مع حفار القبور
لحفار القبور في مخيلتي صورة منتزعة من مسرحية هاملت و من الميثولوجيا المتعلقة بالموت.. صورة مخيفة ووقورة لرجل طاعن في السن حفرت وجهه أخاديد عميقة و صورة ليدين معروقتين طالما وسدتا رؤوس العابرين نحو الضفة الأخيرة. فاجأني بشبابه اليانع، يستمع الى فيروز مليئا بالحياة. يتداول ارقام القبور مع رفاقه كما يتداول اسماء ساكني ضاحية معمورة. قال لي والدك و أخيك (يسكنان) في ذلك القطاع، كأنه بذلك يبقي على ذكرى نزلاءه متقدة ما استطاع إلى ذلك سبيلا . في المقبرة مساحات مترامية الأطراف لاشيء فيها سوى الصمت. لم تكن الزيارة مخيفة كما توقعت أو كما نسجت القصص الشعبية. لم تمتد يد إنسان ميت لتشد قدمي إلى عالم سفلي. هل هذه هي حدود القبر؟ سألته مستغربة قصر الحد المرسوم. سيدتي الحد يمتد تماما إلى حيث تقفين. قال حفار القبور. قعدت في المكان كناسك تائه وجد محرابه الأخير . اشتقت لكما كثيرا . قلت و أنا أسكب الماء البارد في ترابهما. كل ما احتجته حقا أن أبقى لساعات طويلة في هذا المكان أسلي وحشة أبي و أخي أحكي لهما عن كل ماحدث في غيابهما. حفار القبور وحده من انتشلني إلى ضفة الواقع: عليك ياسيدتي أن تذهبي. ليس بمقدورك أن تعيديهما إلى الحياة. في السماء زرقة بهية، ممددان تحت التراب يراقبان تبدلات السماء و استدارات الشمس و القمر و في قلبي سماء ملبدة بالغيوم.