الطائر الذي لم يعد
دجنبر.
صباح بارد ,أبرد من ليل وحدتي الموحش.
غيوم كثيفة وداكنة السواد تخفي وجعا.كانت في حركتها كدب يحتضر.
شجرة الرمان التي تتوسط حديقة المنزل هي الأخرى يوجعها عري أغصانها,التي غادرتها آخر وريقاتها لتشرئب حادة الأطراف متشابكة فيما بينها نحو الأعلى...
حط يحمل خيطا حريريا أسود.
لم يهتز الغصن...
داكن الخضرة خالطتها صفرة باهتة,قوائم انتهت بأطراف حادة أحكمت الإمساك بالغصن البني.يترنح,لم تهدأ حركة رأسه ولا حتى أجنحته التي تخفق في ارتعاش ...
تدلى الخيط الحريري الأسود من منقار بني يبدو صلبا,لعله فراش لصغار قادمين...
فجأة بدأ يهتز,يرفرف يشده الخيط الذي اشتبك بالغصن .نط على غصن آخر بدأ يجذب ’ رفرف و هو يجر ...ابتعد ,ضرب بمنقاره حيث ظن مكان التشابك,تتالت الضربات ,بدا لي أكثر إصرارا...رأيت ريش صدره منتصبا يكاد قلبه يغادر قفصه...وهو يجذب الخيط الذي ازداد تشابكا رماه غصن حاد ففقأ عينيه...
طار دون اتجاه وسط الأغصان المتشابكة والحادة ,استطاع بحدس ما أن يحلق بعيدا إلى الأعلى,ظل يصعد إلى أن صار قطعة من غيمة داكنة...
عانق الخيط الحريري الغصن الذي غطته وريقات خضراء...استرجعت شجرة الرمان دفأها وغادرها وجع العري...
عانقت وحدتي وبدأت أألف بعد التي باعد بيني وبينها خيار الرحيل...رحيل له لون البلاهة وألم كالدمل ورائحة دهليز أثقله الكلام والدخان...رحيل كسقوط ثمرات شجيراتى قبل الأوان "لم الإجهاض" سألتها...
لاحت كأجراس صغيرة,حمرتها فاتحة زهيرات وشحت اخضرار شجرة الرمان ونسيت الخيط الحريري وذاك العصفور ...
نسائم صباح تنبئ بمقدم يوم أحر من الذي انقضى,كعادتي مثل تلك الراهبة التي تطوف موزعة الدواء والأمل,كنت أعود شجيراتي...وجدتها, يعفرها الثرى ,كالوجنتين كان يلوح احمرارها ببهاء يملؤه حياء نادر,ناعمة وباردة...
مسحتها,أحسست أنها تختلف عنهن...,ترفقت في شقها...قطرات كالدم وشت بياض قطعة الثوب وحبات تتلألأ كقطع بلور...كانت مقلا ماسية...وكان الخيط الحريري الأسود,يلف طرف الرمانة السفلي...
قبالتي,على سلك يشد أغصان زيتونتي العنيدة,تراصت طيور خضرتها داكنة خالطتها صفرة باهتة ,راحت تلتقط المقل واحدا تلو الاخر...وغابت هناك,تخترق تلك التى علت السماء داكنة وحزينة,لتلحق الطائر الذى لم يعد...