وبعد لقاء قصير مع المسؤولين قررا موضوع بحثهما وعادا إلى منزلهما . غرقا بعدها في العمل بشكل كبير حتى أنهما نسيا في السنة التالية استلام الأموال التي أرسلها كبار رجال القرية إلى العنوان المحدد :

    “אяэьщẶếềẬЋЛГПΦΉŜµìČĔͱ "

    ذكر أبو قيس فيما بعد تحت وطأة ندمه عندما أصبح يتمتع بنفوذ كبير في المدينة , وسار إلى البلاد التي درس فيها الأولاد:
    فوجئت أن البشر تطير هناك بأجنحتها الكبيرة وتدخل إلى منازلها من النوافذ , وتشتري حاجياتها من الأسواق المنتشرة على أسطح الأبنية العالية , فلا سيارات هناك ولا طائرات ولا دراجات نارية , وكل ما نسعى نحن اليه طوال حياتنا من الطعام واللباس والسكن والتجهيزات , لا يكلفهم شيئا , فالطير يولد ولديه مليون نقطة في حسابه , يبدأ بالانفاق منها منذ ولآدته ولمدة مائة عام , أما في المائة عام التالية فعلى الطير إعادة تجميع النقط من جديد لينفق منها , ويجمعها من تعميق شعوره بشخصيته ومحيطه , ومن تطوير إحساسه بحاجاته وحاجات الآخرين , وإيجاد طرق مبتكرة لفهمه لنفسه وللعالم وللكون , ليتم بعدها اختراع التجهيزات الجديدة لتخدم اكتشافاتهم تلك , فيمتلك الطير البشر بعدها قدرات أحدث باستمرار للاتصال بالكون وبالآخرين , فالمسافات بين البشر في الكون والمجرات تزداد بعدا" كل يوم ولا بد من اختصارها وتأمين الاتصالات العقلية والروحية والنفسية والمادية بين البشر الطيور .
    قام قيس وليلى بحسابات بسيطة تبين إن متطلبات العيش للبشر الطيور لا تشكل عبئا عليهم إنما متطلبات الحياة هي كل ما يستنزف الدخل المئوي للطير .
    أنهى قيس وليلى بحثهما بعد سنوات ووافق عليهما مركز الأبحاث وأعطاهما وثيقتين بناء على طلبهما تثبت تحصيلهما العلمي ، فحسب العادات لا تعطى وثائق للطيور وتحفظ المعلومات عن كل طير بحسب ختمه الإلكتروني , لا حسب الاسم ولا حسب الصورة فهم يغيرون أسمائهم وإشكالهم حسب ما يريدون كل فترة .
    وافقت ليلى على العودة مع قيس إلى قريتهما طائرين , بدأ بعدها قيس العمل بسرعة في تحليل خلاياهما وزراعتها حتى تمكن بعد ستة أشهر من زراعة خلية ناجحة له ولليلى , ونمت الأجنحة حتى اكتملت , لتبدأ بعدها مرحلة التدريب على الطيران , وهكذا حتى أصبحا جاهزين للعودة إلى القرية .
    ربط قيس صندوق الوثائق على ظهره , وجمعت ليلى كبسولات الطعام في جيبها وودعا البشر الطيور التي رافقتهما حتى اطمئنوا على سلامة طيرانهما ثم عادوا .
    استمر قيس وليلى بالطيران بسعادة فائقة , يحلقان في الجو إلى الأعلى ثم إلى الأسفل ويدوران حول بعضهما صعودا" وهبوطا" , يتسابقان ثم يلحقان ببعضهما , يريد أحدهما أن يمسك بجناح الآخر حتى تعبا فدعا قيس ليلى للهبوط على شاطئ البحيرة للاستراحة . هبطا بسلام وأكلا واستراحا قليلا" . غزاهما شعور الحب بشكل جديد للمر ة الأولى , تركيب جديد من الحرية والحب تزاوجا لزراعة بذرة الوليد الأول في حياتهما .
    انطلقا صباحا" من شاطئ الأمان بكل صفاء اللون الأخضر الذي لم أراه حتى في قريتي اليوم .
