استراتيجيتا التضخيم والفوبيا للخطر النووي الإيرانيفي الخطاب الاعلامي الاسرائيلي
بقلم:عماد موسى
لا يمكننا بناء تصورات مسبقة عن الخطاب الإعلامي الإسرائيلي،" ولا نستطيع بناء منظومة فكرية ما، إلا بالاعتماد على مجموعة من الخطابات،بحيث يتم ذلك على نحو يكون الغرض منه هوالعثور خلف العبارات نفسها على قصدية الذات المتكلمة، وعلى نشاطها الواعي، وما كانت ترغب في قوله. بل، وعلى بعض التجليات اللاشعورية التي برزت إلى واضحة النهار، فيما قالته صراحة أو ضمنا."(1)
والسؤال هنا،هل بات التهديد، قاب قوسين أو أدنى؟ أم أنه ظهر بشكل مفاجئ؟ بحيث أضحى أولوية في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي،أم انه قد جاء محصلة للتعبئة الايدولوجية والعقدية العسكرية والأمنية.كما يظهر في الخطاب:
" تقدم المشروع الذري الإيراني،يتم التداول به اليوم في جميع صحف العالم، لا في اسرائيل فقط، فقد أصبح العالم كله فجأة يرى كم يتم الحديث عن مشروع اشكالي وخطير".(2)
يسعى الخطاب لتظهير الخطر الذري الايراني وإبرازه،عبرتضمينه جملا،مثلنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعييتم التداول به، في جميع صحف العالم) في محاولة لإقناع الرأي العام، على الرغم أن الجملة الأخيرة مضللة وواهية خصوصا عندما استعمل كلمة(جميع)" دون سر د لهذه الصحف، وهو يعلم استحالة ذلك في هكذا خطاب، ولتوكيد الخطاب على ذلك،استوجب إضافة إسرائيل( لا في إسرائيل فقط) حرصا من الخطاب على إظهار الموضوعية،وحتى يمرر التضليل يستعمل الخطاب عن وعي(أصبح العالم كله، فجأة يرى كم يتم الحديث عن مشروع اشكالي وخطير)فالخطاب يبرز رأي العالم الذي يتكئ عليه موقفه، في موضوع يشكل خطرا على إسرائيل،فليست إسرائيل هي التي تدعي ذلك.بل،العالم ،من هنا يتجه الخطاب إلى دفع "الحكومة إلى اتخاذ مواقف حازمة للقيام بعملية عسكرية"(3) ضد المنشآت النووية الإيرانية،
ويمكننا أن نكتشف المواقف المتضادة داخل الخطاب مع تغليب للرأي الوارد في الخطاب المشار اليه سابقا، ولكن مع تغيير في أسلوب الإقناع للرأي العام، عبر "الاعتماد على الخطاب غير المباشر...مما يعني أن المتحدث قد اختار استخدام لغته هو، وإعادة صياغة خطاب غيره، مما يتيح الفرصة لتمثيل موقفه الخاص،عبر الشفرة اللغوية التي يستخدمها على مستوى التعبير،الذي ينم عنها أكثر مما يدل عليه المحتوى المنقول"
(4).
ويظهر هذا التوظيف من خلال قراءة هذا الخطاب:" في "الجبهة الشرقية" العمود الأسبوعي لأري شبيط في ملحق هارتس يبحث شبيط، ومن يجري اللقاءات معهم، ومعظمهم من المسؤولين السابقين، في القيادة السياسية، والأمنية، في الاعتبارات المؤيدة والمعارضة؛ لقصف اسرائيلي للمواقع النووية في إيران، وهذا خليط من نزعة الآخرة، ووجبة الصباح، وفي الوقت الذي يعيش فيه المواطنون بسكينة حولهم يرسم محادثي شبيط سيناريوهاتهم المتشائمة، حول ما هو متوقع، سواء هاجمت إسرائيل إيران أم امتنعت عن الهجوم ،الاراء منقسمة، ولكن التوقع موحد، فلن تكون الأجواء لطيفة هنا قريبا. (5)

نستطيع القول : أن الخطاب الإعلامي يحاول تسويق هذه الاستراتيجية،على الرغم من أن "الأسلحة النووية أقنعت العالم،أن صراعا نوويا لن يكون فيه أي غالب، وسيكون فيه مغلوب واحد هو كوكبنا الأرضي"(6)
