عالَم النبات في الأدب العربي
عرض وتقديم حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
تحت هذا العنوان صدر في العام الفائت 2006 كتاب بدمشق عن منشورات وزارة الثقافة، مديرية إحياء ونشر التراث العربي، إحياء التراث العربي )123( بقلم حسن محمود موسى النميري في 502 ص. وبين دفتي هذا المؤلف غير العادي المطبوع في ألف نسخة لا غير! تمكّن السيد النميري من جمع زهاء الخمسمائة نوع من النباتات والأشجار والشجيرات، كان قد ورد ذكرها في أحد المصادر العربية التالية على الأقل: القرآن الكريم، حديث النبي العربي، الشعر العربي، خطب العرب وأمثالهم. لا شكّ أن جهدا طويلا ومضنيا قد بُذل طيلة ربع قرن من الزمان، كما يصرّح بذلك المؤلف في توطئته الموجزة، “..حيث كنت أفعل فعل النملة التي تحرص على امتلاك كل مفيد لها في حياتها، مهما صغُر حجمه..”. وفي الواقع أراد المؤلف أن يُخرج من تحت يديه موسوعة تطمح أن تكون شبه كاملة للثروة النباتية في العالم العربي الغني جدا بها بحلّة علمية ومصورة، إلا أن ذلك المشروع بالنسبة لفرد مهما علت همتُه ورسخ علمُه، دونه خرط القَتاد. مع هذا أراد النميري لكتابه هذا أن يرى النور ويقرأه المهتمون بهذا الموضوع بعُجَره وبُجَره.
انتهج المؤلف الترتيب الأبجدي لأسماء الشجر والنبات )إلا أن هذا الترتيب لم يتّبع في بعض الأحيان مثل: الإخريط في ص. 116، وينظر في الصفحات: 118، 120، 121، 123، 124، 125, 126, 127, 176, 178, 265, 228, 268، إلخ الخ.( ثم يلي ذلك تعريف موجز وبعض المعلومات التي توفرت لديه وإحالة إلى مصدر الشعر المقتبس. ونأتي بهذه العينة مما ورد في هذا الكتاب مع انتقاء زبدة ما طاب لنا عند المطالعة: الأبَقُ، الأثُلُ، الأراكُ، البَخْتَريّة، البَسْباس، البِطّيخ )هو الجّحّ وحَبْحَب ورقى ودبشى في الجزيرة العربية وفي شمال سوريا جَبَس وعند أهل العراق والجزيرة السورية دِبْشي وفي تونس دلاع وقد سمّاه ابن سيدة يقطينا، لأن كل نبتة بلا ساق عند العرب يقطين ووصفه قائلا: “أول ما يخرج قَعْسَر )صُلب( صغير، ثم يكون خَضفا، ثم يكون قُحّا... والقُحّ: البطيخة التي لم تنضج...والخِربز )أصله من الفارسية خربوزه( البطيخ، والفقوص البطيخة قبل أن تنضج، أنظر المخصص؛ والعامة تقول الّبطيخ بفتح الباء منذ القرن التاسع للميلاد كما أشار إلى ذلك اللغوي ابن يعقوب السكّيت اللغوي. وهذه الفاكهة الصيفية صحّية للأمعاء والكلى ولا تُطفىء الظمأ كما يظن الكثيرون إلا أنها ترطّب الجلد فحسب وتدرّ البول وتصفّي الدم كما ذكر الشيخ ابن سينا وما فيه من السكريات يصل مقداره إلى ثمانية بالمائة. وهناك مثل باللهجة العربية المصرية يقول: إذا طلّ البطيخ بطل الطبيخ”(، الأبْلم، التوت، التين )أو البَلَس وفي الطائف بالسعودية يدعى الحماط، ومن أصنافه وفقا لابن سيدة في مخصصه: الجِلْداس والقِلاري والطُّبّار والفَيْلَحاني والصَّدَّى والملاحيّ والوحشيّ والأزْغب والشوكي، وهناك التين البرّي المسمّى بفحل التين. موطنه الأصلي، على ما يبدو، الهلال الخصيب وقد ورد ذكره في الكتب السماوية الثلاثة، العهد القديم والعهد الجديد