كنت حضرت للناقد الكبير: حسين محمد سرمك جلسة نقدية أدهشتني حقيقة وهذا نص آخر انقله تقديرا


الأسلوب التقرّبي غير المباشر والسمة الإلتفافية :
إن الوردي يعلن رفضه لما يجري من صخب «غوغائي» تدميري بأمكر طريقة متحسّبة . فحين يقول إن الجماهير تطلب من الكاتب الآن أن يثير حماسة الشعب فمعنى ذلك أنها تسير في الطريقة الخاطئة التي حذّر هو نفسه منها في مؤلفاته ومقالاته ومحاضراته كلّها ، وهي طريق تغليب الحماسة على العقل . وعندما يقول إن الجماهير لا تريد كاتبا يثبط الشعب ويحصي عليه عيوبه ، فمعنى ذلك أنها ترفض السير في الطريق الصحيحة التي دعا إليها في مؤلفاته ومقالاته ومحاضراته كلّها ، وهي طريقة المراجعة النقدية الموضوعية التي تضع المجتمع على مشرحة النقد العلمي ، والتي كان إهمال الجهات المرجعية السياسية والثقافية لها سببا في خراب أحوال العراق كلّها حتى يومنا هذا . وهو – أي الوردي وبسمته الأسلوبية والشخصية الثابتة في الهجوم التقرّبي والإلتفافي عندما تكون الجبهة المضادة متسيّدة وحاكمة – يضرب مثلا يسحب فيه البساط من تحت أرجل الجمهور الأدبي الصاخب المتحمس الذي لم يرض عن إعلانه في اجتماع لاتحاد الأدباء عقد آنذاك ، عن أنه لا يستطيع تغيير أسلوبه ، فقد أعلن عن أنهم ، ومن جديد ، تسيطر عليهم الحماسة والروح الانفعالية ولكن بصورة غير مباشرة تتصاعد لتصل تحت غطاء التقرّب الهاديء إلى مستوى الرفض والإدانة :
(قلتُ هذا القول في اجتماع لاتحاد الأدباء ذات يوم ، فلم يرضَ عنه بعض الشبّان من الأدباء الحاضرين . يرى هؤلاء الشبّان أن الكاتب قادر على تغيير أسلوبه كلما شاء ومتى شاء . ولعلهم يرون هذا الرأي لأنهم لا يزالون في ميعة الشباب حيث لم تتحجر شخصيتهم كما تحجرت شخصيتنا نحن المخضرمين . وليسمحوا لي إذا قلت لهم بأن الكثير منهم لا يملكون الأسلوب الكتابي الخاص بهم حتى يصح أن يُقال بأنهم قادرون على تغييره . فقد خبرنا ما كتب البعض منهم في عهد الثورة فلم نجد فيه الأسلوب الذي تتميز به شخصية الفرد منهم . وربما كان الكثير مما أنتجوا متماثلا في عباراته وكأنه يصدر من معين واحد . إذ ليس فيه سوى الرنين والرتابة المملة . ولو كنت أريد أن أكتب كما يكتبون لجئت بالكثير منه ، ولكن المشكلة أعمق من هذا في نظري) (370) .

ثم يأتي استشهاده برأي داعم ليكون أشبه برأي إدانة صريح لكن من خلال صوت آخر :
(ويعجبني في هذا الصدد ما قاله أديب كبير في اجتماع اتحاد الأدباء المذكور . فقد أنحى هذا الأديب الكبير باللائمة على بعض أدباء العراق إذ هم في رأيه قد ساروا وراء الجماهير ولم يسيروا أمامها . وكان ذلك من أسباب ما تورطت به الجماهير من أخطاء مؤلمة عرقلت سبيل الحياة في هذا البلد الأمين ) (371) .

