منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الروح المرحة

العرض المتطور

  1. #1

    Post الروح المرحة

    الرّوح المرحة

    بقلم: أصيل الشـابّي

    إذا كان التلميذ متوتّرا فهو متوتّر وكفى..ولا داعي لسؤاله مباشرة، منذ البداية كان يهتزّ و ينحطّ في مكانه،والمهمّ أنّه دخل القسم مقلوب الوجه كما يقولون،مرّ إلى طاولته مسرعا إسراع المتوتّر، و جلس ليمسك بوجهه بين يديه كأنّه يريد التركيز على هدف أمامه،حينئذ بدا وجهه المسمّر، تماما، كوجه مرسوم في إطار معلّق عاليا.
    لاحظ المدرّس بالطبع ذلك،ولكنّه تغاضى عن الأمر،جال بين الطاولات يمينا و شمالا، اعتلى المصطبة التي كانت تصرّ ونظر إلى تلاميذه بالعرض والطول ليصطدم في كلّ مرّة بالوجه الغضوب،لم ينس أنّه وهو يمرّر نظره من خلف ظهره أبصر على منضدته رسوما وخربشات بألوان زاهية،إضافة إلى تلك الرموز المنحوتة بكلّ عناية على الخشب مثل القلوب الصّغيرة والكبيرة وما لزمها من سهام لتقطر دما،وقد جعله الأمر يقف مرّات عند سهام كيوبيد تلك المحمّلة بغراميات شباب المدارس.
    نادى بصوته عاليا لأنّه كان على الصوت أن يعلو ليسمع،أو ربّما هكذا اعتقد بحكم السنّ والتجربة المديدة،خرج التلميذ الآخر المتسبّب في مشاكل أخرى،لعلّ أبرزها سرقة دفتر المناداة،حاول الإجابة عن سؤال له علاقة بملاحة الاكتشافات الكبرى وطرقها،وهكذا مهمه مرّات،رغم أنّ احداهنّ كان تهمس إليه باستمرار cap de bonne espérance،وهو يعني رأس الرجاء الصّالح،في حين أمسك هو بقلمه الأحمر،وضع رأس القلم في الخانة المناسبة لإسناد العدد، تمهّل قليلا،نظر إليه التلاميذ كأنّهم ينتظرون انفلات غضبه في تلك اللحظة أو في تلك اللحظة الأخرى،لذلك خيّم الصمت،بينما راح هو ينظر عبر النافذة القريبة منه إلى المطر المنهمر على الأرض الرخوة،ثمّ إلى الأحياء القريبة المبهرجة بألوان مشوشة وقباب كبيرة بيضاء،وكانت ضجّتها مسموعة.
    خيّل إليه أنّ العيون زادت أحجامها استدارة و هي تتأهّب لتلتقط الإثارة المنتظرة، نعم إثارة حقيقيّة،فبمجرّد أن يغادر التلاميذ القسم ينسون مدرّسهم ويبدؤون في السخريّة،وهذا افتراض من افتراضات أخرى،من التلميذ الذي احمرّت وجنتاه،و تبدأ من ثمّ المشاحنات وهو ما قد يدفع أحدهم إلى الانتقام في حصّة موالية،وهكذا ربّما تمكّن من مسح الاهانة التي بدأت في التضخّم كفقّاعة تلد باستمرار فقّاعات صغيرة من الاستهزاء والسخرية،وعلى كلّ حال ما كان ينبغي أن يسخر أحدهم من التلميذ مرّتين داخل القسم و خارجه .
    لم يكن يريد استفزاز ذلك التلميذ الذي ظلّت صورته معلّقة و مائلة ذلك الميلان المعبّر عن الغضب،لأنّه يمنع منعا باتا استفزاز تلميذ تسري في داخله الرجولة إضافة إلى بذور التمرّد كما عكستها عيناه العائمتان في عدم المبالاة،ولهذا فقد اختار التلميذ الآخر ليكلّم من خلاله التلميذ الأوّل،لم يكن يعلم و هو يداعب الخانة المذكورة أمامه أنّه سيصمت أكثر ممّا يجب أن يصمت تلميذ، ثمّ رأى و هو ينظر إلى وجهه شاربه بارزا بروزا كاف، فجعله ذلك يتردّد أكثر،فقد كان ذلك ايعازا بأنّ الصورة قد جمعت في حقيقتها وأساسها بين رجلين،وإن كانا متباعدين في العمر.
