منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 25
  1. #1

    نعم ليلة تسليم جلجامش لليهود ياغير مسجل

    كنتت حصلت عبر النت على دراسة هامة للناقد: حسين سرمك والذي زكته الدكتورة ريمه الخاني بحصورها جلسة نقدية عبر نقده العميق وهاأنذا اصطاد دراسة هامة له فتقبلوها مني:
    فضح مغالطات التناص بين الفكر العراقي القديم والفكر التوراتي (1)
    (إنه البطل، سليل أوروك، والثور النطّاح
    انه المُقدّم في الطليعة
    وهو كذلك في الخلف ليحمي اخوته واقرانه
    انه المظلة العظمى، حامي اتباعه من الرجال
    انه موجة طوفان عاتية تحطّم حتى جدران الحجر
    جلجامش المُكتمل في الجلال والألوهية
    إنه هو الذي فتح مجازات الجبال
    وحفر الآبار في مجازات الجبال
    وعبر البحر المحيط، إلى حيث مطلع الشمس
    لقد جاب جهات العالم الأربع، وهو الذي سعى لينال الحياة الخالدة
    وبجهده استطاع أن يصل إلى "أوتو – نبشتم"، القاصي
    وأعاد الأحياء التي دمّرها الطوفان
    من ذا الذي ضارعه في الملوكية؟
    من غير جلجامش من يستطيع أن يقول: أنا الملك؟
    ومن غيره من سمي جلجامش ساعة ولادته؟
    ثلثاه إله، وثلثه الباقي بشر
    لقد صمّمت جسمه الآلهة العظيمة)
    "ملحمة جلجامش"(ملحمة جلجامش، التي يصح أن نسميها اوديسة العراق القديم يضعها الباحثون ومؤرخو الأدب المحدثون بين شوامخ الادب العالمي. ولعلني لا أبالغ اذا قلت انه لو لم يأتنا من حضارة وادي الرافدين، من منجزاتها وعلومها وفنونها شيء سوى هذه الملحمة لكانت جديرة بأن تبوّأ تلك الحضارة مكانة سامية بين الحضارات العالمية القديمة. إن ملحمة جلجامش أقدم نوع من أدب الملاحم البطولية في تاريخ جميع الحضارات، وإلى هذا فهي أطول وأكمل ملحمة عرفتها حضارات العالم القديم، وليس هنالك ما يُقرن بها أو ما يضاهيها من آداب الحضارات القديمة قبل الإلياذة والأوديسة في الأدب اليوناني (جاءت بعد ملحمة جلجامش بثمانية قرون). ومع أن هذه الملحمة قد دُونت قبل 4000 عام وترجع حقبة حوادثها إلى أزمان أخرى أبعد، فإنها في مجالها ومداها وأغراضها والمشكلة التي عالجتها وقوّة شاعريتها كل ذلك يجعلها، مثل الآداب العالمية الشهيرة، ذات جاذبية إنسانية خالدة في جميع الأزمان والأمكنة، لأن القضايا التي أثارتها وعالجتها لا تزال تشغل بال الإنسان وتفكيره وتؤثر في حياته العاطفية والفكرية، مما يجعل مواقفها مثيرة تأسر القلوب. إن هذه الملحمة البطولية الخالدة قد عالجت قضايا إنسانية عامة، مثل مشكلة الحياة والموت، وما بعد الموت، والخلود. ومثّلت تمثيلا بارعا مؤثرا ذلك الصراع الأزلي بين الموت والفناء المقدرين وبين إرادة الإنسان المغلوبة المقهورة في محاولتها التشبث بالوجود والبقاء والسعي وراء وسيلة للخلود. أي أنها تمثل هذه "التراجيدي" الانسانية العامة المكررة)
    العلّامة الراحل
    "طه باقر""ملحمة جلجامش"(لم يكن لليهود فنون ولا علوم ولا صناعة، ولا أي شيء تقوم به حضارة. واليهود لم يأتوا قط، بأي مساعدة مهما صغرت في إشادة المعارف البشرية، كما أنهم لم يجاوزوا قط الأمم شبه المتوحشة التي ليس لها تاريخ)"غوستاف لوبون"الإهـــــــــــــــــــــــــداء:إلى "قارىء الطين"
    العلّامة العراقي الراحل
    الآثاري الفذّ
    "طه باقر"
    تقديراً لجهوده الرائدة في ترميم الذاكرة العراقية، ولكونه أوّل من قدّم جلجامش العظيم ليكون أنموذجاً للشخصية العراقية المبدعة في الفكر والبناء.مقدّمةتصاعدت في الثقافة العربية منذ أكثر من عقدين – وبوتائرَ سريعةٍ وخطىً واسعة - ظاهرة كشف ومراجعة ما يُسمّى - وفق المصطلح الحداثي - بـ "التناص" بين التوراة من جانب، والتراث الأسطوري للشرق الأدنى القديم من جانب آخر، وتحديداً أساطير مصر والعراق وسورية القديمة بما عُرف عن امتلاك هذه البلدان من تراثٍ أسطوريّ هائل هو بمثابة الكنوز المعرفيّة التي لا تٌقدّر بثمن، ومن ريادات مؤصّلة ومشهودة في مجال الفكر الميثولوجي، خصوصاً في ما يتعلق بالجانب الديني.وهذه الظاهرة ليست جديدة، حيث أشار إليها الآثاريون والباحثون في مجال الأسطورة منذ أن بدأت الإكتشافات الأركيولوجية لمنجزات حضارات الشرق الأدنى القديمة، وبشكل خاص الحضارات العراقية (السومرية والأكدية/البابلية والآشورية)، والحضارة المصرية الفرعونية، ثم الحضارة السورية لاحقاً، فقد تنبّه هؤلاء إلى وجود تشابهات تصل أحياناً حدّ التفاصيل الدقيقة والتعابير اللغوية التصويرية المتطابقة، بين ما جاء في التوراة من أسفار، والنصوص الأسطورية العراقية والمصرية القديمة، حتى أننّي قرأت ذات مرّة أنّ الباحث الآثاري البريطاني "جورج سمث" (1840 – 1876 م) وكان يقوم بتدقيق لوح أُرسل من مكتبة الملك آشور بانيبال عام 1872، ووجد أنه يتضمن أسطورة خليقة بشكل أكثر دقة ووضوحاً من قصة الخليقة التوراتية، قد قفز من كرسيّه وخرج من مكتبه واندفع في القاعة، وقد انتابته حالة من الإثارة الشديدة، حتى أنه بدأ يتجرد من ملابسه، وسط ذهول الحاضرين. كان منفعلاً ومنهوساً بالتشابه، الذي شاهده بأمّ عينه، بين أسطورة الخليقة البابلية وقصّة الخليقة التوراتية. وقد سار - بعد ذلك - الباحثون الغربيون خاصة، والأجانب عامة، وتبعهم الباحثون العرب بطبيعة الحال، في التذكير، مع كلّ أسطورة تُكتشف ألواحها أو بردياتها أو تُحلّل وفق رؤية جديدة، بالتشابه بين تلك الأساطير، وأفكار وحوادث التوراة اليهودية.أمّا الآن، فقد اتسعت دائرة هذه الظاهرة، واشتدت خطورتها، لأنّ الباحثين – بحسن نوايا الباحث العلمي، أو بالتخطيط المقصود والغايات المسبقة لبعض دور النشر – قد استسهلوها، وصاروا يعمّمونها على كل شيء، حتى صرنا نقرأ الكتب عن "التناص" بين جلجامش العظيم بطل الملحمة العراقية الشهيرة، التي هي أول نص ملحمي مكتوب في تاريخ البشرية، وبين يوسف التوراتي!! أو بين الإله البابلي مردوخ خالق الأكوان حسب أسطورة الخليقة المعروفة ويوسف التوراتي أيضاً.ولأنني مؤمن – بحدود طبعاً - بـ "نظرية المؤامرة – conspiracy theory" التي تُطبّق على أرض الواقع كلّ يوم، ونلمس نتائجها المؤذية ضد هذه الأمّة في كل لحظة وعلى المستويات كافّة، خصوصاً الثقافية منها، التي تمسّ عقل الأمة وشخصيتها، فإنني أعتقد أن اتساع هذه الظاهرة، وبهذه الدرجة من التصاعد، سوف يتأجّج مع إصرار الكيان الصهيوني على إعلان دولته في "إسرائيل" اللقيطة كدولة ذات هويّة دينية يهودية. فتأسيس حركة "التناص" بين الفكر التوراتي الذي يستند إليه هذا الكيان، وفكر المنطقة – الشرق الأوسط تحديدا بدوله العربية الأساسية الثلاث: العراق ومصر وسورية التي تمتلك أعظم كنوز هذه المنطقة الأسطورية، وببعدها الديني المميّز، ودورها في بناء شخصيّة الأمّ’ الحضارية - يهيّْء الأرضية الثقافية، ثم الإستعداد العقلي والنفسي لاستقبال وجود هذه الدولة االيهوديّة بفكرها التوراتي.ولهذا أعتقد أنّه قد آن الأوان لأن يتصدّى الباحثون العراقيون والعرب – وبصورة علمية وموضوعية محكمة – للردّ على هذه الظاهرة المؤذية التي صار باحثون معروفون يسقطون في شباكها، بفعل الإنسياق مع عدواها النفسية وصخبها الفكري أولاً، والسعي النرجسي لتحقيق "الإكتشافات" الجديدة في إطارها ثانياً، والإنبهار – رابعاً - بطروحات الحداثة ومصطلحاتها مثل التناص والإزاحة والقلب والزحف والمهيمنات وارتحال المفاهيم، والإخصاء والسلطة القضيبية البطرياركية والسلطة المترياركية وتراجيديا الألوهة الشابة القتيلة وغيرها من المفاهيم والمصطلحات التي صارت توظّف في غير مواضعها حتى وصل بنا الحال أن نقرأ أن النبي يعقوب التوراتي "متناص" مع البطل الأسطوري العراقي العظيم "أنكيدو". ولا ننسى – خامساً – دور بعض دور النشر في تشجيع هذا الإتجاه من خلال تيسير سبل النشر والمكافآت المغرية للكتب التي تؤلّف في هذا الإطار.ومن المتوقّع أن لا يقتصر جهد التصدّي هذا على كشف زيف التناص ولعبة التأثّر والإنزياحات المزعومة هذه حسب، بل يمتد إلى فضح عمليّة السطو المنظمة والمتعمّدة على تراث المنطقة الأسطوري في بناء التوراة الكهنوتية (لا التوراة السماويّة طبعاً)، وتبيين هشاشة هذا الكتاب وزيفه ومغالطاته الشنيعة، بل سخف بعض شخصياته وسلوكياتهم المحارمية اللاأخلاقية المُنحطة.ومن المؤكّد أنّ أغلب السادة القرّاء، سوف يُصدمون، أو يجدون أن من الغريب أنني قلتُ إنّني أبحث التوراة الكهنوتية وليس التوراة السماويّة، فقد استطاعت الدوائر الدينية اليهودية المسخّرة لتحقيق مشروعها الصهيوني في أرض الميعاد التغطية على هذه الحقيقة الصادمة والخطيرة التي تهزّ أساس مشروعها الإستعماري الإستيطاني من خلال الإطاحة بالأساس الديني لهذا المشروع المُمثّل بكتاب التوراة. لقد أفلحتْ في جعل هذه الحقيقة محصورة بين نخبة النخبة من الباحثين إذا جاز التعبير. كما حقّقت نجاحاً هائلاً في جعل التوراة – ولقرون طويلة امتدت حتى منتصف القرن التاسع عشر – أساساً للبحوث في مجال التاريخ والأنثروبولوجيا والميثولوجيا والجغرافيا والكون وعلوم الحياة وغيرها إلى أن ثبت علميّاً في منتصف القرن العشرين، وبشكل لا يقبل اللبس، أن هذا الكتاب – الذي هو ليس لموسى كليم الله – هو مجموعة من الخرافات والتناقضات والمعلومات الملفّقة، وكذلك الأساطير التي سطا عليها كتّابه من تراث شعوب المنطقة. ومع ذلك ظل الحديث عن التوراة غائماً وبعيداً عن الحقيقة، وكأنه كتاب ديني محدّد يصلح لإشادة دولة يهودية عصريّة في هذا العالم الغربي المنافق الذي يزعم السعي نحو العقلانية والديمقراطية. يكفيني الآن طرح هذه الحقيقة الصادمة التي سأكتفي بها هنا على أن أعود إلى هذه الموضوعة في متن الكتاب لاحقاً:لدينا في الواقع ثلاث كتب توراتية في الوقت الحاضر - هل تعرف بذلك عزيزي القارىء؟ - وهي:
    1-الترجمة اليونانية (السبعينية) المعترف بها عند الكاثوليك والأرثوذكس،
    2- والعبرانية المعتبرة عند اليهود والبروتستانت،
    3- والسامرية المعتبرة عند طائفة السامريين من اليهود فقط.
    وطبقاً للموسوعة البريطانية، فإن النص السامري يختلف عن النص اليوناني (في الأسفار الخمسة) بما يزيد على أربعة آلاف اختلاف، ويختلف عن النص العبري القياسي بما يربو على ستة آلاف اختلاف) (1).وهل تعلم، عزيزي القارىء، أن هذا الكتاب مُتخم بالعلاقات المحرّمة والسفاحية بين الأب وبناته، والأخ وأخته، والإبن وأمّه، كما سنعرض جانباً من ذلك في مسار هذا الكتاب؟وهل تعلم أن الله – يهوه في هذا الكتاب - يخوض نزالاً في المصارعة ضد أحد عباده وينهزم أمام عبده هذا، فقد تصارع "الله" مع يعقوب حتى مطلع الفجر، ولم يستطع الإنتصار عليه بالرغم من أن يعقوب قد أصيب بخلع في الورك من مصارعه الخصم / إلهه الذي أخذ يستعطفه كي يطلق سراحه، ولكن يعقوب يرفض (2):(وبقي يعقوب وحده فصارعه رجل إلى مطلع الفجر # ورأى أنه لا يقدر عليه فلمس حُقّ وركه فانخلع حُقّ ورك يعقوب في مصارعته له # وقال أطلقني لأنّه قد طلع الفجر. فقال لا أطلقك أو تباركني # فقال له ما اسمك، قال يعقوب # قال لا يكون اسمك يعقوب فيما بعد بل إسرائيل لأنّك إذ رَؤُستَ عند الله فعلى الناس أيضاً تَستَظهِر # وسأله يعقوب وقال عرّفني اسمك. فقال لمَ سؤالك عن اسمي وباركه هناك # وسمّى يعقوب الموضع فَنُوئيل قائلاً إنّي رأيتُ الله وجهاً إلى وجه ونجتْ نفسي # وأشرقتْ له الشمس عند عبوره فنوئيل وهو يظلع من وركه # ولذلك لا يأكل بنو إسرائيل عرق النسا الذي مع حقّ الورك إلى هذا اليوم لأنّه لمس حُقّ ورك يعقوب على عرق النسا – سفر التكوين الإصحاح 32: 24 – 32).كتاب السخافات والشعوذات هذا (وأؤكد ليس كتاب الله المنزل على موسى)، هو الذي يؤمن به المحافظون الجدد الديمقراطيون المتنورون بدءاً من الدكتورة كونداليزا رايس، في الولايات المتحدة ؛ الخنازير الكلاب الذين شنّوا حرب تدمير العراق - مصدر الحضارة البشرية في عصورها الذهبية - ودمّروا وأحرقوا تراثه الأسطوري.وهذا الكتاب التوراتي المتعصّب المتخلّف المُشعوذ، هو الذي سيكون مصدر دستور الدولة الصهيونية اللقيطة في المنطقة التي يتشدّق الغرب بديمقراطيتها وتقدّمها الحضاري ويوفّر لها كل أسباب الدعم، والتي – أيضاً – يلهث بعض الباحثين العرب لتلميع صورتها الفكرية وخلق أرضيّة قبولها العقلية والنفسية، من خلال خلق "تناصات" مزعومة بين إله البدو المتجهّم الحقود هذا، وآلهة أساطير أكثر دولتين تحضّراً في الشرق الأدنى القديم وهما العراق ومصر.
    قد يكون كتابنا هذا هو الردّ الجاد الواسع والشامل الأوّل على أطروحات هذه الظاهرة، وضعناه بعناء وسهر وملاحقة تفصيلية لأدق الأفكار والفرضيات المطروحة، وغوص تحليلي في عمق المرتكزات التي تقوم عليها هذه الظاهرة، متوخّين بساطة الأسلوب وبعده عن المصطلحات المعقّدة واللغة المتعالية لتحقيق أفضل فهم لدى أوسع قاعدة من القرّاء، ومنطلقين من الإيمان بحقيقة أنّ التردّد أو التأخّر في مواجهة هذه الظاهرة، سيجعلها تستشري، وتستفحل، وتسوق بفعل تيارها المغري باحثين آخرين من الشباب العرب خصوصا، لنصحو يوماً، ونجد أن جلجامش العظيم قد تمّ تسليمه لليهود وفكرهم التوراتي الكهنوتي.
    وأودّ هنا أن أعبّر عن شكري لكلّ من ساعدني في إنجاز هذا المشروع، وفي المقدّمة منهم زوجتي الحبيبة التي تحمّلت الكثير من العناء خلال تأليف هذا الكتاب وكتبي الأخرى الكثيرة، وابنتي العزيزة "همسه" التي قامت بمراجعة المخطوطة أكثر من مرّة وتصحيح أخطائها الطباعية.
    والله من وراء القصد
    هوامش المقدّمة:(1)هل العهد القديم كلمة الله؟ - د. منقذ بن محمود السقار – دار الإسلام للنشر والتوزيع – الطبعة الأولى – 2007.(2)مذاهب فلسفية - محمد جواد مغنية – دار مكتبة الهلال – بيروت – بلا تاريخ.المحتـــــوى# الإهداء
    # المقدّمة
    # الفصل الأول: التناص المُدمّر
    (كتاب "الأصول الأسطورية في قصّة يوسف التوراتي" للباحث ناجح المعموري أنموذجاً، الكاتب العراقي لا يهتم بمراجعة كتبه قبل طبعها، الباحث د. متعب مناف يقع في المصيدة، د. متعب يقع في خطأ ستراتيجي فادح، ما أهمية هذه الملاحظة؟ وما هي مصادر الحكاية؟، سليمان مظهر يورّط ناجح المعموري و د.متعب مناف: مثال 1و2و3، تشابهات مُفتعلة بين باتا وأنكيدو وآدم، لعنة التناص!، أنبو الطيّب لا يشبه الإله الشرير "ست" يا ناجح، بين باتا وأوزوريس، المصريون القدماء لم يكونوا "يخصون" أنفسهم في أعياد أوزوريس!، "سيبيل" ليست ذكراً بل أنثى!، ظاهرة "الحشو" ليست من خصائص البحث العلمي، من جديد: لا شبه بين أنبو والإله "ست"، القول بوادي الصنوبر ينقل الحكاية إلى سورية، المصريات الريفيات يرفعن أذيال ثيابهن، هذا أخطر المواقف في الأسطورة، كارثة تأويلية، رأي متناقض: الألوهة الشابة تخدم السلطة البطرياركية ضد الإلهة الأم!، عودة وتساؤلات خطيرة، الإنتقائية في التفسير، ملاحظة مهمة: هذا الرأي ليس لناجح، طريقة غريبة في الإقتباس، واقتباسات غير مناسبة من روبرتسون سمث، عودة إلى زوجة باتا، ناجح ينقل رأياً لا يتفق مع آرائه!، التناص الحيّ ؛ تحليل مشابه لتحليل شكري عياد عند "برونو بتلهايم"، من أين يأتي ناجح بهذه المعلومات؟، حول تاريخية حكاية الأخوين وأهميّتها في فهمها، هل هذا معقول يا ناجح: حكاية باتا (1300 ق.م) قبل أسطورة تمّوز (3000 ف.م)؟، هل باتا إله للخصب؟، التسرّع في إصدار الأحكام: كيف تكون فتاة شريرة مساوية للإلهة "إيزيس" الطيّبة؟، باتا الذكر يتحوّل إلى رمز أنثوي!، ما أهمّية منصب "نائب الملك على كوش"؟، من مخاطر المنهج الواحد الجامد، تأويلات وتحليلات مُضافة ينبغي أن تؤخذ بعين الإعتبار، والآن - يا ناجح - هل هذه المرأة أنموذج للإلهة الأم؟، مقاربات تلفيقية!، استسهال استخدام اللغة والمصطلحات طامّة كبرى، آراء أُخر غريبة ومتناقضة، هل كان الأخ الأكبر ممثلا للسلطة الذكورية العنيفة؟، افتراض غريب آخر، الشجرة الأم رمزاً قضيبيّاً!، خطأ في فهم السحر التشاكلي والإتصالي، استيلاء على آراء الباحث الفرنسي "جورج رو"، الثور رمز لقوّة الإله الشاب وليس لتجدّده وانبعاثه، الإله تموز ثور أم أنثوي ناعم؟، إختلافات بين حكاية الأخوين وقصة يوسف من تشابهات ناجح، يا إلهي كيف يشتغل باحث على الأسطورة وهو لا يعرف تعريف "الإنبعاث"، عودة إلى آراء د. متعب مناف، تأويلات أسطورية عجيبة أخر: إقحام "التناص" الأسطوري القسري حتى في النقد الفنّي، ارتباطاً بحكاية يهوذا وثامار: (1)ما هي الفائدة من قصة سفاح في كتاب مقدّس؟، (2)ضدّ العلم والمنطق: أغرب عملية ولادة في التاريخ، التوراة كتاب زنى المحارم والمسافحة بامتياز، هوامش الفصل الأول).# الفصل الثاني: ليلة تسليم جلجامش لليهود:(مغالطات من صفحة المقدّمة: الاتناص المزعوم، ظاهرة خطيرة في الثقافة العربية: بدون هذا التناص لا محل للدولة اليهودية في الوطن العربي، الصحيح هو "اللاتناص" بين جلجامش ويوسف التوراتي وهذه هي الأدلة، سياسة خلع المقبوسات من سياقها، ظاهرة اللعب بالألفاظ والمصطلحات الحداثوية، يوسف اليهودي لا يشبه جلجامش العراقي، ويعقوب لا يشبه أنكيدو العظيم، محاولة جائرة لتسليم جلجامش العظيم لليهود، تلفيق فاضح حول المكان، تلفيق آخر عن الزواج المقدّس، ناجح لا يعرف أن اليهودية لا يوجد فيها سياق حول الحياة وانبعاثها!!، ما هو المعنى الحقيقي لوصف فوطيفار بالخصي؟، من أخطاء التوراة حول بيع يوسف، بين دروس ملحمة جلجامش الكونيّة وعِبَر قصّة يوسف الحياتية، محنة يوسف الإدخار الإجباري على مستوى الدولة، محنة جلجامش هي الخلود العصي، يوسف ليس إلهاً للخصب وعبقريته اقتصادية، أما ملحمة جلجامش فهي درّة تاج الأساطير في العالم، تناص مفبرك بين زليخة والإلهة العظيمة عشتار!!، ما هي علاقة نوح بحلم فرعون؟!، جلجامش الهائم في البراري "يتناص" مع يوسف الذي يخرج من السجن حليقاً مُرتباً ونظيفا، تناص مُفبرك بين نوح التوراتي و أوتو – نبشتم العراقي، لا تناص بين حلم جلجامش وحلم يوسف، هل حضارة وادي "الرافدين" حضارة آبار؟!!!! تناص مفبرك جديد، تفنيد الخديعة الكبرى: كيف مسخت الثقافة اليهودية أساطير العراق ومصر؟، ما هو السبيل الصحيح لوصف ما في التوراة؟ سطو وسرقة وتلطيش؟، ظاهرة التناص المُرعب آخذة في االإتساع: أنموذجان من مصر، ما هي المسؤوليات الملقاة على عاتقنا؟، ناجح و.. "التوراة والنقد الجديد"، بين "التناص"... و"التلاص"، الخلط الشنيع بين الأسطوري والديني التاريخي، هوامش الفصل الثاني).# الملحق رقم (1):تناص آخر يعيد أسطورة "شعب الله المُختار" إلى الحضارة السومرية!! (أسطورة إله الدمار "إيرّا"):
    (وقفة عند صراع الحضارة والبداوة على أرض الرافدين: "البدوي هو الذي لا يُدفن بعد موته"، ما المقصود بضجيج سكّان بلاد الرافدين؟: الآلهة سبّبت الطوفان لمحق سكان بلاد الرافدين بسبب "ضجيجهم"، سمة "الضجيج / الجدل" في الشخصية العراقية: أغرب طوفان في التأريخ: الألهة تمحق العراقيين بسبب ضجيجهم!!: يتناقشون والإله يريد ينام!، هوامش الملحق رقم (1)).
    # الملحق رقم (2):
    حول قميص يوسف# ملحق رقم (3):هل هذه التوراة هي توراة موسى؟مع عيّنة من أخطاء وتحريفات وتناقضات التوراة!
    ديوان العرب

