الشعر والموسيقى توأم والبقية تأتي......
لقاء مع الشاعر والفنان مصطفى صمودي
أجرى المقابلة (سلام مراد)
مصطفى صمودي إنسان متعدّد المواهب والاهتمامات. فهو شاعرٌ وباحثٌ وموسيقيٌ وكاتبٌ ومخرج مسرحيٌ. بدأ بالنهل الثقافي والفنّي منذ صغره. شغل مواقع ثقافية وإدارية هامة. عمل معاوناً لمدير المركز الثقافي في حماة ثم مديراً له ثم مديراً للثقافة وهو عضو في اتحاد الكتاب العرب /جمعية المسرح/ يكتب في الصحف والدوريات والمجلات السورية والعربية، نشر العديد من الكتب في أكثر من جنس أدبي. فعلى صعيد البحوث والدراسات كان آخرها (اليهود في التوراة والتلمود) وعلى صعيد الشعر كان آخرها (من عليها السلام) وعلى صعيد المسرح كان آخرها (شيطانسان) طباعة اتحاد الكتاب العرب. شارك في العديد من المهرجانات على الصعيدين الثقافي والفني بسائر تفرّعاتهما، كان لنا معه اللقاء التالي:
*أستاذ مصطفى دعنا نبدأ معك في المسرح، بأيّ كاتب من الكتاب المسرحيين تأثرت في بدايات كتاباتك المسرحية؟..
**عندما يبدأ المرء بقراءة كتاب ما لا على التعيين، يجد أن هناك كتاباً يجذبه ولا يستطيع تركه حتى ينتهي من قراءته. وهناك كتاب تبدأ بقراءته فينتابك الملل من الصفحات الأولى وإذا تابعته مضطرّاً فإن موضوعه يمرّ على ذاكرتك مرور الماء على أرض مطليّة بالزيت. من هذا المنطلق أقول لقد تأثرت بكل نص مسرحي جيد سواء أكان مؤلفه مشهوراً أو مغموراً، محلياً أو عربياً أو عالمياً. وكلنا يعلم أن مراحل الإبداع أربع (التثقيف ـ الكمون ـ بذور الفكرة ـ تحقيقها) لذا فإنَّ كلَّ ما يقرؤه المرء يسكن في شواطئ لاشعوره ليظهر في كتاباته من غير أن يدرك أنَّ هذا من مدرسة الكاتب فلان؟ أو فلان..؟؟
*بمن تأثرت من الشعراء؟
**الجواب السابق على ما أعتقد كاف للرد على هذا السؤال أيضاً. مضيفاً إليه تأثري بعض الشيء بـ«نزار قباني» الذي أسرنا في يفاعتنا /قرّاءً وكُتَاباً/ إلاَّ أنني انفلت سريعاً من مساره من خلال قراءاتي الكثيرة المتنوعة التي أمدّتني بذخيرة معرفية وثقافية وشعرية؛ معترفاً بما للشعر الصوفي من تأثير في كتاباتي بعامة حيث يمكنك أن تجد كثيراً من المصطلحات الصوفية المتناثرة بين ثنايا شعري بطريقة عفوية، مثل /الكشف/ عالم الذرّ/ وغير ذلك. ولئن دلّ ذلك على شيء فإنما يدل على انجذابي إلى هذا الشعر المحبب إلى قلبي والقريب من نفسي إلى حدود التّماهي.