والقرآن. والتين هو الفاكهة الوحيدة التي لها سورة باسمها في الفرقان. هذه الفاكهة المغذية واللذيذة معروفة منذ قرابة أربعة الاف عام وهي غنية بالكالسيوم والفوسفور والحديد والمغنيسيوم والسكاكر. ذكر الطبيب الفيلسوف ابن سينا أن أجود أنواع التين هو الأبيض فالأحمر فالأسود، وقد أُطلق عليه اسم “صديق الفلاسفة” لأن أفلاطون كان يُكثر من تناوله والتين أحد ملوك الفاكهة الثلاثة إضافة للتمر والعنب(، الثَّغام، الجَثْجاث، الجِرْجير )فائدته كبيرة في الهضم وفي القدرة الجنسية لدى الرجال وتخفيض نسبة السكر في الدم، ويقال في المثل: لو عرفتِ المرأةُ ما في الجرجير لزرعته تحت السرير(، الجَعْدة، الجليل )شجر جبلي ويسميه الحجازيون الثُّمام( والحَبَق، والحشيش، الحُلْبة )قيل: لو يعلم الناس ما في الحلبة لاشتروها ولو بوزنها ذهبا(، الحنظل، الْحاجُ )العاقول في العراق( , الخُبّازى، الخِرْوَع ) شبّه به لبياضه(، الخُزامى )جمع ومفردها خُزاماة وهي عشبة حولية رملية طويلة العيدان حوالي أربعين سم والورق غض عصاري مستطيل والزهر بنفسجي في المنتصف ذو رائحة زكية تغنى بها شعراء كثيرون. وتسمى أيضا بخيري البرّ لأنها أزكى نبات البادية وهي تنمو في السعودية والكويت والعراق والأردن. ومما قاله عنتر بن شداد عن هذا النبات:
أرض الشَّرَبّة شِعَبٌ ووادي رحلتُ وأهلها في فؤادي
يحلّون فيه وفي ناظري وإن أبعدوا في محلّ السَواد
إذا خَفَقَ البرقُ من حيِّهم أرقتُ وبِتُّ حليفَ السُّهاد
وريحُ الخُزامى يُذكِّرُ أنفي نسيمَ عَذارى وذاتَ الأيادي
أيا عبلُ مُنّي بطيْف الخيال على المسْتهام وطيبِ الرقاد
وقال مجنون بن عامر:
ألا هل من سبيلٍ إلى هندِ وريحِ الخُزامى غضّةً بالثرى الجَعْدِ
ثم يمكن ذكر الخافور والخِمْخِم أو الحمحم ووالخَوْخ )هو الدّرّاق بمصر والحجاز والخوخ الشامي هو في كلا البلدين بُخارى( والخَيْزران )هندي الأصل، تشبّه بقضبانه قُدود الحِسان، عصيّه لينة( والذُّرَق والرَتَم والرِّجْلة )الفَرْفح بالفارسية واسمها في بلاد الشام البَقْلة أو الفَرْفحينة وهي المسماة بالبقلة الحمقاء لنموها على طرق الناس فتُداس ويُقال أو لأنها تنمو في مجرى السيل فيقتلعها( والرَّشاد والرِّمْث والرَّمْرام والرُّمّان )من ثمار الجنة كما ورد في القرآن، الرحمن: 68، وتشبيه ثدي المرأة بكوز الرمان قديم في الشعر العربي:
كتب يزيد بن معاوية:
إن كان في جُلَّنار الخَدِّ من عجَبٍ فالصدْرُ يطْرحُ رُمّاناً لمن يَرِد
الأعشى:
وثدْيان كالرّمّانتين وجيدُها كجيد غزال غيرَ أنْ لم يُعطَّلِ
النابغة الذُّبْياني:
ويخْطُطْن بالعيدان في كل منزلٍ ويخْبأْنَ رمّانَ الثُّدِيّ النُّهَّد
مسلم بن الوليد )صريع الغواني(:
زرعَ الشبابُ لهنّ رُمّانَ الصِّبا في أنْحُرٍ قد زُيِّنتْ بِتَرائبِ
والرّاء، والزَّرْجون والسذاب )الخُتْف والخُفْت بلهجة اليمن وهو الفيجن أو الفيْجل كما ورد في لسان العرب وهكذا يسميه معظم أهل فلسطين والجولان، وقيل إن الأفاعي لا تدنو من السذاب، وقيل في هجاء مسلم بن الوليد الملقّب بصريع الغواني:
فما ريحُ السَّذابِ أشدُّ بغْضاً إلى الحيّات منكَ إلى الغواني(.