ومع ذلك يستمر الخطاب في محاولة زرع هذه الاستراتيجية في العقل الجمعي للرأي العام الإسرائيلي، واستنباتها في وجدانه، الأمر الذي تمخض عنه صناعة الفوبيا النووية الإيرانية. والتي سنأتي إلى معالجتها لاحقا. خصوصا أننا بتنا نعتقد"بأن لكل عمل مجالا من القراءات الممكنة،وأن ذلك المجال ،هو مجموعة من المعاني مفتوحة أكثر منها مغلقة، فإننا نحتاج لأن نفسر كيفية ظهور هذه المعاني" (7)
لذلك فإن الخطاب قد لجأ إلى تضمين خطاب آ خر،كآلية حجاجية واعية والقريبة للمنطق العقلي بقصد اقناع الجهمرة الإسرائيلية ؛لأن" الذين يجري معهم اللقاءات من ذوي الخبرة(معظمهم من المسؤولين السابقين في القيادة السياسية والأمنية)؛وبالتالي كان اختيارهم واعيا، لدفعهم إلى استحضار الذعر في الذوات المتلقية،مستندين في ذلك على الأنساق المعرفية التاريخية المشتركة، ولأن الذات المتكلمة او مجموع الذوات المتكلمة في الخطاب، هي في الأصل كانت جزءا من السلطة،من هنا تتم عمليات تمرير الخوف عبر هذه القناة التواصلية،التي كانت سلطة، وهي تطل أيضاعلى نافذةالسلطة الرسمية،إن لم تكن جزءا من منظومتها الاحتياطية ،مع أنها خارجها، لتتم عملية الإقناع والتأثير في الجهور،ولهذا استعمل الخطاب لغة تبعث على القلق الوجودي. بل ،وتفجره من داخل اللغة.لذا ، فقد وظف مفردات ذات حمولات سيميائية مفعمة بالدلالات، تاركا للمخيال الجمعي، والفردي،الحرية لبناء المتصور ات الانطولوجية للمجتمع الاسرائيلي كما يظهر ذلك في الاستعمال اللغوي " هذا خليط من نزعة الآخرة، ووجبة الصباح"،فالنووي يتقابل مع الآخرة ووجبة الصباح ترتجف كل صباح مع عملية التذكر بما سيحل بإسرائيل إن لم تقصف إسرائيل النووي الإيراني وإن لم تقصف الآن.،فالآخرة مؤجلة، والتهديد سيبقى حالة انطولوجية دائمة في حياة المجتمع الإسرائيلي.
ولهذا، يعمد الخطاب إلى توظيف التقابلات السيكولوجية لإحداث خلخلة في الذوات المتلقية،،فالسكينة في مواجهة مع السيناريوهات المتشائمة،والآخرة تصبح في تضاد مع وجبة الصباح،حتما إن مثل هذا التضاد يولد تضاد نفسي وصراع عنيف في داخل الذوات المتلقية، ويؤدي أيضا، إلى حدوث انفجارات نفسية ممتلئة بالخوف والرعب، والفزع،مما هو آت من خطرالنووي الايراني.
الأمر الذي يجعل الذوات المتلقية أكثر خضوعا للذوات المتكلمة، وأكثر استجابة لها، وتجاوبا مع قرارتها،وبهذا يتم التلاعب بالعقول والتحكم والسيطرة بالرأي العام عبرصناعة المعرفة القائمة على الخوف والقلق".وللتأكيد على حالة الفزع يتنى الخطاب استراتيجية التكرار؟،لابقاء الجهور متوثبا ومرتجفا:
"يثير رئيس الحكومة وفريقه كل أسبوع الخيار العسكري للهجوم على إيران في العناوين الصحفية".(8)
ولكن الخطاب لا يكتفي بالتكرار لمواجهة التهديد، بل يستخدم كما سبق رأي الخبراء لتدعيم وجهة نظره،من هنا نراه يكتب خطاطة الخوف من عنوانه:
" - معلومات استخبارية: إيران قطعت شوطا متقدما في برنامجها النووي العسكري- أيضا، نسبت صحيفة هارتس لمصادر دبلوماسية غربية واستخباراتية إسرائيلية تقدما في برنامج إيران النووي لأغراض عسكرية، وقد وصل هذا البرنامج لمراحل متقدمة أكثر مما كان يعتقد لدى الدول الغربية.
وبحسب هذا المصدر الدبلوماسي الغربي الذي طلب من الصحيفة عدم الكشف عن اسمه، فإن البرنامج النووي الإيراني العسكري قطع شوطا متقدما، ووصل إلى مراحل خطيرة، على عكس ما تستند له الادارة الامريكية من معلومات استخبارية، وكذلك إسرائيلية بأن إيران بحاجة لزمن لا يقل عن سنة ونصف، للتفجير النووي.
