بمناسبة مرور 67 عاماً على النكبة
نكبة فلسطين نكبة الأمة

د. غازي حسين

يحيي شعبنا العربي الفلسطيني وأمتنا العربية في الخامس عشر من أيار من كل عام ذكرى نكبة فلسطين وتأسيس الكيان الصهيوني بدعم من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وأمراء هاشم وآل سعود.
وتمر في هذه الأيام الذكرى السنوية السابعة والستون للنكبة والوضع الفلسطيني والعربي في أسوأ أحواله بسبب توقيع اتفاقات الإذعان في كمب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، وبسبب تعرض سورية إلى حرب كونية منذ أكثر من أربع سنوات، ويشترك فيها مسلحون إرهابيون من حوالي مئة دولة، ومدعومة من قوى عربية وإقليمية ودولية للإطاحة بالدولة السورية وتدمير منجزاتها وقتل وتهجير خيرة أبنائها، وكسر إرادتها الوطنية والقومية، وتغيير توجهاتها السياسية وتنصيب قيادة تخضع للسعودية والولايات المتحدة الأميركية لتصفية قضية فلسطين وإنهاء الصراع العربي الصهيوني.
وجهت السعودية وقطر وجماعات الإخوان المسلمين والدول الغربية المجموعات التكفيرية وما يسمى بالمجاهدين إلى سورية، القلب النابض للأمة كما وصفها القائد العربي جمال عبد الناصر، والتي انطلقت منها المقاومة الفلسطينية المعاصرة لتغيير قيادتها وإضعاف جيشها وتمرير الحل الصهيوني لقضية فلسطين.
آمن شعبنا وأمتنا العربية إن الجهاد كما فعل رجال الصحابة رضي الله عنهم وكما فعل البطل صلاح الدين الأيوبي هو لتحرير القدس مدينة الإسراء والمعراج، وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وكنيسة القيامة، وليس لتوجيهه لإضعاف أكبر الجيوش العربية الثلاثة وهي الجيش العربي السوري والمصري والعراقي.
تمر هذه الذكرى الأليمة في هذا العام وقضية فلسطين أصبحت نسيْاً منسياً لدى النظام العربي الرسمي وما سُمي بالربيع العربي ولدى الفكر الوهابي وبقية المجموعات التكفيرية، والتي بدأ البعض منها ينسق ويتعاون مع العدو الصهيوني، عدو الله والأنبياء والعروبة والإسلام والمسيحية والوطن والمواطن.
وتحولت بعض قوى الأمن العربية إلى شرطة لمحاربة المقاومة الفلسطينية واللبنانية والدفاع عن أمن إسرائيل.
وانقسمت الفصائل الفلسطينية إلى اتجاهين: الأول: يتمسك بالمقاومة وهو غير قادر على القيام بها لعدم توفر السلاح والعتاد والأموال، والثاني: تخلى عنها لالتزامه باتفاق الإذعان في أوسلو.
قلما حدث في التاريخ الإنساني أنْ قامت أقلية أوروبية جاءت من وراء البحار، غريبة عن فلسطين، دخيلة عليها بطرد أصحابها الأصليين وسكانها الشرعيين باستخدام القوة والمجازر الجماعية والحروب العدوانية واقتلاعهم من وطنهم وإقامة المستعمرات اليهودية على أنقاض مدنهم وقراهم.
ولا تزال النكبة مستمرة حتى اليوم بتهجير يهود العالم إلى فلسطين، واقتلاع الفلسطينيين منها تحقيقاً للخرافات والأساطير والأطماع والأكاذيب التي رسّخها كتبة التوراة والتلمود، وضمنها المؤسسون الصهاينة للصهيونية كأيديولوجية وحركة عالمية منظمة وكيان، لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية جراء تفتيت البلدان العربية وإعادة تركيبها من خلال إقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد، بحيث تكون إسرائيل بمثابة القلب والمركز والقائد له بالتعاون والتنسيق الكاملين مع آل سعود وثاني ونهيان وأردوغان.
قامت الحركة الصهيونية بمساعدة بريطانيا وأمريكا الاستعماريتين وألمانيا النازية وبموافقة ودعم أمراء آل سعود وهاشم بتهجير اليهود من أوروبا وأمريكا إلى فلسطين وإقامة «إسرائيل» فيها وترحيل الفلسطينيين منها. ولا تزال هذه العملية الاستعمارية والعنصرية والإرهابية، والهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني مستمراً حتى اليوم.
