سورة اليابان...............
وفي سياق الدراسة التي أشرنا إليها حول تقدم كثير من الدول الغربية على الدول الإسلامية في احترام مقاصد الإسلام وقيمه، أعيد نشر هذا المقال الذي نشرته من قبل بعنوان سورة اليابان:
كانت أول زيارة لي لليابان قبل سنوات, وفيها قدر لي أن أشاهد الحضارة اليابانية المذهلة التي فرضت احترامها على العالم, فهذه الأمة التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية من بين ركام الأموات, وعلى رائحة القنابل الذرية الفاجرة التي ضربت ذلك الشعب الجريح, تخط سطوراً جديدة للمستقبل والحياة.
ليس لليابان ثأر تاريخي مع العرب, وطبيعة شعبها الودود تفرض عليك محبة هذا الشعب وإكرامه ومحبته, وهكذا فقد صعدت منبر الزهراء يوم الجمعة وقلت للناس: منذ عشرين سنة وأنا على هذا المنبر في كل أسبوع أفسر لكم سورة الرحمن وسورة الفرقان ولكنني اليوم سأفسر لكم سورة اليابان!!!
سورة اليابان كان استهلالاً صادماً محيراً دفع إلى ألف سؤال وسؤال!!
قلت للناس: لو افترضنا أن النبي الكريم قرر أن يزور أمته في الأرض للاطمئنان على صحتهم وأحوالهم وركب البراق وهبط به إلى الأرض, وعند طبقة الأتموسفير بدأ يتطلع إلى الأرض ليبحث عن المكان الذي يحط فيه ليجد أهله وأنصاره, وهم بالطبع أولئك الذين طبقوا تعاليمه وسنته, سيسأل أولاً عن أول كلمة جاء بها من السماء : اقرأ , ولن يطول به الانتظار حتى يمتلىء تعجباً وغرابة حين يشاهد نسب الأمية المرتفعة في العالم الإسلامي, فأمة اقرأ لا تقرأ, والأمية ترتفع بين النساء في اليمن على سبيل المثال إلى معدل 70 بالمائة وتزداد في السودان والعراق لتصل إلى 75 بالمائة, وفي أفغانستان إلى 78 بالمائة وفي الصومال 85 بالمائة وفي النيجر 90 بالمائة, فيما دفنت اليابان آخر أمي عام 1961, والأمي اليوم هناك من لا يملك لغتين أو من لم يدخل عالم الحاسوب وهم هناك قلة على كل حال!!
حين يتساءل عن تعاليمه في الوحدة والجماعة, وإن هذه أمتكم أمة واحدة, سيهوله أن أمته الواحدة المأمورة بالوحدة والجماعة تتوزع بين ثلاثة وعشرين كياناً سياسياً عربياً , ويتعاظم الخلاف إلى سبع وخمسين دولة إسلامية محصنة بما شاء الله من أشكال الحدود المنيعة المتينة, لكل منها علاقاتها وأحلافها وأصدقاؤها وأعداؤها ومشاريعها المنفصلة المتناقضة, ومؤتمراتها تنتهي إلى اتهامات وطوشات!! في حين لا يصدر عن المائة وثلاثين مليون ياباني إلا قرار سياسي واحد يقره برلمانه ويلتزمه شعبه!!
حين يسأل عن قوله: ما آمن بي ساعة من نهار من أمسى شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم, سيشاهد بعض أبناء أمته وهم يتقلبون في قصور الذهب والفضة الباذخة, وآخرون يعيشون في الخيام وبيوت الطين, وتسحقهم المجاعة الظالمة دون أدنى اهتمام بوصيته إن الله فرض في جيوب الأغنياء ما يسد جوعة فقرائهم, في حين أن اليابان قد أدركت ذلك حتى لم تعد تشاهد فيها متسولاً, وتمكنت من تحقيق نظم كافلة جلبت للفقير حظه وكفايته.
حين يسأل عن وصاياه الخالدة في أمر الطهارة والنظافة التي هي شطر الإيمان, وأن الصلاة نفسها لا تقبل إلا بطهارة الثوب والبدن والأرض فإن نظرة واحدة إلى شوارع كثير من العواصم الإسلامية وما يتراكم فيها من ريش ونفايات وقمامات وتعتير, ستجعله مقتنعاً بأن القوم لم يسمعوا بعد شيئاً من كلامه في الطهارة, فيما أصبحت شوارع اليابان بيضاء كأنها أرض حرم طهور, ولا يمكن أن تجد فيها عقب سيكارة, وهم يخلعون نعالهم إذا دخلوا أماكن عامة إحساساً ببركة الطهارة والنظافة ورغبة في المحافظة على البساطة التي طبعت حياتهم!!
وإذا تساءل عن وصيته المشهورة إن الله يكره العبد البطال وقرأ معدلات البطالة التي ترتفع إلى أربعين وخمسين بالمائة في بعض مناطق العالم الإسلامي ناهيك عن البطالة المقنعة التي تفرزها المحسوبيات والواسطات في حين أن الأمة اليابانية اعتادت على معدلات بطالة لا تصل إلى ثلاثة بالمائة.
ولو سأل عن وصيته المشهورة لاتسرف ولو كنت على نهر جار, ثم تأمل القصور العربية التي صارت تبنى في حواشيها القرى والمزارع والملاعب وحدائق الحيوان, وراح بعضهم ينشئ مقاصير الزجاج الباذخة داخل البحر بتكاليف مذهلة, في حين أن 85% من الشعب الياباني الغني والثري لا يزال يفضل السكنى في الاستوديوهات, وهو مجرد غرفة نوم وصالون تسكنها العائلة في جو مفعم بالرضا ورغبة متجددة بالتنمية والبناء والازدهار, في حين أن أموالهم تنفق في المصانع والمعامل بدلاً من اكتنازها في نهم لا تنتهي!!
وإذا سأل عن وصيته الكريمة: بورك لأمتي في بكورها, ثم رأى يوم العمل الياباني يبدأ في الخامسة صباحاً, حيث تزدحم صالات المترو قبل طلوع الفجر بملايين الراكضين إلى أعمالهم كالنمل!! في حين أن اليوم العربي يبدأ في التاسعة وربما في العاشرة وأكثر من ذلك بكثير.
فإذا تذكر الآية الكريمة : وسخر لكم ما في السموات والأرض جميعاً منه ورأى أن اليابانيين يركبون الفضاء ويخزنون الطاقة الشمسية ويوظفون الذرة للتنمية والبناء, في حين أن أمته لم تزل تستورد مواردها من أعدائها بدءاً من النفط العربي المطور حتى لقمة العيش, وهكذا....
هنا هل يكون ملاماً إذا حرك البراق صوب اليابان وحط في طوكيو بواقع أنهم أكثر منا تحقيقاً لوصاياه وتعاليمه ?
أما لو أنه أراد أن يبحث عن أشكال الحياة التقليدية التي كانت سائدة في جزيرة العرب من الثوب والدشداشة واللحية والقلنسوة والبرقع والهريس والثريد فإن أنسب مطار يحط فيه هو مطار قندهار!!