    قام ليترجّل وهو في الواقع يفكّر في ردّة الفعل المناسبة،اتّسعت عيون التلاميذ أكثر،وزاد الإطار تأرجحا ممّا جعله يتوتّر أكثر فأكثر،لابدّ أنّ وجهه قد احمرّ و أنّ الغضون قد تهدّلت، فالتفّ حول نفسه،ثمّ فجأة صاح: اخرج أنت، فتحرّك على عكس التوقّعات رأس ذلك التلميذ من إطاره ومال إلى أن أصبح بالضبط فوق المصطبة في انتظار السؤال التالي.
    لابدّ من القول إنّ التلاميذ حينما يخرجون من وراء مناضدهم يصبحون نجوما بطريقة ما،وهم يدركون معنى ذلك الخروج بغضّ النظر عمّا إذا كانوا يحبّذونه أم لا، لذا فإنّه إذا حصل ذلك، فإنّ كلّ واحد سيعرض فقط ما يريد عرضه وبطريقته الخاصّة،كما حصل آنئذ حينما كان الإيحاء نابعا من وقفته المستفزّة خارج إطاره الذي كان فيه. كان، بطبيعة الحال، قادرا من مكانه المثالي ذاك أن يحرّك فريقه إذا ما أراد، وذلك بإطلاق الرموز اللازمة لذلك،لكنّه بدا في وضع الانتظار لما سيحصل أو المناور المتأهّب للخطوة التالية.
    وضع القلم فوق الخانة كما كان ينبغي له أن يفعل،ارتجف التلميذ،حينما أراد التثبّت وجد أنّ معطفه فقط قد ارتجف،ربّما لأنّه كان فضفاضا جدّا، فرفع عينيه إلى فوق ليبحث إن كان شاربه بارزا هو أيضا فلم يجد شيئا، إذّاك تأكّد أنّه أصغر سنّا،و لكنّ ذلك الصّغير كان قد أطرد في اليوم الفائت،لأنّه عوض أن يهتمّ بالدرس كان يرسل الصور عبر البلوتوث إلى شاشات هواتف أصدقائه وصديقاته ومدرّسه على حدّ السواء،و حينما نظر هو إلى تلك الصور على هاتفه الشخصي ،وكان قد ظنّ أنّها له،وجد الأمر مهمّا لأنّ التلميذ كان في حقيقة الأمر يمارس دعاية لأبيه العامل ضمن قوّات الاتّحاد الإفريقي في دولة إفريقيّة غارقة في الفوضى القبليّة،ولكنّ تلك الدعاية الصغيرة عرّفت الكلّ بشخصيّة مغامرة وليس فقط بعامل تحت راية أمميّة.
    لاشكّ أنّه فكّر آنذاك،وكانت صور الجنديّ في بزّته العسكريّة الخضراء قد تخمّرت في ذهنه،أنّ وراء كلّ جنديّ يضع على رأسه قبّعة زرقاء لإحلال السلام توجد أسرة وتوجد بلدة صغيرة جدّا فيها طفل ينتظر قدوم أبيه سالما، ثم كاد يطلق من حلقه شيئا من قبيل:ألصق الصور، إذا كان لابدّ من ذلك، في بيت أبويك الواقع في رأس ذلك الزقاق اللعينّ،كان يمكن بالفعل أن يحدث شيئا من ذلك القبيل في بلدة صغيرة إذ أنّ المدرّس يستطيع تخيّل بيوت تلاميذه وهو يكلّمهم،ومن ثمّ بزغت في ذهنه فكرة وهو يحاول تشكيل ذلك مفادها أنّ الإنسان يمكنه، إذا أراد،أن ينسج نسيجا عنكبوتيّا عملاقا جديرا بالتقدير والاحترام،ومعنى ذلك أنّ الإنسان ليس مقدّرا له في جميع الأحوال أن يكون مجرّد سمكة في واد ضيّق تلتقط بضربة واحدة،وهذا هو جوهر الرحلات الكبرى كما اعتقد،إذا أراد أن يكون من طينة المغامر والمجرّب أو من طينة،وذلك مثال فحسب،الجنديّ الأمميّ.
    فجأة أراد أن يوقف الأمر في تلك النقطة الزمنية التي اختلط فيها ما هو واقعي بما هو خيالي وما هو موضوعي بما هو عاطفي وما هو واقع في مرمى عينيه بما هو سابح خارج تلك القاعة، فوضع النظّارة على مكتبه، وقال له بنبرة ودّية مباغتة،بينما فاحت رائحة التبغ من فم الصّغير:اكتب عنوان الدرس،وكان طريق الهند أو شيء من ذلك القبيل،وأشار إلى الآخر هناك ليقرأ النصّ.