كنت النكبة نكبة الأمة لأنها كانت حصيلة الاتفاقات والمخططات الأوروبية والصهيونية والرجعية ومنها تقرير كامبل عام 1907، واتفاقية سايكس ـ بيكو عام 1916، ووعد بلفور الاستعماري عام 1917، ومؤتمر الصلح في فرساي عام 1919، ومؤتمر الحلفاء في سان ريمو 1920، ونظام الانتداب البريطاني عام 1922 وقرار التقسيم غير الشرعي عام 1947، وتأسيس إسرائيل في 15 أيار 1948.
وذلك لإبقاء البلدان العربية مجزأة متخلفة، والحيلولة دون تحقيق وحدتها وتطورها، والمحافظة على تبعيتها للإمبريالية والصهيونية العالمية لاستنـزاف ثرواتها وأمركتها وصهينتها ومحاربة العروبة والإسلام الأصيل وتوجيه ما سمي بالربيع العربي والجهاد لتفتيت البلدان العربية وتدميرها، ومحاولة إقامة دولة الخلافة الإسلامية لتبرير يهودية الدولة وتحقيق الحل الصهيوني لقضية فلسطين.
تعتبر النكبة وإقامة إسرائيل أكبر جريمة تطهير عرقي وقعت بعد الحرب العالمية الثانية، وأكبر جريمة جينوسايد (إبادة جماعية) ارتكبت بعد الإبادة الجماعية التي ارتكبتها النازية بحق المعادين لها من جميع الشعوب والأعراق الأوروبية غير الآرية، وهي مخطط صهيوني ـ استعماري ـ عربي رجعي بدأ يتحقق عن طريق ارتكاب العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة 74 مجزرة عام 1948 على غرار مجزرة دير ياسين وترحيل حوالي المليون فلسطيني قسراً ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم وتدمير مدنهم وقراهم، وملاحقتهم في مخيماتهم وتدميرها، حيث قامت إسرائيل بتدمير أكبر مخيم في الضفة الغربية عام 1967 وهو مخيم عقبة جبر ومخيم عين السلطان في أريحا، وساهمت في تدمير مخيمي جسر الباشا وتل الزعتر وارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا في بيروت. وقامت المجموعات التكفيرية الإرهابية المسلحة المرتبطة بالسعودية والولايات المتحدة وأجهزة مخابرات مختلفة باجتياح مخيم اليرموك وخان الشيح والنيرب وجندرات ودرعا لتهجير اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا ينتظرون عودتهم إلى مدنهم وقراهم في فلسطين إلى السويد وألمانيا وبقية دول العالم، وزج مشكلتهم بالأزمة السورية.
نتجت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين عن مخططات الترحيل والتهويد التي وافقت عليها المؤتمرات الصهيونية ولجان الترحيل التي شكلتها الوكالة اليهودية وحكومة إسرائيل، وعن قرار التقسيم غير الشرعي، والمجازر والحروب التي ارتكبتها العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة وجريمة التطهير العرقي التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي، واستغلال المحرقة واللا سامية وتآمر الأمراء والملوك الذين نصبتهم بريطانيا الاستعمارية، وتحمي عروشهم حالياً الولايات المتحدة الأمريكية وعلى رأسهم ملوك آل سعود وهاشم وأمراء آل خليفة وثاني ونهيان.
زعمت «إسرائيل» كعادة اليهود في الكذب قبل 67 عاماً، ورسخّتْ المناهج الدراسية فيها.
إن القادة العرب هم الذين طلبوا من الفلسطينيين مغادرة ديارهم، وجاء المؤرخون الجدد في إسرائيل وأعلنوا «أن ترحيلاً جماعياً وقسرياً قد ارتكبته إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني عام 1948م، وذلك بعد أن درسوا الوثائق الصهيونية في الأرشيف الصهيوني».
