منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 7 من 7

العرض المتطور

  1. #1

    في جنح الليــــــــــل (قصة بقلم : محمد صالح رجب )

    في جنح الليــــــــــل


    قصـــــــــة قصيــــــــــرة


    بقلم : محمد صالح رجب

    يأبى الليل إلا أن يستر أناته .. يخرج من بيته في أقصى القرية يرتدي معطفا عتيقا ويلتف بعمامة من الصوف تغطي رأسه وأذنيه ، يحمل دراجته المتهالكة متجنبا برك الماء المتجمعة في حفر الطريق ، يقف لحظة يلتقط أنفاسه .. كم من المرات حمل دراجته في ليالي الشتاء الماطرة في طريقه إلى عمله دون أن يتوقف للحظة ؟ لم يعد يتذكر ..
    عاود السير من جديد ، عبر الكوبري إلى الضفة الأخرى من النهر حتى وصل إلى الإسفلت ، كانت أضواء أعمدة الكهرباء على قلتها تنعكس على صفحة النهر كما تنعكس على ماء المطر الذي يغطي الأرض .. استقل دراجته التي تفنن في تزينها ، سار بمحاذاة النهر المتدفق .. حبات المطر وحفيف الإطارات بالإسفلت يزيدان من هواجس المكان ، رعد وبرق يستكملان تفاصيل الصورة .. يعانق الصمت وصفير الرياح ..تنفلت شفتاه عن بعض الترانيم الحزينة .. يتنقل ببصره ، يستكشف مدى الرؤيا ، تخالجه نفسه أن يبحث عن مأوى يقيه المطر الذي لا زال يتساقط بغزارة ، غير أن راتبه الهزيل لم يعد يتحمل خصومات تأخير جديدة .. تمر سيارة مسرعة إلى جواره فتنثر الماء الموحل عليه .. يمسح زجاج نظارته العتيقة .. تهذي نفسه بهموم ناء بحملها .. جسد خار تحت وطأة الشقاء ومرارة السنين ..فقر ومرض يلازمانه .. يطلق آهة يرتد صداها عبر سنوات عمره الذي تخطى الخمسين .. تدور عيناه من جديد ، يرهف السمع ، لم يعد يسمع نفس الصوت الذي كان يسمعه من ذي قبل.. لم تعد دراجته طائعة تحت قدميه .. انحرف إلى الطريق الترابي بمحاذاة الرصيف .. تفحص الدراجة .. لقد أصابها العطب ، يا الله ..إنه ليس بسيطا ..حاول جاهدا ، وعيناه ما فتئت تنظران إلى ساعة يده .. الوقت يمر سريعا .. أوشك الليل أن ينتصف ، عليه أن يصل إلى عمله بحلول الثانية عشر ليلا .. صور عديدة تتراءى أمام ناظريه .. سجل الغياب.. المدير .. آه .. بالتأكيد لن يقبل المدير عذره هذه المرة أيضا، ، وكيف يقبله وهو لم يعاني مثله !!
    فكر أن يستقل سيارة .. لكن لن تتحمل ميزانية الأسرة مثل هذا الترف .. الأمر لم يعد ترفا ـ هكذا حدثته نفسه ـ تنبه إلى سيارة تقترب ، تردد قليلا ، نظر إلى دراجته .. المطر .. الغياب .. الخصم ..وجد نفسه يسعي لإيقافها ، غير أنها لم تتوقف ..
    يجر دراجته ، تزيد ألثوان والدقائق من شقائه ، لكن يبقى الأمل مادام في العمر بقية .. سيارة أخرى تقترب رويدا .. يستغيث بكلتا يديه كالملهوف ، توقفت ، وكأنما رق سائقها لحاله .. لكن .. لا مكان للدراجة ..
    واصل السير ، شاحب الوجه ، منهك القوى .. بصيص أمل لازال يراوده ،.. لم يعد يطالع ساعته ، ولم يعد يهتم كم مضى من الوقت ، أو كم قطع ؟ ، يريد أن يصل حتى ولووصل متأخرا ، علت أناته وخارت قواه ، بصره المنهك لم يعد يميز معالم الطريق ، واصل السير ومشى طويلا حتى تلاشى و غاب في جنح الليل ..