    استمرا في الطيران وحاولا قدر الإمكان اختصار أوقات الاستراحة حتى اقتربا من قريتهما , رفرف الطائران فرحا لرؤية وطنهما , وبدأت القلوب تخفق لفرط التأثر , وفجأة رأت ليلى بفرح صيادا" من سكان قريتهم يطرد الطيور التي يمكن أن تأكل المحصول , نظر الصياد إلى الأعلى فرأى طائرين غريبين فبدأ فورا بإطلاق النار عليهما , ولم يلبث أهل القرية أن انتبهوا إلى ذلك وأسرعوا وبدءوا بإطلاق النار على هذين الطائرين , فأصابوهما , شعر الصيادون بلذة الصياد الذي أضعف فريسته فتصاعد حماسهم وتزايد إطلاق النار إلى أن سقط الطائرين على الأرض في مكان ما بعد أن تم قتلهما , ركض الجميع للبحث عن الطائرين , فكان أبو قيس أول الواصلين يلهث من الركض وبندقيته بيديه , لقد عرفهما رغم تغير شكلهما كثيرا , واحتار للحظات بين اشتياقه لابنه ومفاجأة قتله , أراد أن يضمه ويحضنه لكنه لم يعرف كيف يفعل ذلك , ركض بسرعة وأخذ الصندوق وكل ما معهما واختفى وبعد دقائق بدأ وصول أهل القرية متتاليين .
    استطاع أبو قيس إقناع كبار رجال القرية بتمديد فترة الدراسة لقيس وليلى ، فكان يأخذ النقود عن كل سنة من سنوات التمديد إضافة للنقود التي أعادها قيس معه في الصندوق , ويسافر إلى القرية ليشتري العقارات والسيارات حتى أصبح من الزعماء في المدينة ، بينما استمر النقاش في القرية ولأجيال حول تحليل أو تحريم أكل هذا النوع من الطيور البشرية ونشب القتال بين المحللين والمحرمين في سنة من إحدى السنوات , ذهب بسببه أعدادا كبيرة من القتلى . وبسبب خيانة قيس وليلى وعدم عودتهما , لعن أهل القرية فيما بعد كل من يرسل أولاده للدراسة فيما وراء الجبال , لأن قيس وليلى لم يعودوا لخدمة وطنهم ألام , وعرف أبو قيس من أحد الاقنية التلفزيونية فيما بعد أن الأولاد تعلموا علوما" عالية في علوم الأحياء والتربية وتعتبر أبحاثهما من أهم المراجع العلمية في الكون .



    تأليف : نيقولا ديب

  2. #2
    دعني اصفق لك استاذنا انه فن قل من اتقنه وسط عالم من الوجدانيات
    بورك قلمك ( واراها تحاكي قصص ايتاذنا نزار الزين بشكل ما)
    تحيتي وتقديري
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    فعلا روح جديدة وقلم مميز
    الف شكر لاتحافنا بهذه الدرة
    بنت الشام

المواضيع المتشابهه

  1. خيبة أمل تركب"بوينج"! أو الصلاة و"حَوَلّي" و"السالمية"
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-17-2017, 10:28 AM
  2. حدثت معي..
    بواسطة محمد إقبال بلو في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-29-2014, 09:32 AM
  3. خيبة ( ق ق ج )
    بواسطة عبد الله راتب نفاخ في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-29-2014, 04:29 PM
  4. *ق.ق.ج : خيبة الأحلام
    بواسطة هيثم البوسعيدي في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-08-2009, 03:03 PM
  5. حدثت في مكه
    بواسطة ذيبان في المنتدى حكايا وعبر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-05-2009, 12:43 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •