نَظَرِيَّةُ النَّصِّيَّةِ الْعَرُوضِيَّةِ: قَانُونُ الْكَلِمَةِ
للدكتور محمد جمال صقر
بين الكلمة والتعبير اللغوي والجملة والفقرة اللغوية والفصل اللغوي والنص والكتاب والجمهرة اللغوية (الأعمال اللغوية الكاملة)، من العلاقات مثل التي بين التفعيلة والتعبير العروضي والبيت والفقرة العروضية والفصل العروضي والقصيدة والديوان والجمهرة العروضية (الأعمال العروضية الكاملة)؛ يشتمل كل مُفْرَدٍ من مُفْرَدات هاتين الطائفتين على ما قبله، ويشتمل عليه ما بعده، ولا يمتنع عليهما جميعا الذهابُ إلى أبعد من ذلك صعودا وهبوطا، حتى يعثر من أوغل فيما قبل الكلمة والتفعيلة على ما لا يكاد يَتَنَاهَى صِغَرًا، ويعثر من أوغل فيما بعد الجمهرتين اللغوية والعروضية على ما لا يكاد يَتَنَاهَى كِبَرًا- ويقفا جميعا على طبيعة التراث الإنساني المتكاملة المتنامية المتوالية، التي لا يستغني كل مركب فيها عن مفرده، ولا يَتَمَيَّز كل مفرد حتى يَتَمَيَّز مركبه!
من داخل التعبير اللغوي المستقل تتميز الكلمات التي تتشارك في تكوينه وتتكامل، حتى يستطيع من شاء، أن يصنفها على اسم وفعل وحرف، كما يصنفها اللغويون القدماء- وعلى اسم وصفة وفعل وضمير وخالفة وظرف وأداة، كما يصنفها اللغوين المحدثون. ومن داخل التعبير العروضي المستقل تتميز التفعيلات التي تتشارك في تكوينه وتتكامل، حتى يستطيع من شاء، أن يصنفها على وَتِديّة (مبدوءة بوتد)، وسَبَبيَّة (مبدوءة بسبب)، كما يصنفها العروضيون القدماء- وعلى خُماسيَّة (متكوِّنة من خمسة أحرف)، وسُباعيَّة (متكوِّنة من سبعة أحرف)، كما يصنفها العروضيون المحدثون.
ولكن من داخل التعبير العروضي اللغوي المزدوج تتميز التفعيلة الكَلِميّة نُطْقًا بسَكْتة خفيفة من قبلها وسَكْتة خفيفة من بعدها -وإن وَضَحَت السَّكْتتان حينًا إحداهما أو كلتاهما، وخَفِيَتا حينًا إحداهما أو كلتاهما- ويجري العُرْف الكتابي على تمييزها رسمًا بمسافة بياض من قبلها ومسافة بياض من بعدها.
ولقد ينبغي لطالب علم الشعر أن يراعي ما في تمييز التفعيلة الكلمية نطقًا ورسمًا على النحو السابق، من حفاوة بما تؤديه وزنًا ومعنًى، من حيث يتوقف عندها المتلقي على رغمه، ليتقبَّل أَثَرَيْها الآتيين:
1 تَوْضِيح الْوَزْن وَتَثْبِيته؛ فإن في تمييز التفعيلة الكلمية من قطع توالي التفعيلات المتشابكة، ما يُنَبِّه المتلقي على خصوصية الوزن الذي تشارك في أدائه، ويُمَكِّنه من نفسه.
2 تَوْضِيح الْمَعْنَى وَتَثْبِيته؛ فإن في تمييز التفعيلة الكلمية من قطع توالي الكلمات المتشابكة، ما يُنَبِّه المتلقي على خصوصية المعنى الذي تؤديه بعض الكلمات، ويزيد عنايته به.
وليس في التفعيلات الكَلِميّة أخطر شأنا مما في أطراف الأبيات؛ إذ تطمئن قبل الطرف الأول وبعد الطرف الآخر سَكْتَةٌ واضحة لا تختفي، تُوَفِّر على التفعيلة الكلمية نصف ما تتميز به، حتى إذا ما قام قائم القوافي بلغ تميز التفعيلات الكلمية أَوْجَهُ، ولم يعد لها بعدئذ من مُرْتَقًى ترتقي إليه؛ فأما إذا وُفِّق فيها طالب الشعر إلى تأثير الأَثَرَيْنِ السابقين (تَوْضِيح الْوَزْن وَتَثْبِيته، وتَوْضِيح الْمَعْنَى وَتَثْبِيته)، فإنه يُشْرِفُ عندئذ على المتلقين من مُرْتقاه الرفيع، وأما إذا أخفق فيها فإنه يهوي منها في مكان سحيق!
وكما بلغ اهتمام طالب الشعر بتفعيلات القوافي الكلمية أحيانا، أن يُجَهِّزها بين يدي إقباله على أبياتها لِيَطْمئنَّ به سعيُه إليها -حتى وُضِعَتْ لتأييد مَسْعاه المعاجمُ القافوية- ينبغي لطالب علم الشعر أن يَحْتَكِم إليها في تمييز أسلوب طالب الشعر، وإنزاله منزلته من التوفيق والإخفاق!
على حركة كَلِم التعبيرات أَطْرافيَّةً وأَحْشائيَّةً، ينبسطُ سلطانُ قانونِ الكَلِمَةِ، ويراعيه وُجودًا وعَدَمًا طالبُ علم الشعر، لأن طالب الشعر يخضع له عَفْوًا وقَصْدًا.