والسَّفَرْجَل )جمعه سَفارِج( والسَّلام والسِّمْسم )أو: الجُلْجُلان، حَبُّ الحَلِّ( والشَّثّ والشُّونيز )الحبة السوداء، القِزْحة أو حبة البركة( والصعْتر )أو السعتر أو الزعتر وهو النَّدْغُ، يقال إنه يسكّن وجع الأسنان ويخفف آلام الحلق ويزيل البَخَر أي الرائحة الكريهة في الفم؛ وذكر الجاحظ في كتابه الحيوان عن فائدة الصعتر البري: “والقُنْفُذ وابن عِرْس إذا ناهشا الأفاعي والحيّات الكبار تعالجا بأكل الصعتر البرّي”( والصَّوْم )شجر ذو شكل انسان تُسمّى ثماره بروح الشياطين أي الحيّات، لا ورق له، لا منفعة منه(، والطّبّاق والطَّلْح والعِتْر )يقال: هو أذلُّ من عِتْرة الضبّ( والعَدَس أو العَلَس أو البُلُس والعَرار والعَرْعَر أو الساسَم أو الشيزى والعَرْفج )نبات سهلي سريع الاشتعال ذو رائحة زكية، لا حبّ له ولا شوك، تدعى نارُه: نار أبي سريع لأنها سريعة الاتّقاد وسريعة الانطفاء أيضا، ويقال لها كذلك نار الزحْفتيْن، زحفة الشخص إلى الوراء ابتعادا عن لهبها وزحفة إلى الأمام نحوها عند انطفائها( والعُطْرة والعِنب )ثمر شجرة الكرْمة أو الدالية عند أهل سوريا الكبرى وأهل الحجاز والسراة يسمونها الحَبْلة، يسمى نبيذ العنب بماء العناقيد أو ابنة /بنيّة العنقود في الشعر العربي:
قال الشاب الظريف:
لو لم تكن ابنةُ العُنْقود في فمه ما كان في خدّه القاني أبو لهب
تَبَّت يدا عاذلي فيه، فوجْنتُه حمّالةُ الورْد لا حمّالةُ الحطب
وقال بشّار بن برد:
أكْرِم خليطاً تنلْ كرامتَه لستَ بجانٍ من شوْكه عِنَبا
)يطلق على العنب الأسود الاسم: الغِرْبيب، ومن أصناف العنب في الشام اليوم يذكر النميري: الزيْني والحُلواني والدوماني نسبة إلى دوما وهي ضاحية في دمشق، والديراني نسبة إلى داريّا وهي ضاحية أخرى، وفي الأدب العربي القديم نجد أسماء للعنب مثل: الرازقي والملاحي( والغار )استخدم العرب في الجاهلية قضبان الغار في شواء اللحم كما جاء في شعر امرؤ القيس:
وظلّ صِحابي يَشْتَوون بنِعْمةٍ يصُفّون غارا باللّكيك الموَشّق
واللكيك هو اللحم المكتنز والموشق هو المقطّع والمفرّق( وأم غَيْلان )شجرة شوكها كبير تأكله الإبل وصفه الجاحظ بصياصي البقر أي قرونها( والفِصْفِص والفاغية )قيل في الحديث: سيّد ريحان أهل الجنّة الفاغية( والفُلْفُل )وقد شبّه حسّان بن ثابت مذاق الخمر بطعم الفلفل( والفول )ويسمّى الباقِلّى أو الباقِلاء أو الباقِلى أو الباقِلّا( والأقْحوان )يسميه فلاحو مصر الحَوان، وتشبيه الأسنان بالأقحوان الأبيض شائع في الأدب العربي القديم( والقِرْصَعْنة )شويكة إبراهيم، تطرد الذباب( والقَيْصوم )من رياحين البر ويقال عن البدوي القحّ: فلان يمضغ الشيحَ والقيصوم( والقُطُْن )ويسمى أيضا: البِرْس والبُرْس والكُرْسُف والكُرْسُف والطوط والعُطْب ويطلق على حبّ القطن الخَيْسَفوج( والقُلْقاس والقات والكَحْلاء والكُرّاث )ويدعى أيضا الرَّكل أو الركال، وأبو شوشة في الشام، عشب معمّر. يبدو أن العرب القدامى لم يحبوا البصل والكراث والثوم بسبب روائحها النفاذة وكرّموا الجَثْجاث والقيْصوم. قال جرير هاجيا خالد عينين العبْدي:
كم عمّةٍ لك يا خُليْذ وخالةٍ خُضْرٍ نواجذُها من الكُرّاث
نبتتْ بمنبته فطابَ لريحِها ونأتْ عنِ القيْصوم والجَثْجاثِ
والكَرِش واللبَخ واللُّفّاح )من أسمائه الجَرْبوح وتفّاح المجانين( واللوز )العوجا في الشام والغضاريف في الحجاز والسراة( والمرْزَجوش والمشمش )بتثليث ميميه، بعد تجفيفه يدعى قمر الدين، شبّه بالمشمش لشدة الإصفرار( واليَنْبوت والنَّجيل والنخْل )مؤنث بلغة أهل الحجاز وفي القرآن: والنخل ذات الأكمام، سورة الرحمن الآية السادسة وفي لغة أهل نجد مذكّر؛ لا غرابة في شيوع ذكر هذه الشجرة في الشعر العربي القديم لكثرتها وأهميتها لحياة البدو، الفسيلة هي فرخ النخلة الصغير والتأبير هو تلقيح النخل، من أنواع التمر الكثيرة: البَرْني والآزاد والنِّرْسِيان واللين والرُّطب والحَشَف وهو أردأ التمر ومن هنا المثل: أحشفاً وسوءَ كيلةٍ؛ والقَسَب هو اليابس من التمْر والسنّوت والعثاكل و،العثاكيل هي عناقيد النخل( والنَعْنع والهيْتم واليَراع )نبات القصب(.
