في الذكرى الـ 25 لتوقيع اتفاق أوسلو
مصطفى إنشاصي
يوم الخميس 13/9/2018 ذكرى توقيع اتفاق أوسلو رسمياً في حديقة البيت الأبيض قلت لنفسي أقرأ بعض الأخبار فأنا منقطع عن المتابعة؛ فوجدت السلطة والفصائل المؤيدة والمعارضة الجميع نازل أوسلو .. أوسلو! عن أي أوسلو أنتم تتحدثون؟! عن أوسلو أتفاق المبادئ الذي فاوضت عليه منظمة التحرير سراً ووقعته بالحروف الأولى في أوسلو بالنرويج بتاريخ 20/8/1993، ووقعته رسمياً في حديقة البيت الأبيض بتاريخ 13/9/1993، يعني مثل اليوم قبل 25 سنة؟عن هذا الاتفاق أم عن اتفاق أوسلو آخر لا نعرفه أنتم الذين تعرفونه فقط؟! إن كان الاتفاق الذي نعرفه ويعرفه العالم؛ هذا الاتفاق انتهى منذ عام 2000 بعد أن مددوا له سنة! فقد كانت مدته خمسة سنوات فقط وهي المرحلة الانتقالية تنتهي في عام 1999 بإعلان الدولة الفلسطينية حسب الفهم الفلسطيني، ولأنه في ذاك العام لم يتم الاتفاق على ما سموه قضايا الحل النهائي، نسينا أن تلك القضايا الاتفاق عليها مرتبط بالمفاوضات الإقليمية التي تمخضت عن مؤتمر مدريد الذي عقد عام 1990، أما اتفاق أوسلو فقد كان اتفاق مبادئ لا فيه مواعيد مقدسة ولا بنود ملزمة!
خلاصة اتفاق المبادئ (أوسلو)
قبل توضيح ما ينص عليه الاتفاق؛ دعونا نُذكر بالأسس التي قام عليها الاتفاق، للأسف أساسا الاتفاق قراري مجلس الأمن 242 الصادر بعد هزيمة عام 1967 و338 الصادر بعد انتصار العاشر من رمضان/أكتوبر عام 1973، وهما لا يعترفان بنا دولة ولا بحقوق وطنية وحق تقرير المصير ولا ...، ولكن جماعة من اللاجئين بحاجة إلى مساعدات إنسانية وتحسين ظروفنا الحياتية والمعيشية فقط! وللعلم هذان القراران يزينان ديباجة أي اتفاق أي تسوية وليس حل للقضية الفلسطينية، وقرارات مجلس الأمن عندهم ليست ملزمة ولكن للاسترشاد بها فقط عند التفاوض على تنفيذها!!! أما مضمون وخلاصة اتفاق أوسلو الذي نعرفه نحن والعالم أجمع هو: إنشاء سلطة حكم ذاتي إداري فلسطينية طبعاً، تتولى إدارة المناطق التي يخرج منها العدو الصهيوني في الضفة وغزة ويعيد نشر قواته حولها ويتحكم في الدخول إليها والخروج منها! وجوهر الاتفاق يقوم على التنسيق الأمني مقابل ميزانية للسلطة تدفعها الدول المانحة سنوياً، لتغطية مرتبات موظفي السلطة ومؤسساتها، ليس فيه نصوص اعتراف متبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وكيان العدو الصهيوني، ولكنه اعتراف من الدرجة الأولى من المنظمة بالعدو وبحقه في الوجود لا يقابله اعتراف من العدو بدولة فلسطينية لأنه لا يوجد دولة، ومنظمة التحرير لم تحرر أرض ولا وقع عليه العدو مكرهاً بفعل المقاومة، والحقوق لا تُهب من مغتصبيها ولكنها تنتزع!وقد حول الاتفاق القضية من صراع ضد المحتل إلى نزاع على أراضٍ!!! واكتشف أبو عمار في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 أنه كان كذبة وخدعة لا يتضمن دولة فلسطينية، لذلك عاد إلى رام الله ودعم تفجير الانتفاضة، في محاولة للعودة تدريجياً للثورة من جديد إن لم يستجب العدو الصهيوني للفهم الفلسطيني للاتفاق، لكن العرب خذلوه! ذلك الاتفاق انتهى بانتهاء المرحلة الانتقالية في 1999، وبفشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، وعندما رأى شارون أن الطرف الفلسطيني غير يُصر على أنه لم ينتهِ ومل وزهق من سماع اسمه؛ أعلنها صراحة في حديث له مع صحيفة (معاريف الصهيونية بتاريخ 6/9/2002): "أن أوسلو لم تعد قائمة، وكامب ديفيد الولايات المتحدة لم تعد قائمة ولا طابا مصر، لن نعود إلى هذه المواقع". وأضاف: أن (إسرائيل) تعتبر أن اتفاقات أوسلو التي أبرمت في العام 1993 مع الفلسطينيين والترتيبات التي تم التوصل إليها في كامب ديفيد وطابا العام 2000 لم تعد قائمة. كما اعتبر اتفاق (غزة بيت لحم أولاً) الذي أبرم بين بنيامين بن اليعازر وزير الحرب الصهيوني وعبد الرزاق اليحي وزير الداخلية الفلسطيني في 18/8/2002 حبراً على ورق!
