كيف نطبق القواعد السابقة على الواقع الأردني للقضاء على الفقر والبطالة والتبعية ؟

مؤشرات رقمية أردنية مستقاة من مصادر حكومية رسمية "إحصاءات عامة، وزارة مالية، بنك مركزي".. إلخ.
إن هناك حالة من الفوضى والتخبط في المؤشرات الإحصائية التي تعرضها المصادر الرسمية الحكومية إلى درجة التناقض الصارخ الذي يصعب معه الاعتماد على منطق التقريب وإهمال الفروقات بين تلك المؤشرات. ولأن ظاهرة التخبط هذه تطال معظم المؤشرات الإحصائية التي اطلعنا عليها، فإننا سنكتفي في هذا السياق بعرض نموذج واحد منها لإعطاء فكرة عن الحجم التضليلي في المسألة، وهو النموذج المتعلق بالعمالة والقوة العاملة والبطالة.
يُقَدَّر عدد أفراد القوة العاملة في الأردن بناء على أحد المؤشرات الرقمية الرسمية بـ "1,71" مليون فرد، أي بما نسبته "26%" من إجمالي عدد السكان، وهذا المؤشر هو أعلى مؤشر ورد في المصادر الحكومية التي اعتمدنا عليها في دراستنا هذه.
فإذا علمنا أن فئة العاملين في أيِّ مجتمع – في العادة وفي الأوضاع الطبيعية – تتكون من أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين "22" و"60" سنة، وذلك بعد استثناء جميع من يكونون على مقاعد الدراسة بما فيها الجامعية، وإذا علمنا أن نسبة من تزيد أعمارهم عن "60" سنة من الأردنيين هي "5%"، وهي فئة لا تعمل في العادة بسبب دخولها سن التقاعد، وأن نسبة من تقل أعمارهم عن "22" سنة هي "55%" من إجمالي تعداد الأردنيين، فهذا يعني أن نسبة من ينتمون إلى الفئة العمرية للعاملين هي "40%". ولأن المؤشرات الحكومية الرسمية لم تعترف سوى بـ "26%" من إجمالي تعداد الأردنيين كقوة عاملة، فإننا نتساءل عن الـ "14%" المستثنيين من الحساب، على أيِّ أساسٍ تم استثناؤهم؟!!
لا بل إن تساؤلَنا يصبح مُلحا، إذا علمنا أن بعض المؤشرات الرسمية تَعتَبر أن كلَّ من تجاوز سنه الـ "15" سنة هو من القوة العاملة، أي أن ما نسبتهم "21%" – يمثلون أولئك الذين تتراوح أعمارهم من "15" إلى "22" سنة كما دلت على ذلك المصادر الرسمية – سيضافون إلى الـ "14%" الذين تساءلنا عن عدم احتسابهم، ليصبح مجموع من لم يُحْتَسبوا في تلك المؤشرات الرقمية المتاحة بين أيدينا، هو "35%" من القوة العاملة الحقيقية.
ولكن مع الأسف تفاجئنا مؤشرات إحصائية رسمية أخرى لتؤكد لنا على أن عدد العاملين في منشآت القطاعين العام والخاص في الأردن، بلغ "916.404" عاملا في عام 2008، وذلك وفقاً لبيانات مسح العمالة والبطالة الذي نفذته دائرة الاحصاءات العامة عام 2009. وهذا الرقم يختلف بفارق مهول عن الرقم السابق، حيث أن القوة العاملة فعلا وغير المتعطلة من بين إجمالي قوة العمل التي قدرتها الإحصائية الأولى، يزيد عن نظيرتها الواردة في هذه الإحصائية بـ "560000" فرد.
كما أنه وفقا لتقديرات المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية, بلغ عدد المشتغلين الأردنيين "1.220.521" عاملاً, وعدد المتعطلين "180.284" متعطلاً, أي أن مجموع قوة العمل من السكان الأردنيين ممن أعمارهم 15 سنة فأكثر، قد بلغ حوالي "1.400.805" فردا. وهذه الأرقام بدورها تتعارض بشكل صارخ مع الأرقام الواردة في المؤشرين السابقين، وكلها – مع الأسف مؤشرات رسمية – فعدد العاملين فعليا في هذا الرقم الأخير يزيد بـ "330000" عن أحد الرقمين، فيما ينقص عن الآخر بـ "230000"، ليكون إجمالي تعداد القوىة العاملة في الأردن بناء على الإحصائية الأخيرة في حال أضفنا إلى العاملين فعلا أولئك العاطلين، أقل من الرقم الأول بحوالي "300000" فرد.