*أيهما أسبق بالنسبة إليك الشعر أم المسرح؟
**الأسبقية في الزمن لا تعني الأسبقية في الإبداع. هذا أولاً، ثانياً: الشعر فردي على صعيد/ التأليف والأداء/ ويرتدّ على الشاعر ـ وحده ـ نتيجة ما كتب أو ما ألقى سلباً أم إيجاباً. أما المسرح فهو عمل جماعي بكل ما تحويه الكلمة من معنى. فيه المؤلف والمخرج والممثلون واللغات السمعية والبصرية الخ... فإذا تعثر فريق ما فإن تعثره لابد وأن يؤثر على الفريق الآخر المشارك معه في العمل. ولهذا السبب وغيره فقد كان الشعر أسبق في دخولي إليه من المسرح لأني كنت أُسمِع بعض أصدقائي والمهتمين ما أكتب من الشعر. أمَّا المسرح فكان دخولي إلى عالمه بطريق المصادفة وكان ذلك بعد أن انتسبت إلى نادي الفارابي بحماة لأتعلم الموسيقى فسألني أحدهم هل تلعب بالورق (الشدّة)؟ قلت له لا أعرف. ثم سألني هل تلعب بطاولة الزهر؟ قلت له لا أعرف. أجاب ماذا تعرف إذاً؟ قلت له أنا أكتب الشعر. وبعد أن أسمعتهم بعضاً من شعري طلبوا مني بإلحاح أن أشترك معهم في تمثيل مسرحية سيقدمها النادي. قلت لهم لم أمثل في حياتي أي دور. وكان يسمع حديثنا مخرج العمل الذي سيُقدِّمه النادي وقد اكتشف إمكانيتي التمثيلية ـ كما قال لي ـ من خلال إلقائي لقصيدتي. فأسند إليَّ دوراً لا بأس به. وعندما انتهت المسرحية قال لي: هذا المخرج بالحرف الواحد: «أنت موهوب ومستقبلك المسرحي باهر كممثل إذا تابعت» ثم كتبت الصحف المحلية عن المسرحية بعد عرضها وكانت عبارات الثناء تخصّني أكثر من غيري من بين سائر فريق العمل المسرحي مما أعطاني دافعاً آخر للاستمرار ليس من مبدأ «والغواني يغرّهنّ الثناء» بل من مبدأ التّيموس الأفلاطوني: «أيْ أن تُعرف أنت من خلال الغير لا من خلال ذاتك فقط»، وعندما احتضنت وزارة الثقافة في القطر العربي السوري في أوائل السبعينيات مهرجان الهواة المسرحي شاركت فيه على مدى ثلاث سنوات وكتبت الصحف والمجلات المحلية عن أدائي المتميّز كما كتبت أيضاً مجلة الصياد اللبنانية واصفة إيّاي بقولها: (وجه سينمائي متميز).
*ماهو أول ديوان شعري طُبِعَ لك؟
**أول ديوان لي طبعته كنت في الصف الثالث الثانوي أي قبل حصولي على البكالوريا وهذا يعني أن الشعر الذي حواه هذا الديوان كان قبل ذلك السن وتظهر رومانسية الديوان من خلال عنوانه: (شموع الذكريات) لكن أساتذتي وبخاصة أستاذ مادة اللغة العربية شك في أن شعر هذا الديوان ليس لي، ولم يصدق إلاَّ بعد أمرين اثنين إذ طلب مني أن أكتب له موضوعاً إنشائيّاً حدّد لي عنوانه فجئته في اليوم التالي بالمطلوب بعدها أيقن أن الشعر الذي يحتويه الديوان هو من نظمي،حينها شّد على يدي وبدأ يرعاني ويشجعني شريطة أن أكون أكثر إبداعاً في ديواني الثاني.
*ماهي أول مسرحية كتبتها؟..
**أول مسرحية كان عنوانها (أغنية البحر) وقد حاولت إخراجها للمسرح الجامعي في جامعة دمشق يوم كنت طالباً فيها وكان من بين أصدقائي الذين كانوا سيشاركون معي في العمل حينها الفنان الأستاذ غسان مسعود الذي صار نجماً مرموقاً في الدراما العربية وكان سيمثل في مسرحيتي دور كليب ومنهم أيضاً الأستاذ جمال الجيش الذي صار مذيعاً متميزاً في التلفزيون العربي السوري، ولم يتسنَّ لي إخراج هذه المسرحية لكثرة عدد ممثليها فاستبدلتها بأخرى. ثم عدت وأخرجت مسرحية (أغنية البحر) لنادي الفارابي وقد لاقى عرضها قبولاً حسناً من سائر المتفرجين والمهتمين والمتخصصين. ثم قام بإخراج هذه المسرحية إذاعياً صديقي الفنان لؤي عيادة وقد شارك في أدائها نخبة من الممثلين السوريين المتميزين. وآخر مسرحية عرضت لي كانت مسرحية الشريط طباعة اتحاد الكتاب قدّمتها فرقة فنية ليبية في مهرجان دمشق المسرحي.