    أخذ الكسلان،و هو النجم الآخر في الزاوية الأخرى الجالس تحت شعار فريق كرويّ شهير مرسوم على الحائط،يقرأ قراءة متعثّرة بمخارج حروف ركيكة، فضحكت الفتاة الأولى إلى اليمين أوّلا لأنّ قراءته لم تكن مناسبة لعمره وجسمه الضخم المفتول،ثمّ ضحكت زميلتها،ثمّ علت الضحكة الكبرى المنتظرة على أنغام هواتف خلويّة مخفيّة هنا وهناك،في مثل تلك الفوضى،لم يرد أن يذكّر بضرورة قراءة النصّ في البيت ثلاث مرّات على الأقلّ لأنّه سبق له أن فعل ذلك،كما أنّه ليس من الجدير على الإطلاق أن تتكرّر نفس الملاحظة كما تتكرّر صور لا تلحق سوى القلق بمن يراها.
    هناك أغنية في الزاوية الأخرى البعيدة تقول باستمرار اضحك للدنيا تضحكلك،هناك أغنية غربية أخرى طالعة هابطة في مكان لا يمكن تحديده،رغم ذلك حرص على أن يكون ذا روح مرحة فلم يأبه في تلك المرّة، إنّه تيّار يحيط به إحاطة شبه تامّة ويفرض نفسه بقوّة،لذلك حوّل القراءة بدم بارد إلى الفتاة المتفوّقة تلك الفتاة التي أوصى أبوها طبيب الأسنان بأن تجلس أمامه مباشرة لضعف نظرها،وربّما كانت هي من ردّد الإجابة بفرنسيتها المميّزة فيما يتعلّق برأس الرجاء أو بالكاب،أخذت تقرأ وثيقة الملاحة في العصور الوسيطة قراءة أنيقة بدا أنّها تواجه تلك الفوضى الكامنة وذلك قبل أن تصبح الفوضى خلاّقة. انسابت القراءة سلسة مثل بكرة أفلام،عارضة أسماء ملاّحين كبار قالت الوثيقة إنّهم كانوا يطلبون التوابل ،تحرّك برفق ليعلّق على السبّورة خريطة كبيرة وشاملة،أخذ ينظر،مركّزا،على حاسة سمعه بصفة خاصّة في كلّ الاتّجاهات الباهتة،كأنّ الأمر تعلّق بإغماءة في ما يتعلّق بالرؤية،وفي اتّجاه الإطار الذي كان فيه وجه ابن الجنديّ الأمميّ مسالما في إطاره المعلّق،ربّما بفضل روحه المرحة كما قالوا لاحقا في ذلك اليوم بالذات،وهو أمر لم يؤثر عنه، سابقا،حسب الروايات المتداولة.

  2. #2

    رد: الروح المرحة

    قصة رائعة يا اصيل الشابي
    اهلا بقصصك الجميلة
    ومتابعين لانتاجك
    تحيتي

  3. #3

    رد: الروح المرحة

    تلك النماذج فريدة وميزة أيضا
    مرور وتحية
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

المواضيع المتشابهه

  1. سبب أغنية زينو المرجة
    بواسطة أبو فراس في المنتدى فرسان الشعر الشعبي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-14-2018, 07:08 PM
  2. نرحب بالأستاذ/محمد بني المرجة
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الترحيب
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-19-2018, 02:03 PM
  3. حكاية دمشقية اسمها ساحة المرجة
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-27-2014, 04:12 PM
  4. ساحة المرجة
    بواسطة محمد عيد خربوطلي في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-24-2014, 03:20 PM
  5. من العالم الرقمي للعالم الأرحب..
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى العرُوضِ الرَّقمِيِّ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-06-2012, 02:08 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •