الأستاذ بشير زهدي
في حوار عن دمشق والآثار
سلام مراد
الأستاذ بشير زهدي ـ أستاذ وعالم بالآثار وباحث مجد في الوقت نفسه، يتميز بنفس متواضعة، وروح إنسانية عالية تجلس معه كأنَّك مع صديق بينك وبينه حميمية عالية، تراه أخاً وأستاذاً وكلما التقيت به زادت محبتك له، تحسب نفسكَ أنكَ تلتقي بقريب وحبيب إليك، بعد سفر طويل، كان اللقاء حاراً عاطفياً إنسانياً علمياً جميلاً، فهو أستاذ في علم الجمال وباحث وأستاذ في علم الآثار و الدراسات الآثارية والجمالية والفنية، التقيته بعد قراءة مقالات كان يكتبها في الدوريات السورية، تلاحظ من خلال قراءة مقالاته بالدفق الإنساني والعلمي، ترى فيه الوفاء و الشيم وأخلاق العلماء، يتذكر الجوانب الإنسانية بعاطفية عالية فيتكلم عن ذكرياته في التدريس ومعايشته الناس البسطاء، يحس بالجميل والجمال، لذلك كان الاجتماع والحوار معه إنسانياً وعلميا،ً عاطفياً وجميلاً. التقينا به وكان لنا معه الحوار التالي:
س1*كيف كانت البدايات، الانطلاقة، والاهتمام ثم التخصص؟!
**ولدت في دمشق ـ الجسر الأبيض 1927 جادة محمد كرد علي، درست في قرى محافظة ريف دمشق (حلبون، كفير يابوس، أشرفية الوادي)، عملت في التدريس، اطلعت من خلال التدريس على حياة الناس وأخلاق الريف الأصيلة على الرغم من الفقر والظلم والبؤس في حلبون، أثار انتباهي وجود نبع وجرن أثري وعلى الجرن كتابة أثرية، كنت أقف بالقرب من الجرن بشكل متكرر، أدقق بهذه الكتابات وهي مكتوبة باللغة اليونانية أو اللاتينية، ثم نقلت إلى مدرسة عبد الملك بن مروان في حي القنوات في دمشق، وفي هذه الفترة درست الحقوق ثم تلتها عام 1951، في تلك الفترة فكرت وزارة التربية في رفع مستوى التعليم في سورية، عن طريق البعثات، فقامت بإرسال موفدين من حملة الشهادة الثانوية والجامعية وفئة الموظفين صغار السن الذين يحملون الشهادة الجامعية، فكنت من هذه الفئة أحمل شهادة الحقوق وصغير السن، انطبقت عليَّ هذه الشروط والمواصفات فأوفدت إلى فرنسا لدراسة الآثار والمتاحف وتاريخ الفن وعلم الجمال، فحصلت على الشهادات التالية: من جامعة السوربون في باريس أولاً: شهادة تاريخ الفن القديم ـ 2 ـ شهادة تاريخ الفن في العصر الوسيط، 3 ـ تاريخ الفن في العصر الحديث والمعاصر.
4 ـ شهادة علم الجمال وعلم الفن، كما نلت من معهد اللوفر في باريس شهادة دبلوم وذلك بعد دراسة تاريخ الفن، وعلم المتاحف.
أضف إلى ذلك اللغات القديمة وكان موضوع رسالة الدبلوم «بناء وتنظيم المدن السورية في العصر الهلنستي والروماني»، ثم عدت إلى دمشق في تشرين 1954.
بقيت أمين متحف الآثار اليونانية والرومانية، في متحف دمشق من عام 1954 حتى عام 1980، ثم عينت مديراً لمتحف دمشق الوطني في دمشق حتى عام 2003م.
كما كلفت بالتدريس في جامعة دمشق كلية الآداب «درست تاريخ الشرق القديم»، قسم التاريخ، و"علم الجمال" في قسم الفلسفة، كما درست في كلية الفنون الجميلة «تاريخ الفن وعلم الجمال».
ودرست أيضاً في كلية الهندسة تاريخ العمارة في العصور الوسطى وبعد إحالتي على التقاعد درست في حلب في الجامعة الخاصة للعلوم والفنون لمدة سنتين وطبعت لي الجامعة ثلاثة كتب: محاضرات في تاريخ الفن( ج1+ج2)، حضارات وأساطير.
س2*أنت من مواليد الجسر الأبيض- هذه المنطقة تعد قديمة، وفيها آثار من العصر الأيوبي- ما هي ذكرياتك في هذا الحي والمعلومات التي تختزنها في ذاكرتك عنه ؟..