وتعتمد هذه المعلومات الدبلوماسية الغربية، وكذلك الاسرائيلية على رفض إيران السماح لمفتشي وكالة الطاقة الذرية الدولية من الدخول إلى قاعدة برتشين القريبة من طهران قبل عدة شهور، والتي يجري فيها تطوير البرنامج النووي العسكري الإيراني."(9)
نلاحظ ،كيف وضع الخطاب التهديد، في إطار لغوي، يتضمن مقاصد موحية ، مما"يلزم على ما أعتقد،اتخاذ قرارات ثلاثة،يقاومها فكرنا اليوم،(وهي):إعادة النظر في إرادتنا للحقيقة،إعادة طابع الحدث للخطاب،وأخيرا رفع سيادة الدال"(10)
وإذا ما حاولنا تطبيق هذه الثلاثية على الخطاب الذي نحن بصدد تحليله سنكتشف من خلال التحليل أنه يخفي الحقيقة،حقيقة التهديد وراء الحقيقية الثابتة، وهي أن إسرائيل تعيش تحت ظلال قبة نووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وتستطيع الرد والردع.أما إعادة طابع الحدث فيندرج في سياق استرتيجية الهيمنة، والسيطرة على المنطقة، واستكمال المشروع الكولونيالي الصهيوني.وأما رفع سيادة الدال فإننا سنقوم برفعه للكشف عن المخبوءات الدلالية وراء المفردات،لأن السنن اللفظية تتكفل بالجانب الدلالي(للخطاب الاعلامي) من حيث معالجة الحدث،أما "التشكيل اللغوي فينصب على الجانب التداولي الموسع من حيث إعمال وجهة النظر الايدولوجية في تقويم الحدث"(11 )
من هنا، نجد أن منتج الخطاب قد حرص على توظيف مفردات تحمل معان ودلالات، لا يطالها الشك، فجملة "معلومات استخبارية" تحمل سمات التاكيد، والموثوقية، وليعزز هذ الموثوقية يضيف إليها جملة"ونسبت صحيفة هارتس لمصادر دبلوماسية غربية واستخباراتية إسرائيلية" فهذا النسق الجملي مركب من شطرين،الأول: توظيف التنوع المعلوماتي(مصادر دبلوماسية غربية) للتأكيد على أن نوعية المعلومات استخبارية وليست صحافية أو غيرها. و

الشطر الثاني:يوظف جملة (استخباراتية اسرائيلية)وراء جملة (غربية) مباشرة بقصد النقل الإيحائي إلى العقل الاسرائيلي عبر استحضار دلالي للعلاقة العضوية مع الغرب في حماية أمن إسرائيل ،ومن ثم يستعمل الخطاب عددا من المفردات والجمل التي تشير إلى التحقق النووي الإيراني وهي:
(قطعت شوطا متقدم ، وصل لمراحل متقدمة) ولبث مزيد من المخاوف استمعل الخطاب مفردات (يعتقد، على عكس ما تستند) ثم يستعمل العنصر الزمني( لرفع وتيرة التهديد وبالتالي رفع وتيرة الخوف عند الرأي العام الاسرائيلي(بأن إيران بحاجة لزمن لا يقل عن سنة ونصف) ، اعتمد الخطاب في بنائه اللغوي على ملفوظات ذات محمولا ت معرفية يشترك فيها المرسل والمتلقي في الدلالة الكبرى للخطاب،لأن مجموع الدلالات تتآزر وتتعاضد معا لتشكل الدلالة الكبرى للخطاب، وهي التهديد النووي الإيراني والرد العسكري،ولكن الدلالة تركز على نسق لغوي آخر وهو، وتعتمد هذه المعلومات الدبلوماسية الغربية، وكذلك الإسرائيلية على رفض إيران السماح لمفتشي وكالة الطاقة الذرية الدولية من الدخول إلى قاعدة برتشين لهذا البرنامج.
بقصد تقريب الخطاب من قصبات الصدقية، لأن الجمل السابقة، كانت خالية من المعلومات الموثقة .بل ،إ نها جمل باعثة على التخييل المعلوماتي بعقل أمني، على اعتبار أن المجتمع الاسرائيلي مجتمعا اسبطاريا، فقد عمل غالبية أفراده في الجهاز العسكري والأمني، من هنا يوظف مفردات تنتمي إلى قاموس لغوي عسكري وأمني، لايجاد حقل معرفي تشاركي ، بالخبرة، أو الممارسة بالانخراط، بالاطلاع.
