أهمية العملية التمريضية في مجال الصحة النفسية
مقدمة :
لا تنفك العملية التمريضية عن بعدها النفسي لتعزيز الصحة النفسية السوية وتدبير الحالات النفسية المرضية ، وإنَّ فهم الممرض لتطور الحياة النفسية الطبيعية منذ الولادة حتى الشيخوخة المتأخرة أمر مهم جداً لتفهم طبيعة الإنسان النفسية في مرحلته المناسبة لتستطيع اتخاذ القرار المناسب في التصرف التمريضي المناسب ووضع الخطة المناسبة التي يمكن تطبيقها بحيث يقبلها المريض ويتجاوب معها في تلك المرحلة لتؤدي غرضها والنتيجة المرجوة منها .
أهمية تعليم التمريض النفسي في برامج تعليم التمريض العام :
يحتاج الممرض العام إلى بلوغ درجة جيدة من الوعي والعلم بالجوانب النفسية التي يمكن أن يواجهها في ممارسته العامة لأنها كثيراً ما تتعرض لمواجهة حالات أو أمراض نفسية عند المرضى المصابين بأمراض بدنية أو بدنية نفسية أو أمراض نفسية مستقلة في المستشفيات العامة .
ويضطر الفريق الطبي التمريضي إلى مواجهة الأهل المضطربين بخصوص مريضهم الذي يعاني من صعوبات بدنية أو نفسية بدنية ، إذ يجب توجيههم وتقديم المساعدة المناسبة لهم وتعزيز طمأنتهم أو زيادة قدرة تحملهم للمصيبة إن كانت متوقعة .
وتركز علوم مهنة التمريض على دراسة الأفراد من حيث نموهم الجسدي والنفسي وتطورهم واستجاباتهم للمشاكل الصحية ، لأنَّ الأمراض التي تصيبهم تأخذ أشكالاً مختلفة حسب المرحلة العمرية التي يمرون بها .
أهم المهام التمريضية لتعزيز الصحة النفسية في مراحل نمو الإنسان وتطوره :
1- في مرحلة الوليد التي تستمر حتى نهاية الشهر الأول حيث تكون تصرفات الوليد انعكاسية : تنصب المهمة التمريضية في هذه المرحلة على مساعدة الوالدين في تحديد احتياجات وليدهم (أي هي مهمة تعليمية تثقيفية) ..
2- في مرحلة الرضيع اعتباراً من الشهر الأول حتى نهاية السنة الأولى ، وتتميز بسرعة النمو : والمهمة التمريضية هنا هي تهيئة البيئة الخارجية بحيث تؤمن احتياجات الرضيع : الحليب واللباس والنظافة والوقاية بتأكيد مواعيد أخذ اللقاحات .
3- في مرحلة الدارج بين 1- 3 سنوات : تظهر استقلالية الجسم وزيادة المهارات الحركية والخبرات النفسية : وتكون المهمة التمريضية موجهة نحو التنبيه إلى تأمين شروط السلامة دون الإخلال بشروط النمو ومتابعة التأكيد على اللقاحات .
4- في مرحلة ما قبل المدرسة بين 3- 6 سنوات المتميزة بالانفتاح على العالم واكتساب الخبرات الجسدية والنفسية الاجتماعية مع تباطؤ النمو الجسدي : والمهمة التمريضية هنا هي تأمين فرص اللعب والنشاطات الاجتماعية .
5- في مرحلة المدرسة بين 6- 12 سنة وتتضمن مرحلة ما قبل المراهقة (10-12 سنة) حيث تظهر النزعة الاجتماعية وتأثر السلوك بالرفاق ، وتزداد كفاءة التواصل والخبرات الجسمية والإدراكية والاجتماعية : والمهمة هنا هي التوجيه لإشباع الهوايات وأداء الواجبات المدرسية ودعم الإنجازات واختيار الرفاق الجيدين
6- في مرحلة المراهقة في سن 12-20 سنة ، يتغير مفهوم الذات نتيجة التغيرات الهرمونية ، ويتم اختيار القيم وتسارع النمو الجسدي ، وتتشكل الصراعات نتيجة التغيرات الداخلية : وتكون المهمة هي المساعدة على التكيف وحل الصراعات وبيان خطورة المرحلة وتعزيز تحديد الهوية الجنسية والمهنية المستقبلية .