*في مدينتك معالم ثقافية وآثارية وسياحية وتاريخية ملهمة. ماهي تأثيرات هذه المعالم على كتاباتك؟
**قد لا تجد ذلك مذكوراً بصريح العبارة، إلاَّ أنَّ جلّ كتاباتي تجد في طياتها ذكر هذه المعالم عرضاً، كيف لا والإنسان ابن بيئته كما يقولون. وتجد التصريح عن هذه المعالم في كتاباتي إذا كانت هناك ندوة مخصصة لذلك. أما التصريح الحقيقي فتجده بشكل واضح من خلال ذكري لكلٍّ من العاصي والنواعير ولا غرو في ذلك فحماة تحمل ميزات يمكن أن تكون بديلة عن اسمها الحقيقي منها مدينة أبي الفداء ـ مدينة العاصي ـ مدينة النواعير.
*موضوع الموسيقى لم تحدثنا عنه؟ أين درستها وهل ما زلت تتابع العزف؟
**الموسيقى لم أدرسها أكاديميّاً بل تعلمتها على يد أستاذ متخصص شأني في ذلك شأن سائر الذين تعلموا الموسيقى. ,تعلمت أول ما تعلمت العزف على العود ثم بدأت بجهدٍ شخصي بتعلم العزف على بقية الآلات الموسيقية (كمان ـ قانون ـ أكورديون ـ أورغ ـ غيتار ـ الخ...) وما زلت أعزف بين مجموعة من الأصدقاء للترويح عن نفسي وعن أنفسهم وبخاصة بعد أن أقرأ قراءة تستمر لأكثر من خمس ساعات مثلاً.
فأنا أقرأ يوميّاً بحدود السبع ساعات على الأقل. وما يميزني في هذا الجانب ليس العزف قدر ما يميزني التلحين فقد لحّنت أكثر من مئة أغنية وقد سُرقت بعض أغنياتي تأليفاً ولحناً ومنها أغنية (لحظة بقربك) غناها المطرب علي عياش، وسجلها في مطاعم الريان بدمشق مُدَّعياً أنها من تأليفه وتلحينه وحتى الآن لا أعرف كيف وصلت إليه هذه الأغنية. ولا أعرف أين يقطن، ولم أستطع الادعاء عليه لأعيد الحق إلى نصابه لأنّي لم أسجلها باسمي لتكون حقوقي محفوظة.
*ذكرت أن مجلة الصياد اللبنانية كتبت أنك وجه سينمائي فهل حصلت على جوائز في المجال الذي عملت فيه؟
**الجائزة ليست وحدها مقياساً لجودة العمل، لكنها في المقابل مؤشرٌ على أن العمل يتمتع ـ على الأقل ـ بالحد الأدنى من الجمالية وبخاصة وأن الإبداعات الثقافية والفنية تخضع للذائقة مثلما تخضع للمعايير. وأنا أحجم عن ذكر الجوائز التي حصلت عليها خجلاً، لكن من مبدأ (وأمَّا بنعمة ربك فحدّث) أقول لقد حصلت على صعيد المسرح على أكثر من جائزة تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً محلياً وقطرياً وحصلت جائزة صحيفة الأسبوع الأدبي، كما حصلت على جوائز عديدة في الشعر محلياً وقطرياً وعربياً أيضاً..؟ كما حصلت موسيقيّاً على صعيدي (تأليف وتلحين الأغاني) على العديد من الجوائز. وقد شكلت فرقة للأغنية السياسية وقدمت باسم هذه الفرقة حفلات كثيرة في سائر أرجاء القطر وفي المدن العربية كـ«لبنان» وبعض المراكز الثقافية الأجنبية (المركز الثقافي الألماني؛ وكل الأغاني التي قدّمت كانت من تأليفي ولحني.
*مصطفى صمودي يتمتع بروح الدعابة التي تقارب الشخصية الحمصية ما سرُّ ذلك؟..