نلاحظ هنا،كيف "أن الخطاب،يحاول أن يمسك قدرته على الاثبات.بل،أقصد القدرة على تشكيل مجالات من الموضوعات،مجالات يمكن أن نثبت بصددها،أو ننفي قضايا صحيحة أو خاطئة"(12)

إلا أن الخطاب قام بعملية إقصاء، وإبعاد لكل ما يشير في الوقت نفسه ،إلى ما تمتلكه إسرائيل من قنابل نووية كفيلة بتدمير المنطقة عدة مرات، ، وتبقي ذلك ضمن استراتيجية التعتيم والتكتيم، للمحافظة على استراتيجية الردع، ولإظهار عدم وجود توجه دولي جاد لنزع أسلحة الدمار الشامل من إسرائيل. أو حتى الإشارة إلى امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية، والكيماوية، والبيولوجية، وهي كافية لمنع إيران مجرد التلويح باستعمال القوة ضد إسرائيل.لذا، فقد جاء"الخطاب كما هو ماثل "نسيج من الاقتباسات تنحدر من منابع متعددة".(13)
وكما أن الخطاب الإعلامي الإسرائيلي لم يأت على ذكر تدمير المفاعل النووي العراقي عام 1981، وقتل العلماء العراقيين واغتيالهم في العراق وخارجها قبل الاحتلال الاميريكي للعراق وبعده ،ولم يذكر الخطاب في الخامس من ايلول،سبتمبر 2007. بل، لقد تم في الحالتين بسرية كاملة؟، وبعلم اميريكا،
مع أن الحقيقة، كما يراها المفكر نعوم تشومسكي في مقال له في ( كاونتر بانش) تصب فيما ذكرناه، فيقول:"إ ن استطلاعات الرأي: تظهر أن الناس يعتبرون إسرائيل هي التهديد الرئيسي للسلام ويعتبر، سوى ربع السكان، أن إيران تشكّل مصدر قلق كبير لأميركا ، ويؤكدون، أن إيران ،لا تمثل تهديدا عسكريا، لأن إنفاقها العسكري محدود جدا، وفقا لمعايير المنطقة، وضئيل جدا مقارنة مع الولايات المتحدة.
لإيران قدرة ضئيلة على نشر القوة. عقيدتها الاستراتيجية دفاعية، تهدف إلى ردع الغزو. ويقولون: في تقاريرهم أنه إذا كانت إيران تطوّر أسلحة نووية، فذلك جزء من استراتيجية الردع الخاصة بها. ما من تحليل يعتقد أن رجال الدين الحاكمين في إيران يتوقون إلى رؤية وطنهم وممتلكاتهم تتبخّر، نتيجة حرب نووية، لذا من الضروري توضيح الأسباب وراء اهتمام القيادة الإيرانية بالردع، في ظل الظروف الحالية. "(14)
ويتابع تشومسكي التحليل فيقول:"إن الإيرانيين يسعون بشكل واضح لتوسيع نفوذهم في العراق وأفغانستان المجاورتين، وخارجهما أيضا. هذه الأعمال «غير الشرعية» تسمّى «زعزعة الاستقرار في المقابل، إن فرض نفوذ الولايات المتحدة، بالقوة في جميع أنحاء العالم، يساهم في الاستقرار والانتظام...
من الجيد محاولة منع ايران من الانضمام الى الدول النووية،"(15)
ولكن السؤال يبقى مفتوحا،وهو ، لماذا لا يتساءل الخطاب الإعلامي الإسرائيلي كما يتساءل نعومي تشومسكي عن المسؤول عن زعزعة الاستقرار في المنطقة:"
(ولماذا:" لا يوضع البرنامج النووي الإسرائيلي تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وألا تُجبر اي دولة (أي الولايات المتحدة ) على الكشف عن معلومات حول «المنشآت النووية الإسرائيلية وأنشطتها، بما في تلك المتعلقة بنقل أسلحة نووية إلى إسرائيل"(16)
فأهداف هذه الاستراتيجية، ومقاصدها، كما هو واضح، هو بناء مبرارات مقنعة للغرب، بأن إسرائيل مهددة وجوديا، فإن لم تتحرك ضد إيران، فلإسرائيل الحق الكامل في توجيه ضربة عسكرية للقضاء على التهديد، وثانيا دفع أميركا لتقديم مساعدات عسكرية ،تحسن من القدرات العسكرية الإسرائيلية، وتزيدها قوة ومنعة، مما يبقيها متفوقة على دول المنطقة، والهدف المتبطن، هو توجيه رسالة إلى الغرب وأميريكا بأن الضربة جدية وعقلانية، لتسرع هذه الدول لفرض مزيد من العقوبات على إيران حتى تحقق هذه العقوبات نتائح لو بنسبة مئوية، ترضي إسرائيل دون أن تتكبد إسرائيل أية خسائر، ودونما حاجة إلى استعمال القوة العسكرية.
