#بصائر_في_التسديد_المنهجي.

📚 - 3 - من وجوه حاجة الطالب الباحث إلى الكتاب، وبعض تقويم لنشرة (دار الكتب العلمية) لكتاب (نجوم المهتدين ورجوم المعتدين في دلائل سيد المرسلين والرد على أعدائه إخوان الشياطين) للقاضي يوسف بن إسماعيل النبهاني (1350 هج).

الحمد لله ولي كل نعمة، والصلاة والسلام على سيدنا أحمدَ المبعوثِ بالهداية والرحمة.
وعلى عترته الأطهرين، وصحابته الأكرمين، وتابعيهم السائرين على نهجه الحق المبين.

أما بعد
فإن خير الموافقات ما سيق للعبد سَوْق ريخ رُخاء، لا يواري مهَبَّها حاجب مانع، ولا يوقف جريانها سالب قاطع، تأتيه بما يُؤَمِّل من عسير المطالب كما تأتي الفتوح بشهي الآمال والرغائب.

وأشد الموافقات إسعادا صنف أشبهُ بغَلَّةٍ أُسعِفْتَ بها في غير موسمها وأنت محصور معزول، فترى مددها مقبلا عليك وأنت في طريق إدبارك، ينادي عليك بسلواه وأنت ساه منشغل بسواه، فضلا من الله محضا، سائغا سابغا غضا.

ذلك أني لم أكن أتوقع - بعد عامين من البحث الحثيث بشتى الوسائل المتاحة - أن أجد طبعة (دار الكتب العلمية) من كتاب القاضي العلامة يوسف بن إسماعيل النبهاني: (نحوم المهتدين ورجوم المعتدين في دلائل نبوة سيد المرسلين والرد على أعدائه إخوان الشياطين)، في مكتبة الشيخ ماء العينين بمدينة تيزنيت، يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر ذي القعدة 1427 هج،الموافق للثلاثين من غشت 2016 م.

وهي عجيبة من عجائب القصص الواصفة لأحوال الباحثين مع الكتاب، إذ أن لكل باحث في تحصيل كل كتاب - لا محالة - قصة حافلة، يقتضيها تعلقه به، وما يبذله من ذَوْب فؤاده حبا له وشغفا به، وركوبا للشدائد في تحصيله ... قصة لا تخلو من أسرار وموافقات تجري حكمة ودهشة وطرافة، حقيقة بالتدوين والإفشاء.
ذلك الذي جرى بعضه لما سألت أحد العاملين في المكتبة المذكورة، وذكر لي من مؤلفات القاضي النبهاني الموجودة لديهم سوى (نجوم المهتدين ورجوم المعتدين) الكثير، ثم صعد إلى الطابق العلوي يبحث، فنزل يؤكد لي ما ذكر، فأسِفْت غير آيسٍ أَسَفَ المغبون، وأخذتْني دوامة انقباض كاسر وشجون، إلى أن أتانا السيد الكتبي صاحب المكتبة مستبشرا مضيِّفا جزاه الله خيرا، فانبعث بترحيبه تأميلي، وسألته عن الكتاب مرة أخرى ملحا معتذرا، فقال: بل يوجد لدينا الكتاب، ثم صعد، وما كدت بعد لحظات أرفع بصري إلى السلم حتى نزل وفي يده من (نجوم المهتدين) نسختان.
فرحت فرح المسترجع راحلته بعد طول كد وعناء، ولو قطع أمير رحلتنا آنئذ سفرنا وأمرنا بالقفول لأجبت إجابة المطيع، وليس في نفسي حرج أو طمع في غير ما أحرزت من المآرب، وظفرت به من عزيز المطالب، وذلك لسببين اثنين:

الأول: أنه لو لم يقع لي من الموافقات خلال هذه الرحلة إلا تحصيل طبعة (دار الكتب العلمية) من هذا الكتاب لكفى، لا سيما وأن غرضي ليس في تحصيل الطبعة ذاتها، بل للذي جرى قبل عامين، أثناء رحلتي إلى مدينة الداخلة الصحراوية، من تحصيلي نسخة خطية نفيسة من (نجوم المهتدين ورجوم المعتدين في دلائل نبوة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم) أغرتني بإعادة تحقيق الكتاب، ثم توقفت وأرجأت العزم على ذلك إلى أن أحصل الطبعة المحققة، وأنظر في مدى حاجة الكتاب بعدها إلى إعادة تحقيق.

السبب الثاني: أن هذه الرحلة جرت عرضا دون عزم مني ولا سابق استعداد، وإنما عرض علي أهلها العازمون عليها رفقتهم فيها، وهم أفاضل نبلاء، فأجبتهم فرحا بصحبتهم، راغبا فيما يؤملون من خير الرحلة في لقاء أهل العلم وفضلها، فلما طلبنا مؤلفات الشيخ صالح بن عبد الله الإلغي الصالحي أثناء زيارتنا له ولم نجدها لديه، دلنا ابنه الدكتور محمد الصالحي على مكتبة الشيخ ماء العينين، فذهبنا إليها.

