ليست المرّة الأولى، ولم تكن الأخيرة تلك المجزرة التي حدثت في الثلاثين من شهر آذار من العام 1976 وراح ضحيتها ستة شهداء، وأكثر من مئة مصاب من الفلسطينيين، فقد أصبح القتل «المُشبع»، وارتكاب المجازر الوحشية بحق البشر والحجر، ثقافة مكرّسة في عرف كيان متطرّف غاصب، احتل الأرض، وباشر في عملية التطبيق لمشروع إحلالي، بتصوّر إجرامي ممنهج، يمارسون تدمير الأعراق الأخرى سعياً لفرض السيادة، وإطلاق نظرية العرق الأنقى، مشفوعاً برغبة جامحة لتتويج أنفسهم «كشعب الله المختار» المتفوّق، يخوّلهم استعباد البشر.


ونحن نعيش الآن، ذكرى يوم الأرض، تخليداً وتصويراً وذاكرةً للمجزرة الوحشية التي اقترفتها الهمجية الإسرائيلية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل، نستحضرها اليوم على إيقاع مجزرة جديدة يرتكبها الكيان الغاصب بحق أهلنا في مخيم جنين، ونستحضرها أيضاً على إيقاع صمود أسطوري، لا يزال الشعب الفلسطيني في فلسطين وفي شتات الأرض يقدّم على مذبح الأرض والوطن خيرة أبنائه شهداء.
لا بأس أن نتذكّر، ونعيش أحداث ذلك اليوم الذي أصبح علامة مميزّة، ومناسبة وطنية مهمّة في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني في الثلاثين من شهر آذار، يوم هبَّ الشعب الفلسطيني للدفاع عن الأرض بعد أن قام «الإسرائيليون» في 29 شباط 1976 بمصادرة آلاف الدونمات من أراضي قرى «عرّابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وغيرها» في منطقة الجليل في فلسطين، لبناء مستوطنات جديدة، وهي القرى التي أصبحت تُعرف بمثلث الأرض، ومن خلال تجاوز لكل الأعراف الدولية، علماً بأن هذه الأراضي التابعة لتلك القرى هي أراضٍ ملكيتها خاصّة، أو أراض مشاع في حدود مناطق سكانية، مستهدفة من قبل الصهاينة، تحت غطاء مرسوم «مشروع تطوير الجليل»، صدر في منتصف السبعينيات، وهو في الحقيقة مشروع خطّة خبيثة «لتهويد منطقة الجليل».
هذه الإجراءات الظالمة، التي صدرت عن الكيان الغاصب في التاسع والعشرين من شهر شباط من العام 1976 كانت الشرارة التي أشعلت انتفاضة الشعب الفلسطيني للدفاع عن أرضه والتمسّك بحقوقه، وكانت السبب المباشر في أحداث يوم 30 آذار، الذي عُرف «بيوم الأرض».
لم يكن هذا الإجراء الصهيوني هو الأول في هذا المسار، فقد تمت مصادرة آلاف الدونمات من أراضي قرى الجليل والمثلث، وكذلك الاحتلال المباشر للأرض منذ العام 1948 الذي تجاوز في مضمونه مصادرة ملايين الدونمات من الأراضي الفلسطينية.
في هذه المناسبة، والذكرى، نستحضر التفاصيل التي أوصلت الحال إلى المواجهة المباشرة بين أصحاب الأرض، وبين المحتلّ الغاصب، فبعد أن صدر مرسوم مصادرة تلك الأراضي، اجتمعت لجنة الدفاع عن الأراضي الفلسطينية، واللجنة القطرية لرؤساء المجالس العربية في مدينة «الناصرة» وقرر المجتمعون إعلان الإضراب العام الشامل «السلمي» في الثلاثين من شهر آذار من العام نفسه كبيان احتجاج ورفض، لكن الصهاينة، ومن خلال سلوكهم المتأصّل فيهم، اجتاحت قواتهم مدعومة بالدبابات والآليات الثقيلة القرى والبلدات الفلسطينية، وبدأت إطلاق النار عشوائياً، سقط على إثرها الشاب «خير ياسين» من قرية عرّابة شهيداً في التاسع والعشرين من شهر آذار، وقد انتشر الخبر، وفي صبيحة اليوم التالي «الثلاثين من آذار» هبّت الجماهير الفلسطينية غاضبة لتنفيذ إضراب ومظاهرات شعبية عارمة في معظم المناطق داخل الخط الأخضر، قوبلت من «الإسرائيليين» كالعادة بالرصاص الحيّ، سقط على إثرها خمسة شهداء، وعشرات الجرحى.
لقد كانت انتفاضة الشعب الفلسطيني خلال الأحداث، وفي تلك المناطق، والمناطق المحتلة في العام 1967 تمثّل احتجاجاً على سياسة التمييز العنصري، ومصادرة الأراضي التي تمارسها السلطات الإسرائيلية، شكّلت صرخة فلسطينية وطنية، وتعبيراً أصيلاً على وحدة المصير، وتمسّك الشعب الفلسطيني بأرضه وحقوقه..