  2. #2
    أخي الكريم جيح فلسطين
    موضوع مهم جدا وقد سبق أن مررت به وبموضوع اخر شبيه به وقد فكرت نسخ ما سبق ان جمعته من اراء لمؤرخين عرب وغربيين تؤكد أن كتاب التوراة جمع فيه كتبته كل تراث وخرافات الشعوب التي سكنت بلاد ما بين النهرين والشام ومصر وغيرها وجعلوها معتقدات دينية
    وان شاء الظروف تساعدني وأنش بعض أبحاثيعن اهداف وغايات التوراة السياسية التي جعلوا منها دين
    اشكرك على هذا الرابط
    تحياتي

  3. #3
    نعم تماما ولك الاطلاع على هذا النص للفيفي ومواضيه هامة أيضا:
    http://omferas.com/vb/showthread.php...510#post231510

  4. #4

  5. #5
    ليلة تسليم جلجامش لليهود (٢)


    الاثنين ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٦، بقلم حسين سرمك حسن


    التّناصُّ المُدمِّر


    كتاب (الأصول الأسطورية في قصّة يوسف التوراتي)، للباحث ناجح المعموري أنموذجاً:


    كتاب (الأصول الأسطورية في قصّة يوسف التوراتي)، للناقد والباحث "ناجح المعموري" (1)، هو الكتاب الذي أعدّه أنموذجاً لما وصفتُه في عنوان هذا الفصل بـ "التناص المدمّر"، وهو التناص الذي ساشرحه بالتبسيط الضروري في ما سيأتي من صفحات هذا الكتاب بطريقة تؤمّن فهم أغلبية القرّاء العامّين بدءاً من طلبة الإعدادية على سبيل المثال. وسأستخدم ما يحتويه هذا الكتاب من طروحات وأفكار وفرضّيات كنماذج تطبيقية لنقد المنهج القائم على فهم للتناص كفيل بتدمير كل كنوز الموروث الأسطوري في العراق ومصر خصوصاً وتسليمها للفكر التوراتي باعتباره امتداداً طبيعياً لذاك الموروث الأسطوري الذهبي، وذلك من خلال لعبة تناص لا تُبقي ولا تَذَر شيئاً من خصوصيات الفكر الأسطوري في الشرق الأدنى القديم تحت غطاء هدف واسع ومشروع في الظاهر هو كشف المرجعيات الأسطورية للفكر التوراتي، وهو الهدف الذي تحمّس له الكثيرون في البداية – وأنا منهم – ثم إذا به ينزلق بعد مدّة إلى مزالق توصل إلى نتائج شديدة الخطورة.
    قدّم للكتاب الأستاذ الدكتور “متعب مناف” بمقالة عنوانها (عقدة يوسف التوراتي بين الإخصاب والإخصاء) قال فيها إن هناك ثلاثة من الباحثين تعرّضوا إلى قصّة يوسف كما وردت في العهد القديم وهم : فراس السوّاح (سوريا)، والسيّد القمني (مصر)، وناجح المعموري (العراق).. وأنه – أي متعب مناف – يطمح أن يكون رابعهم. وأضاف:


    (بتقديري أن ناجح المعموري الأقدر والأجدر بتصدّر المجموعة لأنه الأقرب إلى أن يعيش الأسطورة مشاركاً يتماهى مع رموزها يتنفس أوجاعهم، ينام على فرش لذتهم، يتلذذ بشوك مآسيهم، يصدر عنه دامياً يزيد من خفق قلبه بعد أن تلبسّته الأسطورة لتنطلق حيّةً من رماد المعموري.
    المعموري يجيد لعبة ولعنة التناص فهو بارع في إدخال نص على نصّ متنقلاً من كلكامش إلى يوسف التوراتي ليظهر ثانية في تموز البابلي وأوزوريس المصري حاطاً عند يسوع الناصري – ص 12 و13) (2).


