التفويف شعراً ونثراً / من قلم غالب الغول
التفويف ليس في الشعر فقط , بل يمكن أن يكون في أي مقطوعة نثرية , والقرآن الكريم هو خير ما أتى بهذا النفع العظيم , لأن في التفويف أجمل المعاني وأجمل الألوان الباهية , ففي لسان العرب يفسر معناه بأنه البياض الذي يكون في أظفار الأحداث , والفوف هي الحبة البيضاء في باطن النواة , وهي أيضاً الجبة البيضاء, وفي حديث كعب:تُرْفَع للعبد غُرْفةٌ مُفَوّفة، وتفويفها لَبِنةٌ من ذهب وأُخرى من فِضة.
هذا المعنى اللغوي لكلمة تفويف, ولكن المعنى الأجمل هو أن يكون الكلام جميلاً بألفاظ سهلة ممتنعة , تبدو عليها حلة الفصاحة , خالية من البشاعة , هذا إن كان نثراً , ولكن الشعر المفوف , فيكون سهل العروض عذب القوافي , وجميل في مخارج الحروف , ومعانيه لا تحتاج إلى مزيد من التفكير , ويقول ابن قاضي :
بعيشي ألم أخبركما أنه فتى
على لفظه برد الكلام المفوف
ويمكن أن يكون التفويف , كالثوب المفوف بخيوطه المزركشه يتخللها خيوط بيض .
وأول من نطق بالتفويف عنترة بن شداد , فقال:
إن يلحقوا أكرر، وإن يستلحموا
أشدد وإن نزلوا بضنك أنزل
وأجود التفويف ما اجتمع فيه الإطباق والمناسبة ,
فالطباق : مثل أطفأوا ـــ وأوقدوا ,, والمناسبة مثل :
الشمس والنجوم العوالي في البيت الآتي :
وقد أطفأوا شمس النهار وأوقدوا
نجوم العوالي في سماء عجاج
ولقد استخدم ابن طباطبا كلمة التفويف في كتابه ( عيار الشعر) فيفسر التفويف بضم الشيء إلى الشيء كالنسيج . والشعر كذلك ينسجه الشاعر نسجاً , ويشبه الشاعر بالنساج وشعره بالنسيج , بجمال الشكل والمضمون .
أما كتاب الكافي في العروض والقوافي فقد خصص باباً للتفويف بأمثلة شعرية ( صفحة 194 ) :
يقول جرير:
هم الأخيار منسكةً وهدياً
وفي الهيجا كأنهمُ صقورُ
خلائق ُ بعضهمْ فيها كبعضٍ
يؤم صغيرهم فيها الكبيرً
ويقول مروان بن أبي حفصة:
بنو مطرٍ يوم اللقاء كأنهمْ
أسودٌ لها في غيل خفّان أشبُلً
وقول إبراهيم بن عباس:
تطلعُ من نفسي إليك نوازعُ
عوارف أنَّ اليأس منك نصيبها
@@@@@@@@@@

من قلم غالب أحمد الغول