د. غازي حسين

ظهر في الخمسينات من القرن الماضي كتاب خنجر إسرائيل في مكتبات دمشق، وهو عبارة عن الخطة الاستراتيجية لإسرائيل لتفتيت البلدان العربية على أسس طائفية ومذهبية وعرقية، وكان الفضل في نشرها لأحد عملاء الاتحاد السوفيتي والذي كان بدوره أحد قادة الموساد، وأعطاها الاتحاد السوفيتي إلى القائد العربي جمال عبد الناصر والذي أعطاها بدوره إلى الصحفي الهندي كرنجيا ونشرها في مجلته باللغة الإنكليزية.
وقامت دار دمشق للنشر بطباعتها وتعميمها على أوسع نطاق.
وجاء كتاب دافيد كاما «الصراع لماذا وإلى متى» الذي ظهر في إسرائيل في بداية الستينات من القرن الماضي ليعيد تأكيد استراتيجية التفتيت الإسرائيلية بإشعال الفتن الطائفية والعرقية في البلدان العربية.
وقام د. إسرائيل شاهاك بترجمة الخطة الاستراتيجية الإسرائيلية في الثمانينات من القرن الماضي من العبرية إلى الإنكليزية ومن ثم إلى العربية لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية بعد تفتيت الدول العربية كي تبقى إسرائيل أقوى دولة في منطقة الشرق الأوسط، وتشمل مخططات التفتيت الصهيونية حتى الدول العربية المعتدلة التي أطلق عليها هذه التسمية ايهود أولمرت وكونداليسا رايس. وبالتالي لن تسلم المملكة السعودية من التفتيت، والمملكة الهاشمية من تحويلها إلى الوطن البديل، مما يُظهر بجلاء خطورة تفكير وتخطيط دهاقنة الاستعمار الاستيطاني اليهودي الذي يشمل حتى الممالك التي أقامتها بريطانيا وقامت على حمايتها لقاء موافقتها على تهويد فلسطين العربية. وتتعاون معها أمنياً وعسكرياً واقتصادياً.
وجاء في الخطة الإسرائيلية للثمانينات: أن العالم العربي الإسلامي بمثابة برج من الورق أقامه الأجانب..
ولقد قسم هذا العالم إلى دول كلها تتكون من خليط من الأقليات والطوائف المختلفة والتي تعادي كل منها الأخرى.
وفي هذا العالم الضخم والمشتت، توجد جماعات قليلة من واسعي الثراء وجماهير غفيرة من الفقراء. إن هذه الصورة قاتمة وعاصفة جداً للوضع من حول إسرائيل، وتشكل بالنسبة لإسرائيل تحديات ومشاكل وأخطار ولكنها تشكل أيضاً فرصة عظيمة. وتمضي الخطة بالنسبة لمصر وتقول: في مصر توجد أغلبية سنية مسلمة مقابل أقلية كبيرة من المسيحيين، والملايين من السكان على حافة الجوع نصفهم يعانون من البطالة وقلة السكن، والدولة في حالة من الإفلاس بدون المساعدات الخارجية الأمريكية، وأن مصر لا تشكل خطراً عسكرياً استراتيجياً على المدى البعيد بسبب تفككها الداخلي. إن أسطورة مصر القوية والزعيمة للدول العربية قد تبددت في عام 1956 «بسبب حرب السويس» وتأكد زوالها في عام 1967 «بسبب حرب حزيران التي أشعلتها إسرائيل». وإن مصر المفككة والمقسمة إلى عناصر سيادية متعددة، سوف لا تشكل أي تهديد لإسرائيل بل ستكون ضماناً للأمن والسلام لفترة طويلة.
وتتضمن الخطة تفتيت سورية إلى عدة دويلات على أسس طائفية وعرقية وكذلك العراق، وجاءت الحرب العدوانية الأمريكية ـــ البريطانية على العراق والحرب الكونية على سورية في هذا السياق.
وتتضمن الخطة أن جميع إمارات الخليج والسعودية قائمة على بناء هش ليس فيه سوى البترول، وأن الجيش السعودي بما لديه من عتاد لا يستطيع تأمين الحكم ضد الأخطار الفعلية من الداخل والخارج.
إن دول الخليج والسعودية وليبيا تعد أكبر مستودع في العالم للنفط والمال، ولكن المستفيد بكل هذه الثروة هي أقلية محدودة، وحتى الجيش ليس باستطاعته أن يضمن لها البقاء.