    وبعد أن يستعرض متعب الأفكار الأسياسية لوجهة نظر ناجح، يبدأ بطرح أسس فرضيّته، فيبين أنها تبدأ من حيث ينتهي ناجح المعموري. ويواصل القول - وأنا أنقل كل الفقرات كما هي بأخطائها المطبعية واللغوية والإملائية الكثيرة لسبب في نفسي سوف أثبته في ملاحظة مستقلة - :
    (لقد وضعتُ لبحثي هذا وأن أقرأ وبإمعان وتقدير ما كتبه ناجح المعموري أن فهم قصة يوسف التوراتي وقراءة ذلك تناصيا مع أسطورة الأخوين، أن القصة يمكن أن تدرك كعقدة (comp lex) (هكذا وردت !!) تحاول أن تتمدد بين حدّين هما (الإخصاب) و (الإخصاء).


    هاتان المعطيتان (المفهومان) إخصاب، إخصاء يربط بينهما التضاد الى حد التناقض وأن تحقيق أحدهما ينفي أو يصادر وجود الآخر- ص 22 و23) (3).


    وكحالة تطبيقية لهذه الفرضية يفسّر الأستاذ متعب حكاية الأخوين الفرعونية وقصّة يوسف التوراتي بأنهما حالتان وقع فيهما الفرد بين حبّه للإخصاب وخوفه من الإخصاء، وأن هذه الفرضية تصلح لتفسير عقدة يوسف التوراتي:


    (الذي وقع بين إغواء زوجة سيّده فوطيفار الذي حاول أن يتبناه وبين خوفه إلى حدّ الفزع من أن يتعرض للإخصاء جراء فعله.


    لقد حوصر يوسف التوراتي بخوفين ضاغطين أحدهما من أبيه الحي والثاني من سيده وزوج تلك المرأة التي حاولت إغوائه - ص 27) (4).


    وقفة : الكاتب العراقي لا يهتم بمراجعة كتبه قبل طبعها


    وارتباطا بملاحظتي عن الأخطاء الطباعية وبالتالي الإملائية الكثيرة، واللغوية، أقول إن هذه الأخطاء قد شوّهت جوانب كبيرة من شكل ومضمون المقالة. وقد دعوت في مناسبات سابقة الكتّاب العراقيين إلى أن يطلبوا من صاحب دار النشر أن يرسل إليهم البروفة الأخيرة (pdf) قبل النشر للتأكد من عدم وجود أخطاء فيها، وتصحيحها أكثر من مرّة لضمان صدور كتاب بأقل الأخطاء. وكل يوم تصدر كتب عراقية مليئة بالأخطاء الطباعية للأسف لأن الكاتب العراقي يستعجل ويضع ثقته في الناشر الذي يسلك سلوك تاجر آخر ما يهمه هو الشأن الثقافي. كما يعكس ذلك عدم توفّر روح الجدّية والمتابعة لدى الكاتب العراقي وملله السريع كجزء من سمات الشخصية العراقية عموماً. هل يستطيع السيّد القاريء فهم هذا المقطع :


    (فهو يقرب المطيع فيمنحه (الخصب) ويدمر المحتج فيعاقبه با (الخصاء) لان الاول (المطيع) الأحد أن يكون سر ابيه ثم هو يؤرث، أما العامة فانه امتنع على ابيه وثلم هيبته عقابه أن يجرد وأفضال أبيه ومنحها الاخصاء.


    وتمكن أن نتحول بالمنه الأبوية والتي يمارسها في وسطه العائلي (اخصاباً واخصاءاً) الى الأب الحاكم السلطوي- ص 17) (5).


    ولاحظ في أخطاء النص الطباعية السابقة كم هي مهمة حركات التشكيل أيضا والتي يتحمل جانبا كبيرا منها الكاتب العراقي نفسه.


    عودة : الباحث د. متعب مناف يقع في المصيدة


    المهم، أنّه في هذا التقديم، يقدّم لنا د. متعب مناف معلومات كثيرة مهمة، فهو من الأساتذة الذين يتوفّرون على ثقافة موسوعية وثراء معرفي مميّز يُلاحظ من خلال دراساته وكتبه. لكن أن يقول لنا أن البحر الأحمر هو بالإنكليزية (Red Sea)، وأن البحر الأسود هو (Black Sea)، فإن في هذا استخفافاً بعقولنا، فبالله عليك يا أستاذ متعب، لمن كُتبت هذه المقالة ؟ هل كُتبت لتلاميذ المتوسطة ؟ حتى هؤلاء يعرفون اسمي البحر الأحمر والأسود بالإنكليزي. أتذكر مقالة لأحد النقاد العراقيين "الحداثيين" نشرها في التسعينات، وقال فيها : (وهذا المؤلف لديه الكثير من الكتب (books) !!).


    وقد تضمّنت مقدّمة متعب الكثير من الآراء والأفكار الخاطئة والغير دقيقة سأطرح جانبا منها، الآن، وجانبا آخر في مواقف مُقبلة مناسبة من هذه الدراسة. يصف متعب الأستاذ ناجح بأنه :
    (أحد أفضل الاثاريين الثقاة - ص 21) (6).


    وتعريف كلمة الآثاري – Archeologist، هو أنه الشخص الذي يدرس المناطق والأشياء البدائية ليفهم الماضي. وقد يتخصّص بمناطق جغرافية معينة أو مراحل تاريخية أو أدوات محدّدة كالعملات أو العظام أو الأواني وغيرها. أي أن عمله الرئيسي هو النبشيات (الحفريات) وما يتفرّع عنها. ولكن ناجح ليس آثاريا بهذا المعنى، إنّه قاريء ومحلّل للاسطورة ؛ باحث في مجال الميثولوجيا.
    وعلى (الصفحة 15) يستشهد متعب ببيت شعر ليوضح أفكاره عن استبداد الأب في التصرّف في أبنائه وبناته :


    إن رمت تعذبني فأنت مخير
    من ذا ينازع (سيّداً) في عبده


    وهذه الصيغة للبيت الشعري غير دقيقة ومختلة الوزن، والأصح - أولاً - هو أن صيغة البيت الشعري الأصلية هي:


    إن شئتَ تقتلني فأنتَ محكّمٌ
    من ذا يطالبُ سيّداً في عبده


    وهو من قصيدة المتنبي التي مطلعها:


    قمرٌ تكامل في نهاية حسنه
    مثل القضيب على رشاقة قدّه


    وهي قصيدة غزليّة معروفة شاعت خصوصا بعد أن شدا بها صوت القدّيسة فيروز الرائع.وثانياً، لا أعتقد أن هذا البيت بما يستدعيه من انفعالات يشكل اقتباسا مناسبا لوصف علاقة بين طرفين تتراوح بين قطب الإخصاب وقطب الإخصاء ولها مدلولات نفسية وتاريخية وثقافية جدّية وضخمة.


    د. متعب يقع في خطأ ستراتيجي فادح


    وقد وقع د. متعب في الخطأ الستراتيجي نفسه الذي وقع فيه ناجح حين اعتمد على قراءة حكاية الأخوين الفرعونية كما وردت في كتاب (أساطير من الشرق) للكاتب المصري "سليمان مظهر" (7)، فتراه ينقل بعض المقاطع باللغة التعبيرية الأدبية والشعرية التي استخدمها سليمان مظهر، وهي ليست لغة الحكاية ألأصلية، فقد تلاعب بها سليمان كما يقول هو نفسه في المقدّمة :
    (وقد أخذتُ على عاتقي في هذا الكتاب تقديم بعض اساطير الشرق، بعد إخراجها من الطابع المتزمّت وتبسيطها وتقديمها في صورة حيّة، سهلة التناول، تطربُ لها نفوس القارئين- ص 11)(8).


    ما أهمية هذه الملاحظة؟


    وما هي مصادر الحكاية؟


    إن لها أهمية كبرى، تكمن في أن متعب لم يكلّف نفسه العودة إلى الحكاية في مضانّها الأصلية ليس باللغة الهيروغليفية طبعاً، ولكن باللغة الإنكليزية – مثلاً - التي تُرجم إليها الأصل (وهو متمكن من هذه اللغة)، وكذلك ناجح المعموري، واكتفى الإثنان بالإعتماد على إخراج أدبي للأسطورة يُراد منه تبسيطها وجعلها محبّبة إلى نفوس القارئين لكي تطرب لها نفوسهم كما قال سليمان مظهر، ونسيا أن إعادة الصياغة شعرياً تدمّر الأسطورة والحكاية الخرافية لأن تغيير مفردة واحدة يكفي لقلب معنى الأسطورة والحكاية رأساً على عقب كما سنرى عبر عشرات الأمثلة المُقبلة. بل أن كل أخطاء متعب وناجح في التأويل ناجم عن عدم رجوعهما إلى النص الأصلي للأسطورة والحكاية، واكتفائهما بنسخة كتبها كاتب معاصر في القرن العشرين – بعد أكثر من 30 قرناً !! – وبأسلوبه الشخصي ليطرب قلوب القرّاء كما يقول!!


    مثلا ؛ يذكر متعب وناجح أن اسمي الأخوين هو: أنوبو وبايتي اعتمادا على سليمان مظهر، وهذا موجود في إحدى نسخ الحكاية، ولكن المتعارف عليه بين الباحثين هو أنهما : أنبو (أو أنوبو في مصادر أقل)، وباتا (Anpu and Bata) كما ورد في النص الأصلي بترجمته الإنكليزية في المتحف البريطاني التي سأرفقها في الختام، كما ذُكر اسم باتا بهذه الصيغة في كتاب (أساطير العالم القديم) الذي أشرف عليه وحرّره (صموئيل نوح كريمر). واسم أنوبو هو الإسم الأصلي للإسم المقدّس الذي تحوّل على ايدي اليونان والرومان إلى "أنوبيس". أمّا بالنسبة لـ "باتا" فهناك أسماء لإله قديم جدّاً يُصوّر برأسي ثور هي : بيْتي وبْتي وبوتي، وقد عرف اليونان هذه السلطة الميثولوجية بأسماء : باتي وبوتي وبايتي – ص 158 هامش 3) (9).


    وما أقصده من هذه الملاحظة هو أن الباحث - حين يكون "آثارياً ثقة" - عليه أن يعود لمراجعة الإسماء والألقاب – للآلهة والأشخاص - وأسماء الأماكن في ترجمات نسخ أي حكاية يتصدّى لتحليلها وتأويلها.


    وهذه الحكاية كان من السهل الرجوع إليها في مصادرها الأصلية، لأنها – وهذه حالة استثنائية – بنسخة واحدة على البردي، وليست بنسخ متعدّدة كما هو حال الكثير من الأساطير المصرية القديمة، كما يقول سير "فلندرز بيتري" في كتابه:


    حكايات مصريّة – مترجمة من أوراق البردي – السلسلة الثانية : الأسرة الثامنة عشرة إلى التاسعة عشر - Egyptian Tales, Translated from the Papyri: Second series, XVIIIth to XIXth dynasty


    الذي اعتمدتُ عليه في دراسة الحكاية باللغة الإنكليزية. وقد طُبع هذا الكتاب أول مرة في عام 1895 وطُبع ثانية عام 1913، ثم طُبع أخيراً في عام 2013 حيث يُباع الآن في موقع أمازون للكتب، ولكن نسخة أصلية منه موجودة في موقع Project Gutenberg ويمكن تحميلها مجاناً.


    ولم أكتف بالإعتماد على كتاب السيّد بيتري، بالرغم من أنّه الأكثر دقة وأهمية حيث يقول بيتري أن السيّد "كريفيث" الذي ترجم الحكاية قام بترجمتها كلمة مقابل كلمة، وأنه – أي بيتري – لم يتدخل عند تحريرها إلّا بحدود بسيطة جداً، ولكن اعتمدتُ على كتاب لا يقل شهرة ودقّة عنه، وهو كتاب الباحث الشهير المختصّ بالمصريّات، سير "غاستون ماسبيرو – Gaston Maspero " :
    حكايات شعبيّة من مصر القديمة – Popular Stories from Ancient Egypt
    الذي صدر في الولايات المتحدة وبريطانيا في وقت واحد عام 1915. ثم أعيد إصداره في البلدين نفسيهما عام 2002. وهناك – أيضاً – نسخ أصلية منه يمكن تحميلها وقراءتها مجاناً. وقد صدر هذا الكتاب باللغة العربية عام 2008 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ولكن تحت عنوان "حكايات شعبيّة فرعونية"، وقامت بترجمته "فاطمة عبد الله محمود"، وراجعه د. ماهر محمود طه.


    كما اعتمدتُ، أيضاً، على نسخة الحكاية المُترجمة في كتاب "دوناد مكنزي" : Egyptian Myth and Legend by Donald Mackenzie (1907)- Gresham puplication – London

  6. #6
    ليلة تسليم جلجامش لليهود (٣)


    الأحد ٢٣ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٦، بقلم حسين سرمك حسن


    فضح مغالطات التناص بين الفكر العراقي القديم والفكر التوراتي


    سليمان مظهر يورّط ناجح المعموري و د.متعب مناف:


    ويقول متعب واصفا ردّ فعل زوجة الأخ الأكبر (أنبو) بعد أن لم يستجب لإغوائها الأخ الاصغر باتا:
    (.. واستفز الشهوة الى تلطخ وجه صاحبتها بالطين والدم والجروح - ص 19) (10) (وأؤكد على أنني أنقل العبارات بأخطائها الطباعية واللغوية).


    ولو عدتَ، سيّدي القارىء، إلى النص الأصلي فلن تجد لا طين ولا دم ولا جروح ولا تلطيخ وجه، فهذه إضافات أدبية من عنديات سليمان مظهر الذي لا يتحمل أي مسؤولية في هذا الجانب، لأنه نبّه قارئه في مقدّمة كتابه إلى أنه أعاد صياغة الحكاية كي تطرب لها نفس القرّاء. والمشكلة ليست عند متعب مناف في هذا الموقف، بل عند ناجح الذي اعتاد على أن يجعل من كل حبّة قبّة، ويؤول كل كلمة إلى مخزون ذي دلالات رهيبة من المعاني الأسطورية (الجنسية خصوصا) والفلسفية واللغوية والنفسية، فتراه يأخذ كلمة ذكرها سليمان مظهر من عندياته وغير موجودة في النص الأصلي، ويبني عليها عمارات من التحليلات. والآن يظهر لنا أن ما تحمله من تعب وعناء كانا بلا سبب لأنّ الكلمة غير موجودة أصلاً.


