كتب د/ ناجح إبراهيم مقالاً في جريدة اليوم السابع بعنوان " أيها الأزهر الشريف.. الهجوم خير وسيلة للدفاع "
أكبر فعاليات الثقافة لا يحضرها إلا العشرات
موظفي الثقافة مات التجديد والإبداع في عقولهم
مجلات وزارة الثقافة المرتجع منها أكثر من المطبوع
لا أحد يعرف طلاسم منح ومنع جوائز الثقافة
ألم يأن لك يا أزهر أن تقوم من رقدتك ؟
قبل أن تنشأ وزارة الثقافة في مصر ظهر أعظم شعراء مصر مثل حافظ وشوقي وأحمد محرم ومحمود حسن إسماعيل.. وقبلها ودون الوزارة ظهر أعظم كتاب في مصر مثل المنفلوطي والزيات والمازني والعقاد وطه حسين والرافعي ومحمد فريد وجدي وكانوا من أعظم كتاب عصرهم .. وقبل الوزارة كانت الصحافة راقية وعالية المستوى ومهنية وفي غياب أي تقنيات متقدمة ظهر د/ محمد حسنين هيكل والشيخ على يوسف وأحمد أبو الفتح فضلا ً عن اللبنانيين الذين أنشأوا الأهرام ودار الهلال .. وقبلها أيضا ًكان الفكر الإسلامي الوسطي في أعظم توهجه فكان الإمام محمد عبده وتلاميذه أمثال الشيخ المراغي وغيرهم .
والخلاصة أنه كانت في مصر ثقافة عظيمة واهتمام باللغة والشعر دون أن تكون هناك وزارة للثقافة .. والفترة الوحيدة الجيدة في تاريخ وزارة الثقافة هي تلك التي تولاها المرحومين فتحي رضوان وثروت عكاشة وقام كل منهما في وقته بتجهيز البنية الأساسية الثقافية للوزارة.. وأصدر كل منهما مجموعات كثيرة من الكتب تحت عناوين دوريات رائعة كان الناس يتلهفون على شرائها وقراءتها .. كما طبعت الوزارة أهم وأرقى كتب التراث الإسلامي .. ومنها إحياء علوم الدين لعبقري الإسلام وصاحب أرفع عقلية إسلامية أنجبها قرنه حجة الإسلام "أبو حامد الغزالي" .. وتفاسير مثل القرطبي إلخ .. تحت منظومة رائعة اسمها كتاب الشعب .. والذي طبع أيضاً روائع الأدب العالمي من مسرحيات وروايات لشكسبير وغيره.. وقد كانت تباع كل مسرحيات شكسبير مترجمة ومطبوعة طباعة جيدة بقروش معدودة لا تجاوز الخمسة .. وكان الجزء الواحد من إحياء علوم الدين يباع أيضاً بقروش معدودة.. فضلاً عن سلسلة "أعلام العرب " والتي كان يباع الجزء الواحد منها بخمسة قروش لا غير .
فقد كان فتحي رضوان وثروت عكاشة من أهم المثقفين المصريين العظام الذين جمعوا بين كل أدوات الفكر الحضاري الحقيقي الذي يتلائم مع قيمنا وديننا وكان كلاهما يريد أن يربط الأمة بعروبتها ودينها وتراثها.. وكانت الوزارة وقتها لا تطبع إلا أجود الكتب ولم تعرف في عهدهما المجاملات ولا الرشاوي ولا بيع الجوائز للمحاسيب .. أو بيع الجوائز لكل من يطعن في الدين.. أو تطبع كتبهم على نفقة دافعي الضرائب .
وحينما تولى الوزارة العبقري والمجاهد الحقيقي فتحي رضوان أعطى الجائزة التقديرية للعقاد ليقول بعدها : إن هذه الجائزة اكتسبت شرعيتها من قبول العقاد لها .