الا ان الخطاب الاعلامي الاسرائيلي يتبع استراتيجة الفوبيا النووية الايرانية ايضا،للتاثير على الراي العام فما هي صناعة الفوبيا ؟

1- الفوبيا:مقطع لاحقsuffix في اليونانية يعني الخوف fear،والهول،horror، أو النفور،abersion،
2-خوف مرضي من موضوع أو شيء،أو موقف لا يستثير عادة الخوف لدى عامة الناس وأسويائهم. ومن هذا اكتسب طابعه المرضي.كالخوف من الاماكن المفتوحة،والذي يبدو من خوف المريض من البقاء في الاماكن المفتوحة،فإذا دخل غرفة أو منزلا، لا يستريح إلا إذا أغلق الباب...وهكذا.
فالفوبيا خوف شديد(مرضي)من أشياء ومواقف نوعية لا حصر لها ،حتى أ ن أنجليش وانجليش يشيران في معجمهما إلى فوبيا الفوبيلphob0phobia، بمعنى الخوف المرضي من الاصابة بالفوبيا"(17) .

فالفوبيا إذن تعني" مرض الرهاب ..و يعني الخوف الشديد والمُتواصِل من موقف، او نشاط، او جسم، او شخص .. الخ . رهاب القلق هذا او الخوف اللا مَنطقي الذي يكون فيه المريض او المُصاب ، يدرك تماماً بأن الخوف الذي يصيبه والقلق والضيق .. غير منطقي " (18)
فالفوبيا النووية كما نراها:هي إثارة الخوف الجمعي في المجتمع الإسرائيلي، من ضربة نووية إيرانية، تكون نتائجها الإبادة، بتوظيف كل الطاقة اللغوية والتاريخية للإبادة عبر آليات الاسترجاع الذاكروي الجعمي.
إن هذه الاستراتيجية، تتكئ على سابقتها، بهدف تعزيزها، لمنحها صدقية مزدوجة،لذا، يلجأ الخطاب الإعلامي إلى نقل الأخبار عنالاجراءات التي تقوم بها القيادة العسكرية الإسرائيلية من استعدادات للمواجهة؟، مثل تحريك للقطع العسكرية على الأرض بقصد استعراض القوة الاسرائيلية من جهة، والتلويح باستخدامها ضد ايران من جهة ثانية ،و لطمأنة الجمهور الإسرائيلي الغاضب من تردي أوضاعه الاجتماعية من جهة ثالثة،و لممارسة الضغط على أمريكا لأخذ زمام المبادرة بدلا منها من جهة رابعة.
من هنا اشتغل الخطاب على تعظيم الخطر النووي الإيراني، " إن إسرائيل اليوم التالي ستكون دولة أخرى في الأسابيع، وربما الأشهر التي ستتلو الهجوم على إيران ،و ستكون صعبة،و بالمقابل فإن اليوم التالي في إيران نووية، لن يكون فقط صعبا- بل سيكون لا يطاق، ومن يعتقد، بأنه يمكن احتواء دولة ايات الله في صواريخ ذات قدرة على إبادة تل ابيب يغمض عينيه، ويمتنع أن يرى الآثار الاستراتيجية البعيدة المدى لقنبلة ذرية، لدى دولة لباب أيدولوجيتها هو إبادة إسرائيل (19 )
فالخطاب الإعلامي "لا يمثل عاملا متغيرا متداخلا بين المؤسسة الاعلامية،والجمهور، فقط. بل،يشكل انتاجا لغويا ومعرفيا، يعيد إنتاج المعاني، والايدولوجيات المشتركة،بين الصحافيين والمتلقين"(20)
وظف الخطاب مفردات كرونولوجية لتصوير اقتراب الحدث الانطولوجي توظيفا يبعث القلق والخوف في حالتي الضربة الاسرائيلية لايران وحالة امتلاك الاخيرة للسلاح النووي،( إسرائيل اليوم التالي ستكون دولة أخرى في الأسابيع، وربما الأشهر التي ستتلو الهجوم على إيران) ويستعمل الخطاب مفردات ذات دلالات مصيرية في كلتا الحالتين،( صعبة، لا يطاق، قدرة على إبادة تل ابيب ، دولة لباب أيدولوجيتها هو إبادة إسرائيل، دولة ايات الله في صواريخ)فالمصير الأول متعلق بإبادة تل ابيب،وهو مصير جزئي،أما المصير الكلي، فهو إبادة إسرائيل، من هنا يتبع الخطاب آليتي التدرج في بث الذعر والخوف من إيران النووية سواء أوجهت إسرائيل ضرية عسكرية لإيران ام لم توجه،ولاطلاق موجات الفوبيا استعمل الخطاب هذه اللغة(دولة ايات الله في صواريخ ) مما يعني أن الدولة مرجعيتها هي الايات، وهذا يحمل معان متبطنة اولها أن ايران دولة دينية ولا سلطة للبرلمان فيها،ولا ديمقراطية والثاني،يعني أن ابادة اسرائيل فكرة قارة في البنيةالايدولوجية لايات الدولة الدينية، لذا تشكل تهديدا لإسرائيل،فهذه الآلية في الخطاب تخلق فوبيا نووية.وآلية الاسترجاع التي تهدف إلى "تحديد مواقع المعلومات المراد استدعاءها،وتنظيمها في أداء التذكر،أي القدرة على استدعاء الخبرات التي سبق للفرد أن تعلمها أو عايشها".(21)