    مثال رقم (1):


    يقول الأستاذ ناجح:
    (رفعت المرأة عينها إلى الفتى.. كان رائعا قويا كواحد من الآلهة - ص 59) (11).
    ويمهّد لاستثمار هذه الحركة ؛ حركة عين المرأة، أسطوريا ونفسيا، بالقول، وبحماسة:
    (العين فاتحة الجسد وكاشفة شبقه، وهي المرسلة شفرات المحبة وإشارات الوله والجنون وهي فاضحة للمرأة أكثر من الرجل، لأنها – المرأة – ملزمة بالصمت ولا تعرف كلاما غير الإشارات / والشفرات التي تبثها، والعين أقدر من غيرها من أجزاء الجسم في إرسال رسائل الود والحب إلى الآخر-ص 5) (12).


    ولا يستطيع ناجح تفويت حركة هذه المرأة بـ "عينها"، فيواصل كشف دلالات حركة العين هذه بالقول:


    (إنها تستعين بعينها وما يساعدها من أعضاء على الإرسال، لأنها محجوبة عن حيز كبير من اللغة، وليس لها سوى بعض اللغة مثلما ليس لها سوى بعض العمر وبعض الحياة وهناك من اللغة ومن الحياة ما هو ليس من حاجات المرأة ولا من ضرورياتها - ص 60) (13).
    ثم يواصل – تأسيسا على هذه الحركة ؛ حركة عين المرأة: (ورفعت المرأة عينها إلى الفتى ) فيبيّن كيف أن (العاشق يرى ما لا يراه غيره من الناس.. إنه يرى محاجر عيون لا نراها نحن.. وهو يرى محاجر العيون تحديدا - ص 60) (14) !!


    ولكن هذا الشرح الطويل العريض الذي أقامه ناجح على أساس حركة (ورفعت المرأة عينها إلى الفتى)، هو وصف أدبي من ابتكار سليمان مظهر وغير موجود في نص الحكاية الأسطورية الأصلي !! أي أن ناجح يشرح ويفسّر شيئاً غير موجود في الأسطورة، وهو شيء بينه وبين سليمان مظهر إذا جاز التعبير.


    ملاحظة مهمة:


    لن اقوم بترجمة النصوص الإنكليزية لأنها من وجهة نظري بسيطة وواضحة للقرّاء المهتمّين بهذا المجال إلّا في حالات سأبيّن أسبابها في الموضع المناسب.


    مثال رقم (2):


    يقول ناجح أيضاً:
    (وأحسّت المرأة كأن في أعصابها النار، وفي جسدها فحيح الأفعى – ص 61) (16).
    وينطلق كعادته، متحمّسا أيضاً، في فكّ أسرار هذه العبارة، خصوصا أنها تتعلّق بالأفعى، وهي فرصة كبيرة بالنسبة له، فيقول:


    (في النص وضوح للحظة الإغراء الأولى ودور الأفعى في ذلك هذا الدور المرتحل إلى الأنوثة، صار من خاصياتها التي عرفت بها. ومنذ لحظة الخطيئة الأولى التي وقع وزرها على المرأة حصل تناظر بين المرأة والأفعى التي تحولت في الحضارات الأمومية إلى رمز للألوهية وصارت علامة تتناوب مع الأم الكبرى في الفنون التشكيلية والعبادات في الشرق الأدنى القديم ولا يمكن العزل بين الآلهة انانا / عشتار – مثلا – والأفعى، إنها رمزها ودالها الفكري المعروف – ص 61 و62) (17).
    ثمّ ينطلق ناجح ليقدّم أدلة مُضافة عن دلالات الأفعى الرمزية: الخلودية والجنسية والخصبية، وعلى مدى ثلاث صفحات (ص 62 و63 و64) مستعينا باقتباسات طويلة من ثلاثة باحثين هم:


    - فراس السواح (من كتابه المعروف: لغز عشتار)
    - عبد الله الغذامي (من كتابه: ثقافة الوهم)
    - وابراهيم محمود (من كتابه: اللغة المحظورة)


    ليعرض علينا كيف أن الأفعى مرتبطة بالمرأة وبالدورة القمرية، وكيف أن حية الأم الكبرى تشير إلى خصائص عشتار القمرية ؛ حديث طويل لكن لا رابط له ولا صلة بالحكاية موضوعة النقاش.. لماذا؟


    لأن الحكاية لا يوجد فيها أي ذكر للأفعى على الإطلاق، وهي إضافة من سليمان مظهر. والقاريء ليس مسؤولا عن اعتماد باحث لا يعرف النسخة الأصلية من الأسطورة التي يحلّلها، ويعتمد على نسخة أدبية منها كتبها مؤلف من القرن العشرين، على الرغم من أن متعب مناف وصفه بأنه من "الآثاريين الثقاة"!


    وفي تفسيره المطوّل الذي لا سند له في الحكاية عن الأفعى يقول ناجح إن (البنية الذهنية البطرياركية مدركة تماما لما حصل في الحكاية واعتمدت كليا على قدراتها اللغوية لتاسيس وتكريس خطابها الثقافي ضد الأنوثة لأن الثقافة سلطة أولا وكل سلطة – مهما كانت – تسعى إلى بناء نفسها وتحصين قوتها.. واندفاع الخطاب الثقافي الضدي للتذكير بلحظة الخطيئة الأولى، هو دعوة لتكريس العلاقة الثقافية / الاجتماعية بين الأنوثة والأفعى، لأنهما يلتقيان بعناصر عديدة مشتركة- ص 63) (18).


    أي أن الثقافة الذكورية الأبوية هي التي تسعى دائما للتذكير بأنّ الأنثى هي أفعى، وتحديدا أفعى الخطيئة. جيّد. عندما يُقحم سليمان مظهر، وبعده ناجح المعموري، موضوعة الأفعى في نص حكاية خالٍ منها، ويقدّم الباحث شرحا طويلا عن دلالات الأفعى الإيجابية والسلبية، والحكاية منها براء، ألا يساهم هذا – حتى لو بالغفلة وحسن النية والحماسة – في تعزيز الجهود البطرياركية المسمومة لتشويه الأنوثة من باحث يحاول كشف واستعادة الدور الإخصابي العظيم للسلطة الأمومية ؟


    ولكن ما هو أهم من ذلك هو أن هذه الجولة الطويلة التي قام بها ناجح مع الأفعى منذ فجر الخليقة، لا صلة لها بالحكاية أبداً، لأنها غير موجودة أصلا فيها، وأضافها سليمان مظهر بفعل صياغته الأدبية لها.


    ولكي نتأكد من أنّه لا توجد حركة رفع عين – من جديد - ولا فحيح أفعى في النص الأصلي للحكاية،


    وهذا المقبوس – ومعه المقبوس السابق – من الحكاية، يحكي الوقائع من دخول الأخ الأصغر باتي على زوجة أخيه التي كانت تمشّط شعرها، ومحاولة إغوائها له حين شاهدت جسده القوي وهو يحمل ما مجموعه 276 كيلوغراماً بحساباتنا الحاضرة كما يقول "ماسبيرو"، ثم خروجه غاضبا (كنمر من الجنوب كما يصفه كاتب الحكاية) إلى الحقل لتسليم حبوب الذرة إلى أخيه الأكبر.
    وفي نقل ناجح مقبوسات عن الباحثين الآخرين تشعر بأنه يستميت ليلتقط أي شيء فيه عين أو أفعى ويلصقه بحديثه من دون تدقيق.


    مثال رقم (3):


    مثلا – وسوف اذكر أمثلة أخر في سياق الحديث – نقل ناجح اقتباسا عن عبد الله الغذامي الذي ستكون لنا معه وقفة مستقلة ؛ الغذامي الذي يصول ويجول بمفاهيم خاطئة أغلبها مُترجم لا يحاسبه عليها أحد لأننا ثقافة معصوبة مهزومة تطبّل وتهلهل لبريق كلّ مصطلح دخيل، ولا تركن إلى التمحيص العقلي الدقيق – يقول فيه:


    (العاشق يرى ما لا يراه غيره من الناس.. إنه يرى محاجر عيون لا نراها نحن.. وهو يرى محاجر العيون تحديدا - ص 60) (20).


    وهذا الإقتباس مأخوذ من كتاب (ثقافة الوهم) لعبد الله الغذامي (ص 164 تحديدا). ومنه يبدو أن الغذامي – ويتبعه ناجح بالضرورة - لا يعرف تعريف محجر العين ولا مكوّنات العين التشريحية تحديداً. فمحجر العين أيها الأخوة القرّاء هو:


    (جزءٌ من التجويف الجمجمي الذي تستقر العين بداخله. وتتكوّن من عظم الخد (العظم الوجني) cheekbone، والجبهة forehead، والعظم الصدغي Temple، وجانب الأنف. وتكون العين مستقرّة ومسنودة داخل محجر العين بواسطة وسادة من الدهون. وبذلك يوفر محجر العين حماية كاملة للعين من أي صدمات أو ضرر) (21).


    فهل هناك تلفيق أكثر من هذا الذي يعتبر العاشق يرى المحاجر العظميّة الفارغة داخل الجمجمة؟!


    تعبيرات عشوائية لا معنى لها، يمرّرونها في رؤوس القرّاء العرب المساكين الذين لا يحرّك عقولهم حتى الضحك عليها، ويبتلعون المصطلحات والتعابير الطنانة لأنّها طنّانة.


    عندما قام باتا بتوبيخ زوجة أخيه بشدّة على محاولتها إغوائه، وذكّرها بأنها مثل أمّه، مثلما أن أخاه الأكبر أنبو مثل أبيه، قرّرت الزوجة الإيقاع به وتأليب زوجها / أخيه عليه. ناجح نقل عن سليمان مظهر أنها قامت بتلطيخ جسمها بالطين وخدشت ذراعيها وكفيها لتوهم زوجها - إذ يعود - بأنها آثار معركة عامرة بالمقاومة، عندما حاول أخوه اغتصابها - ص 37) (22) .


    وهنا يطلع علينا ناجح بتحليل من النادر أن يفكر فيه قارىء وهو أنّ هناك هدف مُضاف لدى الزوجة من تعفير جسدها بالطين غير هدف تأليب زوجها على أخيه، وهو:


    (إن تلطيخ جسدها بالطين لم يكن علامة الحزن والسلب كما كان عند العراقيين القدماء في الحضارة السومرية / الأكدية في وقت بكاء الإله دوموزي / تموز وقت نزوله للعالم الأسفل، وإنما كان ذلك في مستواه النفسي العميق، محاولة الإستعانة بالطين البارد للتقليل من شهوة الجسد الثائر، وترطيبه وإنقاذه من النار المشتعلة فيه، نار الشهوة والغضب والحقد في آن. أمّا خدش الذراعين، فإنها توميء في الطبقات العميقة على آثار لذّية لحظتها يمارس الفحل البطرياركي فحولته في إرواء وإطفاء شبق الجسد الأنثوي - ص 66) (23).


    ولا أعلم عن أي فحل بطرياركي يطفيء شبق الجسد يتحدث ناجح ؟! فباتا أهان الزوجة الخائنة وخرج، والزوج أنبو غير موجود. أعود للتأكيد على العثرات التأويلية الجسيمة التي يسببها القفز فوق "سياق" النصّ ؛ أيّ نص. في حالة عدم التمسك بسياق كل حالة نصبح في حال كمن يرى أن كل شيء يصلح لأي شيء، ويساوي أي شيء، وبأي تأويل. وهذا ما يميّز تأويلات ناجح هنا: القفز من مكان لآخر، والإنتقاء من كل كتاب مقطعا أو فكرة. استمع إليه وهو يواصل التحليل:
    (وهي من علامات تلك اللحظة الغائبة عن الوعي لأن الإثنين ملتحمين معا في أتون الجسد، وترقّب الإنطفاء الشهوي بسقوط ماء الرجولة / ماء القلب كما أطلق عليه السومريون - ص 66) (24).


    فعن أي اثنين ملتحمين معاُ يتحدّث ناجح ؟ هل هما باتا وزوجة أخيه اللذين تشاجرا وافترقا؟ وعن أي ماء رجولة يتكلم ؟ هل هناك اتصال جنسي جرى من وراء ظهورنا ؟
    المهم أنّ لا ناجح المعموري، ولا متعب مناف، ولا سليمان مظهر قبلهما، سأل نفسه:
    من أين جاء الطين ؟ وهل هجم عليها باتا في ساحة من الطين أم في غرفة نومها المرتبة والنظيفة، وهي غرفة نوم الزوج مالك الأرض المرفّه كما تخبرنا الحكاية ؟!


    وفوق ذلك كلّه لا يوجد مثل هذا الحادث في الحكاية الأصلية، والمشهد كلّه من اختراع سليمان مظهر !! فليس في النص الأصلي سوى تعبير أن الزوجة أخذت كمّية كبيرة من الشحم، فبدت وكأنها قد ضُربت بعنف (يعني لا طين ولا لذّة خفيّة.. فقط ضرب شديد لتوجيه التهمة إلى باتا ). ويفسر "ماسبيرو" تصرّف الزوجة بدهن جسمها بالشحم بأنه لغرض منح الجلد بريقاُ واحمراراً يوحي بالضرب الشديد ويدل على وجود كدمات في الجسم.


