"ليبانون ديبايت" ــ فيفيان الخولي

يفصل بين إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته في 4 تشرين الثاني الحالي من الرياض، والتريُّث في تقديمها خطياً لرئيس الجمهورية في 22 من الشهر ذاته من قصر بعبدا، بانتظار ما ستؤول إليه التشاورات التي تحدّث عنها الرئيس ميشال عون في الأيام المقبلة، فعلياً، 17 يوماً إقليمياً، سعت خلالها الدولة الأوروبية وبمقدمتها فرنسا بالتنسيق مع الدول العربية وفي طليعتها مصر، إلى "انقاذ" لبنان، في محاولة لصياغة حلول توافقية إزاء الملفات الخلافية بين الأطراف اللبنانية، تحت عنوان "المحافظة على الاستقرار".

أجمعت القوى الدولية والإقليمية والعربية أنّ الصراعات القائمة في المنطقة لا يمكن تأجيجها عبر اشعال الداخل اللبناني، باعتبار أن الأمر لا يصبّ لمصلحة أحد، وقد تلقّت السعودية هذه الرسالة. مصادر "ليبانون ديبايت" تؤكد أنّ اللاعبَين الفرنسي والمصري أبلغا السعودية بضرورة التروي لبنانياً، وأية زعزعة للأمن سيتم تحميلها المسؤولية أمام جمعية الأمم المتحدة ومجلس الأمن.


تهديد لم تتلقاه المملكة بهدوء، وطالبت بضمانات لتنفيذ بنود الوثيقة التي وضعتها الأطراف الإقليمية والتي تتضمن لاءات الحريري مقابل "تنازلات" حزب الله، وفقاً للمصادر ذاتها. فجاءها الرد عبر الأمين العام للحزب حسن نصرالله، وإن كان تصعيدياً في كلامه ضدها إلّا أنّه "فتح باب الحوار بعد عودة الحريري"، مفنّداً نفوذه في الدول العربية والتي من خلالها أراد إيصال رسائل مفادها أنّ وجوده بات مؤقتاً مع مشارفة القضاء على الإرهاب.

تريُّث رئيس الحكومة المشروط عنوانه "النأي بالنفس"، متبعاً بعدم تدخل حزب الله في صراعات المنطقة، وخصوصاً "الحدودية" مع الرياض، نتج عن غرفة عمليات تنسيق بين القوى الإقليمية والرئاستين الجمهورية والبرلمان اللبنانيتين اللتين نسقتا مع حزب الله، لتذليل العقبات، ولو بشكل مؤقت، وصولاً إلى تسيير الانتخابات النيابية.

وتؤكد معلومات "ليبانون ديبايت" أن حزب الله مستعد لتقديم بعض التنازلات مقابل تجاوب الطرف الآخر لشروط الحزب، وأبرز عناوينها في الداخل؛ إعادة هندسة خطاب حزب الله لجهة عدم التصعيد ضد السعودية مقابل عدم تهجُّم الأخيرة على الحزب، وإعادة إحياء طاولة الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل على أن يبقى ضمن سقف البيت، وإجراء الانتخابات، والمحافظة على استمرارية العهد، من دون التطرق إلى بند التخلي عن السلاح.

أمّا عربياً، وبحسب المعلومات، فإن حزب الله الذي يعتبر وجوده في اليمن استشارياً وإعلامياً، مستعد لإنهاء هذا الدور، باعتبار أنّ أنصار الله لديهم القدرة، بمساعدة إيران، على مواجهة التحالف العربي وحدهم. الأمر الذي يشير إلى أنّ الحزب ينقل معركة السعودية ـــ إيران إلى مناطق صراعهما وليس في الداخل اللبناني.
وفي العراق وسوريا، يأتي تخفيف حزب الله من حدّة استمرار انتشاره هناك، تزامناً مع تحرُّكات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اللاعب الأول، سورياً، معلناً انطلاق مرحلة العمل السياسي بجدية.

في هذا السياق، تؤكد أوساط مطلعة في مجالس حزب الله الضيقة أن الحزب مستعد لتقديم "تسهيلات" بما يخدم مصلحة لبنان، معتبرة أن التريُّث كان ضربة للسعودية كما أكد موقف الحريري الحالي أنّه لم يكن يملك قرار الاستقالة، وما فعله في لبنان هو موقفه الحقيقي. ولفتت هذه الأوساط الى أن الحكومة باقية، مع إعطاء الوقت لبدء مفعول الوساطة الفرنسية المصرية، مشيرة إلى أنّ "التسوية مستمرة من دون تعديل لكن مع بعض التكتيكات"، مرحبة بقرار الحريري، باعتبار أنّ التريُّث تراجع عن الاستقالة.

لكن المحلّل السياسي سامي نادر اعتبر أنّ التريث لا يعني العودة عن الاستقالة، ملخصاً ما حصل بـ"تعويم الحكومة". وأشار إلى أنه لا شك أن أطرافاً دولية دخلت على خط انقاذ الحكومة، لأن البلد اليوم بحاجة إلى حكومة أكثر من تصريف أعمال للمحافظة على الاستقرار. وما نتج عن التحركات الدولية هو الضغط على إيران، مقابل فتح باب التسوية أمام الحزب من دون التنازل عن السلاح والدور العربي. ولفت نادر إلى أنّ الرياض اليوم بعد كل هذا التصعيد بحاجة إلى ضمانات لعدم التعرض لها، والتدخل في الدول الحدودية معها.