فأي الأرقام هو الصحيح؟! وعلى أيِّ الأرقام بوسعنا أن نعتمد في إجراء أيِّ دراسة؟!
إن هذا التخبط الذي يرقى إلى مستوى التضليل يجعل كافة المُخرجات الحكومية بهذا الشأن محلَّ شك. ومع ذلك فإننا سنعتمد في وضعنا للحلول المقترحة لاحقا على المؤشرات الرقمية الأسوأ، أي على تلك التي تدل على أقسى الحالات، جاعلة الحل المُفترض محاطا بالصعوبات والمشكلات، كي لا يُقال أننا نهمل المُكَوِّنات الصعبة للوضع الأردني. وسوف يكون انتهاجنا للأصعب شاملا كافة المؤشرات التي سنعتمد عليها في وضع الحلول لمعضلات الأردن الاقتصادية. وبناء عليه فإننا سنعتمد على المؤشرات الإحصائية التالية..
* تعداد الشعب الأردني "6,55" مليون نسمة.
* معدل عدد أفراد الأسرة الأردنية 5,7 فرد/أسرة.
* عدد الأُسَر الأردنية 1,15 مليون أسرة.
* الناتج المحلي الإجمالي لعام 2011 هو 28.84 مليار دولار، أي 20,5 مليار دينار.
* إجمالي تحويلات الأردنيين العاملين في الخارج لعام 2011 هو"5.15" مليار دولار، أي "3,66" مليار دينار.
* الناتج القومي الإجمالي لعام 2011 هو "32,5" مليار دولار، أي 23 مليار دينار.
* عدد أفراد القوة العاملة في الأردن 1,71 مليون.
* نسبة البطالة في الأردن تبلغ 13,4% وهي نسبة عالية، أي 230000 فرد، من بينهم 35000 معيل لأسرة، و195000 غير متزوجين أصلا.
* عدد العاملين من بين إجمالي قوة العمل هو 1,480,000 فرد.
* 77% منهم يعملون في قطاع الخدمات الذي يشمل التعليم والصحة والتجارة والوزارات وغيرها، أي "1140000". أما عدد العاملين في القطاع الإنتاجي فهو 23%، أي ما مجموعه "340000" فقط.
* العاملون في القطاع الخاص يشكلون ثلثي قوة العمل الأردنية, أو بنسبة مقدارها 68.6%, و31.4% يعملون في القطاع الحكومي.
* أي أن عدد العاملين في القطاع الخاص يبلغ "1015000" فرد، وعدد العاملين في القطاع العام يبلغ "465000" فرد.
* يبلغ الإنفاق العسكري في الأردن 8,6 % من الناتج القومي الإجمالي، أي ما قيمته 1,98 مليار دينار.
* حجم العجز في الموازنة العامة كنسبة من الناتج القومي الاجمالي هو 6.1% في عام 2012، أي ما قيمته، 1,4 مليار دينار.
* خط الفقر لدى الأسرة الأردنية هو "10000" دينار سنويا، بحسب توصيفات الحكومة الرسمية.
مؤشرات مشتقة ومستنبطة من المؤشرات السابقة، بالإضافة إلى استنباطها من مصادر حكومية رسمية "إحصاءات عامة، وزارة مالية، بنك مركزي، دائرة جمارك، دائرة ضريبة الدخل، وزارة الصناعة والتجارة.. إلخ"، بنسبة خطإ في الاشتقاق والاستنباط لا تزيد عن "1%" زيادة أو نقصانا.
الـ “1,15″ مليون أسرة أردنية، موزعة من حيث مستوى دخلها على النحو التالي..