    وإليك أيها القارىء المشهد من النص الأصلي باللغة الإنكليزية حيث يدخل أنبو البيت فلا تقدّم له زوجته الماء كما اعتاد، ولم تسبقه بالنور كما تعوّدت (تركتْ البيت مظلماً)، بل كانت ممدّدة على سريرها وعلى جسدها آثار (ضرب) شديد، وهي تحدّث زوجها عن سلوك أخيه الأصغر الشائن الذي حاول أن يغتصبها:


    وعندما يستمع أنبو لشكوى زوجته تشتعل أعصابه ويسحب خنجره. هنا يعتبر ناجح الخنجر رمزا لـ "القضيب". وهذا ما يُتفق عليه في التحليل النفسي لكن ضمن أي "سياق" يا تُرى ؟ ولأجل اي وظيفة ؟ ونحو أي غاية ؟


    لقد استل أنبو خنجره لأنه يبغي قتل باتا الذي أوهمته زوجته بأنه حاول الإعتداء عليها. وحين لا يكون لدى أنبو خنجر جيّد مشحوذ فإنه لن يستطيع قتل باتا بقضيبه، أليس كذلك ؟ كما أنه يستطيع قتله بخنجر متوسّط حين يكون قضيبه صغيرا أو يكون فاقدا للقدرة على الإنتصاب. كما أنه من الممكن أن لا يستطيع قتل باتا بخنجر كبير مسنون، إذا كان باتا أمهر منه في القتال، حتى لو كان قضيبه ضخما. ما أريد التأكيد عليه من هذه المماحكات الضرورية هو "السياق" الذي يضاف إليه – بصورة طبيعية هنا - ما يُسمّى بـ "الحقل الرمزي – symbolic field" الذي تنتعش في تربته وتحت ظلاله الدلالات الرمزية. والسياق والحقل هنا يشير إلى أن خنجر أنبو ما هو إلّا أداة حادّة لقتل باتا، وأنّ لا مجال للتفكير بمعانيه الرمزية القضيبية. لأننا لو ربطنا الخنجر بقوة أنبو الجنسية الضعيفة – كما وصفها ناجح وكما تشير دلائل الحكاية – فإن الضعف الذكوري سوف يُضعف روح المقاتلة لدى أنبو، قياسا إلى باتا، ولكنه أداة للتعويض، مثل الجبان الذي يربّي شاربين كثيفين جدا على طريقة (شِفت شواربه وتغزّلت بيه) كما تشير الحكمة الشعبية الباهرة. ولكن هذا التعويض ليس في مبارزة، بل في حالة السلم، حين يحمله أنبو في حزامه، ويتفاخر به، ويُنشيء الأقاصيص حول معجزاته. لاحظ التخريج المنقول الذي يطرحه ناجح:


    (الخنجر علامة على حيوية فحولة الزوج وطاقته المتدفّقة (أنبو حسب ناجح عاجز وليس لديه طاقة متدفّقة فيناقض نفسه – الناقد) وهو إشارة واضحة على الإستعلاء الذكوري، واقتدار على ممارسة فعل الجنس. فالخنجر / القضيب رمز مناظر للفحولة وأحدهما ينوب عن الآخر ومع رموز قضيبية كثيرة - ص 67) (26).


    ولا أعلم كيف ينوب الخنجر عن القضيب حسب رأي ناجح. هل شاهدنا رجلا يذبح رجلا آخر ويقطع رأسه بقضيبه، أم رجلا يجامع امرأة بالخنجر ؟!!


    إن الخنجر ينوب مناب القضيب (يخترق ويذبح ويجرح) ويرمز له في “الحقول الرمزية” أيّها السادة، مثل الأحلام (النوم واليقظة)، والفن، والأعراض العصابية. ثم لاحظ، أيّها القارىء، كيف أن الحكاية نفسها هي التي تفسّر الأمر بصورة معقولة حين تقول أن الأخ الأكبر حين سمع شكوى زوجته أصبح مثل فهد الجنوب (مصر الجنوبية) وشحذ خنجره (والمترجم يترجمها على أنها سكين – knife، وليست خنجراً – dagger!!)، ووقف خلف باب الإسطبل (الزريبة) لكي يذبح أخاه عندما يعود من الحقل مساءً جالباً مواشيه.


    والغريب هو أن ناجح قد قرأ تأويل القصة هذه في كتاب (البطل في الأدب والأساطير) للراحل الدكتور شكري محمد عياد، ولاحظ أن شكري قال بأن الأخ الأكبر قد شحذ (رمحه)، وليس خنجره، فتابع معي كيف يفسّر ناجح رمز الرمح هذا:


    (وإذا اعتمدنا على الرمح – الذي ذكره الأستاذ شكري محمد عياد كنموذج للسلاح الذي استعمله أنوبو في منازلة أخيه المرتقبة فإن القراءة التأويلية له لا تختلف أبدا وإنما يكون الرمح – أيضا – رمزا قضيبيا ينتهي بحشفة شبيهه بحشفة القضيب. ولقد كشف النقاب عن رموز قضيبية على نطاق واسع في اليابان القديمة، كما هو الحال في الصين والهند وأفريقيا وبلدان أخر كثيرة، رغم أنه غالبا ما تظهر اليوم على نحو مموّه أو في اشكال تجريدية ففي الأسطورة القديمة إن شكل الرمح المرصع يشبه [العمود – القضيب الذكري] وهذا العمود الذي ينتهي بكتلة كبيرة تشبه حشفة القضيب - ص 68) (28).


    وفعلا فقد استُخدم الرمح في بعض الحضارات القديمة كرمز للخصب وكمكافيء للقضيب، ولكن ما هي الظروف السياقية التي تجعلنا نقول إن الأخ الأكبر قد سحب رمحه لأنه يريد عرض قوّته القضيبية أمام زوجته وأخيه الأصغر ؟ وكيف سنثبت أنه لم يسحبه و"يبُرْدَه" لغرض قتل أخيه من دون تداعيات قضيبية ؟ ثمّ أن الإنسان من قبل 5 ملايين سنة - كما تشير الدراسات - قد صنع نوعين من الرماح:


    - نوع للرمي عن بعد، وهو الذي يكون دقيقا ورفيعا ومدبّبا لكي يشق الهواء، -ونوع للضرب، ويكون غليظا وصلبا جدا (أشبه بهراوة طويلة) (29).


    فإذا كان أحد النوعين له حشفة، فلماذا صنع نوعا بلا حشفة، إذا كان المرجع الرمزي واحداً ؟ ثمّ لماذا ننسى حقيقة فيزيائية عرفها الإنسان القديم بالتجربة والخبرة المتراكمة وهي ضرورة وضع "ثقل" في نهاية الرمح كي يصل هدفه، ويصيبه بنهايته، ولا يتقلّب في الهواء ويسقط (في القرن العشرين قام مجرمو الولايات المتحدة الأمريكية بتثقيل رؤوس صواريخ كروز باليورانيوم المنضّب لكي لا يؤثر الهواء على مسيرته وهو يقطع آلاف الأميال من ناحية وليولد درجة حرارة عالية جدا تذيب الحديد وأجساد الضحاياعند الإختراق !!).
    وعندما يأتي الأخ الأصغر باتا إلى البيت مساءً، يُدخل أبقاره إلى الزريبة فتقول البقرة الأولى لراعيها باتا:


    (أخوك الأكبر يقف ممسكا خنجره ليقتلك. أهرب من أمامه)


    فسمع ما قالته البقرة الأولى. ثم دخلت البقرة الثانية، وقالت الشيء نفسه، فنظر باتا أسفل باب الزريبة، وشاهد قدمي أخيه واقفا خلف الباب ممسكا بالخنجر، فألقى ما يحمله على الأرض، وهرب مسرعاً. وبالمناسبة يقول "ماسبيرو" إن باب البيت المصري أعلى من عتبته دائماً، ولا يصل إليها ؛ هناك فراغ بين الباب والأرضية، وهناك الكثير من الرسومات القديمة تُظهر ذلك – ص 162هامش 17) (30).


    وأن تتكّلم البقرة في الأسطورة فهي ظاهرة عاديّة جدا، حيث تقوم نظرة الإنسان الأسطوري على أن "جوهر" الموجودات من بشر وحيوان وجماد هو جوهر واحد، وأن جميع مكوّنات هذا الكون "تتراسل" وتتفاهم فيما بينها. ولكن من المؤكّد أن البقرة المصريّة خارج الأسطورة وفي الحياة اليومية لم تكن تتحدّث في المقهى أو تغني في الحمّام. الأسطورة نظام خاص له اشتراطاته الخاصّة. ففيها يتكلم الحجر والبقر.. وتبكي الشجرة.. وتنوح السنابل كما هو الحال لدى ورثتها من الشعراء. لكن ناجح ينطلق وبحماسة ليشرح لنا كيف أن البقرة هي رمز للإلهة الأم في الحضارات القديمة، وعناصر للإنجاب والخصوبة حتى لحظة الصراع العنيف مع السلطة البطرياركية الذكورية... وكون ننسون أم جلجامش توصف بالبقرة الوحشية.. ثم اختفاء البقرة وظهور الثور السماوي.. وكيف ظهر الإله الإبن وأخذ عن أمّه صفاتها القمرية فصار يُرمز له بالثور الوحشي... و..و..و.. والكثير من الإقتباسات والشروحات عبر ثلاث صفحات ونصف (من ص 68 إلى ص 71 داخلة) !! وكل ذلك لأن بقرة باتا قالت له إحذر أخوك خلف الباب!!


    وأنا لا أنقل هنا حالة استثنائية مرتبطة بهذه الحكاية أو بهذا الكتاب، بل هي قاعدة في أسلوبية ناجح وطريقته البحثية في كل الحالات وكل كتبه.


    ملاحظة مهمة:


    في الإقتباس من التوراة سوف أعتمد على نسخة الكتاب المقدّس بترجمة الآباء اليسوعيين، والصادرة في بيروت عن دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط، عام 1983.





  7. #7
    ليلة تسليم جلجامش لليهود (٤)


    الأربعاء ٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٦، بقلم حسين سرمك حسن


    تشابهات مُفتعلة بين باتا وأنكيدو وآدم:


    وهناك معضلة أو ظاهرة التشابهات التي يلتقطها ناجح، ويؤسسها بسرعة غريبة ومن دون قرائن موضوعيّة. فكلّ جهتين تتشاركان في سمة معينة أو مظهر محدّد يعتبرهما ناجح متطابقتين أو هما تعكسان قيمة مشتركة أو غاية واحدة. وهذا شيء غريب جدا لا تسنده حتى مباديء المنطق الأولية منذ أيام أرسطو. خذ على سبيل المثال موقفه من الصفات التي رأتها الزوجة في جسد باتا. لقد رأته رائعا قويا كواحد من الآلهة تطلّ من كلّ جزء من جسده فتوة الشباب وعنفوانه (أعود للتأكيد على أن هذا الموقف غير موجود في النص الأصلي للحكاية ومن صياغات سليمان مظهر الأدبية)، وهذه الصفات – وكما يقول ناجح – ليست جديدة:


    (وهي صفات الألوهة، بشخصيّة انكيدو في ملحمة جلجامش والتي خلقته الآلهة الأم الأكدية، أورور، وكان واسع الفهم وجميلا كالاله وتلك صفة الملك جلجامش وقد صعدت هذه الصفات وارتحلت لتستقر في الخطاب التوراتي / سفر التكوين حيث آدم كان إلهاً أيضاً - ص 61) (31).
    لننته من حقيقة سريعة ومباشرة:


    هل آدم في التوراة كان إلهاً كما يقول ناجح؟ إذن اين سيكون محل الله خالقه؟ حتى اليهود لا يرضون بهذا التخريج.


    ولاحظ – الآن - التناقضات والإرتباكات، فمن يقرأ هذا المقطع لأول مرّة، وبلا خلفية ثقافية مميّزة عن الموروث الأسطوري في المنطقة، سوف يعتقد أن باتا هو امتداد طبيعي لأنكيدو، ثم لجلجامش، فآدم التوراتي، حيث يرى ناجح أن باتا هو صاحب نفس السمات الإلهية التي يتمتع بها أنكيدو وجلجامش وآدم التوراتي. وهذه خلطة عجيبة. فإذا قلنا أن ناجح المعموري لديه عينان سوداوان وأنف عريض والممثل الأمريكي "دنزل واشنطن" له عينان سوداوان وأنف عريض فما هي النتيجة؟ وما الذي سيترسخ في ذهن القاريء حين نقول أن سمات ناجح المعموري هي نفس سمات دنزل واشنطن؟!


    ما يقوله النص الأصلي هو أنّ باتا كان يقوم بكل شيء في الحقل بدلاً من أخيه، يحرث ويبذر ويحصد الذرة، ويرعى الماشية، وحتى يخبز الخبز (وهو واجب امرأة أخيه!)، فصار عاملا ممتازا، لا وجود لنظيره في كل الأرض، وكأن روح إله في داخله.


    فهل باتا يشبه أنكيدو وجلجامش وآدم التوراتي لأن الجميع يتشاركون بسمات إلهية؟!
    لنأخذ أنكيدو مثلا: لقد خلقته الآلهة، ورمته في البرّية، في حين أن باتا جاء من أم وأب معروفين، ويسكن في بيت محدّد، عاش أنكيدو متوحشا مع الحيوانات في حين عاش باتا في مدينة وبيت ويعمل في حقل ويرعى الحيوانات. خُلق أنكيدو ليكون غريما لجلجامش.. تحضّر على يدي البغي.. تقاتل مع جلجامش: صار صديقه وخلّه.. أغضب الآلهة وقتل الثور السماوي مع جلجامش.. قتل خمبابا في غابات الأرز مع جلجامش.. وهناك أكثر من 35 اختلاف أخر بين باتا وأنكيدو، فهل يكفي تشابههما في البنية الجسدية "الإلهية" للقول أن هناك – حتى أي قدر من التشابه – بينهما؟! ونفس الأمر يُقال عن باتا وجلجامش، وعن باتا وآدم التوراتي.. وعن جلجامش وآدم التوراتي.


    وفي الموقف من آدم التوراتي تسرّع من ناجح وعدم تروٍّ. فلو قرأ ناجح التوراة بدقّة وهدوء، وبلا حماسة، لأمسكَ بالتناقضات الفادحة في طريقة خلق آدم والسمات التي يحملها. ففي سفر التكوين هناك تسلسلان مختلفان يخلق بهما الله آدم وباقي المخلوقات. الأول هو كالتالي:
    (“وقال الله نصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا، وليتسلط على سمك البحر وطير السماء والبهائم وجميع الأرض وكل الدبابات الدابة على الأرض. فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم) (سفر التكوين 1: 27-28).


    دقّق في النص السابق، لقد خلق الله الذكر والأنثى على صورته، وليس آدم فقط (ولم يذكر اسمه بأنه آدم أبدا).


    فلماذا لا يكون باتا مشابها للأنثى (حوّاء) التوراتية التي خلقها الله على صورته أيضاً، وحيث سينقلب التأويل جذريّاً بدخول قيم الإلهة الأم (المتريركية التي يدافع عنها ناجح) على خط الحكاية؟!