**يوجد في حي الجسر الأبيض جامع المدرسة الماردينية، البناء أيوبيٌ جميل جداً يتميز بمئذنته المربعة الشكل وهيئته الجميلة، والخشبات الجميلة في داخله، كل هذا كان يلفت نظري وينمي في نفسي الحس الجمالي وجمالية العمارة الإسلامية.
ومنطقة الجسر الأبيض غنية بالمباني والبيوت الأثرية، يوجد في الحي حمام المقدم، مازال يعمل إلى يومنا الحالي، وهناك جامع الجهاركية، بناء جميل له قبتان جميلتان، ثمّ هناك جامع العفيف، وهو من العصر المملوكي، نسبة إلى العفيف التلمساني، ثمّ هناك جامع الدلامية من العصر الأيوبي المملوكي.
س3*حدثنا عن بداياتك ونشأتك في حي الجسر الأبيض، هناك معالم قريبة للجسر الأبيض ومتلاصقة مع هذا الحي مثل جامع الشيخ محي الدين بن عربي، ماهي ذكريات الأستاذ بشير مع جامع الشيخ محي الدين والحارات القريبة منه.
**تأسس جامع الشيخ محي الدين ابن عربي في العصر العثماني في عهد السلطان سليم، الذي بنى أيضاً التكية السليمية وجامع الصوفي الكبير الشيخ محي الدين ابن عربي، ومقابل جامع الشيخ محي الدين توجد تكية الشيخ محي الدين بن عربي، بني الجامع على الطراز المعماري العثماني، له مئذنة جميلة مضلعة عند المداخل وباحة تتوسطها بحيرة، يجري فيها الماء العذب للوضوء، وهناك حرم الجامع الذي توسع في الأربعينيات، ولهذا الجامع ناعورة ذات تقنية خاصة علماً أنه يوجد هناك حي يسمى حي النواعير مما يدل على كثرة النواعير في هذه المنطقة وكان آخرها ناعورة في حي العفيف تدور وتنشر ذرات المياه إلى مساحات بعيدة وهي لسقاية البساتين وتلبية متطلبات البيوت السكنية، وتوسيع الرقعة الخضراء في قاسيون، و في حي الشيخ محي الدين المدرسة العمرية التي كانت بمثابة جامعة فيها العلماء والعالمات، وكان يدرس فيها أيضاً الطلاب المكفوفون.
وفي المدرسة مكتبة غنية وضخمة ضمت المخطوطات القيمة التي سرقت في فترات الاضطرابات ولاسيما عهد المغول.
وهناك البيمارستان القيمري الذي كان يقدم خدمات طبية وهو من العصر المملوكي.
وتعتبر هذه الخدمات الطبية بمثابة خدمات المشافي في العصور الحديثة، والمدرسة العمرية كانت تقدم خدمات علمية من خلال التدريس وتخريج العلماء.
س4*ما هو سر الحميمية والمحبة القوية بين دمشق والأستاذ بشير زهدي؟
** هذا الحب هو حب للتراث العربي، الذي يتميز بغناه فلا أستطيع إلا أن أكون محباً ووفياً لهذا التراث بالإضافة إلى نشأتي وولادتي في دمشق جعلتني أحب وأعشق دمشق وأحياءها الجميلة، هذه المدينة القديمة، بيوتها، ومبانيها الأثرية. المختلفة دمشق مدينة ستتميز بالصمود والاستمرار فهي من المدن المعمرة والمسكونة والمأهولة في مختلف العصور.
غزاها الكثير من الجيوش الغازية وغادروها وبقيت دمشق كما هي، وتحولت تلك الفترات إلى مداخل وتاريخ يروى. فهي تستوعب القادم بسعة صدرها وأسلوب حياتها وحضارتها العريقة، التي جعلتها تستمر في مختلف العصور، هذه العصور التي تشكل في مسيرتها حقول تاريخها المجيد المزدهر، فهي المدينة العربية المتجددة الشباب، بالإضافة إلى الحياة الاجتماعية الغنية في دمشق المبنية على التعاطف والمحمية بين المواطنين.
س5*الجانب المعماري والهندسي في دمشق بماذا يتميز، مصادر تميز دمشق وجمالها وعمارتها وما هي مصادر هذه العمارة و الحضارة الدمشقية؟
** المباني الأثرية والتاريخية كالمساجد والجوامع والمدارس والترب والبيمارستانات، والزوايا والحمامات التي تتميز بجمالها.
فالعالم البريطاني جون وسكنر يقول: «إن الأمم العظيمة تقلد أمجادها في ثلاث مجلدات هي:
1 ـ مجلد أعمالها.