لذلك، ألفينا الخطاب قد اتخذ لذاته وضعيات خطابية مختلفة داخل النسق اللغوي، فاستعمل كلمات مئشارية محقبة بالدلالات التاريخية ذات الاستراجاعات الذهنية الجمعية مثل" إبادة تل ابيب، إبادة إسرائيل" وذلك لأن " الجميع يولد داخل حقول خطابية تشكلت بواسطة علاقات قوى ايدلوجية سابقة" (22)
وذلك بقصد ان يصار إلى خلق فضاء فوبيي مفتوح على المخاطر النووية الإيرانية ليتمكن من حمل الدلالات ذاتها،مثل الوضعية الخطابية التالية:
" يحسن أن نعلم الجمهور الإسرائيلي الحقيقة الصادقة، وهي أن إيران مع قدرة ذرية عسكرية، هي تطور سيء ومضر، لكنها ليست تهديدا وجوديا"(23)
نلاحظ كيف أن " هذه الفكارة (الايدلوجية) تعبر عن نفسها في هذه الخطابات دون معرفة من أصحابها بها،وهو ما يشكل خطرها باعتبارها فكارة ، لا تهدف إلى منح الحرية. بل ، إلى الاخضاع عن طريق هذا الخليط،من العقل والعاطفة الذي يحتوي عليه." (24)
يتضح من خلال قراءة الخطاب، كيف يلعب الخطاب الإعلامي دورا خطيرا، عندما يتبنى مثل هذه الإستراتيجية ، حيث تؤدي الى تشيكل فوبيا التهديد النووي الإيراني وتعززها لدن الرأي العام الإسرائيلي، وإظهار عدم جدوى العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران لدى الرأي العام الدولي ،لذلك نجد بأن "هناك في كل مكان "أصوات مشروعة" تعطي لنفسها الصلاحية لتسمع خطاب كل سلطة،وأعني خطاب الغطرسة".(25)
ويتخذ الخطاب التالي ، وضعية جديدة، لنجد في داخله وضعية خطابية تقابلية "
يقول ايلي افيدال:" أميريكا يمكنها أن تعيش مع شرق أوسط نووي، أما نحن فلا،على رئيس الوزراء أن يواصل السعي إلى احباط التهديد."(26)
فالخطاب في وضعيته التقابلية، يتضمن أهدافا معلنة، وأخرى متبطنة، فهو يريد إظهار طبيعة العلاقة بين إسرائيل وأمريكا من جهة، وأن اسرائيل، تمتلك هامشها الاستراتيجي الخاص بها، والمتعلق بمصيرها الوجودي،من جهة ثانية، وممارسة الضغط على باراك أوباما من خلال اللعب بالانتخابات لإظهار عجزه بأنه غير قادر على توجيه ضربة لإيران من جهة ثالثة.وهذا يتم ادراكه من خلال السياق الزمني لانتاج الخطاب.
ومن أجل زيادة مساحة الفوبيا لدى الجمهور الإسرائيلي ، والإبقاء على حالة القلق والتوتر عند الإيرانيين مع زيادة منسوب الخوف عندهم، يمضي الخطاب الإعلامي على الوتيرة نفسها.
فقد حققت هذه الاستراتيجية الدعائية نجاحات كبيرة على صعيد الضغط على أميركا، وعلى الجمهور الإسرائيلي.وكما تهدف أيضا،إلى تحقيق نجاحات عسكرية ضد ايران في المستقبل، اذا ما تم الدفع باميريكا إلى توجيه ضربة عسكرية لإيران حسبما تسعى إليه الحكومة الإسرائيلية، إلا أن المدقق والمتصفح والمراقب للخطاب الإعلامي الإسرائيلي حول التهديد الإيراني، وصناعة الفوبيا الإيرانية، سيجد أنه يهدف إلى تحقيق المقاصد التالية:
الأول:
تهئية الرأي العام الإسرائيلي والرأي العام الدولي، في حال قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لإيران باستهداف المنشآت النووية الإيرانية، لتقبل الخطوة الإسرائيلية ،وتحمل نتائجها. ولتبدو إسرائيل في صورة الضحية دائما، ضمن البكائيات الصهيونية ، خصوصا أن الخطاب الإعلامي مثقل بمحمولات من أراء المؤسسات الرسمية اوأفكارها ، التي ضخت بما فيه الكفاية ضد خطر التهديد النووي الوجودي الذي يمثله البرنامج النووي الايراني ،لذلك،عملت المستويات السياسية والأمنية والعسكرية كافة لتضخيم هذا الخطر، عبر توظيف الخطاب الاعلامي باستراتيجياته المتنوعة في هذه المعركة.