    أما التسلسل التوراتي الثاني فهو:


    (وكل شجر البرية لم يكن بعدُ في الأرض، وكل عشب البرية لم ينبت بعد، لأن الربّ الإله لم يكن قد أمطر بعدُ على الأرض، ولم يكن إنسان ليحرث الأرض. وكان يصعد منها بخار فيسقي جميع وجهها. وإنّ الربّ الإله جبلَ الإنسان تراباً من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حيّة) (سفر التكوين 2: 6-7-8).


    وفي هذا الموقف لا تعني هذه الطريقة في الخلق أن آدم جاء على صورة الله، بل خُلق كـ "إنسان". فانظر ما الذي تُحدثه التحليلات المبتسرة والإنطباعات السريعة من ارتباكات واستنتاجات خاطئة!


    # بعد تحذير البقرات الثلاث، يهرب باتا من أخيه الذي يلحقه كي يقتله بخنجره (وليس بقضيبه)، فيبدأ الأخ الأصغر بالبكاء والإستغاثة بالإله "رع – حورأختي" قائلا:


    (يا إلهي الطيّب الذي يفصل بين الخير والشر).


    فنهض الإله رع واستمع لبكائه كلّه، وخلق نهرا بينه وبين أخيه الأكبر، مملوءاً بالتماسيح، فأصبح كلّ أخٍ على ضفة، وفرك الأخ الأكبر يديه مرّتين (وهي حركة يقوم بها المصريون حتى يومنا هذا للتعبير عن عدم الظفر بشيء مرجوّ) لأنّه لم يقتل أخاه. ونادى الأخ الأصغر على أخيه الأكبر بأن ابق حتى الفجر حيث ينهض الإله رع ليحكم بيني وبينك ويفصل بين الخير والشر. المهم أن ناجح يقول:


    (بالإمكان قراءة الدور الذي قام به الإله رع حورس قراءة أعمق تؤشّر التناص الكامن في الحكاية مع اسطورة الاله الشاب حورس الذي خاض صراعا مريرا مع أخيه الشرير "ست" والذي انتصر فيه مؤخراً وصار الاله حورس انموذجا للاله الابن القتيل المتوازي مع عدد من الإلهة الشابة القتيلة) (ص 72) (33).


    لكن من قال إن الإله الشاب حورس هو أخو الإله الشرير "ست"؟!


    صحيح أن هناك إشارات أسطورية تشير إلى أن ست وحورس كانا شقيقين، لكن الشائع والمتداول في أغلب البحوث والدراسات هو إن الإله "ست" هو عمّ الإله "حورس" الذي هو شقيق أبيه "أوزوريس" الذي كان هو ممثل أنموذج الإله الشاب القتيل في الديانة الاسطورية المصرية وذلك حين قتله أخوه الشرير الإله "ست" وقطّع جسمه إلى أربع عشرة قطعة (أو أكثر حسب المصادر) نثرها في أنحاء البلاد، لكن زوجته وأخته "إيزيس"، ربّة القمر لدى المصريين، قامت بجمع أجزائه ومجامعته ليولد حورس الذي قام بأخذ ثأر أبيه، لذلك يُسمّى الأخير، أيضا، "حورس حامي أبيه". ويُرمز لحورس بصقر أو آدمي برأس صقر، ورع بالشمس، واسمه في هذه الحكاية "رع – حورأختي" حيث اعتقد قدماء المصريين أن الشمس هي مصدر الحياة واعتبروها إلهاً واسموه "رع"، وانتشرت تلك العقيدة بصفة خاصة في شمال مصر حيث كانت مدينة أون (هليوبوليس) مقر هذه العبادة. رفع الكهنة مرتبة هذا الإله ليكون إله الكون. وفي الجنوب في إدفو انتشرت عبادة "حورس". وبعد اتحاد الوجهين الشمالي والجنوبي (ممالك الدلتا وممالك الصعيد) وحّد الكهنوت بين إلهي الشمال والجنوب في صورة الإله "رع - حوراختي" أي "حور المنتمي للأفقين الشرقي والغربي"، ويمثّل بآدمي له رأس صقر فوقه قرص الشمس.


    ولم يكن ذكر ناجح لمعلومة أن "حورس" هو أخو "ست" ناجما عن خطأ مطبعي مثلا، بل كمعلومة أصيلة حيث يكرّرها بعد سطر واحد من المقطع السابق فيقول:


    (وصار الاله حورس انموذجا للمنقذ المبكر في ديانات الشرق، بعدما واجه ملاحقة طويلة / وقاسية من قبل أخيه "ست" - ص 72) (34).


    لعنة التناص!:


    وكلّما ضاقت السبل بناجح في تأويل فعلٍ أو موقفٍ أو ظاهرةٍ معينة، يُسارع إلى القول بأنّ هذا "تناص". وقد صار التناص على أيدي نقادنا وباحثينا لعنة. بل لعنة مُرعبة جعلت كلّ شيء يشبه أي شيء.. جلجامش يشبه يوسف التوراتي.. التوراة تشبه ملحمة جلجامش.. حورس يشبه باتا.. باتا يشبه أوزوريس.. أوزوريس يشبه جلجامش. والسبب هو أنهم كلهم "متناصون".. فيا للعنة التناص هذه التي سوف تجعل ناجحا يشبه دنزل واشنطون.


    لقد أشرق مصطلح التناص وازدهر مع صعود موجة العولمة العاتية. والنقد الأوروبي الغربي عموما، والأمريكي خصوصا (أنا أعرف أن جوليا كريستيفا هي التي صاغت هذا المصطلح) يتأثر بقوّة بالتحوّلات الاجتماعية والإقنصادية والفلسفية في تلك المجتمعات. والعولمة هي التناص الكوني الماحق الذي يجب أن يصبح فيه كل شيء مُفسِّرا لأي شيء، و"يدخل" في أي شيء. فأساس ثقافة العولمة هو إلغاء مفهوم الهوية ومسح مفهوم الخصوصية، أي أن يصبح البشر "متناصّين" حدّ الإختناق، لأن أي علامة للخصوصية تعني دخول متغيّر ينقض وحدة المأكل والملبس والعطور والموضة والفيلم والبيت ووووووو.. وكل شيء مما تريده العولمة سطحا واحدا موحّدا. من هنا وقع نقادنا في مصيدة التناص، فأسهموا في جعل حسين سرمك يشبه دنزل واشنطن لمجرد أن عينيهما سوداوان وأنفيهما عريضان. وهذه كارثة. وفي ظل هذا الفهم للتناص، سوف تصبح التوراتية – كما يريد لها مفكرو اليهود الصهاينة - وريثا شرعيا للسومرية والفرعونية، لا ثقافة هجينة قامت بأفظع عملية سرقة واستيلاء ومصادرة ؛ والأهم "عملية تشويه" لذلك الموروث العظيم. وأخطر وأفظع ما سيتحقق من هذه اللعبة هو أن يصبح الكيان الصهيوني اللقيط جزءا ثقافيا "طبيعيا" من ثقافة المنطقة، وتكون جذور الصهيونية كامنة في تربة سومر وبابل، خصوصا وأن الكيان الصهيوني يعدّ نفسه لإعلان "الدولة اليهودية" التي تستهدي بالتوراة.


    أرجو أن يعذرني العزيز ناجح والسادة القرّاء فالأمر أمر مصير، ولا يحتمل المجاملات أبدا ؛ مجاملات طالت وصارت مغثية وتلعِّب النفس. في أواخر التسعينات وكانت ظروفنا صعبة جدا والحياة جحيمية في العراق بسبب حصار الأمريكان الكلاب لشعب منعوا عنه حتى أقلام الرصاص!! قال لي أحد الكتاب العراقيين وكان يشتغل في الأردن إن هناك مكتبة ودار نشر "تدفع" بصورة جيّدة لأي كتاب يُكتب عن التوراة، وخصوصا علاقتها بتراث المنطقة السومري تحديدا. ثم أصبح التوجّه الإبتدائي والمحدود هذا طوفانا، وصارت الدار دورا ومكتبات كلّها تضخ المؤلفات والمجلدات حول "تناص" الأساطير التوراتية مع الأساطير السومرية.


    لكن دعونا نلتقط أنفاسنا ونستمر في المناقشة العلمية الهادئة.


    يقول الأستاذ ناجح:


    (بالإمكان قراءة الدور الذي قام به الإله رع حورس قراءة أعمق تؤشر التناص الكامن في الحكاية مع أسطورة الاله الشاب حورس الذي خاض صراعا مريرا مع أخيه الشرير "ست" - ص 72) (35).
    ثم يشرح لنا معنى الإله حورس وكيف أنّه عمود أمّه والعون بالعربيّة (مأخوذة من "أون" المصرية) وكيف قدّم العون لباتا:


    (لقد كان رع حورس عونا للشاب "بايتي" المتوازي وإياه ببعض العناصر الخاصة بالحكاية، لأن "حورس" هيمن على مصر كلها بعد فترة الصراع الطويل مع "ست" واستجاب موضوعيا لطلب الشاب المضطهد وقدم النجدة له، وتمثل ذلك بشق نهر عريض مملوء بالتماسيح، وهنا تناظر (يقصد ناجح "تناص" طبعا) آخر وجديد مع اسطورة أوزوريس الذي ذهبت زوجته "ايزيس" للبحث عن أوصاله المبعثرة وقد استعانت بزورق مصنوع من البردي حتى تتمكن من المرور ببساطة / بسهولة عبر المستنقعات المنخفضة واشار العالم السير ولس بدج بان التمساح لن يلمس من اتخذ زورقا من البردي وسيلة للانتقال لانه كان قد حمل الإلهة "ايزيس" في يوم من الايام - ص 73 و74) (36).


    لنتساءل الآن: هل هناك تناص بين حورس وهو إله، وباتا وهو إنسان؟ حورس هيمن على مصر كلها بعد صراعه مع عمّه الشرير ست، فهل هيمن باتا على مصر كلها - عند هذا الحد من الحكاية وليس عند ختامها - بعد صراعه مع أخيه أنبو؟ (في ختام الحكاية سوف يهيمن باتا على مصر ولكن مع مفاجأة عجيبة ستقلب الطاولة على رؤوس جميع الباحثين الأسطوريين). وهل يشبه النهر المليء بالتماسيح الذي شقه الإله حورس لإنقاذ باتا من أخيه الأكبر، النهر الذي سار فيه زورق الإلهة إيزيس وهي تفتش عن أوصال زوجها الإله أوزوريس؟ هنا زوجة تفتش عن زوجها لإنقاذه وإحيائه، وهناك أخ يريد قتل أخاه!! فما هو التشابه؟.. تناص؟!


    يواصل ناجح القول:


    (وامتلاء النهر الذي شقه الاله الشاب رع حورس بالتماسيح يعني استحالة تمكن الاخ أنوبو من العبور، لأن النص لم يشر الى وجود قصب البردي في المنطقة التي كان الشاب بايتي يزرعها - ص 74) (37).


    يعني إذا توفّر في منطقة الأخوين قصب البردي، واستطاع الأخ الأكبر أنبو صنع زورق من البردي وعبر النهر، هل هذا تناص مع رحلة إيزيس؟ إلهة تقطع نهرا لإنقاذ زوجها، وإنسان يقطع نهرا لقتل أخيه، هل يتساويان ويتناصّان؟


    حسب تأويل ناجح سيتساوى فعل الإنقاذ مع فعل القتل!! أي – وانظر اهمية الفلسفة – يتساوى الإثبات مع النفي!! وهذا شيء يخالف أسس المنطق. لكن وجود زورق من البردي هنا، وزورق من البردي هناك، حسب بعض من يفهم كريستيفا، هو حركة "تناص" مباركة.





  8. #8
    ليلة تسليم جلجامش لليهود (٥)


    الأربعاء ٩ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٦، بقلم حسين سرمك حسن


    أنبو الطيّب لا يشبه الإله الشرير "ست" يا ناجح:


    يمضي الأستاذ ناجح في القول:


    (ووجدت القراءة بان التناص اكثر وضوحا بين "انوبو" و"بايتي"والاله "ست" و"اوزوريس" وقد أضفى العقل الكتابي بعض الخصائص التي تميز بها كل من "حورس" و"اوزوريس" على الشاب: بايتي" واسقط – ايضا - بعض صفات الاله الشرير "ست" على الاخ الاكبر "انوبو" ويبدو بأن "بايتي يتوازى مع الالهين "حورس" و"ازوريس" من حيث العناصر الخاصة بالالوهة الشابة "حورس" والذي كان ملاحقا – ايضا – من قبل الشرير "ست" - ص 74) (38).


    وقبل أن أواصل تساؤلاتي المُشكّكة في هذه الأطروحات، يهمني القول إن الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها المناهج الحداثوية وما بعد الحداثوية الغربيّة التي تلقفها النقاد العرب (وليس سرّاً أن النقد العربي يعيش على سلال مهملات النقد الغربي)، هو أنها جعلت القارىء العربي الغير مُحصّن، يركز على لعبة الشكل النصّي ولغة النقد المتعالية – metalanguage، ولم يعد ينتبه بقوة وحذر إلى ما يمرّر خلف استار الشكل الباهرة هذه من مضامين شديدة الخطورة الكثير منها يلغي أفكاراً ونظريات وأطروحات فكرية وفلسفية مؤسسة في التاريخ المعرفي الإنساني، ويثبت الركائز لأفكار ونظريات وأطروحات فكرية جديدة ملفقة وشديدة الخطورة تخدم أفكارا سياسية أو أيديولوجية مناقضة أخطر ما فيها أنها تطيح بحقوق ثقافية ومعرفية ناجزة لجماعات بشرية محدّدة، وتستبدل بها مزاعم ثقافية مُصطنعة سوف تصبح حقوقا لجماعات بشرية أخر (المقصود هنا تحديداً: اليهود)، وبلا أدنى وجه حق.


    وبقدر ارتباط الأمر بالمقطع السابق الذي يتحدّث عن إسقاط بعض صفات الإله الشرير ست على الأخ أنبو أقول (وهنا يجب أن نتجاوز بحزم موضوعة الإله أنوبيس وأنبو إله الموت أو إله المقبرة أو إله التحنيط، فنحن نتحدّث ونحلل حكاية الأخوين) إنّ من يعود إلى حكاية الأخوين، سوف يجد أن حالة من الصفاء والرضا كانت تسود العلاقة بينهما ؛ بين الأخوين أنبو وباتا. ولا تلاحظ أي علامة تذمّر من قبل باتا تجاه أخيه وهو يؤدي كافة الأعمال اليومية في الحقل والبيت، وباحترام كبير تجاه أخيه الأكبر.