إن النكبة لا تزال مستمرة بعد مرور أكثر من 67 عاماً عليها، ويحييها الشعب والأمة في ظروف ومرحلة أكثر خطورةً مما كان عليه الوضع في السنوات الماضية، لذلك يجب التوقف عن المفاوضات الكارثية التي أجرتها القيادة الفلسطينية طيلة (21) عاماً، والعودة إلى خيار المقاومة الانتفاضة والميثاق الوطني، الذي جسَّد وتضمن الاستراتيجية والإجماع الوطني على عروبة فلسطين وتحريرها من رأس الناقورة حتى رفح ومن النهر حتى البحر.
واستغلت اليهودية العالمية معزوفتي الهولوكوست (المحرقة) النازي واللا سامية لإقامة إسرائيل وتبرير الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. فاستمرار النكبة والمحرقة زاد من المصائب والويلات والعذايات والقتل والتدمير والعنصرية والتمييز العنصري الذي يعانيه الشعب الفلسطيني داخل وخارج وطنه فلسطين.
وجاء دخول المجموعات التكفيرية المسلحة إلى مخيم اليرموك وبقية المخيمات الفلسطينية في سورية ليزيد من المآسي والعذابات التي يعيشها أبناء شعبنا العربي الفلسطيني من الإرهاب التكفيري، مما يضع اللاجئ الفلسطيني أمام خيار أساسي لا بديل عنه «وهو حق وواجب عودة اللاجئين إلى ديارهم».
إن حق العودة هو جوهر قضية فلسطين، وهو الذي أدى إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وجيش التحرير الفلسطيني، وإلى اندلاع المقاومة الفلسطينية المعاصرة في بداية عام 1965، ولا يمكن التوصل إلى حل عادل وسلام دائم إلاَّ بعودة اللاجئين إلى ديارهم، ولا تزال قضية حق العودة حية وحيوية، وتترسخ يوماً بعد يوم، وهي الأمل والحلم والهدف للشعب والأمة.
إن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم حق أساسي من الحقوق الطبيعية للإنسان، وهو حق لا يزول بزوال الدول أو يسقط بالتقادم، وغير قابل للتصرف، ولا تجوز فيه الإنابة أو التمثيل، وهو ملك للاجئ نفسه وليس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أو مؤتمرات القمم العربية، وهو حق عادل ومقدس، فردي انطلاقاً من القانون الدولي الإنساني وجماعي انطلاقاً من حق الشعوب والأمم في تقرير المصير.
وتؤكد آراء فقهاء القانون الدولي، والعهود والمواثيق الدولية، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 على حق العودة الطبيعي للإنسان إلى منزله كأحد قواعد القانون الدولي الأساسية.
أدت وثيقة سلطان بن عبد العزيز لبريطانيا التي تعهد فيها بإعطاء فلسطين للمساكين اليهود، ومشروع الأمير فهد الذي وافقت عليه قمة فاس الثانية عام 1982 وأصبح يعرف بمشروع السلام العربي، ومشروع سمو ولي العهد السعودي الأمير عبد الله، الذي وافقت عليه قمة بيروت العربية عام 2000، وأصبح يُعرف بمبادرة السلام العربية (وتضمن شطب عودة اللاجئين إلى ديارهم) وتعديل أمير قطر للمبادرة العربية بحيث تتضمن تبادل الأراضي لضم 85% من المستعمرات اليهودية التي أقيمت في القدس وبقية الضفة الغربية لإسرائيل إلى إلحاق أفدح الأضرار بقضية فلسطين العادلة، بل بأعدل قضية في تاريخ البشرية.
وجاءت المجموعات التكفيرية وتوجيه ما يسمى بالجهاد إلى سورية والعراق بدلاً من توجيهه لتحرير القدس ليلحق أفدح الأضرار بقضية فلسطين.
إن شعبنا العربي الفلسطيني يؤكد بعد مرور 67 عاماً على نكبته المستمرة أن العودة حق وواجب، وأن الصهاينة عابرون ونحن عائدون، وهم ذاهبون ونحن مغروسون في أعماق الذاكرة والأرض والإنسان. ويؤكد على التمسك بحقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف وعلى خيار المقاومة.
وأن مصير إسرائيل ككيان استعمار استيطاني ونظام عنصري وإرهابي إلى الزوال، كما زالت النازية من ألمانيا والاستعمار الاستيطاني الفرنسي من الجزائر، والعنصرية من روديسيا والبرتغال ونظام الأبارتايد من جنوب إفريقيا.