الثاني:
يسعى الخطاب الإعلامي الإسرائيلي إلى إيصال رسالة واضحة إلى إيران، وإلى أمريكا تحديدا لتقديم تصور للرأي العام الإسرائيلي، بأن إسرائيل إن اضطرت فإنها تخوض حروبها مستقلة، ولكنها تحتاج إلى التنسيق، أو إلى الدعم الأمريكي، فيما يتعلق الأمر بالتهديد الوجودي الإيراني لإسرائيل.
ثالثا: محاولة دفع الولايات المتحدة لأن تقوم بتوجيه الضربة لإيران نيابة عنها، فتجنب نفسها الرد الإيراني ورد حزب الله عسكريا واستخباراتيا، لإيران وحزب الله في الخارج ضد أهداف إسرائيلية ثابتة ومتحركة. حتى لا ينفذ الوقت فتصبح إيران حينها دولة نووية عصية على التدجين والترويض.
وفي هذا السياق اتخذ الخطاب وضعية التحذير باستعمال البعد الزمني لاقتراب التهديد الذي يقتضي التعلق بالآخر طلبا للنجاة وأي نجاة مما هو قادم" والمعنى الاستراتيجي لهذا أن إسرائيل ستجد نفسها منذ كانون الأول القريب ، في وضع تكون فيه، متعلقة تماما بجهة خارجية أميريكية ،يفترض أن تزيل عنها ما تعرفه بأنه" تهديد وجودي"،.. ما يزال الاميريكيون يحاولون تسكين الجأش ...فيقولون اعتمدوا علينا فسنقوم في العمل حينما يحين الوقت" (27)
ويمضي الخطاب الاعلامي في تكريس الفوبيا النووية عبر تعميم الخوف والاعتراف به:"الخوف الذي يعشعش في قلب كل اسرائيلي ذي عقل هو ان متلازمة لمرور واحدة والتي تأتي بعدها سلسلة من الاخفاقات ستكرر نفسها..".(28)


لهذا،نكتشف كيف "يتخذ (التكرار النسقي) شكل بنية مهيمنة "(29 على وضعيات الخطاب.

رابعا: رفع وتيرة الفوبيا في الشارع الاسرائيلي لتخفيض عدد المحتجين على سوء أوضاعهم الاجتماعية ،والاقتصادية،وهذه تؤكد عليه وضعية الخطاب ،
" فان المظاهرة المخيبة للآمال في نهاية الأسبوع تناقض مناقضة تامة استطلاع رأي في صحيفة هارتس الذي اجري قبل ستة اسابيع فقد ورد في استطلاع الرأي ان اكثرية كبيرة من الجمهور69 في المئة تؤيد تجديد الاحتجاج الاجتماعي فكيف يستوي هذا و 5 آلاف متظاهر فقط؟ يوجد تفسير لذلك في طريقة التخويف، فقد نجح بنيامين نتنياهو في تخوينا الى درجة الموت بالهجوم القريب على إيران، وهكذا اصبحنا لشدة الخوف نفكر بالحجرة المحكمة الإغلاق غير قادرين على حصر التفكير في موضوعات الاقتصاد والضرائب لأن الحياة تسبق تحسين نوع الحياة" (30)
يخرج الخطاب عن مساره،وعن مجاراته للخطابات السابقة، لكي يتخذ وضعية خطابية انتقادية،لسياسات نتنياهو التخويفية للرأي العام الاسرائيلي،ويتجلى ذلك عبر انتقاء مفرداته بعناية لابعاد عمليات التأويل للأنسقة العبارية ك(طريقة التخويف، نجح بنيامين نتنياهو في تخويفنا الى درجة الموت، أصبحنا لشدة الخوف نفكر بالحجرة المحكمة الإغلاق) فأساليب الترويع، والتخوبف،أفضت إلى الانشغال ب(الحياة "لأنها"تسبق تحسين نوع الحياة) فهذه الوضعية الانتقادية للخطاب تؤكد ببساطة،على أن " الدولة تتحكم في القوة، لأنها الوسيط الشرعي الوحيد للقانون والعنف، وهي أيضا تفرض الولاء على الأفراد بإثارة مشاعر الوطنية."(31)

النووي مراجع الدراسة

1- ميشال فوكو، حفريات المعرفة،ترجمة سالم يفوت،المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب،ط،3،2005،ص،27.
2- بوعز بسموت،عنوان المقال(العقلانية بحسب دامبسي)اسرائيل اليوم،الاحد19/2/2012، الحياة الجديدة، الاثنين،20/2/2012
3- كميل منصور دليل اسرائيل العام 2011،أمل جمال" الصحافة والإعلام الإسرائيلي"مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ص474.
4- د. صلاح فضل،بلاغة الخطاب وعلم النص،عالم المعرفة،المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت،1992،ص102
5- عاموس هرئيل، عنوان المقال" اجتياز نقطة اللاعودة...بؤر المواجهة المحتملة مترابطة"هارتس،الاحد،29/7/2012، الحياة الجديدة، الاثنين، 30/7/2012
6- أمبرتو إيكو،دروس في الأخلاق، ترجمة سعيد بنكراد،المركزالثقافي العربي، الدار البيضاء،الطبعة الأولى،2010.
7- سوزان روبين سيلمانو آنجي كروسمان،القارئ في النص،تر،حسن كاظموعلي صالح،دار الكتاب الجديدة،بيروت ط1،2007،ص69
8- افيشاي برفرمان: عنوان المقال" لا داعي لشغب اسرائيل وصياحها" اسرائيل اليوم، الاربعاء 21/3/2012، الحياة الجديدة،22/3/2012
9- صحيفة "هأرتس" يوم الثلاثاء 7-8- 2012، الحياة الجديدة، الاربعاء،8-8-2012
10- ميشيل فوكو،نظام الخطاب،تر،محمد بيلا،دار الفارابي،بيروت،2007،ص 38.
11- مرجع سابق،احمد العاقد،ص106
12- مرجع سابق،فوكو،ص50
13- رولان بارت،درس السيميولوجيا،تر،عبدالسلام بنعبدالعالي،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء، ط3،1993،ص 85.
14- نعومي تشومسكي، الحوار المتمدن، عن كاونتر بانش التاكد من الحوار المتمدن
15- تشومسكي، مرجع سابق
16- تشومسكي، مرجع سابق
17- د.فرج عبدالقاهر طه،موسوعة علم النفس والتحليل النفسي،دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع،ط2،2003،ص642
18- مرجع سابق، د.فرج عبدالقاهر طه،موسوعة علم النفس والتحليل النفسي، ،ص642
19- داني نافيه "ازمة مؤقتة افضل من تهديد وجودي"، معاريف، الاحد،12-8-2012، الحياة الجديدة، الاثنين،13-8-2012
20- مرجع سابق،احمد العاقد،ص106
21- ) د.رافع الزغلول، د.عماد الزغلول،علم النفس المعرفي،دار الشروق،ص71
22- شلومو ساند،اختراع الشعب اليهودي،تر،سعيد عياش،المركز الفلسطيني للدراسات(مدار) رام الله،2010،ص35،
23- رامي طال، يديعوت احرنوت، الثلاثاء،27/12/2011 الحياة الجديدة،الاربعاء،28/12/2011
24- اوليفيي روبول،لغة التربية،تحليل الخطاب،ترجمة عمرأوكال،افريقيا الشرق ،بيروت،2002،ص،20.الخطاب الإعلامي
25- رولان بارت،درس السيميولوجيا،تر،عبدالسلام بنعبدالعالي،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء، ط3،1993،ص11.
26- ايلي افيدال،معاريف،عنوان المقال(ليس صديقا... بل،حليف) الخميس،20/9/2012، الحياة الجديدة، الجمعة،21/9/2012
27- اليكس فيشمان عنوان المقال" ستغلق النافذة في كانون الاول" يديعوت احرنوت، الاحد،12-8-2012.الحياة الجديدة،الاثنين 13-8-2012

28- روبيك روزنتال،عنوان المقال" نريد ضربة وانتهينا". معاريف،الاثنين،27/8/2012، الحياة الجديد، الثلاثاء،28/8/2012
29- د.بشرى موسى صالح،نظرية التلقي،أصول وتطبيقات،المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاءنط1ن2001،ص 126
30- نحاميه شترسلر عنوان المقال:" ايران اليونان وتأثير الخوف " هارتس" الثلاثاء 7/8/2012،الحياة الجديدة، الاربعاء 8/8/2012
31- د. أحمد عطية، ريكور والهير مينوطيقا، الفارابي للنشر،بيروت،لبنان،2011،ص،74