هناك ظاهرةٌ مثيرةٌ، إن لم تُثِرْ لدى من لا يؤمنون بالنبوات أيَّ تساؤل جدِّي، فهم مجموعة من البليدين بكلِّ تأكيد:أولا: كل الأنبياء من حملة الرسالات السماوية ظهروا في منطقة جغرافية واحدة محدودة المساحة بالنسبة لمساحة هذا الكوكب لا تتجاوز 0,5% من مساحة اليابس، وانحدروا من جدٍّ واحد كان العالم في زمانه يعجُّ بمئات الآلاف من نظرائه في كل مكان (!!)ثانيا: كل نبي كان يبَشِّر بشكل أو بآخر بنبي يأتي من بعده، وكلهم بلا استثناء أشاروا بشكل أو بآخر إلى آخر حلقات هذه السلسلة (!!)ثالثا: النبي الآخير أخبر العالم بأنه آخر الأنبياء والرسل، وبالفعل لم يظهر بعده أيُّ نبي، والعدد المحدود جدا ممن حاولوا ركوب الموجة، ظهروا مثيرين للشفقة، ومضطرين لأبشع أنواع التأويل والكذب الواضح الصريح الذي لم ينطلِ على أيٍّ كان، في حين أن أيا كان لم يقدر على إثبات كذب أيٍّ من حلقات سلسلة النبوة حتى من كفر بهم وعاداهم (!!)
تُرى إذا كان هؤلاء مجرد كذابين أو مدعين أو مصلحين أوهموا الناس بعلاقتهم بالسماء ليصدقوهم، فلماذا:
أولا: لم يظهر مدعٍ مثلهم نسب نفسه إلى السماء وادعى حمله لرسالة سماوية في منطقة أخرى من العالم غير تلك المنطقة التي ظهروا فيها جميعا، ونحن هنا نشير إلى ضرورة التفريق بين النبي الرسول من جهة، وهو ما نتحدث عنه، والنذير المصلح من جهة أخرى، وهي الظاهرة التي عمت كل زمان ومكان وكل أمة وشعب (!!)
ثانيا: ولم يظهر مثيل لهم في الادعاء منحدرٌ من فرع آخر أو من أمة أخرى أو من شعب آخر، فالمجد الذي يحققه النبي الرسول لنفسه ولعائلته.. إلخ، جدير بأن ينافسه عليه كل من يرون في أنفسهم مواصفات استحقاقه، ولو كانت المسألة مجرد ادعاء وكذب واستغلال مقدرات وكفاءات شخصية، لكان سهلا أن يلتقط الطموحون الرسالة المنطواة في هذا الادعاء الثمين، ويقفزوا عليه وينتسبوا من ثمَّ إليه (!!)
ثالثا: ولم يظهر أي مُدَّعٍ لنبوة الرسالة بعد آخر الأنبياء المرسلين في أيِّ مكان في العالم، والعدد المحدود الذي ظهر فشل فشلا ذريعا في ادعائه، فلو كانت كل تلك القافلة هي قافلة كذابين ومُثدَّعين ودجالين موهِمين، فمن أين اكتسبت حلقاتها حتى آخرها تلك القوة التي جعلت أحدا بعدهم لا يملك القوة ذاتها على ممارسة الكذب والادعاء والإيهام (!!)
لا توجد أي إجابة مقنعة على هذه الأسئلة، سوى الإقرار بأن ما حدث إنما كان يحدث في سياقِ خطةٍ وقصدٍ أكبر بكثير من أن يكونا عرضة لادعاءات مدعٍ، أو أكاذيب كذاب، أو مؤهلاتِ مصلح، أو طموحات طامحٍ في المجد (!!)