ثم دارت الأيام دورتها لتمنح الوزارة جائزة الدولة التشجيعية في عهد مبارك وفاروق حسني " لسيد القمني" الذي شكك الكثيرون في صحة حصوله على الدكتوراة.. وكتب الكثيرون عن تزييفه للرسالة .. وهذا أمر بسيط بالنسبة للطامة الكبرى وهي إنكاره لنبوة النبي في كتابه "الحزب الهاشمي" الذي يخلص فيه إلى "أن بني هاشم أرادوا السلطة والسيطرة على قريش فلم يجدوا وسيلة سوى ادعاء النبوة لمحمد حيث اجتمعت السلطة ممثلة في أبي طالب عم الرسول والثروة ممثلة في السيدة خديجة لتكون بابا ً لتربع محمد على عرش العرب جميعا .. هكذا يكتب ويفكر أمثال القمني.
وهذه الخزعبلات لا يكتبها تلميذ في الابتدائي ولا يعنيني الآن الرد عليها .. فهي أتفه من ذلك وقد كتبت عنها مقالات كثيرة وقتها.. ولكن صاحبنا أعجب قادة وزارة الثقافة وقادتها يومها فأعطوا القمني جائزة الدولة التشجيعية وهي من أرفع الجوائز المصرية .. ومنحوه زورا ً وبهتانا ً وسحتا ً قرابة 100 ألف جنيها ً من أموال دافعي الضرائب المصريين الغلابة .
من حق وزارة الثقافة ووزيرها وقادتها أن يحبوا القمني كما يشاءون ويعجبوا بأفكاره كما يريدون.. ولكن أن يعطوه جوائز رفيعة باسم مصر لرجل يسب نبي الأغلبية الكاسحة من المصريين .. ثم يعطونه من أموال الشعب المحب لدينه ونبيه مكافأة على سبه للنبي وطعنه في مقدسات الأمة 10/1 مليون جنيه أو أكثر .. فهذا هو الضلال بعينه.
والغريب إنك لو سألت أي عالم في العلوم الاجتماعية عن عطاء سيد القمني للعلوم الاجتماعية لأجابك الجميع !!! .. لم نسمع عنه من قبل!!.. لا عطاء له!!.. لا يعرف عن العلوم الاجتماعية شيئا ً !! .. صفرا !!ً
إن إباطرة الوزارة لم يكتفوا بذلك أيام مبارك بل طبعوا على نفقة الشعب الغلبان ودافعي الضرائب رواية " وليمة لأعشاب البحر " لكاتب سوري مغمور فيها شتائم بذيئة لله سبحانه .. وكأن الأدب العربي والمصري خلا من الروايات التي تصلح للطبع ويومها خرجت المظاهرات المدوية من جامعة الأزهر الشريف .. وتم سحب الراوية ومعالجة الموضوع .
صحيح أن هذه المظاهرات العارمة أعطت شهرة للرواية لا تستحقها .. ولكنه الكمد والغيظ الذي تلاحقنا به هذه الوزارة بين الحين والآخر.
واليوم تعود الوزارة إلي سيرتها السابقة بعد أن ظننا أنها ستغير فكرها وتطور من نفسها وتنشغل بمعالجة آفات الأمة المصرية الحقيقية وتمحو الأمية الثقافية والفكرية.. وتحسن استغلال الإمبراطورية الكبيرة التي تملكها من قصور الثقافة وغيرها من إمبراطوريتها الكبيرة لربط المصريين بكل ما هو جيد ومفيد ونافع من الفكر الإنساني الذي لا يصطدم مع ثوابت الشريعة .
ولكن لا جديد في الأفق .. فالفعاليات الثقافية نادرة ولا يحضرها أحد .. وأكبر فعالية في القاهرة قد لا يحضرها إلا العشرات أما الأقاليم فلا جديد .. والموظفون الذين يديرون قصور الثقافة قد لا يحضره أكثرهم .. وإذا حضروا فللمسامرة والحديث وشرب الشاي وقراءة الصحف .
