ميكانيكا الجسد
كيف يتم تحول الانفعالات إلى أعراض جسدية؟ عندما نتعرض لشدة نفسية أو لانفعال مترافق مع تأثير ضاغط على الجسم، يقوم الدماغ بتحريّض إنتاج هرمون الكورتيزون بكمية زائدة. وتعتبر الشدة النفسية (stress) المزمنة أو أية انفعالات مثل الغضب والكراهية، والخوف أو الحزن – عاملًا مهمًّا؛ حينذاك تقوم الغدة الكظرية بتحويل الانفعالات إلى أعراض بفعل تأثير الكورتيزون. والمعروف أنَّ الارتفاع الدائم في مستوى هرمون الكورتيزون في الدم يؤدي إلى حدوث تغيرات في وظيفة بعض الأعضاء. فالشرايين تضيق وتتصلب (تصلب الشرايين). كما وترتبط به أيضًا بعض الإصابات بالسرطان. ويمكن للسرطان أن يصيب أعضاء مختلفة بحسب الحالة أو الظروف التي تقف خلف الانفعال.
من ناحية ثانية، لكي يعمل الجهاز المناعي بشكل طبيعي لا بد من توفر كمية محددة من هرمون الكورتيزون في الدم. هذا يعني أننا بحاجة من حين لآخر لبعض الرضوض النفسية الخفيفة أو للتحفيز الهرموني لكي نشعر بأنفسنا "أحياء". ويختلف المستوى الطبيعي للهرمون من شخص لآخر.
ولكن الكمية الزائدة من هرمون الكورتيزون يمكن أن تشكل تهديدًا جديًّا لنظام المناعة. لنفترض أنك تشعر بالخوف ولكنك تتجاهله ولا تريد حتى أن تلاحظ كيف أن جسدك يطلب منك البقاء بعيدًا عن "منحدر صخري" مرتفع جدّا. أي كما لو أنك تسعى عن سابق قصد وإصرار، بتعبير مجازي، باتحاه كل جرف صخري تصادفه في طريقك. تختار مهنة لا تناسبك؛ تقيم صداقات مع أشخاص لا يعرفون قيمتك. أي أنك تعيش عند حافة الخوف بشكل مستمر ومع ذلك تتجاهل الإشارات التي يرسلها جسدك – ركبتان ترتجفان وقلب يدق بقوة هائلة في صدرك ويدان تتعرقان الخ. أو أنك تتعرض لنزلة برد مرات كثيرة ولكنك ترفض بعناد الإصغاء لما يقوله لك جسدك: "إني أعاني من فرط إجهاد وتوتر". وهكذا يبدأ الجسم بالتعامل مع العالم بأكمله وليس مع الجرف الصخري وحسب على أنه موضوع يجب أن يهابه ويخاف منه. هذا يجعل الجسم يبدأ بانتاج كميات أكبر من الكورتيزون ويدفع بالخلايا وبالجزيئات المناعية إلى المعركة ضد جميع المخاطر التي تتهدده، سواء كانت حقيقية أو وهمية متخيلة، ليصبح رد فعله على العالم كما لو مع جحافل ضخمة من الجراثيم. تتجه كافة قوى وطاقات الجسم من أجل إنتاج خلايا مناعية يجري فرزها عند أي حادث مهما كان عرضيًا. هذا ما يحدث بالضبط عند أولئك الذين يعانون من نزلات برد متكررة أو من التهاب قصبات مزمن أو من تعب دائم على سبيل المثال. وفي نهاية المطاف يتحول وجود كمية كبيرة زائدة من الأجسام المناعية المضادة إلى خطر على جسم الشخص ذاته. تبدأ هذه الأجسام المضادة بمهاجمة وتدمير الجسد. مما يؤدي في النهاية إلى نشوء مرض من منشأ مناعي ذاتي مثل التهاب المفاصل نظير الرثواني أو الداء الذئبي أو التهاب الأوعية.
من كتاب يجب ان يصدر قريبا - ترجمة إبراهيم إستنبولي