    وأترجمه الآن للضرورة القصوى:
    (كان هناك شقيقان من أم واحدة وأب واحد، أنبو هو اسم الأكبر، وباتا هو اسم الأصغر،. وبالنسبة لأنبو فقد كان لديه بيت وزوجة، ولكن كان أخوه الأصغر بمثابة ابن له، فقد كان هو الذي يصنع له ملابسه، ويرعى ثيرانه في الحقل، وهو الذي يقوم بالحراثة، وهو الذي يحصد الذرة، هو الذي يقوم له بجميع الأمور في الحقل. وقد كبر الأخ الأصغر ليصبح أفضل عامل، ليس له نضير في البلاد، فقد كانت فيه روح إله.


    (وبعد هذا يتبع الأخ الأصغر ثيرانه إلى الحقل على عادته يوميا، ليعود كل مساء إلى البيت محمّلا بكل خضروات الحقل، مع الحليب والحطب ـ وكل الأشياء من الحقل ليضعها أمام أخيه الأكبر، الذي كان يجلس مع زوجته، ويشرب ويأكل ثم يضطجع في زريبته مع ماشيته. وعند الفجر يأخذ الخبز الذي يخبزه ويضعه أمام أخيه الأكبر، ويأخذ معه خبزه إلى الحقل، ويسوق ماشيته لترتع في الحقول).


    لاحظ أنه لا توجد أي علامات أو تعابير لتذمّر الأخ الأصغر من كثرة الواجبات التي يقوم بها في الحقل والبيت، مثلما لا توجد علامات على روح شريرة لدى الأخ الأكبر تدفعه إلى إذلال الأخ الأصغر وإهانته مثلا. ولعلّ أفضل علامة على روح التصافي السائدة بين الأخوين هو اليوم الذي استعدا فيه للحراثة والبذار، بعد أن انحسرت مياه فيضان النيل، وظهرت الأرض الخصبة في الحقول. فقد طلب الأكبر من الأصغر أن يهيّئ لـ (نفسيهما) ثيران جيدة وحبوب ذرة ليبدأا الحراثة صباح اليوم التالي. وقد قام الأصغر بما طلبه منه أخوه الأكبر. وفي صباح اليوم التالي ذهبا إلى الحقل مع لوازمهما، وكان (قلباهما مسرورين بعملهما) أي أنهما كانا يعملان سوية بتعاضد وبلا حساسيات. وخلال عملهما نفدت حبوب الذرة، فطلب الأكبر من الأصغر أن يُسرع في جلب حبوب ذرة من العزبة. وهنا بدأت مسيرة الخراب:


    نعم.. لم تكن هناك أدلّة قاطعة على الروح الشريرة للأخ الأكبر أنبو ولم تفصح الحكاية عن مظاهر لشكوى أو احتجاج لباتا ضد اخيه من أعباء عمله، وكأن الحكاية تريد أن تصوّر لنا "طبيعة" الحياة بين الأخوين ممثلة بالرضا بما هو "مقسوم" لكلٍّ منهما. أي أننا لم نجد تناصا بين انبو والإله الشرير ست في البداية كما صوّر لنا ناجح الأمر في المقطع السابق (ص 74). أمّا في وسط الحكاية ونهايتها، فسنجد الأخ الأكبر يقوم بأفعال هي في غاية الطيبة في معاونة أخيه الأصغر على تحقيق ثأره، كما أنه يلعب دور المُنقذ لأخيه الأصغر حين يموت، في حين بقي الإله ست شريرا من البداية حتى النهاية، فست هذا (أو سيت وسيث) هو إله العواصف والصحراء والفوضى والظلام في الميثولوجيا المصرية والديانة المصرية القديمة (أي أنه شرّير بالطبيعة وليس مثل أنبو الذي صار شريراً في موقف محدّد).


    وقد بدأ الخراب حين طلب أنبو من باتا أن يجلب لهما حبوب ذرة من العزبة، فذهب إلى البيت ودخل على زوجة أخيه في غرفتها وهي تسرّح شعرها، ليطلبها منها! وهو أمر غريب. إذ ما علاقة زوجة الأخ بحبوب الذرة؟! هذا التصرّف سوف يحيلنا إلى تأويل أعمق وأدق نؤجله إلى حين، ولكن علينا أن لا ننسى موقفا مدهشاً يدحض ما يقوله ناجح، ويتعلق بردّ باتا على محاولة زوجة أخيه في إغوائه حيث قال لها:


    (أنت مثل أمّي وزوجك مثل أبي لأنه كان الأكبر قبل أن أولد، فما هذه الدناءة التي تقولينها لي؟ )


    وحتى بعد أن طارد أنبو أخاه باتا البرىء، وفصل النهر المزدحم بالتماسيح بينهما، ظل باتا على موقفه الودّي من أخيه وزوجته بالرغم من غدر الأخيرة به ومن جور الأول عليه حيث خاطبه قائلاً:
    (لأي سبب فظيع تلحقني لتقتلني بفظاعة؟ ومتى كنت لا تستمع لكلمات فمي؟ لأنني أخوك الحق، وأنت بمثابة أبي وزوجتك مثل أمّ لي، أليس كذلك؟ )


    فهل هناك أكثر من هذا الدليل قوة في إثبات العلاقة الطيبة التي تجمع باتا بأخيه الأكبر التي جعلها ناجح "متناصّة" مع علاقة ست الشرير بأخيه أوزوريس؟

  9. #9
    ليلة تسليم جلجامش لليهود (٦)


    الأحد ٢٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٦، بقلم حسين سرمك حسن


    بين باتا وأوزوريس:


    ولنستمر مع الأستاذ ناجح في تأويله للحكاية حيث يواصل القول:


    (وتميّز بايتي كذلك بخصائص ذات صلة قوية بعقائد الحياة / والانبعاث والخصوبة التي عرفها الاله "اوزوريس" الذي علم المصريين الزراعة، وهو إله للقمح وتحتفل بموته وبعثه، وهذا الاحتفال في جوهره احتفال بالبذر – الذي كان يقوم به بايتي - ص 74) (44).


    ومن المهم أن نعيد التذكير بأن باتا لم يكن يقوم بالبذار وحده، فقد قاده الأخ الأكبر ووجّهه وذهب معه إلى الحقل، واشتغلا سوية في الحرث والبذار كما بيّنا سابقا حسب نصّ الحكاية الأصلي.
    يواصل ناجح:


    (واهم التناصات الموجودة بين حكاية الاخوين واسطورة الاله "اوزوريس" هي خاصية الخصاء وقطع الذكورة الدالة على قوة الرجولة والمعبر عنها بافعال جنسية / تخصيبية، وفقدان الالوهة الشابة المذكرة لقضيبها يعني رمزيا تعطل الاله عن مجاله الحيوي في نظام الخصوبة الكلي، وبذلك تتوقف الحياة بشقيها الانساني / الحيواني – النباتي - ص 75) (45).


    لكن كيف فَقَد كل من الإله أوزوريس والشاب باتا ذكورته؟


    ناجح نفسه يجيب على سؤالنا بالقول:


    (بعد العثور على الصندوق الذي كان فيه الاله اوزوريس قطع الاله الشرير "ست" اوصال الجسد الالهي، وبحثت عنها الالهة "ايزيس" ووجدتها كلها، لكنها لم تعثر على ذكورته التي اكلتها سمكة الدلتا.


    واخذ الشاب "بايتي" سكيناً مصنوعة من القصب وقطع عضوه الخاص، والقاه في الماء، فابتلعته سمكة شبوط، واغمي عليه وضعف فرثى له اخوه الاكبر اشد الرثاء، ووقف يبكي بصوت عال من اجله - ص 75 و76) (46).


    انظر سيّدي القارىء - أولا - إلى التناقض في الإجابة على سؤالنا السابق: كيف فقد كل من الإله أوزوريس والشاب باتا ذكورته؟


    ومن لسان ناجح فقدْ فَقَدَ الإله اوزوريس ذكورته بفعلٍ عدواني خارجي حينما قطع أخوه الإله الشرير "ست" جسده للمرة الثانية، وقسمه إلى أجزاء بعثرها في أنحاء البلاد، امّا باتا فقدْ فَقَدَ ذكورته بفعل ذاتي اختياري حين قام بقطع عضوه التناسلي بسكين من قصب.


    وهنا، ألم تنتبه أيها القارىء إلى مفارقة جديدة يغالط بها ناجح نفسه؟ فقد قال قبل قليل إن الأرض التي يعمل فيها باتا ليس فيها قصب لكي يصنع أنبو زورقا منه يعبر به إلى الضفة الأخرى ليقتل باتا، والآن يقول إن باتا قطع ذكورته بسكين صنعها من القصب!!!


    وانظر إلى التناقض والمغالطة المُضافين في جانب آخر مهم، حيث قال ناجح إن الأخ الأكبر مناظرٌ و"متناصّ" مع الإله الشرير "ست"، وهو أمر لم تطرحه الحكاية إلى أن قام أنبو بمطاردة باتا بسبب كذب زوجته الشنيع، والآن يقول ناجح أن أنبو بعد أن شاهد باتا يقطع ذكورته ويُغمى عليه، رثى له أشد الرثاء، ووقف يبكي بصوتٍ عالٍ من أجله! فهل هذه من سمات الإله الشرير "ست" في عدوانه المستمر على شقيقه الإله "اوزوريس"؟ هل أظهر ست لحظة ندم واحدة أو ذرف دمعة حزن بسيطة أو نطق بكلمة رثاء لاوزوريس؟ بالعكس لقد استمر في عدوانه حتى على حورس ابن شقيقه اوزوريس، ودخل معه في صراع دموي عنيف اقتلع فيه عين حورس اليسرى!! أليس هذا بفارق هائل بين الأسطورتين؟ وهل مازالت علامات "التناص" التي طرحها ناجح قائمة بينهما؟


    يواصل ناجح الإصرار على التناصّ، وينقلنا إلى استنتاج تناصّي غريب آخر حين يقول:


    (واندفاع الشاب "بايتي" لقطع ذكورته يفضي به الى محيط الالوهة الشابة التي عرفتها ديانات الشرق الادنى القديم، ولم يكن قطع الذكورة ختانا كما قال الأستاذ شكري محمد عياد وانما هو فعل له طابع ديني خاص بالالوهة الشابة في الشرق. وهو – ايضا – نموذج مصغر من الطقوس والاحتفالات الدينية التي تقام في موسم الربيع، وتقديم القربان البديل للاله اوزوريس – من خلال قطع القضيب – كي يعاود صعوده مرة اخرى.


    ان اندفاع "بايتي" لقطع ذكورته، محاولة منه للتماهي مع الاله "اوزوريس" الذي صار مثالا لعدد غير قليل من الالوهة الشابة في الشرق. لقد خسر ذكورته بفعل ارادي وصار انموذجا محايثا للاله اوزوريس، ومتمثلا في الالهين ديونيسس وبسيبيل، بسبب من موقفه الكهنوتي، عوضته الالهة / وحصرا الاله حورس عن قضيبه المقدم قربانا للاله اوزوريس لان نص الحكاية يعلمنا بان الشاب "بايتي" قد نجح في اتصال ادخالي مع الزوجة التي خلقتها الالهة وقدمتها له - ص 76) (47).
    إنّ مشكلة ناجح هو أن الأسطورة التي يتناولها بالدراسة، يتناولها كـ "مَشَاهد" و"لقطات" منفصلة مُقطّعة، وليست مترابطة مع باقي المشاهد واللقطات التي تسبقها، والتي تليها، ضمن إطار ما يُسمّى بـ "الصورة الكلّية - Gestalt". فحين نأخذ أي فعل أو موقف أو صورة من أية أسطورة أو حكاية بصورة مُجتزأة، ستصبح – وببساطة – مشابهة لأي فعل أو موقف أو صورة مُجتزأة من أية أسطورة أو حكاية أخرى. فعلى سبيل المثال عندما نأخذ من ملحمة جلجامش العظيمة مشهدا يقول فيه جلجامش لأنكيدو أنه سيكون ساعده الأيمن يحق لنا أن نصيح بلهفة: ها.. نفس ما قاله فرعون ليوسف التوراتي!!.. وهكذا. لكن إذا أعدنا هذا الموقف إلى سياقه في الأسطورة من ناحية، ووضعناه ضمن إطار الصورة الكلّية لها من ناحية أخرى، سنجد أن الموقفين لا يتشابهان أبداً.


    هنا، ولأن باتا "قَطَعَ" أعضاءه التناسلية، فلابدّ أنّه – حسب وجهة نظر ناجح – يتناصّ أو يشبه الإله أوزوريس الذي "قُطعت" أعضاؤه التناسلية!! ليس هذا حسب، بل إنّ باتا يشبه كل البشر الذين كانوا يقطعون أعضاءهم التناسلية في أنحاء الشرق الأدنى القديم وهم في صخب احتفائهم بانبعاث الإله القتيل! فينطلق ناجح وعبر (17) سبع عشرة صفحة هي القسم الأول من الفصل الثاني (تعطيل الألوهة الشابة)، لينقل لنا من مصادر متعدّدة كل حالات الإخصاء الذاتي الإحتفائي هذه في تاريخ البشرية! (من ص 77 إلى ص 94!!). وسيتوقع القاريء أن رحلة ناجح الطويلة والعميقة هذه سوف تقدّم له سبباً مقنعاً يبرّر هذا الفعل المدمّر، ويحمل وجهة نظر الباحث، لكنه سوف يجد بعد كل صفحتين أو ثلاث رأياً جديداً لأحد الباحثين، فلا تعلم ما هو العامل المحدّد الذي يجعل هؤلاء العبّاد يخصون أنفسهم بطريقة دمويّة مرعبة، ولكن بقناعة تامة بالفداء والتضحية. ستجد تبريرات كثيرة، ولكن من أهمها التالي:


    (أعتقد أيضا – والكلام لناجح – بأن ضياع ذكورة الاله اوزوريس هو الأصل لهذا الطقس، المرتبط بالالوهة الشابة وخدم المعبد الشاب - ص 86) (48).


    وهو رأي غريب.


