مراد محمد الخاني
عذراً مقدماً لتعقيد العنوان و الإطالة لخاطرة صباحية.
يعني مع انحسار الفلسفات المادية بكل أصولها و فروعها بفعل الكشوفات (سمها إن شئت الفتوحات) العلمية خاصة منذ بداية الألفية الثالثة و تحديداً في علوم الحياة و الفيزياء الفلكية فإن كل عودة للتشبث بالأفكار المادية/الفيزيائية الصرفة و دوام الإصرار على بناء واقع افتراضي و سلوكي على قواعدها المتصدعة و الصبر عليه بانتظار أن يحمل القادم من الأيام ما يمكن أن ينقذ هذه الإيديولوجيا التي خربت العالم يعتبر نكوصاً فكرياً و مضيعة للوقت.
ذلك أن كشف التعقيد الخارق على مستوى العالم الحي لن ينقص بل سيزيد دون نهاية واضحة و المتابع الحيادي سوف يدرك عاجلاً أو آجلاً أن ترك العامل الإلهي وراء الظهور في تفسير هذا التعقيد المذهل سيغدو تفكيراً منحازاً للرغبة و ليس للواقع. عكازة ملايين السنين تحديداً (الحجة التقليدية للتأويلات المادية الفيزيائية الصرفة لبيولوجيا التطور) أصابتها الفيزياء الحديثة بوكزة في أسفلها حين أخرجت الزمن من أسس الواقع. أما كشوف الفيزياء الفلكية التي أظهرت و ماتزال تظهر بتسارع ذلك التعقيد الخارق في آلة/ماكينة الكون فالمتابع بات يدرك أنه يفوق في شدته تعقيد العالم الحي مما وصل ببعض العلماء في تفسيره لاعتبار الكون بأسره بمثابة حاسوب / كومبيوتر ضخم و ليس ببساطة مجموعة كتل و ذرات تتحرك مع أو بدون قوانين و ثوابت بل لهذا الجهاز خطة و غاية مرسومة منذ ساعة الصفر الكونية (أو قل إن شئت حتى ما قبل ساعة الصفر الكونية) تكللت بظهور عالم البشر الذكي و ليس فقط العالم الحي. ذلك تم التخطيط له مسبقاً.
لم إذاً كل هذا العناد و التشبث بما هو ينهار؟ و لأجل ماذا؟ ماذا سيفوت المرء و العالم لو رجع العامل الإلهي أمامه بدل أن يكون وراء ظهره؟
دعك أخيراً من التطرف و التعصب بكل أشكاله فهو ليس إلا ثمرة فاسدة كذلك من ثمار تلك النظرة المادية/الفيزيائية للواقع ترتبط بها ارتياطاً صميمياً و بذلك فهي أيضاً في طريقها للزوال. البشر و العالم كلّ واحد حتى من الناحية العلمية و كراهتك للآخر هي بذلك كراهتك لنفسك: أنت تنظر لنفسك في المرآة: كفاك إذاً كراهة لنفسك!