إنه الروتين المدمر الذي تجده بصورة بشعة في هذه المؤسسات التي يفترض فيها الإبداع والتجديد الفكري والعقلي.
ولكن ما الحيلة وقد قتل الإبداع عند أكثرهم .. ومات التجديد في عقولهم .. وغاب الهدف الاستراتيجي من رأسهم .. فلا ترسيخ لفكرة جيدة في المجتمع أو معالجة لسلبية فكرية أو ثقافية أو دينية .. ولا فضيلة غائبة يبحثون عن إحيائها ولا خلق ذميم يريدون معالجته أو إلحاد يريدون مقاومته.. إنهم أشبه بالموظفين المحنطين الذين يمثلون عبئا ً على الدولة وليس إضافة لها.
أما مجلات وزارة الثقافة وإصدارتها فهي منذ زمن بعيد لا يقبل عليها أحد .. وبعض مجلات الثقافة "المرتجع منها أكثر من المطبوع" على حد قول الساخرين .. وبعضها وزع أربع نسخ في إحدى المرات.. وكل مجلة لها هيكل إداري وميزانيات وطباعة وتوزيع ومصاريف وأموال.
إن شفرة وزارة الثقافة بالذات لم يستطع أحد من الشعب المصري فكها حتى الآن .. إنها الوزارة المحجبة بعد فترة الستينات وحتى الآن.
فلا أحد يعرف طلاسم منح ومنع الجوائز في الوزارة بدء ً من منح أمثال القمني الجائزة التشجيعية وحرمان أقطاب العلم والفكر في مصر من أي جائزة مثل د/ أبو همام ود/ أبو المكارم ود/ طاهر مكي وأمثالهم من أي جائزة - وهم من هم - وبعضهم من تلاميذ العقاد العظام .. ولكنهم وأمثالهم ليسوا من المحظوظين والمحسوبين على الفكر العلماني .. ولم يستطع أحد حتى الآن فك طلاسم إمبراطورية سرقة الآثار في كل العصور .. وخاصة حينما كانت الآثار تابعة لوزارة الثقافة.
ولم يستطيع أحد فك طلاسم فشل معظم إصدارات وزارة الثقافة دون غيرها .. وفشل معظم مشروعاتها .. في الوقت الذي نجح فيه أشخاص بعينهم في القطاع الخاص في إنجاز مشروعات إبداعية كبرى .. ونجحت مجلات تصدر عن صحف لا تملك نصف إمكانيات وزارة الثقافة المادية والمعنوية .
والغريب بعد ذلك الفشل الذريع للوزارة أن يصدر عنها أن الأزهر هو الذي قتل الإبداع وأخر الإبداع في مصر .. وكأن الأزهر هو سر فشل الوزارة في مشروعاتها الإبداعية .. فأين مشروعاتها الإبداعية التي عطلها الأزهر ؟.
أين إبداعكم .. ولم يحصل أي مشروع للوزارة على أي جائزة عالمية ؟.. ولم تنفذ الوزارة أي عمل إبداعي كبير تعرض من خلاله تاريخ مصر مثلا ً في أفلام سينمائية أو تؤرخ لعمل عظيم مثل حرب أكتوبر أو عين جالوت أو حطين أو أي مآثر في التاريخ المصري كله.. بدء ً من الفرعوني وحتى الآن في أعمال سينمائية ضخمة؟
لقد أصبح الأزهر الشريف " الحيطة المايلة " لكل من يريد أن يشتم أو يهاجم أو يداري فشله ؟ .. أو لا يقوم بعمله على نحو جيد أو لا يقدم جديدا ً في ميدان عمله .. فلا يجد إلا الأزهر كي يحطم البقية الباقية فيه .