وبدأنا مرحلة جديدة غير أوسلو
في خضم الاستعدادات الأمريكية للعدوان على العراق وفي محاولة لكسب تأييد أكبر عدد ممكن من الحكومات العربية والإسلامية لحملته الصليبية الثانية دعا بوش في خطبة له يوم 20/6/2002: إلى ضرورة قيام دولة فلسطينيةـ نفس الدعوة سبق أن أعلنها قبل حملته الصليبية الأولى على أفغانستان! وإلى نيته إطلاق خطة خارطة الطريق التي وضعتها الرباعية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في 20/12/2002، ولكنه ربط ذلك بانتهاء حملته الصليبية الثانية ولم يعلن عنها إلا في 30/4/2003 بعد احتلاله العراق، كمشروع سياسي لتسوية القضية المركزية للأمة وتحقيق رؤية الدولتان التي أطلقها في خطابه في 24/6/2002. جاءت خطة خارطة الطريق لتكون بديلاً جديداً عن أوسلو وعد فيها بوش الفلسطينين بدولة مؤقتة! لم يحدد مساحتها؟! أو إن كانت متصلة جغرافياً أم لا؟! ذات سيادة كاملة أم حكم ذاتي أو روابط قرى؟! المهم دولة وفقط؟! ولكن شارون قطع عليه خطته لأنه سياسي يفهم سياسة ولديه مستشارين خبراء في السياسة وليس بصيمة ألقاب فقط، أدرك هو وطاقمه السياسي والأمني أن خطة خارطة الطريق نهايتها مؤتمر دولي، والمؤتمر الدولي قد يلزم العدو الصهيوني بشيء ما للفلسطينيين قد يتعارض مع مصلحة العدو، لذلك سارع لإعداد خطة فك الارتباط أحادي الجانب التي طرحها في مؤتمر هرتسيليا في 18/12/2003، وجاءت لتعبر عن أفكاره وخططه التي أكد عليها في خطبه وتصريحاته على مدى السنوات الثلاث سبقتها، وهي خطة ذات ملامح أمنية تستند إلى تسوية مرحلية طويلة الأمد وتأجيل النقاش في قضايا الحل النهائي.فقد أعلن أن: "خطة فك الارتباط ستضمن إعادة انتشار للجيش (الإسرائيلي) في خطوط أمنية جديدة وتغيير انتشار التجمعات السكانية بحيث يتقلص قدر الإمكان عدد (الإسرائيليين) المتواجدين في قلب السكان الفلسطينيين ... سيتوفر الأمن من خلال انتشار الجيش (الإسرائيلي)، جدار الأمن، وعوائق مادية أخرى، خطة فك الارتباط ستقلص الاحتكاك بيننا وبينهم ... بودي أن أشدد على أن خطة فك الارتباط هي خطة أمنية وليست سياسية ... واضح أن في خطة فك الارتباط سيحصل الفلسطينيون على أقل بكثير مما يمكنهم أن يحصلوا عليه في مفاوضات مباشرة ووفقاً لخريطة الطريق. يحتمل أن يكون أجزاء من خطة فك الارتباط التي ترمي إلى توفير الحد الأقصى من الأمن لمواطني (إسرائيل) ستنفذ في إطار محاولة لتطبيق خريطة الطريق، وفقا للظروف الناشئة"! يقصد هنا (الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة) التي نصت عليها خطة خارطة الطريق دون أن تحدد لها حدود ولا مضمون! فقد أوضحت أوساط أمريكية أن "الولايات المتحدة لا ترى في خطة فك الارتباط سياسة بعيدة المدى بحد ذاتها، بل جزء من تنفيذ القسم (الإسرائيلي) في خارطة الطريق"! أما حدود الدولة الفلسطينية التي وعد بها بوش الفلسطينيين في خطة خارطة الطريق فقط رسم حدودها شارون في خطة فك الارتباط، وأعلن عن ولادتها على مسامع العالم كله في خطابه في الذكرى الستون لتأسيس هيئة الأمم المتحدة بعد تنفيذه فك الارتباط مع غزة، حيث قال: "جئتكم من أورشليم القدس. عاصمة (الشعب اليهودي) منذ ثلاثة ألاف سنة، ومن (أرض الميعاد) التي تحت سمائها ظهر أنبياء إسرائيل وتنبئوا بها". ولم ينسى أن يُظهر كيانه المغتصب لوطننا بمظهر الضحية عندما تحدث عن التنازلات المؤلمة التي تنازل فيها عن "جزء من أرض (إسرائيل) التاريخية" - غزة - وقدمه لمن سماهم "جيرانه الفلسطينيين، من أجل أن يقيموا لهم فيها دولة ذات سيادة، ولها حدود معترف بها"! وهكذا جاءت خطة فك الارتباط لتصفي القضية والمقاومة وتمهد للانقسام وفصل غزة عن الضفة بلعبة الديمقراطية والانتخابات ومشاركة حماس فيها، ونسيت حماس أن إجراء انتخابات بلدية وتشريعية ورئاسية هي الشرط الأول لخطة خارطة الطريق!وقد مر أكثر من عقد على فك الارتبا؛ فهل سيتحقق ماصرح به شارون للقناة الثانية في التليفزيون (الإسرائيلي): "إن فك الارتباط يعني وضع مشروع التسوية على الرف لعدة عقود من الزمن، ولينسَ الفلسطينيون أي إمكانية للتنازل عن شبر من الأرض في الضفة الغربية وغور الأردن"؟! التاريخ: 13/9/2018