إن اللعب اللغوي التوروي هو من السمات الأصيلة لأسلوبية الوردي . فهو حين يستخدم مفردة مسالمة فإنه يقصد منها العدوان ، والعكس صحيح . الوردي دائما يقصد ما هو أبعد من الوصف اللغوي المباشر . فهو حين استخدم وصف " الأمين " لوصف أحوال البلد – العراق في الفقرة السابقة فإنه يعلن مفارقة صارخة لأنه لم يكن هناك أي شيء أمينا في العراق في ذلك الوقت فهو يقول بعد صفحات :
( .. وها أنا ذا أسمع الآن عن سلسلة من الاعتداءات الصارخة يقوم بها عصابات من الشبّان في بعض مناطق بغداد ، إذ هم يركبون الدراجات يبحثون بها عن صيد لهم في زوايا الشوارع كي يشبعوه ضربا وتنكيلا . ولو أتيحت لهؤلاء فرصة كافية لما تردّدوا عن القيام بأبشع الأعمال والفظائع ) (372) .
وكاد يكون هو نفسه من ضحايا هذا الحال الملتبس الشائك . لقد استخدم الوردي هذا الوصف في أكثر من موضع في كتبه ، وكلّها استخدامات التفافية تريد به معنى باطنا معاكسا لما يعنيه معناه الظاهر . لقد كان الوردي يقدم برنامجا تلفزيونيا ناجحا من تلفاز بغداد عام 1960 عنوانه : " أنت تسأل ونحن نناقش " – لاحظ أن هذا العنوان هو الذي صيغ شعار مواز له لاحقا بعد ثورة تموز 1968 في الندوات الجماهيرية التي عقدت تحت عنوان : " أنت تسأل والحزب يجيب " – وقد حصل هذا البرنامج على شعبية كبيرة آنذاك لأنه – ولأول مرّة – كان يناقش المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها المواطن العراقي من خلال رسائل يبعثها المواطنون أنفسهم . لكن البرنامج ألغي . ويعلق الوردي على هذا القرار المُجحف ، وتم في ظل ثورة تموز 1958التي أعلن قبل قليل أنه يشعر بالأسف لأنه لا يستطيع تغيير أسلوبه لمجاراة تحولاتها – بالقول :
( أجرت إحدى الصحف البغدادية استفتاءا حول أفضل ندوة تقدمها محطة التلفزة في ذلك الحين ، فكانت نتيجة الاستفتاء : أنها ندوة ( أنت تسأل ونحن نناقش ) . ولم تمض على هذا الاستفتاء سوى مدّة قصيرة حتى أُلغيت الندوة بلا اعتذار . وليس هذا بالأمر العجيب في هذا البلد الأمين) . (373) .
ويمكن للسيّد القاريء الآن معرفة البعد الحقيقي لصفة "الأمين" التي يكرّرها الوردي الآن .
وفي كتابه " الأحلام بين العلم والعقيدة " يتناول الوردي بالنقد عمليات السحل والتمثيل بالجثث بعد ثورة 1958 ، ويعلن أنه يخشى من الشباب المتحمسّين والمشحونين بالثقافة الحديثة أكثر من خوفه من الغوغاء ، ثم يستدرك قائلا :
( أرجو أن لا يفهم القاريء من هذا أني أقصد به شبّان حزب معين من أحزابنا المتصارعة في هذه الأيام (يقصد به الحزب الشيوعي آنذاك طبعاً) . فالذي ذكرته يصدق على كثير من الشبان المتحمّسين من كل حزب وفي كل بلد، لاسيما في هذا البلد الأمين!!) (374) .

لقد أدرك الوردي أن ما حذّر منه طوال ثلاثة عقود قد تحول إلى موجة عنيفة صاخبة ومسلّحة سوف تجرفه في طريقها حتما ، وكيف لا وهو يدعو إلى عكس ما تدعو إليه بتغليب العقل على الحماسة ، والنظرة الموضوعية على النظرة الذاتية . وقد واجه الوردي ذات مرة كما يقول موقفا كاد يُقتل فيه ويُسحل من قبل الجماهير الصاخبة .
التورية الماكرة :
وهذا التحسب تشي به صفحات " كلمة وداع " التي ختم بها كتابه وحيّا في نهايتها الزعيم عبد الكريم قاسم بطريقة لا يوجد نظيرها في تاريخ الكتابة التي تُعلن شيئا موافقا لسياسة معينة بطريقة تناقض ما هو قائم فتؤجج الاستقبال المضاد . وتهمني الإشارة هنا إلى أن الزعيم قاسم كان قد أرسل في طلب الوردي والتقى به ، وعرض عليه منصب وزير للشؤون الاجتماعية ، فرفض الوردي قائلا :
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي جمهور الوردي أكثر من جمهور أي وزير في الحكومة ..
فردّ عليه الزعيم بهدوء - وهذه من سماته الإنسانية الرائعة - وبابتسامة قائلا :
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي رفقا بنا دكتور .. إن الطريق طويل ..
في " كلمة وداع " تتحول أسلوبية الوردي إلى طريقة فريدة في إثراء النص بالإحالات والإيحاءات المتضادة العجيبة . لقد تحدّث في المقدمة عن عجزه عن تغيير أسلوبه الكتابي بطريقة تناسب المد الثوري الجديد ، وهاهو يتحدث في الخاتمة عن تغيير " لينين " لأسلوبه الكتابي ويلقّبه – وهو لقب غريب لم يلقب به هذا الزعيم الشيوعي من قبل – بـ " الأستاذ " ، ويقول :