    محمد صالح رجب

  2. #2
    ألثوان
    اظنها الثواني
    حدث لافت ولقطة سريعة جميل هذا الحديث الداخلي فيها..
    واهلا بجديدك اديبنا العزيز
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريمه الخاني مشاهدة المشاركة
    اظنها الثواني
    حدث لافت ولقطة سريعة جميل هذا الحديث الداخلي فيها..
    واهلا بجديدك اديبنا العزيز
    المحترمة : ريمه الخاني
    تشرفت بمرورك .. مودتي
    محمد صالح رجب

  4. #4
    السلام عليكم


    حقيقة النص جميل بكل معنى الكلمة

    وفيه كوميديا بائسة بحق

    أستاذ محمد.......... دُمت مُبدعاً

  5. #5
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ياسر ميمو مشاهدة المشاركة
    السلام عليكم


    حقيقة النص جميل بكل معنى الكلمة

    وفيه كوميديا بائسة بحق

    أستاذ محمد.......... دُمت مُبدعاً
    استاذ : ياسر
    اشكرك على تلك القراءة .. مودتي
    محمد صالح رجب

  6. #6

  7. #7
    قراءة في قصة ( في جنح الليل ) للقاص : محمد صالح رجب

    نص جديد للقاص المصري" محمد صالح رجب "يحمل عنوان" في جنح الليل" .. تدور أحداث القصة في جنح الليل وتحت ستره وما أدراك ما الليل وما يمكن أن يحدث تحت ستره ؟ ، لقد سعى الكاتب إلى الهدف من القصة مباشرة منذ الوهلة الأولى " يأبى الليل إلا أن يستر أناته " لقد أطلق رصاصة تشق الطريق إلى هدفها من أول عبارة في النص بل بداية من العنوان " في جنح الليل" وهي نفس العبارة التي اختتم به نصه في إشارة إلى استمرارية ما يحدث في جنح الليل وكأنها حلقة غير منتهية .
    ( يأبي الليل ألا أن يستر أناته) افتتاحية تطرح أكثر من تساؤل : من هو الذي يئن ؟ ولماذا ؟ ولماذا الإصرار على طمس تلك الأنات وما هي القوى الضاغطة القادرة والمصرة على طمس حتى مظهر التنفيس عن الألم "الأنات " ، وهل كان الليل أداة رحمة أم أداة للإخفاء والطمس ومزيدا من ألأنات .. أسئلة عديدة يضعها الكاتب أمام المتلقي منذ اللحظة الأولى لولوجه النص ..ثم يتصاعد تدريجيا في محاولة لمشاركته في البحث عن إجابات لتلك الأسئلة ..
    .. في جنح الليل وتحت ستره خرج صاحبنا متجها إلى عمله في هذا الجو الماطر القارص البرودة حاملا أدواته ( معطفا ، وعمامة ، ونظارة عتيقة ، ودراجة متهالكة تفنن في تجميلها وتزينها ) محاولا التغلب بهذه الأدوات المحدودة على العقبات التي تواجهه في طريقه إلى هدفه وكأننا بالكاتب وهو يحاول أن يجيب عن التساؤل الأول : من الذي يئن ؟ انه واحد من ملايين البشر المهمشين ، ولم يتوقف الكاتب كثيرا عند الشخص أو ما يدل علي جنسيته ، فهو ليس فردا بعينه في مكان بعينه .. بل ملايين المهمشين فوق كامل الأرض .. ثم ينتقل سريعا إلى تساؤله الثاني : ولماذا يئن ؟
    وتأتي الإجابة على ذات السرعة : انه يئن تحت وطأة الشقاء.. مرات لم يعد يحص عددها وهو يحاول أن يخرج من جنح الليل والوصول إلى هدفه وتغير واقعه ، لكن العقبات كثيرة والإمكانيات المحدودة " .. ظلام ، مطر وريح عاصف ، طرق غير معبدة ، حفر ، ودراجة بالية أصابها العطب ، وقوى ضاغطة تطمس اثر الظلم ، وحركة هواجس كثيفة تغط على الصمت المطبق المحيط به فيما يشبه التواطؤ " كثرة العقبات ومحدودية الإمكانيات تجعل الخروج من الظلام الدامس ووضعه الهامشي إلى وسط آخر امرأ غاية في الصعوبة ، فلا زال كما هو رغم مرور كل تلك السنوات التي لم يعد يحصي عددها ، ولا زال يحمل دراجته المتهالكة ويسير في نفس الطرق الغير معبدة والحفر الموحلة ، والإنارة الضعيفة والكوبري المتهالك ..كل هذا يجعله يردد ترنيمات حزينة تتطور إلى أنات يتردد صداها طيلة كل هذه السنون علها تجد صدى في ضمائرنا .. " جسد خار تحت وطأة الشقاء ومرارة السنين ..فقر ومرض يلازمانه .. يطلق آهة يرتد صداها عبر سنوات عمره الذي تخطى الخمسين"
    وهنا نجد قدرة الكاتب على تعرية ضمائرنا ليشعرنا بالمسئولية تجاه هؤلاء المهمشين ، فقد صممنا آذننا عن سماع آهاتهم ، وسمحنا لقوى ضاغطة بتكميم الأفواه ، وتغضينا الطرف عن تلك الأدوات البالية والظروف الصعبة التي هم فيها ، بل و لسنوات طويلة " وكأننا أمام غريق لم نمده بأدوات النجاة ..

