جمع بين سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّة، وحديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ، وحديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ، أنها كلها نصوص عربية دعوية إسلامية قصيرة، في تقدير أعمال الناس:
فأما نص سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّة، ففَصْلان:
1 وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى
2 إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى
وأما نص حديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ، فأربعة فصول:
1 يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا
2 يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ
3 يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ
4 يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ
وأما نص حديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ، ففصل واحد:
1 سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَدْلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ
إن صوت الإسلام في نص سورة "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى" القرآنيّة، شَدِيدٌ جَهِيرٌ مَهِيبٌ، قد عَمَّ الناس ضميره المتعظِّمُ المستقلُّ بتصنيفهم في الفصل الأول على صنفين واضحي الاختلاف: أحدهما محسن جدير بالتيسير، والآخر مسيء جدير بالتعسير- المقتدرُ في الفصل الثاني على إنذار المحسنين والمسيئين جميعا عواقب اختلافهم، واتحدت على الفتح الممدود مواقفُ أطرافه؛ فارتفعت أصوات بعض كلماته، وغلبت أصداؤها على أصداء غيرها؛ فالتبسَت إلا على العزيز العليم أحوالُ الأتقى والأشقى، وتعلقَت به وحده أسبابُ اليسرى والعسرى!
ثم إن صوت الإسلام في نص حديث "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ" القدسيّ، خَفِيفٌ لَطِيفٌ أَلِيفٌ، قد عَمَّ العباد ضميرُه المتقرِّبُ إليهم في الفصل الأول بتحريم الظلم وفي الفصل الرابع بتأصيل العدل، المرفِّهُ عنهم في الفصل الثاني بتأصيل فَقرهم وفي الفصل الثالث بتأصيل غناه- وتكفَّل تكرارُ عبارة "يَا عِبَادِي" عشر مرات، بتأكيد الحرص عليهم مهما اختلفت أحوالهم.
ثمتَ إن صوت الإسلام في نص حديث "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ" النبويّ، حَثِيثٌ نَبِيهٌ بَهِيجٌ، قد خص بعض المحسنين في فصله الواحد، بشكر إحسانهم، وألحق ذوي الإحسان العارض منهم بذوي الإحسان الثابت، تبشيرًا استهلَّ روايته بتحديد السبعة عددًا لا يمتنع أن يجري من المبالغة مجراه البليغ، فيتعلق بكل من السبعة سبعة آخرون ثم بكل من التسعة والأربعين سبعة آخرون، إلى ما شاء الله، "وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ"!



--