( قد يظهر في بعض فترات التاريخ مؤلفون قادرون على تغيير أسلوبهم تبعا لتغيّر الأحوال . ولكن هؤلاء قليلون أو نادرون . عثرت مثلا في الآونة الأخيرة على كتاب للأستاذ " لينين " كان قد كتبه في العهد القيصري – وهو مواز للعهد الملكي في العراق كبنية ، الكاتب – ثم وضع له مقدمة جديدة بعد القضاء على ذلك العهد . وقد كتب لينين في مقدمته يقول أنه أخذ بعين الاعتبار خطر الرقابة القيصرية حين ألّف كتابه ، وأنه التزم منتهى الحذر عند صياغة الملاحظات السياسية حيث سلك فيها سبيل التلميح على طريقة " إيزوب " . وقد يسأل القاريء عن " إيزوب " هذا الذي ذكره لينين . إن " إيزوب " شخص شبه خيالي نسب إليه الاغريق القدماء حكايات رمزية من طراز حكايات كليلة ودمنة . معنى هذا أن لينين استطاع أن يغيّر أسلوبه بعد الثورة عمّا كان عليه قبلها . وهنا يجب أن لا ننسى أن لينين كان زعيم حزب وصاحب مبدأ قبل أن يكون مؤلّفا . وهو بهذا يختلف عن المؤلفين المحترفين من أمثال كاتب هذه السطور . إننا نريد أن نكتب لكي نعيش ، بينما هو يعيش من أجل حزبه ومباديء حزبه . وهو عبقري ونحن من سائر الناس حيث قد نخشى على أنفسنا وأولادنا حتى من عواء الكلاب) (375) .
فهل توجد مناورة تحرّشية مثل هذه ، في تاريخ الكتابة النقدية في العراق ؟ . وهل المفروض بالمناضل زعيم الحزب وصاحب المباديء أن يغيّر أسلوبه خوفا من بطش السلطة ؟ أم أن يقوم الكاتب المحترف البسيط الذي يخاف من الكلاب بتغيير أسلوبه لكي يسلم من بطش السلطة ؟ . غيّر لينين أسلوبه تماشيا مع ظروف السلطة ، ولم يغيّر علي الوردي أسلوبه رغم كل التهديدات السلطوية ومحاولات التصفية الجائرة .
وفي استهلال " كلمة وداع " قال الوردي – وهذا يرتبط بما قاله قبل قليل – إن من القراء من يعتبر آراءه تمهيدا للثورة . في ظل السلطة الباطشة كان الوردي يصيح بأعلى صوته أيها الجلاوزة .. يا مصّاصي دماء الشعب .. سيأتي اليوم الذي تُمرّغ فيه أنوفكم في التراب ( راجع القسم الخاص بتمهيد آراء الوردي لثورة 14 تموز ) . في حين أن لينين يكتب بطريقة " كليلة ودمنة " ليتخلّص من عقاب السلطة . وفوق ذلك فإن الوردي لم يكن يواجه قمع السلطة الطاغية حسب ، بل عدوان الغوغاء الشرس الذي أوشك أن يصفّيه جسديا أكثر من مرة . يقول الوردي :
( لستُ أقول هذا جزافا ، فقد خبرتُ خطر الغوغاء وأدركت مبلغ دناءتهم عندما أخرجت كتابي " وعاظ السلاطين " عام 1954 . كنت أبغي من كتاب " وعاظ السلاطين " تنقية الدين مما لحقه به من أدران سلطانية آثمة . فالدين في أصل طبيعته حركة ثورية . ولكن السلاطين ووعاظهم وجلاوزتهم حرّفوه عن طبيعته الأولى فجعلوه وسيلة للتخدير والطاعة العمياء . ومهما يكن الحال فقد هاج الغوغاء على كاتب هذه السطور هياجا عجيبا وهدّدوه بالقتل غير مرة وثلبوه ثلبا قبيحا . ولم يتردّد بعضهم عن رؤيته في أحلامهم يساق إلى نار الجحيم مصحوبا بلعنة الله وملائكته أجمعين ) (376) .
أوّل من أدخل مصطلح "الغوغاء" :
وهنا نجد أنفسنا نتعاطى مع سمة فكرية وأسلوبية مركّبة أخرى تميز مشروع الوردي وتتمثل في أنه أول من أدخل ، وبصورة واسعة ومقصودة ووفق نظرة منهجية ، مصطلح " الغوغاء " في الثقافة العراقية . لقد قلت سابقا أن تعاطي الوردي مع هذا المصطلح جاء على مرحلتين : الأولى انتصاره لهم كمسحوقين مذلّين مُهانين قبل ثورة تموز 1958 ، والثانية إدانتهم والسخط عليهم بعد ركوبهم موجة الثورة وقيامهم بالمجازر البشعة بعد الثورة . يقول الوردي :
( جيء ذات يوم برجل ارتكب ذنبا إلى الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وكان حوله جماعة من الغوغاء يصيحون ويحاولون ضربه ، فصاح فيهم الإمام علي :

