موقف للتاريخ..... في مواجهة الخرافة...
.......
كان أقسى أيام حياته ... إنه اليوم الذي فارق فيه قرة قلبه وأمله الوحيد من الدنيا ابنه ابراهيم....
لقد رزق تسعة من الولد.. وقد دقن بيده ثمانية منهم تحت التراب وترك فاطمة مريضة كسيرة، وفارقت الحياة بعده بستة أشهر...
خلال حياته الطويلة كان الدهر يتوفى أبناءه ويستحيي بناته، فقد فجع بأينائه الأربعة أسقاطاً صغاراً، القاسم والطيب والطاهر وعبد الله...ولكن فجيعته بالبنات كانت أكبر حيث فارقنه وهن في الخدور ، يمتلئن شبابا وأملاً... رقية وأم كلثوم وزينب.... وصارت فاطمة ايضا على موعد الرحيل........
والان أصبح في خريف العمر .. واعداؤه يردادون شماتة به في مجتمع ذكوري جاهلي... صاحبكم أبتر.. يوشك أن يموت وليس له عقب فمستريح ومستراح منه.....
ولكن ضراعته الموصولة بالسماء جاءت بالامل على مايبدو ووضعت له الفتاة المصرية مارية غلاماً رائعا سماه ابراهيم ... وقد ناغى وحبا وغنى وملأ عليه حياته، حتى شغله عن كثير من عمله، واتخذ له بيتاً في العوالي كان يغشاه فيه ومارية، وفيه أمضى أعذب ايام الرومانسية الرقيقة والمشاعر الدافئة ... وهناك كان يعد إبراهيم للأيام من بعده... وحين عتبوا عليه في ابتعاده كان يقول: أنا عند قرة فلبي ابراهيم..لعله نبيكم الآتي من بعد، وسأتلو عليه مزامير قلبي وتغاريد روحي.....
ولكن فرحه الغض لم يطل حيث كشر القدر عن نابه.. وبدأ يفترس الغلام الصغير....
لم يصدق محمد ما كتبه الدهر وراح يصارع التقادير ... ويتخير غرائب الرقى والدعاء.. ويستدعي أطباء العرب.. هل من برء يعيد البسمة لنبي العالم الذي يواجه أقسى الأقدار.... ولكن عبثا. ...... العبد في التدبير والرب في التقدير... واصفر الولد وتهالكت نضارته... حتى صار كالفرخ المنتوف.... والنبي محمد يحاول أن يهبه من الحياة ما يستطيع، ولطالما تمنى أن يعطيه من أيامه... ولكن ملائكة الموت لا يقايضون ولا يجاملون .. ويتصرفون بلا قلب ..........
حين سكن قلب الصغير بين يدي والده... بكى النبي بكاء مريراً حتى علا صوته... واجتمع من حوله صحبه يربتون على كتفه ويخففون عنه، ولكن لات جدوى ... ولن تستطيع كلمة مهما كانت بليغة أن تنسيه حزنه الكبير لفراق آخر أمل كان ينتظره من العالم ... وكان يدرك تماما أن هذا الامل اذا ضاع فلن يعود أبداً......
بدا كل شيء كئيبا في المدينة يومذاك.. وتوقف الناس عن الابتسام وقال بعضهم لبعض... من شاء بعدك فليمت.. فعليك كنت أحاذر........
واختار الناس فالرجل الذي كان يواجه أحزانهم بصبره وحزمه .. بدا اليوم واهناً ضيعيفا.. تعصف به بدون رحمة أسخن المدامع من اختلاط وأسى وحيرة وبكاء...

وفجأة خدث ما لم يكن في الحسبان.... لقد كسفت الشمس !!! وهو مشهد نادر يرويه الآباء للأحفاد ... إنه غضب الطبيعة وحزنها وألمها,,,,
وطار الخبر في الناس أن الشمس كسفت لموت ابراهيم.... إنها واخدة من شمائل النبوة ودلائل الاعجاز......
لا يحتاج الناس لأكثر من خطوة واحدة في التاويل وسيصبح كل شيء دليلا فاقعا على تضامن السماء مع الأرض... ودليلا واضحا على نبوته....
استمع محمد لحديثهم... كان بامكانه ان يقول لهم انا سيد ولد ادم ولا فخر... لواء الحمد بيدي ولا فخر... الكواكب لي خاضعات والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين.... انها تبكي لفراق ابراهيم افلا تعقلون؟؟؟؟؟
لم يفعل شيئا....
كان بامكانه ان يسكت... يسكت فقط .. لتتكفل عواطف الم
حبين برسم تفاصيل الدراما الرهيبة التي تسجد فيها كواكب السماء للنبي الانسان، وتدور من حوله الذاريات ذروا والحاملات وقرا والجاريات يسرا... وكلها تبشر بأدلة حمده........
ولكنه لم يفعل....
لقد نظر الى مشروعه التنويري وهو صرخة في مواجهة الجهل والخرافة.... ولا يرضى له أن يتشظى على اوهام الجهل.... فاختار ان يجمل رسالته....
لقد وارى جذث قرة قلبه... والشمس كسيفة حزينة... ولكنه عاد من فوره الى المنبر وداس على جراحه والامه، وصعد المنبر وقال: ايها الناس ... ان الشمس والقمر آيتان من آيات الله.... لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته... فإذا رأيتم ذلك فافزعوا الى الصلاة...
أبدا انها ليست مناسبة لسرقة مدار الافلاك ورسم أمجاد من ورق... لا تصمد امام الحقيقة العلمية.... انه النبي الذي جاء يخارب الخرافة وهيهات ان يرضى للخرافة ان تدخل بيته الطاهر...
ليست دلائل نبوة ولا آيات إعجاز... ولا بكاء السماء لابن الانسان.... إنها حركة في السياق الكوني الرهيب... وكأنه يقول ... اسكتوا عما لا تعلمون... ذات يوم سيأتيكم الخزازرمي والطوسي وغاليلو وكبلر وكوبرنيقوس ونيوتن... ويمنحونكم فرصة النظر في المرصاد الكوني لتعلموا أنها أفلاك تدار بتقدير العزيز العليم... وأنها ليست في وارد جلب السعد لقوم وجلب البؤس لآخرين.......
إنها أحزاني أيها الناس.... ولكن الكون غير عابئ بما نكابده...
نيزك أكبر وتنتهي المشكلة..... ولكن الشمس لم تكسف لموت ابراهيم!!!....
........
أشعر باحترام عظيم لك أيها الرسول الكريم وأنت تعلم الاجيال أنه ليس من حقنا أن نرسم مدار الأفلاك على ما تشتهي أالأوهام... وان علينا ان نخترم العلم ... ولن لا نسمح للخرافة ان تطل ولو في سبيل التأييد الكامل لبرامج النبوة......
سؤال .. برسم دكاكين الاعجاز القرآني التي لا تنضب اليوم في فضائياتنا ومواقعنا في العالم الاخضر وصفحاتنا الفسبوكية.....
انه الرسول الانسان...... وكفى....