في مطلع القرن العشرين، عاشت روسيا فترة مضطربة، فبالتزامن مع الحرب اليابانية-الروسية والتي تلقى خلالها الروس هزيمة قاسية، توالت الإضرابات العمالية ولعل أبرزها أحداث "الأحد الدامي" يوم التاسع من شهر يناير/كانون الثاني سنة 1905 والتي لم يتردد الحرس الإمبراطوري في قمعها بالرصاص. خلال تلك الفترة، كانت روسيا أيضاً مسرحا للعديد من أعمال العنف الموجهة ضد اليهود والتي أودت بحياة الكثير منهم. فضلا عن ذلك، أرّقت المسألة اليهودية السلطات الروسية بشكل واضح لتتحول تدريجيا إلى حمل ثقيل على النظام القيصري الذي سعى بكل السبل إلى دمج اليهود في النسيج الديموغرافي للبلد عن طريق فرض نظام عيش ريفي عليهم. لكن اليهود رفضوا القيود المفروضة عليهم مفضلين ممارسة الحرف والتجارة.عقب نهاية النظام الإمبراطوري الروسي ونشأة الاتحاد السوفيتي، عادت مسألة اليهود للواجهة مرة ثانية حيث ساند الحزب البولشفي "الفكر الإلحادي"، رافضا بذلك جميع الأديان. لكن في المقابل ولتخفيف حدة التوترات بالبلاد عقب الحرب الأهلية الروسية، اتجه فلاديمير لينين الذي شغل منصب أول قائد للاتحاد السوفيتي إلى اعتماد سياسة شبه متسامحة مع الأقليات الموجودة على الأراضي السوفيتية. كما أرسى الاتحاد السوفيتي بدايةً من سنة 1921 "هيئة الكومزت" التي أوكلت إليها مهمة مساعدة اليهود على الاندماج داخل المجتمع.

عقب وفاة فلاديمير لينين سنة 1924 واستلام #ستالين لمقاليد السلطة، حافظ اليهود على مكانتهم بالاتحاد السوفيتي حيث تبوأ العديد منهم مناصب هامة بالدولة. ومع حلول سنة 1928، اتجه جوزيف ستالين لاتخاذ قرار فريد من نوعه عقب موافقته على منح #اليهود وطنا على الأراضي السوفيتية.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيلوحة زيتية دعائية للقائد السوفيتي جوزيف ستالين
في بادئ الأمر، اتجه ستالين نحو تركيز اليهود بمنطقة القرم، لكن سرعان ما تخلى القائد السوفيتي عن هذه الفكرة مفضلاً إرسال اليهود نحو بعض المناطق النائية بأقصى شرق سيبيريا لتعميرها.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيرسم خرائطي يجسد المسافة بين العاصمة موسكو و مدينة بيروبيجان
لخدمة مصالح الاتحاد السوفيتي، أمر ستالين بدايةً من سنة 1928 بتنظيم هجرات جماعية لليهود نحو إحدى المناطق السوفيتية الحدودية مع الصين والقريبة من نهر آمور، في سعي منه لتعمير مثل هذه المناطق والتي لطالما مثلت مصدر مشاكل مع الجارة الصين. فضلاً عن ذلك، سعى القائد السوفيتي من خلال قراره إلى حسم مسألة اليهود ببلاده عن طريق تجميعهم بمكان واحد يبعد حوالي 5000 كلم عن العاصمة موسكو.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيخريطة توضح موقع الأوبلاست اليهودي ذاتي الحكم
مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، شجعت السلطات السوفيتية اليهود على الهجرة نحو هذه المناطق حيث وافق الاتحاد السوفيتي على منحهم مبالغ مالية هامة مقابل نقلهم نحو أقصى شرق البلاد. فضلا عن ذلك، بثّ التلفزيون السوفيتي برامج دعائية تحدّث فيها عن حياة اليهود عقب هجرتهم إلى أقصى شرق البلاد.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيتمثال جوزيف ستالين ببيروبيجان عاصمة الأوبلاست اليهودي ذاتي الحكم
يوم السابع من شهر أيار/مايو سنة 1934، أعلن جوزيف ستالين رسميا عن نشأة "الأوبلاست" اليهودي ذاتي الحكم عند إحدى المناطق الحدودية مع الصين بأقصى شرق البلاد. وسمّى ستالين هذا الأوبلاست ذاتي الحكم "وطنا لليهود"، معلناً مدينة بيروبيجان عاصمة له. فضلاً عن ذلك، سمح لليهود القاطنين بهذه المنطقة بممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية، وأعلِنت لغتهم اليديشية لغة رسمية.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيجوزيف ستالين
بالتزامن مع إعلان ستالين نشأة هذه المنطقة اليهودية، هاجر العديد من يهود أوكرانيا وبيلاروسيا نحو الأوبلاست اليهودي ليتجاوز بذلك عدد السكان اليهود للمنطقة سنة 1937 حوالي 20 ألف نسمة. خلال فترة الحرب العالمية الثانية وعلى إثر السياسة الألمانية المعادية لليهود، هاجر العديد من يهود أوروبا الشرقية نحو بيروبيجان ليقدر عدد سكانها اليهود عقب نهاية الحرب بنحو 50 ألف نسمة.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيالقائد السوفيتي جوزيف ستالين
لكن خلال السنوات التي تلت نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانيا على الساحة الأوروبية، باشر القائد السوفيتي جوزيف ستالين باعتماد سياسة معادية لليهود حيث أرسلت نسبة هائلة منهم نحو مراكز العمل القسري "الغولاغ" كما منع أتباع الديانة اليهودية من ممارسة شعائرهم الدينية وحرموا من دخول الوظيفة العمومية. وبسبب هذه السياسات الستالينية تراجع عدد السكان اليهود بالأوبلاست اليهودي ذاتي الحكم حيث فضّل اليهود تغيير وجهتهم والسفر نحو الأراضي الفلسطينية.وعلى إثر وفاة ستالين سنة 1953 تزايدت أعداد اليهود المغادرين لبيروبيجان بوتيرة سريعة لتتراجع نسبتهم بهذه المنطقة إلى النصف مطلع الستينيات قبل أن تنخفض إلى أقل من 4% خلال الأشهر الأخيرة التي سبقت انهيار #الاتحاد_السوفيتي.
https://www.alarabiya.net/ar/last-page/2018/07/20/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AE%D8%B7%D8%B7-%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%86-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%A7%D8%B6%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%AA%D9%8A%D 8%A9%D8%9F.html