" لا مرحبا بوجوه لا تُرى إلا عند كل سوأة " وقال عنهم أيضا : " إنهم همج رعاع ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح " . وقال عنهم أيضا : " إنهم إذا اجتمعوا ضرّوا ، وإذا تفرّقوا نفعوا " .
إن الغوغاء لا يقلون خطرا شنيعا عن أي جهة معادية للثورة . بل هم أخطر من الجهات المتآمرة . إنهم يتحرّكون في أحشاء الثورة ويمزّقون رحمها في حين أن العدو الخارجي الرجعي أو الامبريالي ظاهر ومعلن . وتحرّك الجهة المتآمرة يكون محكما ويمكن تشخيصه وتحديد أبعاده في حين أن التدمير الذي يلحقه الغوغاء بالثورة غير محدّد ولا يمكن تشخيصه كفعل معاد . وها هو يقول :

(هنا أود أن أصارح القاريء بقول قد لا يرتضيه مني ، هو أني كنت في العهد البائد أخشى من غضب الحكّام ، وقد أصبحت في العهد الجديد أخشى من غضب الغوغاء) (377) .
أضف إلى ذلك أن الجهة الرجعية المتآمرة المهزومة تحاول أن تستتر في بداية الإطاحة بها ثم تجمع قواها لتقوم بهجوم مضاد ، لكن الغوغاء يستغلون زخم قوة الثورة الكاسحة لتصفية كل شيء وتدميره . يذكر الوردي حوادث مريرة يمهّد بها لنقلة مهمة كعادته دائما : فقد رأى ذات يوم جماعة من الغوغاء يجرّون بالحبل جثة شخص ويمثلون بها .. "فلم ير فيهم رجلا يحترم نفسه " . وفي موقف آخر يصوّر الكيفية التي هاجم فيها الغوغاء رجلا وهو على مرأى من أهله وزوجته وأولاده فيقطعونه بالخناجر ويفقأون عينيه ويجرونه بالحبل بينما هو يستغيث بهم ويتضرع إليهم دون جدوى . وقد يحمل أحد الغوغاء بيده ساطورا يهاجم به من يعرف أو لا يعرف ، وهو قد يهوى بالساطور على وجه المسكين وكتفيه وصدره وكأنه يضرب وسادة من تبن . هناك مشكلة خطيرة لاحظتها في السنوات الأخيرة وهي ميل الكثير من الزملاء الكتاب الشيوعيين أو المؤمنين بالفكر الماركسي أو الرافضين لتجربة حزب البعث في العراق ، إلى اعتبار يوم 8 شباط من عام 1963 حين وصل البعثيون سدّة الحكم هو الحد الفاصل الذي يمثل سقوط المجتمع العراقي في دوّامة العنف . ومثل هذا الموقف لا يليق بالمؤرخ من ناحية ، كما أنه يمثل نوعا من " العمى النفسي – psychological blindness " الذي تسبّبه الدوافع النفسية الناجمة عن " الشعور بالذنب – guilt feeling " من ناحية ثانية ، أو لتزوير الوقائع لتحقيق مصالح آيديولوجية من ناحية ثالثة .