    وهنا لابد أن نقف عند مشهد الانتقال بين بيئتين أو وسطين مختلفتين وأدوات الربط الضعيفة بينهما ، الوسط الأول الذي يعيشه والذي من مفرداته طرق طينية غير معبدة تُملئ بماء المطر الموحل والتي تضطره إلى حمل دراجته التي تفنن في تزينها ..
    وبين بداية الوسط الآخر( الذي يسعى إلى الوصول إليه والذي هو اكبر وأعمق من مجرد مقر عمل يسعى للوصول إليه ) بداية من الإسفلت عبر أداة ربط ضعيفة متهالكة في إشارة إلى ضعف الروابط والإمكانيات بين وسطي " بيئتي " الحدث ، وهو الكوبري المتهالك ..
    ويتصاعد الحدث ويصل إلى الذروة ـ الوسط ـ عندما تصاب الدراجة " أداة الانتقال وأمل الوصول إلى الهدف " بالعطب الغير قابل للإصلاح ، ويتهدد أمله الضعيف ـ أساسا ـ بالانتقال إلى وضع أفضل مضئ ..عندها عليه أن يقدم التنازلات رغم انه لا يملك الكثير ليقدمه وما كان يعد ترفا قبل هذا لم يعد هكذا الآن ، لابد إذن من تقديم التنازلات " فما حاك جلدك مثل ظفرك " ، لن يشعر المدير وغيره بأناته فهو لم يجرب مثل هذه الظروف .. فليركب سيارة رغم أن ذلك سيؤثر سلبا على ميزانية الأسرة الضعيفة بالأساس ، لكن سائق السيارة التي رق لحاله وتوقف خيَّره في أن يترك دراجته ، حيث لا مكان لها .. فهل عليه أن يتنازل عن أداة التغير رغم بساطتها ؟! لقد استحال عليه الأمر ..وتعشم أن يجد فرصة أخرى في سيارة أخرى ، لكن الفرص لا تتكرر كثيرا لا سيما لهؤلاء المطحونين في الأرض .. ظل يمشي ويمشي ويتشبث ببصيص أمل لا زال يراوده ، لم يعد يهمه الوصول في الموعد ، فلم يعد يهتم كم من الوقت مضى ولا كم من المسافات قطع ؟ عليه أن يصل على أي حال حتى ولووصل متأخرا، أُنهِك جسده وضَعُف بصره وضل معالم الطريق ، ومع ذلك ظل يمشي ويمشي حتى تلاشى في جنح الليل ..

    ورغم أن الكاتب لم يشر إلى الموت كنهاية صريحة محاولا أن يجعل منها نهاية مفتوحة تطرح أكثر من تساؤل ، ماذا حدث له ؟ هل مات ؟ هل اختفى ؟ ماذا نعني بالتلاشي والغياب ؟ ، إلا انه كان حريصا كل الحرص على إغلاق الدائرة بالربط بين النهاية والبداية باستخدام نفس العبارة " في جنح الليل " النهاية هي إذن ذاتها العنوان في إشارة إلى استمرارية المأساة ..

    إن قصة " في جنح الليل " هي رؤية الكاتب لظلم المجتمع للمهمشين في الأرض وما أكثرهم ، وفي مثل هذه الأفكار الكبيرة يجد الكاتب صعوبة في السيطرة على النص والخروج به بلا حشو ولا نتوءات وزوائد تشوه صورته وتجعله عسير الهضم من قبل المتلقي ، لكننا وجدنا الكاتب من خلال التحكم بأدواته وبساطة لغته متأثرا ببيئته الأصلية القروية ، وناقلا من خلال راو عليم يتدخل أحيانا ويراقب أخرى وبطريقة مكثفة ومشوقة ـ إلى حد ما ـ وجدناه يقدم رؤيته لمأساة متكررة ، من خلال انسجام متناغم بين الشخوص والبيئة والمكان والزمان ، وان عاد بنا إلى الوراء قليلا من خلال زمن اعُتُمِد فيه على الدراجة كوسيلة للمواصلات إلا انه كما يبدو كان يريد أداة بسيطة لتدلل على ضعف الإمكانيات ..

    خاتمه :
    ما تقدم قراءة سريعة لنص " في جنح الليل " للقاص " محمد صالح رجب " وبالتأكيد النص يحتاج إلى مزيد من التشريح .

    تحياتي ..

المواضيع المتشابهه

  1. مصر بمذاق آخر ( بقلم : محمد صالح رجب )
    بواسطة محمد صالح رجب في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-08-2011, 12:08 PM
  2. كرسي ( قصة بقلم : محمد صالح رجب )
    بواسطة محمد صالح رجب في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 10-28-2010, 01:25 PM
  3. بامية ( قصة بقلم : محمد صالح رجب )
    بواسطة محمد صالح رجب في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 10-13-2010, 03:33 PM
  4. حلم ( قصة بقلم : محمد صالح رجب )
    بواسطة محمد صالح رجب في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 03-18-2010, 08:14 PM
  5. انحراف ( قصة بقلم : محمد صالح رجب )
    بواسطة محمد صالح رجب في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-06-2008, 11:55 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •