نصُّ سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّة، ذو الفصلين المتكاملين والإحدى والخمسين كلمة المنقسمة تقريبا عليهما (1=35، 2=36)- ثماني جملٍ (1=5، 2=3):
1 وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (10)
2 إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (3)
3 فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (8)
4 وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (8)
5 وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (6)
استقل هذا الفصل الأول بخمس جمل [د/س،ج ("د/س" رمز إلى الجملة الابتدائية أو الجملة الاستئنافية، و"ج" رمز إلى الجملة الجوابية أيًّا كانت)، د/س،ع ("ع" رمز إلى الجملة المعطوفة)، د/س]:
ابتدأتها الأولى القسمية لتجيبها الثانية فتستأنف عنها الثالثة التي تنعطف عليها الرابعة فتستأنف عنها الخامسة. ولقد تطابقت الجملتان المتعاطفتان عددَ كلمات مثلما تطابقتا بناءَ مكوِّنات، إمعانًا في الموازنة بين حالي المسيء والمحسن.
6 إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (3)
7 وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (4)
8 فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى (29)
واختص هذا الفصل الثاني بثلاث جمل [د/س،ع،ع]:
استأنفتها السادسة لتنعطف عليها السابعة التي تنعطف عليها الثامنة الأخيرة الكبيرة التي لولا اشتمالها على ثلاث جمل صغيرة لتطابق بين الفصلين عددَا جملِهما وتجلى تناسقها المستمر الدال على التباس الأحوال وتعلق الأسباب.
ونصُّ حديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ، ذو أربعة الفصول المتكامل في أطرافها أولُها ورابعُها وفي أحشائها ثانيها وثالثُها، والست والخمسين ومئة الكلمة المستديرة الأعداد فيها (1=12، 2=40، 3=81، 4=23)- أربع وثلاثون جملة (1=3، 2=16، 3=11، 4=4):
1 يَا عِبَادِي (2)
2 إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا (8)
3 فَلَا تَظَالَمُوا (2)
استقل هذا الفصل الأول بثلاث جمل [د/س،ج،د/س]:
ابتدأتها الأولى الندائية لتجيبها الثانية فتستأنف عنها الثالثة الطلبية التي استغنت بما سبقها عن الجواب ليشمل تقديره طاعةَ الحق -سبحانه، وتعالى!- والتشبهَ به جميعا معا!
4 يَا عِبَادِي (2)
5 كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ (5)
6 فَاسْتَهْدُونِي (1)
7 أَهْدِكُمْ (1)
8 يَا عِبَادِي (2)
9 كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ (5)
10 فَاسْتَطْعِمُونِي (1)
11 أُطْعِمْكُمْ (1)
12 يَا عِبَادِي (2)
13 كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ (5)
14 فَاسْتَكْسُونِي (1)
15 أَكْسُكُمْ (1)
16 يَا عِبَادِي (2)
17 إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا (8)
18 فَاسْتَغْفِرُونِي (1)
19 أَغْفِرْ لَكُمْ (2)
واختص هذا الفصل الثاني بست عشرة جملة [د/س،ج،د/س،ج، د/س،ج،د/س،ج، د/س،ج،د/س،ج، د/س،ج،د/س،ج]:
استأنفتها الرابعة الندائية لتجيبها الخامسة فتستأنف عنها السادسة الطلبية التي تجيبها السابعة فتستأنف عنها الثامنة الندائية لتجيبها التاسعة فتستأنف عنها العاشرة الطلبية التي تجيبها الحادية عشرة فتستأنف عنها الثانية عشرة الندائية لتجيبها الثالثة عشرة فتستأنف عنها الرابعة عشرة الطلبية التي تجيبها الخامسة عشرة فتستأنف عنها السادسة عشرة الندائية لتجيبها السابعة عشرة فتستأنف عنها الثامنة عشرة الطلبية لتجيبها التاسعة عشرة.
على وتيرة واحدة توالت هذه الجمل مُرَبَّعَةً غيرَ خالية من جواب ما يحتاج إلى جواب -وإن أمكنها الاستغناء عن ذكره- إمعانًا في توثيق العباد بحرص ربهم على الترفيه عنهم، وتأخرت مربعةُ الخطأ عن مربعات الضلال والجوع والعري، من حيث ينبغي للساعي أن يهتدي إلى غايته ليسعى إليها، وفي أثناء السعي يكون الخطأ.
20 يَا عِبَادِي (2)
21 إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي (9)
22 يَا عِبَادِي (2)
23 لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ (13)
24 مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا (6)
25 يَا عِبَادِي (2)
26 لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ (12)
27 مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا (6)
28 يَا عِبَادِي (2)
29 لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ (15)
30 مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ (12)
واختص هذا الفصل الثالث بإحدى عشرة جملة [د/س،ج، د/س،ج،ج، د/س،ج،ج، د/س،ج،ج]:
استأنفتها العشرون الندائية لتجيبها الحادية والعشرون فتستأنف عنها الثانية والعشرون الندائية لتجيبها الثالثة والعشرون الشرطية التي تجيبها الرابعة والعشرون فتستأنف عنها الخامسة والعشرون الندائية لتجيبها السادسة والعشرون الشرطية التي تجيبها السابعة والعشرون فتستأنف عنها الثامنة والعشرون الندائية لتجيبها التاسعة والعشرون الشرطية التي تجيبها الثلاثون.
ولولا الجملتان الأوليان لاستقامت مُثَلَّثَةً على وتيرة واحدة كذلك هذه الجملُ، ولكنهما كانتا تمهيدا عاما تفرعت عنه مثلثاتُ التقى فالفجور فالسؤال، إمعانًا في الدلالة على غنى رب العباد -سبحانه، وتعالى!- وعلى شمول تلقي السؤال وجوابه للفاجر مع التقي!
31 يَا عِبَادِي (2)
32 إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا (8)
33 فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ (5)
34 وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ (8)
واختص هذا الفصل الرابع بأربع جمل [د/س،ج،د/س،ع]:
استأنفتها الحادية والثلاثون الندائية لتجيبها الثانية والثلاثون فتستأنف عنها الثالثة والثلاثون التي تنعطف عليها الرابعة والثلاثون. ولولا ضرورة الاستقلال النحوي لدخلت الرابعة والثلاثون في الثالثة والثلاثين وارتد الفصل الرابع عَجُزًا على الفصل الأول صَدْرًا، في مقام التعبير عن ائتلاف أصالة العدل وتحريم الظلم.
ونصُّ حديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ، ذو الفصل الواحد والثماني والخمسين كلمة- تسعُ جملٍ [د/س،ض،د/س،ع،ع،ع،ع،ع،ع]:
1 سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ (10)
2 تَعَالَى (المعترضة في خلال الجملة الأولى) (1)
3 إِمَامٌ عَدْلٌ (2)
4 وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ (5)
5 وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ (5)
6 وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ (8)
7 وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ (10)
8 وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ (11)
9 وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ (6)
ابتدأتها الأولى التقريرية التي اعترضتها الثانية التنزيهية لتستأنف عنها الثالثة التفريعية فتنعطف عليها ست الجمل الباقيات. وعلى رغم ما تعلق بتفرُّع هذه الجمل السبع كلها عن تلك الجملة الأولى من تشابهها، أعرض قائلها -صلى الله عليه، وسلم!- عن تغليب هذا التشابه، على حين حرص عليه في نصِّ حديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ"القدسيّ، وكأنه مِلاك توصيل المراد من غير إخلال، شأنَ كل عبارة موفَّقة يتمسك بنمطها المستأمَنُ على رسالتها!
إننا إذا اتخذنا الجملة الابتدائية -ومثلها الجملة الاستئنافية- منطلقًا إلى كشف حركة الجمل في النصوص الثلاثة، واجتزأنا برموزها التجريدية- تجلت لنا في متوالياتها الأنماطُ الآتية:
1 نصُّ سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّة:
- الفصل الأول:
- د/س،ج
- د/س،ع
- د/س
- الفصل الثاني:
- د/س،ع،ع
2 نصُّ حديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ:
- الفصل الأول:
- د/س،ج
- د/س
- الفصل الثاني:
- د/س،ج
- د/س،ج
- د/س،ج
- د/س،ج
- د/س،ج
- د/س،ج
- د/س،ج
- د/س،ج
- الفصل الثالث:
- د/س،ج
- د/س،ج،ج
- د/س،ج،ج
- د/س،ج،ج
- الفصل الرابع:
- د/س،ج
- د/س،ع
3 نصُّ حديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ:
- د/س،ض
- د/س،ع،ع،ع،ع،ع،ع
إن في هذا التجريد البياني ما يُجلّي بعض ما انبنت عليه التحليلات السابقة من أُسُس، وأهم من ذلك هنا أنه ينبه على انفراد نصِّ حديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ، بنمطيه الجُمليّين، واجتماع نصَّيْ سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّةوحديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ، على ما تحرك فيهما من أنماط مشتركة.
إن الجملة القسمية التي استفتح بها النص الأول (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى)، مثل الجملة التتنزيهية التي اعترضت الجملة التي استفتح بها النص الثالث (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ -تَعَالَى!- فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ)، كلتاهما شديدة الاختصاص بنصها، فأما الجملة الندائية التي استفتح بها النص الثاني وغلبت عليه (يَا عِبَادِي)، فإنها أعلق في نفسها بالنص الأول وأعلق في تكرارها بالنص الثالث!
ثم إن متوسط طول الجملة في نصِّ سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّة، 8.87- وفي نصِّ حديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ، 4.58- وفي نصِّ حديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ، 6.44، ولا عجب؛ فإن مقام كلا النصين الأول والثالث إنما هو على الأطراف، فأما المتوسط فالثالث؛ فمن ثَمَّ كان فيه من كل منهما ما يجذبه إليه!