الانهيار العربي أمام الكيان الصهيوني عام ويشمل مختلف المناحي. هناك دول تطبع وتتحالف مع الصهاينة أمنيا على الأقل، ومن الممكن أن تتحالف معهم مستقبلا عسكريا. وهناك أشخاص من فئات عربية متنوعة تقوم بعملية التطبيع مثل الوفد الإعلامي الذي قدم إلى فلسطين من أربع دول عربية. لا شك أن عملية التطبيع وإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني يلحق ضررا كبيرا بالشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، لكن أيهما أكثر خطورة: التطبيع مع الكيان وإقامة علاقات معه أم استيراد الغاز الفلسطيني من الصهاينة ودعم الخزانة الصهيونية بمليارات الدولارات؟ مصر والأردن تستوردان الغاز الذي يستخرجه الصهاينة من المياه الإقليمية والاقتصادية الفلسطينية. الأردن ستستورد ما قيمته عشرة مليارات دولار على مدى عشرة سنوات، ومصر ستستورد بما قيمته خمس عشرة مليارا. هذا الغاز مستخرج من المياه الإقليمية والاقتصادية الفلسطينية قبالة حيفا، وأيضا من قبالة غزة. الشعب الفلسطيني لا يحصل على أي جزء من هذا الغاز على الرغم من أن غاز غزة هو غاز تحت الاحتلال وفق المعايير الدولية، واستثمار هذا الغاز من قبل الدولة التي تحتل وبيعه يتناقض مع القوانين الدولية. لكننا على وعي تام أن القانون لا قيمة له أمام القوة، وبالتالي يعتدي الصهاينة على الفلسطينيين باستمرار، وكل نداءات الاستغاثة، والتشبث بالقوانين الدولية لا تجدي نفعا بتاتا.الأردن ومصر هما اللتان أضاعتا الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وهما مسؤولتان مباشرة من الناحية الإنسانية والأخلاقية عن استعادة هاتين المنطقتين وتسليمهما للفلسطينيين. ولكن مصر سارعت إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني في اتفاقية كامب ديفيد وهي تقيم علاقات ديبلوماسية معه، وتدعم عملية التطبيع. والأردن اعترفت بالكيان أيضا، وعملية التطبيع مع الكيان تجري على قدم وساق بخاصة فيما يتعلق بالمشاريع الاقتصادية المشتركة. أخلاقيا لا يحق لمصر والأردن إقامة علاقات مع محتل مغتصب قبل أن يتم تحرير الأرض الفلسطينية التي تم احتلالها. وإن دل هذا على شيء إنما يدل على الانهيار الأخلاقي لدى قادة الدولتين، وعن عدم الشعور بالمسؤولية أو الخطيئة العظمى التي تمت في حرب حزيران. لا يطلب أحد من الأردن ومصر تحريك المدرعات والدبابات نحو الكيان الصهيوني، لكنه مطلوب أن يكون لديهما بعض الأخلاق.شراء الغاز الفلسطيني من الصهاينة أشد خطرا وأكبر ثقلا من التطبيع لأن شراء الغاز يحمل في داخله التطبيع، أما التطبيع فلا يحمل في داخله بالضرورة الغاز. الذي يشتري الغاز يقوم بعملية مزدوجة وهي دعم الاقتصاد الصهيوني وبالتالي الجيش الصهيوني ليكون أكثر قوة وبطشا بالفلسطينيين، وهو مطبع أيضا لأنه يقيم علاقات اقتصادية اعتيادية مع كيان غاصب. شراء الغاز الفلسطيني معناه تقديم دعم مباشر للأجهزة الأمنية الصهيونية والجيش الصهيوني من حيث أنه دعم للاقتصاد. وبهذا سيكون الكيان أكثر قدرة على شراء الأسلحة، وأعلى شهية في الاستمرار بملاحقة الفلسطينيين وقتلهم وزجهم في السجون. طبعا التطبيع خطير، لكن من الأولى ملاحقة الذين يطبعون ويشترون الغاز قبل ملاحقة الذين يطبعون فقط، والطرفان في النهاية يخونون الشعب الفلسطيني والمقدسات، ويخونون الأمة العربية وشعوبهم، وهم مجرمون. الشعب الأردني غير راض عما يجري، وسبق أن حصل حراك في عمان ضد شراء الغاز، والشعب المصري لا يرغب في ذلك ايضا. ومصادر الغاز في النهاية كثيرة ومتوفرة، والمفروض أن يخجل النظامان الأردني والمصري على نفسيهما وأن يستوردا الغاز من جهات أخرى مثل قطر وروسيا. هل نضب الغاز في العالم لكي يهرع النظامان نحو الصهاينة؟ لهما خزي إن شاء الله في الدنيا والآخرة.لا يتوقف قادة النظامين الأردني والمصري عن التباكي على الشعب الفلسطيني وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية. ويكاد هؤلاء القادة أن يلطموا خدودهم ويمزقوا الثياب حزنا على فلسطين. وسرعان ما نراهما على شاشات التلفاز وهم يتحدثون بألم يعتصر قلوبهم عما يتعرض له الشعب الفلسطيني من أحزان وآلام. ودائما يرددان الوقوف مع الأشقاء الفلسطينيين وتقديم كل عون ومساعدة لهم. والله إنهم كاذبون ولا يتمتعون بأي شعور بالمسؤولية، وهم يشكلون دعامات قوية للكيان الصهيوني للنيل من الشعب الفلسطيني والأمة العربية جمعاء ومن كل المسلمين. دموعهم كاذبة وهي دموع تماسيح لا توحي إلا بالطعن بالظهر والتآمر والغدر. والأفضل أن يكفوا أكاذيبهم عن الشعب الفلسطيني حتى لا ينخدع أحد فيتخيل أن هناك قائدا عربيا فيه خير.المخاطر تحيط وتحدق بالقضية الفلسطينية من عدة جوانب، ويبقى الخطر الأكبر متمثلا بذلك الفلسطيني الذي اعترف بالكيان الصهيوني وجند نفسه مدافعا عن أمنه، وفتح الأبواب أمام الأنظمة العربية ليطفو تآمرها على السطح بلا خجل أو وجل. لكننا باقون وصامدون وسننتصر بإذن الله.