ولندع الوردي يتكلم عن تلك المرحلة :
(حدّثنا التاريخ عن كثير من الحركات والانتفاضات الشعبية التي ظهرت في الأمم المختلفة قديما وحديثا . وقد وجدنا في معظم هذه الانتفاضات غوغائية مقيتة وحماسا طائشا . ولكن الذي يجب أن لا ننساه في هذا الصدد هو أن الغوغائية والحماس يختلفان في نتائجهما باختلاف طبيعة المجتمع الذي ينشآن فيه . ففي الثورة الفرنسية شهدنا المقاصل تُنصب ويساق إليها العدد الغفير من الأبرياء والمذنبين زرافات ووحدانا ، وكانت الجماهير تجلس حول المقاصل تضحك على ضحاياها وتتفرج على الطريقة التي يُذبحون بها كأنها كانت تتفرج على مسرحية جميلة . لم تُنصب المقاصل في ثورتنا كما نصبت في الثورة الفرنسية ، إنما استُخدمت فيها الحبال والخناجر والهراوات والقناني ( ...... ) سمعت أحد شبابنا يقول متفاخرا : (إن الشعب العراقي امتاز على الشعوب الأخرى بابتكاره لطريقة السحل ) . ولست أدري مبلغ هذا القول من الصحة ، ولكني أتمنى من صميم قلبي أن لا يكون صحيحا . فالأمم اليوم تبتكر الوسائل للصعود إلى القمر والمرّيخ ، بينما نحن نفتخر بابتكارنا وسائل المَثلة والتعذيب) (378) .
ويكفي القول إن المرحلة التي أعقبت ثورة الرابع عشر من تموز شهدت الحالة الأولى في تاريخ العراق القديم والحديث والتي تمثلت في صلب امرأة عارية على عمود للكهرباء حتى الموت .
وإذا كان الوردي يصف باشمئزاز وألم ما حصل لرجل من تقطيع وفقء عيون ، فإن الكاتب " باقر ياسين " يذكر في كتابه: " تاريخ العنف الدموي في العراق " حوادث أكثر دموية وأشد بشاعة . يقول ياسين:
(وإذا استثنينا الجيل الأول من الشيوعيين الذين نفّذوا الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917 بأساليب العنف الثوري فإن الشيوعيين العراقيين ربما يأتون في مقدمة الفئات والأحزاب في العالم التي تمسكت بشعارات العنف الدموي وطبقتها بقسوة وهمجية وشراسة متناهية في النصف الثاني من القرن العشرين فكانت شعاراتهم التي تطالب بالإعدام والموت والسحل بالحبال " ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة " والتهديد بالقتل تتردد على الدوام في أرجاء البلاد على مدى أكثر من أربع سنوات منذ انتصار الثورة في 1958 ( ... ) . ففي تاريخ 9/3/1959 خرج المحامي أمجد المفتي والأستاذ عمر الشعار من أهالي الموصل ، بسيارة متوجهين إلى قرية ( تلكيف ) القريبة من الموصل لشراء بعض الحاجيات لأن الحوانيت في الموصل كانت مغلقة بسبب الاضطرابات وحال وصولهما إلى قصبة تلكيف تصدّى لهما أحد الشيوعيين قرب مركز الشرطة وصاح عليهما : هذا بعثي .. فهربا بسيارتهما واتجها نحو مركز الشرطة وطلبا الحماية بعد تسليم نفسيهما إلى مأمور المركز ، وانتشر الخبر في تلكيف ، فحضر عدد كبير من الشيوعيين المسلحين إلى المركز وأحرقوا سيارة المحامي أمجد وطلبوا تسليم اللاجئين فامتنع المسؤلون في المركز عن تسليمهما ، وسفروهما بسيارة مع أربعة من أفراد الشرطة ، تصدى لها الشيوعيون وأنزلوا المجني عليهما منها بالقوة وأطلقوا عليهما الرصاص فقتلا ومُثل بجثتيهما ثم سُكب النفط عليهما وتم حرقهما . وبعدئذ جيء بـ ( مدحلة ) سارت فوق جثتيهما إمعانا في التمثيل وتضليلا للتحقيق) (379) .


ردي:
كنت حضرت للناقد الكبير نقده لرواية الاديبة ذكرى محمد نادر في المركز العراقي الثقافي بدمشق وأدهشني عمقه الفكري في النقد، نقد كتاب يقابل بكتاب يا للروعةو ومنذئذ تحولت للأبحاث ومازلت وهي ارجح الاعمال عندي لاهميتها .
جمهور الوردي أكثر من جمهور أي وزير في الحكومة ..
نعم أستاذ حسين..
المفكر فالمفكر رجل سياسي يتفوق بجماهيريته الحقيقية على كل السياسين
كن بخير وبارك لله بكم.