. . . حدثني أبي أنهُ في عام 1927 حين كان طفلاً وعمرُهُ ستُ سنواتٍ أرسلَهُ أبوهُ إلى السوق ليشتريَ بعض اللبن ، وأرسلَ معهُ وعاءً زجاجياً الذي نسميه ( زبدية ) ، وبينما كان يسيرُ في الطريقِ من جادة القنوات نحو باب الجابية زُلَّت قدمُهُ ووقعت الزبديةُ من يدِهِ وانكسرت ، فأصابهُ رعبٌ شديد ؛ وبدأت نبضاتُ قلبِهِ تتسارعُ من الخوف ، إذ كيف سيعودُ إلى أبيهِ ( غالب بيك ) خالي الوفاض ، وأيُّ درسٍ قاسٍ سوف يُلقِّنُهُ إياه أبوه ، وبينما هو في رُعبِهِ رآهُ رجلٌ كبير وسأله : ما حالُكَ يا فتى ، فروى له سببَ خوفِهِ ، فاصطحبَهُ هذا الرجلُ إلى سوق الحميدية ، وأدخلَهُ إلى إحدى المحال .
يقول أبي :
ولما دخلتُ المحل استقبلَنا رجلٌ مهيبُ الطلعةِ باشُّ الوجهِ عليه أماراتُ الخير والبركة ، قال لي اجلس يا بني ؛ ثم سقاني كأسَ ماءٍ ، فشربتُ ونظرت حولي فإذا بالرفوفِ ملأى بأنواع الزبادي ، وقال لي : اختر الزبدية التي تريدَها وخُذها ، فبحثتُ حتى وجدتُ الزبديةَ المطابقةَ للتي انكسرت ، وسألته كم ثمنها يا عم ، فقال لي :
هذا المحل اسمه ديوان الزبادي ، وهو مخصصٌ لتعويضِ الأولادِ عن الزبديةِ المكسورة إنقاذاً لهم من غضبِ أبيهم .
كل طفل تنكسرُ معه الزبدية في الطريق يحضر إلينا لنعطيَهُ بدلاً عنها .
( ديوان الزبادي )