والأردن كما ورد في الخطة هي في الواقع فلسطينية، حيث الأقلية البدوية من الأردنيين هي المسيطرة، وفي الواقع تعد عمان فلسطينية مثلها مثل نابلس، ومن غير الممكن أن يبقى الأردن على حالته وتركيبته الحالية لفترة طويلة من الزمن. وتمضي الخطة وتقول: «إن سياسة إسرائيل إما بالحرب أو بالسلم يجب أن تؤدي إلى تصفية الحكم الأردني الحالي ونقل السلطة إلى الأغلبية الفلسطينية».
وإن تغيير السلطة شرقي نهر الأردن سوف يؤدي أيضاً إلى حل مشكلة المناطق المكتظة بالسكان العرب غربي النهر (ومن هنا جاء تصريح الجنرال أرييه نافيه قائد المنطقة الوسطى أي الضفة الغربية المحتلة الذي أعلن فيه أن الملك عبد الله الثاني ربما سيكون آخر ملوك العائلة الهاشمية).
وأوضحت الخطة بجلاء الهدف الصهيوني الراهن وجاء فيها:
«إن التعايش والسلام الحقيقي سوف يسودان البلاد فقط إذا فهم العرب بأنه لن يكون لهم وجود ولا أمن دون التسليم بوجود سيطرة يهودية على المناطق الممتدة من النهر إلى البحر، وأن أمنهم وكيانهم سوف يكونان في الأردن فقط». ومن هنا جاءت فكرة الوطن البديل والتوطين والدور الوظيفي للمملكة الهاشمية والاتحاد الاقتصادي بين إسرائيل ـ وفلسطين ـ والأردن على غرار اتحاد بنيلوكس.
وتناولت الوثيقة الاستراتيجية الإسرائيلية الوضع في لبنان ونصت على أنه منقسم وفي حالة انهيار اقتصادي لافتقاده إلى سلطة موحدة، وأن تفتيته إلى خمسة مقاطعات إقليمية يجب أن يكون سابقة لكل العالم العربي بما في ذلك مصر وسورية والعراق وشبه الجزيرة العربية.
استوحى المستشرق اليهودي الأمريكي برنارد لويس مشروع الشرق الأوسط الجديد من الاستراتيجيات الإسرائيلية ونظَّر إلى تفتيت البلدان العربية على أسس طائفية ومذهبية وعرقية وإعادة تركيبها من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية وفرض هيمنتها على المنطقة كمقدمة لترسيخ هيمنة الصهيونية على العالم وحكمه من القدس تحقيقاً للخرافات التي رسَّخها كتبة التوراة والتلمود والمؤسسون الصهاينة وأتباع المسيحية الصهيونية والإنجيليين الأمريكيين لتخليد اغتصاب اليهود لفلسطين العربية وتهويدها.
وأكد برنارد لويس في مقابلة معه أن العرب إذا تركوا فسوف يفاجئون العالم المتحضَّر بموجات بشرية من الإرهاب تدمِّر الحضارات وتقوِّض المجتمعات، ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، ومن الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية لوحدات عشائرية وطائفية.
وأقر الكونغرس الأمريكي عام 1986 مشروع برنارد لويس التفتيتي. وحاول مجرم الحرب الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن تحقيقه من خلال الحرب العدوانية الأمريكية ــ البريطانية القذرة على العراق، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً، وحاولت وزيرة خارجيته تحقيقه من خلال البوابة اللبنانية إبان الحرب الإسرائيلية الخامسة على لبنان أي حرب تموز عام 2006 وفشلت أيضاً فشلاً ذريعاً. واستنتج بعض المحللين السياسيين والخبراء أن داعش والنصرة وبقية المجموعات التكفيرية الإرهابية المسلحة هي جزء أساسي لتحقيق المخطط الصهيوني ـــ الأمريكي، والابتعاد عن إسرائيل وعدم مسها بسوء بل والتعاون معها في المنطقة الجنوبية من سورية ضد الجيش العربي السوري.
فالإرهاب التكفيري والإرهاب الصهيوني وجهان لعملة واحدة.
وتعمل هذه التنظيمات التكفيرية على تفتيت بلدان المنطقة تنفيذاً للمخططات الإسرائيلية ولمخطط لويس وليفي في سورية والعراق وليبيا للقضاء على دور العرب التحرري والنهضوي في العصر الحديث وجعل إسرائيل المركز والقائد للمنطقة، وتصفية قضية فلسطين وإقامة شراكة أمنية واقتصادية إسرائيلية خليجية.