من أسوان إلى تطوان
مصطفى منيغنشر في تطوان بلوس يوم 29 - 01 - 2019


فيها عشقتُ النيل النبيل أكثر، وتعمَّقتُ معرفةًً في مواطنيها صُناَّع الحضارة الأخيار، منبع الكرم الأبرار، المقدرين جانب الحق في اتخاذ أي قرار، المانحين في مكارم الأخلاق أصدق معيار،الأوفياء لمن أحبوا لدرجتهم مصر عروس الأمصار، الحسناء الجميلة على مدى أزمنة الدهر ، واجهة تاريخ أقدم أعرق صلابة الديار ، الحاضنة في افتخار، بداية البدايات في التشييد والإعمار ، كصندوق ادِّخار ، يُفتَحُ للأجيال المتلاحقة كانبلاج شمس النهار ، يجود بالمعرفة للمعرفة كُنْه َأسرار ، لتنشيط العقل يأثمن ابتكار ، مهما كان المجال ُعِلمياًً أو الميدانُ حِِرفِياًً أو الفضاءُ تَرتيباًً لمزج الأصالة الأصيلة بالحداثة على أرض الواقع وليس خيالاً التُقِطَ لإلهاء الآخرين ببضع صور.




... قبل أن يكون اسمها "سونو" (وتعني في لغة المصريين القدماء "السوق" نظرا لمقامها الرفيع الوازن في مجال المبادلات التجارية) إلى أن بدَّله الإغريق ب "سوان" وأخيرا انطلاقا من القرن السادس الميلادي حيث حَلَّ العرب في ربوعها الأروع من الجمال ذي الأفق الأخضر، جعلوا لها اسم "أسوان" استمر عالقا بها عبر الأزمان إلى الآن عنوانا متروكا للسائلين عما يبهر الإبصار، من شدة التحام الماء بالسماء بالإنسان بألوان قوس قزح بالحجر، عالم من الرهبة المائل متحدياً أقدر الكتاب على الوصف ولو البسيط المبسط في أي ركن تجمعت 900.000 نسمة اختارها (سفراء كنوز تراث مصر) القدر، لسائر البشر.
تحفة معمارية نحثها المصريون في قلب الطبيعة الجاعلة المساحة المحاطة بثلاث محافظات ( شمالا "قنا" و غربا " الوادي الجديد" وشرقا "البحر الأحمر) إلى أن تعانق بعد مسافة "السودان"حيث العزة والشهامة وحسن جوار، تبهج تلك الثغور الطيبة بما يشع من أنوار، مذكرة الإنسانية أن لا شيء اقوي على الوحدة الراسخة في القلوب وقبلها العقول بين الإخوة يتعظ من سموِّها الأشقاء عامة وبخاصة حكام جزائر نظام عبد العزيز بوتفليقة المهدد منطقة المغرب العربي بما لا يحمد عقباه إن لم يستجيب للمبادرة المغربية الرامية فتح صفحة جديدة من التعاون المثمر والتضامن الفعال الكفيل باستقرار واستمرار الأمن والسلام والابتعاد عن فكرة خلق دويلة لا ولن تملك لا يومه ولا فدا مقومات دولة ذات سيادة فقط ورقة أسستها الجزائر الرسمية للعب بها على امتداد عقود ناشدة ممراً صوبالضفة الغربية للمحيط الأطلسي بأشد اختصار .(يتبع)


من أسوان إلى تطوان 2

أسوان : مصطفى منيغ
على أرضها المباركة المَُبلَّلَةِ بعَرَقِ ملايين البشر عبيداً شيَّدوا ، من الجماد معجزات ومع رحلة الزمن عَبْرَ أحفادهم جيلا ًبعد جيل تمَرَّدوا، كخير سَلَف لاقوى خلف أصبحوا، وأسياداًً سادوا، تحت مسمَّيات تمحي ما تقدَّم منها سابقتها وبالتالي كلهم بادوا ، مذ كانت "أسوان" إلى دخول الاسلام ليبدأ فيها أولى صفحات الايمان آخرها عايشت تأسيس "الأزهر" الشريف يُبقي للدين السمح الحنيف هيبته في بيوت الله مهما كانت الديار في القارات الحمس وإلى الآن وأنا من الضفة الغربية ممّن صَوبها فوق "خزان أسوان" عبروا، شاعراًً بالغريب العجيب سادني مُعَبِّراً على لساني : من تَسَنَّى له الحضور إلى "هنا" أمامه خياران لا ثالث لهما أن يحب مصر الحب الحقيقى لا مكان فيه للإنحياز السياسي الراكب على تمرير اتجاه باتجاه ثاني أو التطبيل لجهة معينة جهراً والتزمير لاخرى سراً أكان الدافع واضحا أو مرموزاً ، أن يحب مصر ويحترم "صعيدها" بما فيه من أخلاقيات وأعراف وشيم تمثل واجهة الرجولة الفذة، والحمد على النعمة، والإكتفاء بالحلال مهما قدم الأخير لصاحبه أضيق خدمة، وأن يروي عطشه (كما رويتُ شخصياً عطشى) بماء النيل مباشرة دون تصفية أو اضافة أي مادة كيماوية ، أما الخيار الثاني أن يرحل ، وإن لم يفعل فمصر كفيلة بذلك عن أدب جمّ ، وألْسِنَة محلية تفوه بحلو نغم ، بعد أداء واجب الزيارة .
أسوان ، لمصر الميلاد والتاريخ أدق وأعمق عنوان، مَنْ وَصَلها بالخير عانقته بالاحضان ، عناق فؤاد أم الدنيا لمن دخلها بنية حسنة وأمان ، لا تسألُ من أين أتيتََ ، بنباهتها تحدِّد جنسيتك ، وتتصرف بهدوء وثقة في النفس معك، خلال اول لقاء ، بعدها تمكِّنكَ من المقام الذي تختاره ليرحِّب بك أهله وكأنك من أفراد الأسرة ، ذاك سر مرتبط بما سبق ذكره عن محبة مصر الحب الطبيعي البعيد عن مساحيق المجاملة العقيمة واستغلال الفرص المجانية .
اسوان حزان للمعرفة والعلوم ، وسكنٌ مريحٌ دائمٌ لمياه استمرار الحياة ليوم النشورالمعلوم، عاشقها مثلي يسمع لهدوء سريان النيل النبيل لحناً يسبح لخالقه في ترنيمات يترجمها المنصت بقلبه تضرعات للباري الوهاب أن يحفظ مصر وأهل مصر بما حفظ به القرآن الكريم ، فيها تحسُّ أنك تلامس مع كل خطوة تتقدم بها نحو أول سد شيد (انطلاقا من سنة 1899 في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني كأكبر سد في عالم ذاك العصر، طوله 2141 وعرضه 9 أمتار ، تتخلله 180 بوابة ) أن خيالََ مَنْ طَواهُم الثَّرَى من سنين ساحقة في عمر الزمن يقدمون ما تشتهيه من حماس البحث عن السر الدفين لحقيقة هذه الأرض .. إن كانت مسكونة مع بدء البدء بالبشر وحسب .. أم بأرواح لا يعلم شكلها ولا مهامها سوى الحي القيوم ، إذ ما وُجد كتراث ليظل حتى الفناء، مُلزَمٌ بتهيئ الأساسات المعجزة صلبة تنأى به عن الزوال قبل ذاك الأوان المحسوم .
مصطفى منسغ
Mustapha Mounirh
سفير السلام العالمي
مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان بسيدني – أستراليا

الكاتب العام الوطني لنقابة الأمل المغربية