2 ـ مجلد آدابها.
3 ـ مجلد فنونها وآثارها وهو الأهم من هنا تتربع أهمية العمارة كمنشأة للحضارة وليس هناك بناء كالجامع الأموي في دمشق يجسد ويخلد الأمويين عبر العصور.
الجامع الأموي في دمشق، أولاً: كان معبداً آرامياً، عندما كانت دمشق عاصمة للآراميين ولها مملكة هامة جداً في التاريخ الحربي والحضاري، ثم أصبح هذا المعبد معبداً رومانياً في العصر الروماني عرف باسم معبد جوبيتر الدمشقي يتميز بسعته الكبيرة وجماليته وضخامته العمرانية والمعمارية. تحول هذا المبنى إلى كنيسة القديس يوحنا المعمدان في العصر البيزنطي، وبعد ظهور الإسلام بقي هذا المبنى معبداً للمسيحيين والمسلمين.
وفي العصر الأموي وما يتطلبه من مباني ضخمة جديدة بامبراطورية عربية توصل الوليد بن عبد الملك إلى اتفاق مع الأخوة المسيحيين إلى بناء جامع ضخم دامت أعمال عمارته عشر سنوات من سنة (705 حتى سنة 715 ميلادية ).
يتميز هذا الجامع بسعة صحنه وجمالية حرمه ومآذنه الثلاث وأبوابه، أضف إلى ذلك الموزاييك، ولوحات الفسيفساء الجميلة التي تمثل طبلات دمشق المطلة على نهر بردى أحد صورة الجنة كما تخيلها المؤمنون.
وتعتبر لوحات الفسيفساء هذه من روائع فن الموزاييك وقمة هذا الفن الجميل، وما زالت هذه اللوحات تجذب أنظار السائحين والمواطنين وتثمر لديهم شعور الإعجاب والتقدير، والجدير بالذكر أن هذا الجامع كان جامعة تلقى فيه المحاضرات المختلفة، زاره مثلاً أبو حامد الغزالي وأقام فيه فترة من الزمن وتحدث عنه الرحالة من مختلف أقطار العالم، إنه الإعجوبة الثامنة في العالم.
س6*سوق الحميدية من معالم دمشق التاريخية الهامة، ماهو تاريخ هذا السوق الذي يميز مدينة دمشق؟..
**يعتبر سوق الحميدية من أهم معالم دمشق، شيد في عهد السلطانين عبد الحميد الأول والسلطان عبد الحميد الثاني، يبلغ امتداده 600 متر من باب النصر حتى باب الجامع الأموي في دمشق، ويعتبر هذا السوق معرضاً دائماً للتحف والنفائس، والطرائف الدمشقية، المحلية، أضف إلى ذلك أن السياح بأزيائهم المختلفة الجميلة يشكلون معرضاً للأزياء المحلية والعالمية. ويعلوه سقف مرتفع يحمي المارين من أمطار الشتاء وحرارة الصيف، والجدير بالذكر أن السوق كان بمثابة الناطق عن المجتمع الشامي
وهو يتجمل بأجمل الزينة بمناسبة الأعياد الدينية والرسمية كما أن إغلاق المخازن وإضرابها يدل على مواقف طبقة التجار من الأوضاع المختلفة.
يتميز التجار بالسمعة التي هي رأسمال الإنسان بكل معنى الكلمة، فهناك قصص شعبية كثيرة، عن الأمانة التي يتميزون بها.
ويحرص الزائرون والسائحون على زيارة سوق الحميدية واقتناء ما يرونه مناسباً لهم. أضف إلى ذلك البوظة والحلويات الدمشقية.
س7*في دمشق آثار كثيرة وفيها متحف ضخم يضم آثارها وآثار المحافظات السورية، بماذا يتميز متحف دمشق؟
**حتى نهاية الحرب العالمية الأولى 1918 لم يكن في سورية أي متحف، ولكن الفئة المثقفة وعلى رأسها الأستاذ محمد كرد علي كانت تطالب بتأسيس دائرة آثار أسوة بمصر وذلك لحماية التراث، وفي عام 1918 تأسس ديوان المعارف وكان من شعبه المختلفة شعبة الآثار، التي كان من أبرز أعضائها الأستاذ عبدو كحيل، وعندما ظهرت فكرة تأسيس المتحف بادرت العائلات الكريمة في سورية إلى إهداء هذا المتحف مما لديها من مجموعات أثرية وقطع نفيسة شكلت نواة مجموعات المتحف.
