شاب نشأ في عائلة ملتزمة قوانينها صارمة متمسكة بأنظمتها. كان صاحبنا هذا يكره الالتزام ويعتبره نيرا يقيد حريته ويتذمر من سلوك والديه كثيرا.
كان أبواه يهتمان بأخلاقه وعلمه كثيرا حتى شاء الله أن تخرج من كلية الهندسة وبدأ بالبحث الجاد عن عمل جيد.
أضمر الشاب في نفسه أن ينفصل عن أهله عندما يجد عملا مناسبا يغطي كافة نفقاته. فكما أسلفنا هو يعتبر هذه القوانين والضوابط التي تتقيد بها عائلته قيدا يطوق حريته وينال منه.
وحدث ذات مرة أن قدمت إحدى الشركات الهامة عرضا للتوظيف.. فتسابق ااشباب والشابات من كل حدب وصوب للفوز بتلك الوظيفة الهامة.. وكان من ضمن المتقدمين بطل قصتنا.
ذهب الشاب إلى المقابلة الشفهية ونفسه تلوح بالأمل.. فهذه الوظيفة هي التي ستحرره من القيود التي تكبل حياته. لكن سرعان ماتبخرت أحلامه عندما وجد ذاك الزحام الذي يدل على كثرة المتقدمين.
وصل الشاب إلى باب الشركة فوجده مفتوحا فدخل وأغلقه لأنه اعتاد على ذلك.
مشى صاحبنا في البهو الواسع وسحر بمنظر الزهور لكنه وجد صنبور الماء مفتوحا فاغلقه لأنه اعتاد على ذلك.. وأكمل طريقه.
فوصل في نهاية البهو إلى غرفة كبيرة مضاءة بالأنوار ولايوجد فيها أحد فأطفأ الأنوار لأنه اعتاد على ذلك.
خرج من الغرفة الكبيرة فوجد غرفة توحي أنها مصلى فدخل وصلى الطهر لأنه خاف أن تفوته الصلاة وهو ينتطر.. فقد اعتاد على ذلك.. وعندما انتهى سمع ضجة وأصواتا تتعالى وعندما وصل إلى مصدر الصوت وجد مجموعة من الشباب والشابات يتجاذبون أطراف الحديث ويتضاحكون ويقبلون على كل من خرج من المقابلة الشفهية ليسألوه عن الأسئلة التي سئل عنها ويحضروا جوابا لائقا لتلك الأسئلة.
ذهل الشاب من كثرة عددهم.. وأيقن أنه لن يحطى بتلك الوظيفة الهامة.. لكنه سرعان ما امتدت يده إلى الكتب المركونة على الطاولة الكبيرة فأخذ يتصفحها ريثما يأتي دوره. وزملاؤه يتحدثون في سفاسف الأمور.
حان دور الشاب فدخل إلى لجنة التقييم التي رحبت به وأدهشتها أناقته المتواضعة وبعده عن التبذل في لباسه وكلامه وسرعة بديهته. قدم سيرته الذاتية. فنطق أحد الأعضاء:لقد فزت بالوطيفة... مبارك!!!
دهش صديقنا وقال لهم لكنكم لم تسألوني شيئا!!!
أجاب أحدهم على الفور : لقد وضعنا كاميرات مراقبة في كل مكان فما وجدنا أحدا من المتقدمين قد أغلق الباب المفتوح.. وأغلق صنبور الماء.. وأطفأ النور.. واهتم لأمر صلاته واهتم بالقراءة سواك.. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على التزامك.. هنيئا لك بني!!! لقد فزت..
خرج الشاب من الشركة وقلبه يرقص فرحا وذهب إلى بيته ليقبل الأيادي الطاهرة التي كانت سببا في فوزه بالوظيفة.. فقال لوالديه :شكرا ياوالداي على القسوة التي عاملتموني بها حتى تعلمت أن أكون منظما في كل شيء.. فلولا تلك القوانين والضوابط التي ألزمتموني بها مافزت بتلك الوظيفة.. جزاكم الله عني كل خير.. سأبقى في كنفكم ماحييت.