    فقد قام ست بقتل أخاه اوزوريس وقطع جسده إلى 14 جزءا (في رواية أخرى 42 جزءاً)، وعندما قامت زوجته الوفية بجمع أجزاءه المتناثرة لم تعثر على عضو ذكورته فقد أكلته سمكة في الدلتا (في نسخ مصرية للأسطورة تعثر الإلهة إيزيس على عضو زوجها). فهل هذا الإخصاء مقصود؟ أم أنه جاء كنتاج تصادفي بسبب رمي الأجزاء المقطّعة في أكثر من مكان؟


    ما أقصده هنا هو أن اوزوريس لم يكن في نيته اخصاء نفسه، ولن يسمح لست – اذا استطاع – أن يخصيه. هذا (جرح) نتيجة عملية غدر.. نتيجة معركة إذا جاز الوصف، وليست جزءاً من فعل طقوسي هدفه الإخصاب والإنبعاث. وإله مخصي كيف يكون إلها للخصب والإنبعاث كما اعتبره الباحثون الأسطوريون وناجح منهم؟! وهذا الأمر لا يستقيم إلّا إذا اعتبرنا الدور الإخصابي والانبعاثي لا يقيم لعضو الذكورة (القضيب) أهمية ما، ويعتمد على (الدور) و(الوظيفة)، أو أنّه – أي دور الخصب والإنبعاث الكوني – مُرتهن بالإلهة الأم – عمليّاً لا "رسمياً" حيث كانت الشعوب تحتفل بالإله الشاب كرمز للخصب والانبعاث في ظل سلطة الإلهة الأم - وهذا أكثر دقّة. والإله أوزوريس إستطاع أن يخصّب الإلهة إيزيس بالرغم من بتر أعضائه التناسلية.


    المصريون القدماء لم يكونوا "يخصون" أنفسهم في أعياد أوزوريس!:


    ولننتقل إلى سؤال أكثر خطورة:


    إذا كان طقس الإخصاء يعود إلى أسطورة الإله اوزوريس، فلماذا لا نجد مصادر تؤكّد قيام عبّاد اوزوريس بهذا الطقس في مصر القديمة؟ لماذا لم نقرأ أساطير وحكايات ومصادر تؤكد قيام كهنة معابد اوزوريس بإخصاء أنفسهم في احتفالات طقوسية سنوية مثلما قرأنا عن عبّاد تمّوز وأدوتيس وآتيس مثلاً؟


    ما نقلته البرديات والمصادر هو أن أقصى عنف يحصل في احتفالات المصريين القدماء بالإله اوزوريس هو تمثيل الصراع بين الاله اوزوريس واخيه ست عن طريق النزالات الفعلية بالهراوات الخشبية التي تؤدي إلى إصابة المتبارزين بالجراح أو مقتل بعضهم. لكن لم نسمع - أبداً - عن وجود حفلات أو طقوس جماعية للإخصاء في المعابد المصرية المخصّصة للإله اوزوريس. وهذه غلطة كبرى مُضافة وقع فيها ناجح بسبب عدم تأنّيه وعدم إحاطته الشاملة بالحضارة التي يتحدّث عنها - وهي هنا الحضارة المصرية القديمة - وسنعرض أدلّة أخر على ذلك.


    "سيبيل" ليست ذكراً بل أنثى!:


    وكملاحظة سريعة أقول إن قول ناجح عن باتا:


    (لقد خسر ذكورته بفعل ارادي وصار انموذجا محايثا للاله اوزوريس، ومتمثلا في الالهين ديونيسس وبسيبيل - ص 77) (49)


    غير دقيق لأن (سيبيل) أنثى.. إلهة، وليست إلهاً ذكراً.

  10. #10
    ليلة تسليم جلجامش لليهود (٧)


    الثلاثاء ٢٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٦، بقلم حسين سرمك حسن


    ظاهرة "الحشو" ليست من خصائص البحث العلمي:


    وهناك ظاهرة أخرى غريبة، ومُتعبة، لناجح نفسه، وللقارىء أيضاً، وتتمثل في أنه يجب أن يكتب كلّ ما قرأه واستوعبه عن الظاهرة أو السلوك المطروح حتى لو لم يكن ما يتحدث عنه له صلة بالموقف المحدّد الذي بين أيدينا. فحين تكون الموضوعة المطروحة هي الخصاء - كما هو الحال مع باتا هنا - فإن علينا أن نستمع من ناجح لكل شيء عن الخصاء حتى لو كان ما يتحدث عنه لا علاقة له بالشخصية المعينة أمامنا، وهي شخصية باتا. فقد تحدّث طويلا – كما قلت – عن الخصاء منذ فجر الأسطورة (منذ الحضارة السومرية والمصرية) وحتى العصور الحديثة (الرهبنة المسيحية). ولكن بقيت مسألة تعرّي من يخصي نفسه كعلامة من علامات الألوهة الشابة !! فيقول على طريقة (والشيء بالشيء يُذكر..):


    (وعلى الرغم من ان حكاية الأخوين لم تشر لعري "بايتي" لكننا نجد في الطقوس المماثلة وجود العري، علامة من علامات الالوهة الشابة المذكرة وكهنتها وخدمها، ولذا كان المخصي يطوف عاريا لحظة قيامه بالطقس الديني لانه لا يجوز الابقاء على ثوب المخصي بل يجب استبداله، ويكون الثوب النسوي تعويضا له، بعدما تغيرت عناصر الرجل الذكورية، ويبدو بان ذلك له علاقة مباشرة بالقداسة والدناسة. ولم يكن للعبد أو لغيره من غير المقدسين ان يدخل موضعا مقدسا دون أن تخلع عنه ثيابه... إلخ - ص 90) (50).


    باتا لم يكن عارياً، ولكن لا بأس أن نحكي كم سطر عن العري لدى من يمارسون الإخصاء في الأسطورة!! معقول؟!


    ثم ينقل لنا رأي "روبرت سمث" في كتابه المعروف (محاضرات في ديانة الساميين) عن اكتساب ثياب العبد القدسية بمجرد دخولها المعبد، وانعدام نفع الثياب الملطخة بالدم للمخصي وصلة ذلك بالجذر الأمومي الأول... إلخ. فما علاقة ذلك بحالة باتا الذي لم يكن عارياً وبـ "هدوم" ولم يدخل معبداً ؟


    الجواب، طبعاً، هو أن لا علاقة لما قاله ناجح بباتا، وهي استطالة لا مبرّر لها.


    من جديد: لا شبه بين أنبو والإله "ست":


    نعود إلى الحكاية الأسطورة، فنجد الأخ الصغير - بعد أن يخصي نفسه بسكين من قصب - ينادي على أخيه عبر النهر داعياً إيّاه إلى أن يعتني بالماشية لأنه لن يعيش معه في مكان واحد بعد الآن، وسيرحل إلى وادي الأكاسيا حيث سيسحب "روحه" (وهو المعنى المقابل للفظة "قلبه" في الأسطورة حسب بيتري)، ويضعها على قمة زهرة الأكاسيا، وإذا قُطعت هذه الزهرة وسقطت على الأرض فإنه سوف يُحتضر، وإذا جاء أخوه ليفتش عنها، وأمضى سبع سنوات في البحث عنها، يجب أن لا يدع قلبه يُنهك ويتوقف. لأنه سوف يجده، ويضعه في كوب ماء بارد، وعندها سيعيش ثانية. أمّا العلامة التي تدل أنبو على أن أخاه باتا في مأزق، فتحصل حين تتعكر كأس الجعة بين يدي الأخ الأكبر، عندها عليه أن يسارع إلى وادي الطلح لإنقاذ أخيه.


    يرحل باتا إلى وادي الطلح، ويعود أنبو إلى البيت، وهو يضع كفّه على جبينه، والغبار والطين يجللان هامته وهي علامة على الحزن والأسى شائعة بين المصريين القدماء (هناك تصوير مصري قديم لأفراد عائلة وأصدقائهم مجللين بالتراب والطين وهم يقفون حول مومياء)، ويقوم بقتل زوجته ورمي جثتها للكلاب، ويجلس حزينا على فراق أخيه الأصغر، وإجحافه بحقه.
    وبهذا الفعل الذي انتقم فيه أنبو لأخيه من زوجته، والشعور بالندم الذي استولى عليه، هل هناك شبه بينه وبين الإله ست الشرير الذي قتل أخاه اوزوريس، وأصرّ على مقاتلة ابنه حورس من بعده حتى الموت ؟:


    And the youth went to the valley of the acacia; and his elder brother went unto his house; his hand was laid on his head, and he cast dust on his head; he came to his house, and he slew his wife, he cast her to the dogs, and he sat in mourning for his younger brother.(51).


    في وادي الطلح يعيش باتا وحيدا، يقضي وقته في اصطياد الوحوش في الصحراء، ليعود مساءً ليستريح تحت شجرة الأكاسيا التي وضع روحه (soul كما في النص وهي تعني هنا قلبه) على أقصى زهرة في قمّتها. ثم بنى له بيتا جميلا في الوادي - بنفسه - يضم كل الأشياء الجميلة.
    وقفة: القول بوادي الصنوبر ينقل الحكاية إلى سورية:


    وادي الأكاسيا حسب ترجمة (ميريام ليشتايم) وهي باحثة متخصّصة بالمصريّات، يعني وادي الصنوبر، والصنوبر غير معروفة بأزهارها، ولكنها تُعتبر شجرة مقدسة (52). والإقرار بوادي الصنوبر ينقل مسرح الحكاية إلى لبنان !! كما ورد في بعض التفسيرات التي تعتمد أيضاً على ذكر مفردة "البحر" في الحكاية ناسين أن المصريين القدماء والحاليين على حدّ سواء يسمّون النيل بالبحر. ويعتقد بعض الشرّاح مثل السيّد (بيتري) أن المقصود هو وادي سوري أو كنعاني ، ولو اتفقنا معه ستحصل نقلة كبرى في تفسير الحكاية.


    عودة: المصريات الريفيات يرفعن أذيال ثيابهن:


    وحين خرج باتا من بيته، قابل الآلهة التسعة (الإينياد – أو التاسوعاء، وهو اسمُ جمعٍ لكلّ الآلهة في المنطقة، وليس شرطا أن يكونوا تسعة، فإينياد ممفيس يتكون من 15 إلهاً)، وهم ذاهبون لإدارة شؤون البلاد وسألوه هل سيبقى وحيدا، وأخبروه بأن زوجة أخيه التي غادر القرية بسببها قد قُتلت. وقد امتعضت قلوبهم من أجله، وطلب الإله رع – حوراختي من الإله "خنوم – Khnum" (خنوم أو غنوم Xnum، في الدين المصري القديم، إله كان يُصوّر على شكل كبش، أو رجل له رأس كبش وله قرنان (ربما اشتق اسم الغنم منه)، وطبقا للمعتقد المصري القديم قام خنوم بعملية الخلق المادي للإنسان من طمي النيل على عجلة الفخار) (53)، ليخلق له امرأة كي لا يبقى وحيدا، فخلق له خنوم رفيقة لتسكن معه.


    كانت أجمل (في ساقيها كما تقول الأسطورة) من أي امرأة في البلاد (ولاحظ أن المصريات إلى الآن يرفعن أذيال ثيابهن وقت البذار لطينية الأرض وكثرة الترع، فتنكشف سيقانهن الجميلة عن بعد). ولكن ربّات الجمال والحب والسماء السبع ((seven Hathors بنات الإله رع المتنبّئات بالمستقبل، جئن ليشاهدنها فقلن بصوت واحد:


    - سوف تموت ميتة "حادّة" (ورد التعبير هكذا: sharp death، ويعني حسب شارح الحكاية موتا بسكين! (54)).


    هذا أخطر المواقف في الأسطورة:


    لقد حاول ناجح المعموري طرح تفسيرات للفعل المروّع الذي قام به باتا بقطع أعضائه التناسلية، ولكنه توقّف أيضا عند مسألة أخرى مرتبطة بها وهي: هل كان ما قام به باتا ختاناً أم إخصاءً كاملاً ؟! وأشار في وقفته هذه إلى رأي د. شكري محمد عياد الذي يرى أن القطع كان ختاناً. قال ناجح:
    (لم يكن قطع الذكورة ختانا كما قال الأستاذ شكري محمد عياد وإنما هو فعل له طابع ديني خاص بالألوهة الشابة في الشرق وهو – أيضا – نموذج مصغر من الطقوس والاحتفاليات الدينية التي تقام في موسم الربيع، وتقديم القربان البديل للإله اوزوريس – من خلال قطع القضيب – كي يعاود صعوده مرة اخرى - ص 76) (55).


    وكما قلنا فإن التاريخ الأسطوري المصري القديم لم يشهد ممارسة إخصاء الذات كطقس من طقوس الإلوهة الشابة أبداً. وكان الخصاء حسب أغلب الباحثين غير معروف أو نادرا جدا في مصر القديمة. وفي الأساطير هناك أسطورة أوزوريس حين قام ست بتقطيع جسد اوزوريس ومنها ذكورته التي أكلتها سمكة في النيل. كما أن هناك إشارة في نصوص الأهرام إلى أن رجولة ست ضعفت في صراعه العنيف مع حورس، وغير واضح هل هي إشارة إلى الخصاء من عدمه. أسطورة الصراع بين حورس وست حيث هناك موقف غامض يُخصى فيه ست بعد هزيمته. وهناك إشارة في نص من المملكة الوسطى فيها تهديد موجّه لكل أعداء مصر، كل الرجال، وكل الخصيان، وكل النساء. باستثناء هذه الإشارات لا وجود لطقس الإخصاء في مصر القديمة على الإطلاق. وعليه فإن اعتبار ناجح إخصاء باتا لنفسه تماهيا مع الإله اوزوريس وطقسا من طقوس الإلوهة الشابة هو استنتاج خاطيء تماما، وبذلك يكون الشرح الطويل في القسم الأول من الفصل الثاني بلا داع أبدا وإضاعة لوقت القارىء ولجهد ناجح نفسه.





صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. ليلة تسليم جلجامش لليهود
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 01-07-2019, 04:49 AM
  2. هنيئاً لليهود بأرض فلسطين!
    بواسطة د. فايز أبو شمالة في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-28-2011, 09:57 PM
  3. لماذا يظن المسلمون أن ليلة القدر هى ليلة 27 رمضان؟
    بواسطة راما في المنتدى فرسان المناسبات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-06-2010, 02:51 AM
  4. ملحمة جلجامش في دمشق، بخطوط وأنفاس سورية
    بواسطة ملده شويكاني في المنتدى فرسان الفني
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-03-2010, 02:23 PM
  5. قراءة خلال نصوص ملحمة جلجامش...
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى فرسان الأبحاث التاريخية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-01-2007, 03:30 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •