من أسرار السرقات الأدبية:
معجميا:
سَرِقة: ( إسم )
الجمع : سَرِقات
مصدر سُرِقَ وسرَقَ
السَّرِقةُ ( في الشرع ) : أَخذ مال معين المقدار ، غير مملوك للآخذ ، من حِرز مثلِه خُفية
السَّرِقَةُ الأدَبِيَّةُ : أيْ أنْ يَأْخُذَ شَاعِرٌ أوْ كَاتِبٌ شِعْراً أو نَصّاً لِغَيْرِهِ وَيَنْسُبَهُ لِنَفْسِهِ
سرقة أدبيّة : استخدام أو إعادة نشر مطبوعات محفوظة الحقوق أو الموادّ المسجّلة البراءة على نحو غير مصرّح به[1]
ولم يبعد النقاد العرب القدامى عن هذا الأصل اللغوي لمصطلح السرقة في سياق تحديداتهم الاصطلاحية لمفهوم السرقة الشعرية إلا في أنهم قد تلطفوا في هذا التصرف الأدبي " فعبروا عن السرقة كثيرا بلفظ الأخذ، وبينوا أحيانا ما للسابق من فضل في اختراع المعنى ، ثم أخذ اللاحق له، إما مع اللفظ أو بعضه.[2]
مصطلح سرقة ,مصطلح قديم لم يخل مجال منه, لكنه ادبيا معيب وفيه آراء مختلفة حوله ,منهم من يجعله مشروعا عبر فكرة التخاطر, ومنه من يجعله محرما عندما يكون متعمدا: يقول ابن رشيق الذي شرح مصطلح السرقة بتركيز:
ذكر ابن رشيق في مستهل حديثه في هذا الباب أن السرقات «باب متسع جداً لا يقدر أحد من الشعراء أن يدعي السلامة منه، وفيه أشياء غامضة إلا على البصير الحاذق بالصناعة، وأُخَر فاضحة لا تخفى على الجاهل المغفل».
فالملاحظ في قول الجرجاني أنه يفرّق بين السرقة وبين المصطلحات الأخرى كالغصب والإغارة والاختلاس وغيرها، ولكنه مع هذا متأثر بالمعاني الأخلاقية واللغوية والاجتماعية لهذه المصطلحات؛ وهذا ما أدى بالنقاد إلى أن يقوموا بدور القضاة أحياناً في تناولهم لهذا الموضوع الأدبي النقدي أولاً وأخيراً.
ينقل رأي بعضهم في أن السرق يقع في البديع المخترع الذي يختص به هذا الشاعر أو ذاك، وليس في المعاني المشتركة كثيرة الدوران في الأدب، وهو رأي تردد كثيراً في كتب النقد العربي القديم. وينقل المؤلف رأياً حصيفاً في هذه المسألة، مفاده أن اتكال الشاعر على السرقة بلادة وعجز، وأن تركه كل معنى سبق إليه جهل، ولكن عليه أن يسلك أوسط الحالات، بيد أن معنى السرقة في هذا الرأي يقترب كثيراً من معنى التقليد الذي يعد مشروعاً والعبرة في مدى ممارسته بين التقليد المحض وبين التأثر الإيجابي غير المباشر.[3]
يقول الأستاذ مراد حسن فطوم حول السرقات الادبية:
تعد مشكلة السرقات الأدبية من القضايا التي أثرت بوضوح في الحكم الأدبي, وكتب حولها الكثير من الكتب؟, من خلال تتبع المعاني وأصولها عند الشعراء وذلك حوالي القرن الرابع الهجري.
لقد اختلف رأي النقاد في السرقة, فبعضهم ذمها وأباح المعنى لهم, مثل ابن طباطبا العلوي, بل إنه يثبت المعنى للأخذ إذا كان محسنا ومجودا أكثر من الشاعر السابق.
كقول ابن نواس:
وإن جرت الألفاظ منا بمدحه=لغيرك إنسانا فأنت الذي نعني
أخذه من الاحوص حيث قال:
متى ما أقل في آخر الدهر مدحه=فما هي إلا لابن ليلى المكرم[4]
وهو هنا يطلب من الشاعر أن يحسن صناعته ,ويخفي سرقته, فيحور المعاني وقد أيد ذلك ابو بكر الصولي :إن من ياخذ المعنى ويتصرف به ويحشنه ,يكون اولى بالمعنى واحق به.
وقد كان لقانون السرقة الاسبقية في تشريعها, حيث لم يضع الفارق الزمني والأسبقية الفضل, ولم بكن ؟أكثر من أبي تمام اقتباسا وسرقة للمعاني بتحوير حصيف مبدع.
وقد كان لرأي الصاحب بن عباد في تصنيف الآراء الفضل في العدالة ,فقد قال:
إن العيب ليس في السرقة ذاتها بل في إنكاره لها وفضل السابقين للمعاني, ويعاب أيضا أخذه من المحدثين ثم إنكاره لمعرفته بهم!, لكن رأيا آخر قال:
إن السرقات تذهب بالشعر والشاعر معا.
ويمثل الحاتمي هذا الاتجاه, فأجحف بحق المتبني وأجهز على شعره لدرجة لا يترك له فضلا في شعر قاله, وأنه أنكر السرقة تماما, ولقد ركز الآمدي على السرقات عند أبي تمام, والبحتري واعتبرت هذه مقياسا للجودة والمقارنة.
لكن أبو هلال العسكري يرى انه ليست كل السرقات مذمومة بقدر مالها معيارها: فمنهم يأخذ المعنى كله, ومنه بجل لفظه, ومنهم بعرض المعنى الجميل في معرض مستهجن, فأخذ البين الواضح بإخفائه, والموجز المختصر بإطالته من غير زيادة في معناه.
وتبلغ هذه النظرة نضجها عند ابن وكيع التنيسي: فهو يجعل المعنى للمتقدم من الشعراء, فإما يتقدم السارق على المسروق منه, أو أن يكون قد اخذه ممقوتها ومسيئا للمعنى, ويضع صفات لحسن الأخذ وهي عشرة أوجه:
1- استيفاء اللفظ الطويل في الموجز القليل.
2- نقل اللفظ الرذل إلى الرصين الجزل.
3- نقل ما قبح مبناه دون معناه إلى ما حسن مبناه ومعناه.
4-عكس ما يصير بالعكس ثناء بعد ان كان هجاء.
5- استخراج معنى من معنى احتذي عليه وإن فرق ما قصد به توليد معان مستحسنات في ألفاظ مختلفات.
6-توليد الكلام من كلام لفظهما مفترق ومعناهما متفق.
7- توليد معان مستحسنات في ألفاظ مختلفات.
8- مساواة الآخذ المأخوذ منه في الكلام حتى لا يزيد نظام على نظام.
9-مماثلة السارق المسروق منه في كلامه بزيادة في المعنى ما هو من تمامه.
10-رجحان السارق على المسروق منه بزيادة لفظة على لفظ من أخذ عنه.
هي عشر صفات مذمومة في الأشعار.
ويعتبر عبد القاهر الجرجاني خير من تكلم عن السرقة ,فقد كانت عند ابن طباطبا فق مرتبة لإحسان للمعاني فلا يصنف سرقة, اما الجرجاني فقال: والسرق ايدك الله داء قديم, وعيب عتيق ثم تسبّب المحدثون إلى إخفائه بالنقل والقلب, ، فقد جاء بها في باب حسن الأخذ, وقد وردت قضية السرقات في العمدة في قول ابن رشيق "وهذا باب متسع جدا قدمنا شذرة منه. لا يدخل في باب الأخذ، وإنما يقع الغلط من بعض من لا يحسن التحصيل، ولا ينعم التأمل...."[19] وبهذا يفرق عبد القاهر بين الاتفاق في المعاني العامة وبين السرقة التي اقترح لها أكثر من مسمى منها ( الأخذ , الاستمداد , الاستعانة ) .
ويعد ابن الأثير أكثر من فصل الحديث في السرقات في كتابه المثل السائر حين كتب بابا في السرقات الشعرية , ومن ثم أقسام السرقات الشعرية" وقسمه إلى ثلاثة أقسام: نسخا، وسلخا، ومسخا.
أما النسخ فهو: أخذ اللفظ والمعنى برمته، من غير زيادة عليه، مأخوذا ذلك من نسخ الكتاب.
وأما السلخ فهو: أخذ بعض المعنى مأخوذا ذلك من سلخ الجلد الذي هو بعض الجسم المسلوخ .
وأما المسخ فهو: إحالة المعنى إلى ما دونه، مأخوذا ذلك من مسخ الآدميين قردة.
وههنا قسمان آخران أخللت بذكرهما في الكتاب الذي ألفته، فأحدهما أخذ المعنى مع الزيادة عليه، والآخر عكس المعنى إلى ضده، وهذان القسمان ليسا بنسخ ولا سلخ ولا مسخ.[5]
/ إن مصطلح السرقات قد ارتبط لدى الدارس العربي القديم أولا بقيمة أخلاقية، ومن ثم فنية، بينما التناص في الدراسة الحديثة يعد تقنية فنية خالصة، ولعل النقاد العرب القدماء قد فضلوا مصطلح السرقة لوقوعه العميق في مساحة التعبير الحقيقية لمفهوم التأثر والتأثير الذي كان يحمل معه شيئا من الإدانة.
ورغم هذا لا نجد معيارا حاسما يجمع فيه الباحث ما سبقه من آراء ويجعل لها حكما وقانونا وحسما, وخاصة اهمية تفريقه عن التناص الذي يعتبر تقريبا أقرب للتخاطر إن لم يكن فيه تشابه كبير.
يتبع
ريمه الخاني
27-2-2014





[1] المصدر: http://www.almaany.com/home.php?lang...B1%D9%82%D8%A9


[2] المصدر:
http://forum.stop55.com/387983.html


[3] للمزيد حول التفاصيل:
http://www.al-ayyam.info/PrintForm.a...f-eecc30a77e06


[4] راجع كتاب: التلق في النقد العربي للمؤلف المذكور.

[5] المصدر: http://forum.stop55.com/387983.html