اعتمد النميري في تأليف هذا الكتاب على مائة وعشرين مرجعا ونيّف وتشكّل الدواوين الشعرية أكثر من النصف ومن هذه الدواوين نذكر في هذه الفذلكة: الأحوص الأنصاري، الأعشى، الأقيشر الأسدي، امرؤ القيس، أوس بن حجر، بشار بن برد، تأبط شرّا، جرير، جميل بثينة، الحارث بن حلّزة اليشكري، الحطيئة، أبو تمهام، ذو الرمّة، زهير بن أبي سلمي، الشنفرى الأزدي، صفي الدين الحلي، طرفة بن العبد، عنترة، الفرزدق، مجنون ليلى، المتنبي. ويلاحظ خلوّ هذه القائمة الببليوغرافية من ذكر سنة طباعة المراجع. ومن مواطن الضعف في هذا المؤَلّف غياب الكثير من أصناف النباتات مثل الشومر واللوف والبوبنّة والدريهمة والبابونج التي يذكرُها النميري نفسه في التوطئة إضافة لعشرات النباتات المعروفة. أضف إلى ذلك الإتيان بما ورد في مصادر عربية قديمة بشأن نبات معين دون غربلة وتمحيص ويختلط الحابل بالنابل، الأسطورة بالواقع، من أمثلة هذه الظاهرة التي يجب ألا ترد في الأبحاث العلمية ينظر مثلا في الصفحات: 163, 169, 211, 212, 262, 271, 278, 313. ثم يلاحظ المتمعن في هذا الكتاب عدم شرح الكثير من الألفاظ التي وردت في الشعر المقتبس.
عالم النبات في الأراضي العربية غني جدا لتنوّع المناخ في الأقطار العربية وللعرب مساهمة لا تُنكر في مجال وصف النباتات الطبية وما يسمّى بالتداوي بالأعشاب. ونذكر مثلاً أن ابن البيطار وداؤود الأنطاكي وصفا أكثر من ثلاثة آلاف عشبة طبية في مملكة النبات التي عرفوها. وممن ألّفوا في هذا الموضوع ينوه بالأصمعي الباهلي )عبد الملك بن قريب( والأصمعي وله كتاب النبات والشجر حققه ا. هفنر ولويس شيخو عام 1908 ثم د. عبد الله يوسف الغنيم، القاهرة 1947، وأبو حنيفة أحمد بن داؤود الدينوري المتوفى عام 895، وهو واضع أساس علم الإنثولوجية النباتية، أحمد بن محمد بن مفرج ابن الرومية الإشبيلي، أحمد بن محمد الغافقي، الشريف الإدريسي، أبو العبّاس النباتي، رشيد الدين الصوري. وفي العصر الراهن يمكن التنويه بكتاب “زلف زهرة وزهرة من لبنان” تأليف جورج طعمة وهنريت طعمة، الجامعة اللبنانية، بيروت )بالفرنسية( 2002, 309 ص.
وعلى كل حال أمامنا نواة طيبة في هذا المجال يمكن رعايتها وإنماؤها في المستقبل في كل قطر من الأقطار العربية. عمل حضاري وكبير من هذا القبيل لا بدّ له من رعاية حكومية أو مؤسسات مدنية راسخة لتمد العون المادي الكافي لفريق الباحثين من مختصين بالعلوم النباتية والطبية والكيميائية واللغوية والتراثية. سيجري قريبا بناء قبو ضخم جدا في النرويج لحفظ عينات من كافة أنواع البذور النباتية استباقا لأية كارثة عالمية محتملة قد تأتي على الأخضر واليابس على وجه الأرض. الطبيعة بمملكتها النباتية تمدّ الإنسان بالغذاء والدواء ففي الكثير من النبات والشجر عنصر هام في صيدلية البشر.