7- مرحلة الشباب (البالغية الباكرة) بين سن20-40 سنة : حيث تتركز على توطيد أركان الحياة الشخصية وبناء الأسرة السليمة والالتزامات الاجتماعية : تقبل النمط الحياتي المختار وتعزيز الاستقرار صحياً واجتماعياً والتعرف على الالتزامات ومدى الكفاءة ، وتعزيز التغييرات اللازمة في حالات الضرورات الصحية .
8- في مرحلة البالغية المتوسطة بين سن 40-65 سنة : حيث تظهر تبدلات حيوية ونفسية هامة كترك الأولاد للمنزل والشعور باختلاف القدرات الحيوية والأهداف المستقبلية : وتكون المهمة متركزة على المساعدة في التخطيط لمواجهة التغييرات المحتملة وتحري عوامل الخطورة وإظهار عوامل القوة ودعمها بدل التركيز على نقاط الضعف .
9- في مرحلة المسن بين عمر 65-74 سنة : حيث تتم عملية التكيف مع الدخل التقاعدي وتغير القدرات الجسدية بشكل واضح وظهور الأمراض المزمنة : تعزيز الفعاليات الجسدية والنفسية الاجتماعية والمحافظة على العلاقات الأسرية خاصة مع الأقران .
10- في مرحلة الشيخوخة بين سن 75-84 سنة : حيث يظهر نقص الأداء الحركي والارتكاسات والحواس وزيادة الاعتماد على الآخرين : دعم التكيف مع البنية الجسدية الجديدة بما فيها من نقاط ضعف (كنقص السمع أو البصر) وموت المقربين ، والانتباه إلى إجراءات السلامة .
11- في مرحلة الطاعن في السن بعمر 85 سنة فما فوق : حيث تظهر زيادة المشكلات البدنية والاجتماعية : تعزيز العناية الذاتية والمحافظة على الاستقلالية ما أمكن ، والانتباه إلى إجراءات السلامة .
الدور التمريضي في تعزيز الصحة النفسية
:
تدخل العمليات التمريضية في مجال الصحة النفسية وحتى بعد حدوث المرض النفسي وفي سائر المجالات والمراحل ابتداء من الوقاية (قبل وقوع المرض النفسي) وانتهاء بتقديم المشورات والمعالجات والتدابير الناجعة (بعد وقوع المرض) . ولهذه العمليات أهمية بالغة كأهمية العمليات التمريضية في مجال الأمراض الجسدية .
1- في مرحلة الوقاية :
يمكن تقديم المشورة والنصيحة قبل الزواج بالابتعاد عن الأقارب في حالة وجود الفصام في العائلة . كما يجب إبعاد الأدوات الجارحة من أيدي المصابين بالاكتئاب أو الفصام لوقايتهم من الإقدام على الانتحار أو إيذاء الذات أو إيذاء الآخرين ..
2- في مرحلة المعالجة :
يجب أن تقوم العمليات التمريضية في الالتزام بتقديم الدواء المناسب والتأكد منه قبل إعطائه والتأكد من تناوله في مواعيده المناسبة دون خلل ، ومتابعة المريض ضمن مواعيد ثابتة للتأكد من تطور الشفاء والعودة إلى السواء كما هو مقدر له .
وعلى أية حال لا يمكن أن تنجح العمليات التمريضية قبل تقييم المريض تقييماً صحيحاً وذلك بالاعتماد على مواجهته والتعرف عليه ثم استجوابه حول الأعراض والعلامات التي يمكن أن يشكو منها أو أنْ تُكْتَشف بفحصه .
كيف تتم العملية التمريضية لتقييم المريض الذي يعاني من مشكلة نفسية ؟
هناك عدة خطوات تعتمد عليها عملية تقييم المريض النفسي تبدأ منذ استقباله واستجوابه ثم تسجيل الملاحظات في سجله الخاص ومتابعة حالته يوماً بيوم حتى تخرجه وحتى في المنزل أو عندما يراجع العيادة الخارجية لمراقبة تطور مرضه ودقة تناوله العلاج .
خطوات تقييم المريض مع تسجيل الملاحظات :
1- مقابلة المريض :
لمقابلة المريض والتعرف عليه أهمية قصوى في التشخيص النفسي لأنه يتم من خلالها الحصول على المعلومات اللازمة لكشف هوية المرض ومدى عمق الإصابة النفسية وفيما إذا كانت تصيب الجانب الفكري العقلاني ومجمل تماسك الشخصية أو الجانب المزاجي العاطفي الانفعالي من النفس ، أو أنها تمثل إصابة عصابية خفيفة أو شديدة وذلك لتقييم الخدمات التي يمكن مساعدة المريض بها . ويجب أن تتم المقابلة بطريقة تسمح بتوطيد الثقة للحصول على المعلومات اللازمة ، ومن المفيد في ذلك تعريف الفاحص بنفسه وعدم إشعار المريض بضيق الوقت كالنظر إلى الساعة كل حين ، أو إشعار المريض بالملل .. أو صياغة الأسئلة بشكل معقد وطويل لا يفهمها المريض ..
2- استقصاء القصة المرضية النفسية :
تؤخذ القصة المرضية من المريض نفسه أو من مرافقه ، وهنا يتم التركيز على شكوى المريض وسلوكه في الوقت الحالي والسابق إضافة إلى تقييم ظروفه الحياتية منذ الولادة حتى وقت أخذ القصة المرضية .
وتجمع المعلومات تحت عدة عناوين أهمها :
- سبب الإحالة النفسية (إذا كان المريض محالاً من جهة أخرى) .
- الشكوى الرئيسية : وتسجل حسب ألفاظ وتعابير المريض .
- حالة المرض الراهن : وفيه ندرج وصفاً مفصلاً للحالة الراهنة ، كيف بدأت وكيف تطورت . ثم نستقصي تكرر الحالة الراهنة سابقاً ومدة كل هجمة ..
- القصة العائلية : نركز فيها على بيئة المريض وفيما إذا وجدت خلافات بين الأبوين والحالة المالية والاجتماعية والمستوى الثقافي البيئي والأمراض العائلية أو
الوراثية .
- التاريخ الشخصي : أي تسجيل السيرة الذاتية منذ الطفولة ومروره بالمدارس فالشهادات وطبيعة العمل والزواج والأولاد والعادات ..من عادة التدخين أو تعاطي المسكرات والأدوية المهدئة أو المخدرات .
- تقييم الشخصية : ويتم من خلال تفهم آراء ومعتقدات ومواقف وهوايات المريض وأنشطته وردود فعله على الكرب والفشل مع الرجوع إلى المسار الحياتي الطولاني حتى الوقت الراهن .
- السوابق المرضية وتتضمن جميع الأمراض سواء عضوية أو نفسية وسواء وقعت في الطفولة أو الكهولة ..
فحص الحالة النفسية العقلية :
يتم تقييم الحالة العقلية الإدراكية الراهنة للمريض من خلال :
- المظهر والسلوك العام وقدرة التعبير في وجهه وحالته المزاجية ووجود الحركات اللاإرادية .
- الكلام من حيث سلامة الألفاظ وسرعة نطقها مع القدرة على تقطيع العبارات بشكل مفهوم أو توقفه المفاجئ أو تنقله بين أفكار لا صلة بينها تنقلاً قفزياً .
- المزاج من حيث ثباته أو تقلبه وتناسبه مع سياق الحديث وموضوعه فقد يبدو المريض يائساً أو قلقاً أو منتشياً دون مبالاة . كما يجب أن يسأل المريض عن بعض النواحي الانفعالية العاطفية كالشعور بالحزن والأسى والاكتئاب أو التفكير بالانتحار .. أو وجود أفكار العظمة أو فرط الثقة .. ويسأل عن المخاوف التي يمكن أن تنتابه عندما يكون وحيداً أو مع جماعة أو عند عبور الطرق أو الجسور .. وفيما إذا كانت المخاوف تؤثر على نومه أو تركيزه الذهني . ولا بد دائماً من استقصاء الوظائف البيولوجية كالنوم والطعام والرغبة الجنسية وسرعة التعب وسهولة الاستثارة أو الاستفزاز .
- محتوى التفكير من مواضيع تشغل المريض كالتفكير بحالته المعاشية ومستقبله وماضيه وما يمكن أن يكون سبب قلقه . وفيما إذا كان يعاني من وساوس أو أفعال قسرية ، وفيما إذا كانت لديه أفكار أو معتقدات غير مألوفة أو وهمية ودرجة اقتناعه بها .
- المعاناة من تجارب غير طبيعية والتي يمكن أن تتعلق بالبيئة الخارجية المحيطة بالمريض (كالهلوسة أو تبدد الواقعية) أو من داخله (كتبدد الشخصية والشعور بالمعاناة وتبدل الأحاسيس الجسدية) .
- تحري الحالة الاستعرافية (الإدراكية) :
وذلك بتقييم توجه المريض وانتباهه وتركيزه الذهني وقدرة ذاكرته القريبة والبعيدة ، وتحري وظائف الدماغ العليا لكشف وجود أمراض عضوية عصبية . كما يجب تحري بصيرة المريض وفيما إذا كان يدرك مرضه أم أنه لا يعتبر نفسه مريضاً إطلاقاً .
- لابد أخيراً من استكمال التحري البدني وفحص الجسم لكشف أمراض جسدية قد تكون وراء الحالة النفسية .
استنتاج الخلاصة :
تلخص القصة المرضية وموجودات فحص الحالة العقلية للتوصل إلى تشخيص تفريقي للحالة مع ترجيح تقييم تشخيصي معين وبيان أسبابه وطريقة معالجته المقترحة وإنذاره (مآله) .
أهمية تسجيل الملاحظات في تقييم المريض النفسي :
1- إنَّ تسجيل الملاحظات التمريضية النفسية بالغ الأهمية في البحوث العلمية .
2- كما تعتبر هذه الملاحظات مستندات ووثائق في المحاكم لبيان الحالة العقلية للمريض ومدى مسؤوليته عن ارتكاب جريمة ما (مثلاً) .
3- وهي ذات أهمية في حالات اتخاذ قرار الحَجْرِ وتحديد أهليَّة التصرف في الأموال .
قواعد عامة في تسجيل الملاحظات :
1- يجب أن يكون الممرض أو الممرضة دقيق الملاحظة متمكن من كشف الأعراض النفسية .
2- مراعاة الفروق العمرية والثقافية بين المرضى مع الأخذ بعين الاعتبار الفوارق بين الجنسين .
3- يجب استخدام أسلوب الملاحظة غير المباشرة أثناء المشاركة في الأنشطة المختلفة لتجنب تأثير الملاحظات المباشرة .
4- وضع الملاحظات الموضوعية دون الاندماج مع المريض .
5- تسجيل الملاحظات دون نقص وبأسرع وقت ممكن .
6- تسجيل السلوكيات الطبيعية والمرضية للمريض .
7- تجنب استخدام كلمات روتينية مثل "متعاون" ، "جيد" ، واستبدالها بوصف السلوك من خلال تعابير واضحة وضرب أمثلة على ذلك من تصرفات المريض . ويجب تغطية الملاحظات في المستشفى خلال 24 ساعة .