**الطفل يصور ولا يُحلّل ولو أنه حلل لما استطاع أن يعيش طفولته ولا يفاعته بالشكل الذي يجب أن يعيشها. كانوا يقولون لي ما تقوله لي أنت الآن مذ كنت صغيراً. فشخصية الإنسان (بيولوجياً وسيكولوجياً ) فطرة من الخالق جلَّ وعلا، هكذا فُطِرت بحيث إذا كنت في مكان ما وجدت ـ بجانبي أو بعيداً عني ـ شخصاً خفيف الدم والظل يستهويني على الفور من مبدأ الحديث الشريف (الأرواح جنود مجنّدة) أما إذا وجدت بجانبي شخصاً عبوساً قمطريراً، أمجّه وأحس أن جبلاً يجثم فوق صدري. ألم يقل الرسول الكريم محمد () : [روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلّت عميت]؟.. ألم يقل أيضاً: (يدخل عثمان الجنة ضاحكاً لأنه كان يضحكني؟) والنظر إلى الضحك والبكاء والفرح والحزن يخضع لسياسة (الكأس نصف الفارغة) فالمتفائلون الضاحكون ـ وأرجو أن أكون منهم ـ يرون أن النصف مازال مليئاً والأمل لا محالة قادم. أمّا المتجهمون العابسون فإنهم يرون أن النصف قد انتهى وآن أوان الذبول فـ(يوحنا) و(شمعون) اللّذين كانا من حواريّي السيد المسيح عليه السلام خير مثالٍ على ذلك، فيوحنا كان يميل إلى الضحك والفرح، وشمعون كان يميل إلى الحزن والبكاء. قال شمعون لـ يوحنا مستنكراً ضَحِكَاتهُ وابتساماته: (ما أكثر ضحكك؟!.. كأنك قد فرغت من عملك)؟!.. أجابه (يوحنا) مبتسماً: (وأنت ما أكثر بكاءك؟!!.. كأنك قد يئست من ربك)؟!!!.
**
*ماذا تقول في ختام هذا اللقاء؟..
**أرى أن الجواب يحدّده سؤالك. إذ لا يمكن أن أختمه بمسرحية ولا بمقطوعة موسيقية. لذا فإنّي مضطر إلى أن أختمه بقصيدة عنوانها غربة الكتاب إذ كلّما استعرتُ من مكتبة المركز الثقافي كُتُباً لأقرأها وأجد بعضها يأكله الغبار والبعض الآخر ملتصق الأوراق لم يُفتح بالرغم من مرور السنين العجاف على وضع هذه الكتب في المكتبة، لذلك تصيبني هزّة محمومة فقلت باسم المثقفين والكتّاب وأخص بذلك القراءة السّمحة التي تحدث عنها د.طه حسين. لا الكتب المفروضة علينا في المناهج الدراسية. أقول:
هذا المُسجَّى.. لم يزل بَعْدُ المُرَجَّى
هذا كتابٌ.. مُطْفأ الصَفَحات مَجَّ غبارَه
من نوره هلّت تباشيرُ الأممْ
لبس الهزالَ شبابُه.. خذلتْه غرْبَتُه
تَوَجّسَ خيْفةً.. أقْعَى يُحارب موتَه
حين امَّحى وجهُ الضُّحى عن وجهه
شابتْ حروفُ قصائدي.. وانسلَّ من عُمُري غدي
شيّعت أزْمِنَةَ الولادة والرِّيادة.. وانْحنى ظهر القلمْ
يا غربة الكتَّاب والكلمات... في عصر المَتاهة والعَدَم.
*****
طبع للمؤلف:
شعر:
شموع الذكريات.
القناع.
الانشطار.
صاحبة الثوب الأخضر
من عليها السلام
الشام أنت
يسعد مساكم (زجل)
*مسرح:
أغنية البحر
ألوان وضباب
مارا
المتوازيان
متى يُحاصر الحصار؟
الشمطب يعود من جديد
الشريط
الأغبش
شيطانسان
الراوي الجديد
أول الرقص حنجلة (نصوص ساخرة).
بحوث ودراسات:
اللغة العربية والتحديات المعاصرة
قراءات مسرحية
في ملحمة جلجامش
المستنيربوذا
ماهافيرا
كونفوشيوس
لاوتسه
هكذا تكلم زرادشت
ماهوية المدينة الأفلاطونية
الفارابي وآراء أهل المدينة الفاضلة
ديمُسْتين بين الواقع والطموح
فولتير وإرهاصات التنوير
نيتشه بين الله وبين أناه وبين سواه
الدولة عند ابن خلدون.