وهل منع الأزهر الوزراء العمالقة مثل فتحي رضوان أو ثروت عكاشة رحمهما الله من مشروعاتهما العظيمة في إخراج كنوز الأدب والفكر الإسلامي والعربي والعالمي إلي النور للمصريين .
لقد أنتج العقاد أكثر من 130 كتابا ً لم يعترض الأزهر على واحد منها .. وأخرج الشعراء العظام مثل حافظ وشوقي وأحمد محرم وغيرهم مئات الدواوين التي كان الأزهر نفسه يشدو ويتغنى بها .
أليس الأزهر هو الذي احتمى به قادة وزارة الثقافة الآن في زمن حكم الإخوان ؟
أليس هو الأزهر الذي كانوا يمتدحونه صباح مساء ؟ .. ويقولون عنه وعن شيخه إنهم المسئولون عن وسطية الإسلام واعتداله ورموزها .
ألم يشارك هؤلاء الأزهر وشيخه الطيب كل الوثائق التي أخرجها بعد ثورة 25 يناير.. وكانوا يلجأون إليه ويحتمون به ويعتبرونه سندهم ضد من يتشدد معهم أو يسئ إليها ؟
أين ذهب هذا الحب ؟.. أم أنهم أدركوا ضعف الأزهر اليوم فأصلوه نارا ً لعلة يسقط ويهوي كما سقط غيره ؟
إن أزمة بعض المثقفين الذين قادوا ويقودون الحركة الثقافية أنهم كثيري الادعاء أنهم حملة مشاعل " التحرر والتنوير ومحاربة الديكتاتورية" والجميع يعلم أنهم أكلوا على كل موائد الديكتاتوريين بدء ً من مبارك وحتى القذافي.
إن هؤلاء يريدون حرمان الأزهر حتى من النطق أو الجهر بالرأي الفقهي الذي يراه .. والذي لا يلزم أحدا ً في الحقيقة.. يريدون قهره وكبته حتى ينطق بما يريدونه هم.. لا ما تريده الشريعة أو يراه العلماء الكبار في الأزهر .. إنهم يريدون تخويفه وترهيبه حتى يصمت صمت القبور أكثر من صمته الحالي.
إنهم يريدون حرمانه من أبسط الحقوق التي يكفلها الدستور لأصغر كاتب .. إنهم يستغلون حياء شيخ الأزهر ومؤسسته فيكيلون له وللشريعة أيضا ً التهمة تلو الأخرى .
إن حبهم للأزهر والطيب هو حب نفعي مغشوش وليس حبا ً صادقا ً أصيلا ً .. وبعض الناس في مصر لو استطاع هدم الأزهر لهدمه .
والغريب أن الأزهر واقع بين سندان أهل التغريب والعلمانية ومثقفيها وبين مطرقة التطرف والغلو الديني من جهة أخرى.. وكلاهما لا يرضي عنه ويريد السيطرة عليه .. ولن يسكت الفريقان إلا حينما ينتفض الأزهر ليذود عن نفسه وعن الإسلام السمح الوسطي العدل الذي لا يعرف إفراط المغالين ولا تفريط المقصرين .
ألم يأن لك يا أزهر أن تقوم من رقدتك؟!
أيها المارد الجبار لماذا النوم الطويل والصغار يعبثون بك صباح مساء ؟!
لماذا الركود والسكون ؟.. لماذا لا تبدأ الطرفين بالهجوم فتمحو عن ساحتك وساحة الشريعة الهزيمة من الجانبين ؟!!
ولماذا تهتم بالدفاع عن د/ شومان - وهو رجل فاضل مهذب ينبغي الدفاع عنه - أكثر من اهتمامك بالدفاع عن نفسك وعن أمثال البخاري وأبي حنيفة ومالك وغيرهم من علماء السلف الصالح الذي يتطاول عليهم الآن الصغير والكبير .. ويسخر منهم كل من هب ودب .. استيقظ يا أزهر قبل فوات الأوان .. ولا تخشى في الله لومة لائم.