وبمناسبة تتويج الأمير فيصل ملكاً على سورية في 8 آذار الأول 1920 أطلق على هذا المتحف اسم المتحف المملوكي وكان مديره الأستاذ محمود وهبي، وبعد انتصار الفرنسيين في معركة ميسلون اعتبر هذا المتحف والمجمع العلمي هما المؤسستان الوحيدتان الباقيتان من عهد الملك فيصل ابن الحسين، افتتح هذا المتحف رسمياً فيما بعد عام 1936 بمناسبة معرض الصناعات اليدوية في المبنى الذي عرف فيما بعد باسم ثانوية جودت الهاشمي. ولم يكن هناك في ذلك الوقت سوى المدفن التدمري وقد رافقت والدي وزرت ذلك المتحف في عام 1936 وشعرت بالضجة العلمية الذي أثاره تأسيس هذا المتحف، عندما كان الزائرون يتحدثون عن تدمر وملكة تدمر وحروب تدمر ضد الرومان، تم توسيع هذا المتحف وأصبح يتألف حالياً من الأقسام التالية:
1 ـ قسم ما قبل التاريخ.
2 ـ قسم الآثار الشرقية القديمة.
3 ـ قسم الآثار السورية من عهود اليونان والرومان والبيزنطيين.
4 ـ قسم الآثار العربية الإسلامية.
5 ـ قسم الفئة الحديث والمعاصر.
6 ـ وهناك حديقة المتحف التي عرض فيها الآثار الضخمة بين الأشجار والورود والأزهار.
ويعدُّ هذا المتحف منبراً للحضارة ومعهداً للبحوث العلمية وجامعة شعبية للجميع.
وتعتبر واجهة قصر الحير الغربي أجمل مدخل للمتحف في أقطار العالم.
وفي متحف دمشق مكتبة .... يستفيد منها الطلاب والباحثون والعلماء من مختلف الجنسيات.
بشير زهدي
1 ـ إجازة في الحقوق من جامعة دمشق 1951.
2 ـ ليسانس في الآداب من جامعة السوربون في باريس عام 1954
3 ـ حاصل على شهادة تاريخ الفن القديم
4 ـ حاصل على شهادة تاريخ الفن في العصر الوسيط
5 ـ حاصل على شهادة تاريخ الفن في العصر الحديث
6 ـ شهادة دبلوم من معهد اللوفر في باريس عام 1955
الوظائف:
1 ـ أمين المتحف الوطني بدمشق
2 ـ الأمين الرئيس للمتحف الوطني بدمشق من 1981 ـ 2002
3 ـ عضو في لجنة الإيكو الدولية
4 ـ عضو في لجنة الفنون التشكيلية
5 ـ عضو في لجنة التاريخ والآثار
6 ـ أستاذ محاضر في كلية الآداب: قسم التاريخ وقسم الفلسفة وكلية العمارة
مؤلفاته:
1 ـ علم الجمال والنقد ـ فلسفة الجمال طبع جامعة دمشق
2 ـ علم الجمال وعلم الفن ـ طبع جامعة دمشق
3 ـ المتاحف ـ طبع وزارة الثقافة
4 ـ الامبراطور فيليب العربي ـ طبع وزارة الثقافة
5 ـ معلولا المدينة الأثرية والسياحية ـ طبع المديرية العامة للآثار والمتاحف
6 ـ الرصافة لؤلؤة بادية الشام ـ طبع المديرية العامة للآثار والمتاحف
7 ـ كنيس دوار ادروبوس ـ طبع المديرية العامة للآثار والمتاحف
8 ـ دمشق وأهميتها العمرانية والمعمارية عبر العصور ـ طبع أصدقاء دمشق
9 ـ الفن السوري في العصر الهلنستي والروماني ـ طبع المجلس الأعلى
10 ـ الصناعات اليدوية السورية ـ طبع معرض دمشق
11 ـ تاريخ الفن1 ـ طبع جامعة حلب
12 ـ تاريخ الفن2 ـ طبع جامعة حلب
13 ـ حضارات وأساطير ـ طبع جامعة حلب
14 ـ دمشق المدينة العربية ـ طبع دار فرقد
15 ـ آثار العهود اليونانية والرومانية والبيزنطية ـ طبع المديرية العامة للآثار والمتاحف.
-16 دراسات في التاريخ والآثار والحرف الدمشقية 2010-دار الهلال.
-17من ذكريات عيد الجلاء2011.
18-حوران موطن الفعاليات الحضارية وأضخم المباني العمرانية-دار الهلال 2011.