على هذه الأرض (قصة قصيرة)
1
اقتربت منه ابنته، وضعت كفها على رقبته العارية، فتحسس بها برودة أكثر مما وجد في الليلة الصيفية وهو واقف في الشرفة منذ نصف ساعة.
ألصقت كتفها بكتفه، نظرت في عينيه الشاردتين ، المعلقتين بشيء غير ظاهر:
- فيم أنت ساهم؟ أفي السفر أيضاً؟
زفر زفرة طويلة ، لكنه لم يغير مرمى ناظريه ، ولا تعابير وجهه المتصلّبة
- أما زلت مصمّماً؟
سألته وفي لهجتها خضوع ورجاء
بتذمّر ردّ:
- أتعجبكِ حالنا هذه ؟ ولا ندري بم ستقذف إلينا الأيام القادمة كذلك
- تفاءل بالخير
بطرف عينه نظر إليها مسخّفاً ومستنكراً فأسكتها، وجدتْ الاستمرار في الحوار ضرباً من العبث فتركتْه ودخلت الحجرة.
الفكرة تراوده منذ زمن ، عمله الأصلي الذي كان يدرّ عليه الآلاف المؤلّفة كل شهر من قطاع السياحة توقف كله، حتى مطعمه الذي كان في إحدى أجمل المناطق انتهبته أيدٍ عدة، جرّب أن يضرب في وديان الحظ غير مرة فنجح قليلاً وخسر كثيراً.
والآن، يرى الأفق قد أطبق على صدره فكاد يخنقه.
- ها قد سبقني سمير، ليس يفوقني تعليماً ولا أقدر على حرفة، هناك من هيّأ له أوضاعه هناك، بقي أن يصل، يمكنه أن يتدبر السكن والمعيشة مؤقتاً حتى ينال الإقامة، وأنا كذلك من بعده.
وإن لم نحز الإقامة ، فلنبق لاجئين ينفقون علينا بدل أن نبقى هنا ونحن لا ندري على أي جانب نميل.
(يتبع)