أما طبعة (دار الكتب العلمية) لكتاب (نجوم المهتدين ورجوم المعتدين [الطبعة الأولى، 1434ه، تحقيق الشيخ أحمد فريد المزيدي])، فليست طبعة ذات بال، لا سيما من جهة التحقيق الذي إذا فسد فسدت سائر شروط نشر الكتاب التراثي وسقطت.
ولا أدري ما الفائدة من قول أهل الدار: (تحقيق وتخريج الشيخ أحمد فريد المزيدي) ؟؟ .. ومقدمة المحقق خالية من ذكر النسخة أو النسخ المعتمدة في التحقيق، فضلا عن وصفها وبيان قيمتها ومحلها من سائرها.
وليست هذه النشرة بأولى نشرات الشيخ المزيدي الساقطة، وهو عمل قبيح، لأن فيه اعتداء صريحا على كتاب (نجوم المهتدين ورجوم المعتدين) خاصة، وعلى الكتاب التراثي عامة، واستخفافا مبينا بالباحثين والدارسين والقارئين، لا يستبقي للغاية من الطبع والنشر إلا كسب الحطام.
بل قال الشيخ المزيدي: (مقدمة التحقيق)، ثم سود صفحتين ونصف بما يستحيي المرء من إيراده تحت هذا العنوان: ذكرا باردا لاسم الكتاب واسم صاحبه، وإقحاما شاردا متمَحَّلا لحديثٍ غير ذي صلة بالسياق، أتبعه بذكر بعض معناه إمعانا في التسويد والتسبيد.
وكتب التراث لا تقدم خلال (مقدمة التحقيق) على هذا النحو المتدني تدنيا يتنزه عنه ضعفة المهتمين بنشر كتب التراث، ولو أخلاه من (مقدمة التحقيق) لخف خطب إساءته.
ثم ختم الشيخ المزيدي المقدمة بقوله: (فقمت بالضبط والتحقيق والتعليق اليسير والتخريج، وما ذلك إلا قدر المستطاع بتوفيق من العلي الوهاب القدير، رجاء نيل رضا الرحمن ورسوله الحبيب الشفيع النذير البشير، صلوات ربي وتسليماته عليه وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين)، ص 5.
وزاد أهل الدار الطين بلة بقولهم على ظهر الغلاف - بعد وصف مقتضب للكتاب من كلام المؤلف نفسه -: (هذا، وقد قام المحقق خلال عمله بالكتاب بالضبط والتحقيق والتعليق اليسير والتخريج).
فهل يكفي نسخ الكتاب المخطوط من القرطاس إلى الحاسوب ليوصف عمل الناسخ بكل هذه الخصال، ويحوز عمله كل هذه الخصائص ؟؟ .. اللهم كلا.
ولا أرى عمله هاهنا - والله أعلم - إلا نسخا للطبعة الحميدية (١٣٢٢ هج) غير المحققة، بل لقد بدل صنيع الناسخ تبديلا منكرا بتصرفين قبيحين:

الأول: فصل به تمهيد الناسخ للكتاب عن موضعه الموصول بخطبة المؤلف.

الثاني: جعله لنفسه سطوا وعدوانا، ابتداء من قوله (ص 3): (.... تأليف العلامة العامل والفاضل التقي الكامل ...)، إلى قوله (ص 4): (... فكل من بلغه خبر بعثته منهم ولم يؤمن به فهو من أهل النار وبئس القرار).

فهذا كله كلام الناسخ الوارد في الطبعة الحميدية، وهو كذلك في النسخة الجيلانية المخطوطة، ليس بينه وبين خطبة المؤلف فاصل، لو فارق (مقدمة تحقيق) الشيخ المزيدي لتركها هشيما تذروه الرياح.

فليت شعري كيف احتمل من نفسه اقتراف هذه الجراءة على الانتحال، وكيف هان عليه هذا الغمط المكشوف المجلل بوزر الإخلال ... ؟؟!!.
ولا تسل بعدُ عن سائر الجرائم الصغار التي لم يدع بها سيئة من سيئات التحقيق إلا ركبها، لا يتسع لها الآن مقام النص، عسى أن تتاح لاستقصاء جميعها إن شاء الله مناسبة أخص.

هذا، ويمكن تلخيص النتائج المستفادة من هذه المقالة في هذه عناصر ستة:

1- الكتاب المفقود المنشود أشبه بالمعشوقة النائية المتأبية ذات الغَنَج الـمُضني، تزداد باقتحام عقبات الوصول إليها غلاء وفرادة، وتصير لها على حسان الدنيا الهيمنة والسيادة.

2- تصحيح نية الطلب والبحث تطلعا إلى هدايةٍ من الرب جل وعلا تحيل حَزَن الطلب سهلا، وتوفيقٍ يذلل عقبة البحث الكؤود.

3- إقامة الطالب الباحث على طلب الكتاب، واتخاذ ذلك ديدنا مهما طال زمن الطلب، أو تعذرت سبل تحصيل الكتاب.

4- الإلحاح في التأكد والاستيثاق من وجود الكتاب المطلوب كلما طرق الطالب الباحث باب مظنة، فإن لاختفاء الكتاب مسارب لا تكفي الجولة والجولتان في استقصائها.

5- تأجيل إعادة تحقيق الكتاب التراثي مهما علت قيمة النسخة أو النسخ الخطية التي ظفر بها الباحث، حتى يطلع على النسخة أو النسخ الخطية المعتمدة في تحقيقاته السابقة، ويعرف قيمتها.

6- نشرة (دار الكتب العلمية) المحققة من كتاب (نجوم المهتدين ورجوم المعتدين) للقاضي يوسف بن إسماعيل النبهاني (1350 هج) رحمه الله، غير علمية، وخالية بالكلية من أقل شروط التحقيق المعتبرة، فهو يحتاج - من ثم - إلى إعادة تحقيق يليق بمحله.

والحمد لله أولا وآخرا.

أنجزه عبد الرزاق بن محمد مرزوق
مساء يوم الثلاثاء رابع ذي الحجة 1437 هج.
الموافق سادس شتنبر 2016 م.

بمراكش المحروسة.