1 – “42%” من الأسر – أي "483" ألف أسرة – دخلها السنوي أقل من "5000" دينار.. أي هي أبعد ما تكون عن ملامسة خط الفقر حتى بمعايير الحكومات الأردنية.. فهي تعاني من “فقر مدقع يصل إلى درجة الإعدام أحيانا”.. وبالتالي تحصل هذه الأسر من "الناتج القومي الإجمالي"، على ما يقل عن "2,415" مليار دينار، تمثل ما نسبته "10,5%" من الناتج القومي الإجمالي.
2 – “21%” من الأسر – أي "241150" أسرة – دخلها يتراوح من "5000" إلى "10000" دينار سنويا، وبالتالي فما تزال هذه الفئة دون خط الفقر والعوز الذي حددته الحكومات الأردنية نفسها.. “فقر ما دون الكفاف”.. وبالتالي تحصل هذه الأسر من "الناتج القومي الإجمالي"، على ما يقل عن "2,415" مليار دينار، تمثل ما نسبته "10,5%" من الناتج القومي الإجمالي.
3 – “21%” من الأسر – أي "241150" أسرة – دخلها يتراوح من "10000" إلى "15000" دينار سنويا، وهي الأسر التي تدور حول خط الاكتفاء، وتقاربه دون أن تتحرر من سطوته الحقيقية، إلا في الحدود الدنيا.. “الكفاية والكفاية المريحة”.. وبالتالي تحصل هذه الأسر من "الناتج القومي الإجمالي"، على ما يقل عن "3,62" مليار دينار، تمثل ما نسبته "15,7%" من الناتج القومي الإجمالي.
4 – “12%” من الأسر – أي "138000" أسرة – يتراوح دخلها من "15000" إلى "25000" دينار سنويا، وهي الأسر التي تخطت حدود الفقر والحاجة، واستمتعت بنوع بدائي من الرفاهية التي تتيح لها أن تُعتبرَ من الفئات التي تعيش في بدايات الرفاه.. “الرفاه البسيط”.. وبالتالي تحصل هذه الأسر من "الناتج القومي الإجمالي"، على ما يقل عن "3,450" مليار دينار، تمثل ما نسبته "15,5%" من الناتج القومي الإجمالي.
5 – “2%” من الأسر – أي "23000" أسرة – يتراوح دخلها من "25000" إلى "100000" دينار سنويا، وهي أسر تتمتع بـ “الرفاه المعقول”.. وبالتالي تحصل هذه الأسر من "الناتج القومي الإجمالي"، على ما يقل عن "2,3" مليار دينار، وتمثل ما نسبته "10%" من الناتج القومي الإجمالي.
6 – “2%” من الأسر – أي "23000" أسرة – يزيد دخلها عن "100000" دينار، ويصل لدى بعضها إلى عشرات الملايين من الدولارات.. وهذا هو “الثراء الفاحش”.. وبالتالي تحصل هذه الأسر على ما تبقى من "الناتج القومي الإجمالي"، والبالغ "8,8" مليار دينار.
* والخلاصة أن "84%" من الأسر الأردنية تعيش تحت مستوى خط الفقر وقلة قليلة منها تلامس خط الكفاف، وتملك سنويا فقط "8,45" مليار دينار من الناتج القومي الإجمالي، أي ما نسبته "36,7%".
* وأن “12%” من الأسر الأردنية تعيش ضمن خط الكفاية وبداية الرفاه البسيط، وهي ما تبقى من الطبقة المتوسطة في البلاد، وتملك سنويا "3.45" مليارا دينار من الناتج القومي الإجمالي، أي ما نسبته "15,5%".
* أما باقي الأسر الأردنية والبالغة نسبتها “4%” فقط، فهي التي تعيش حالة الرفاه الواسع "2%"، والثراء الفاحش "2%"، بامتلاكها سنويا ما مقداره "11,2" مليار دينار من الناتج القومي الإجمالي، أي ما نسبته "47,8%".
تحليل الأرقام والمؤشرات السابقة
1 – تُظهرُ الأرقام السابقة وجود ثلاث طبقات اقتصادية في الأردن، هي الطبقة "الفقيرة"، بكل مستويات الفقر، بما في ذلك "الفقر المدقع"، وتمثل "84%" من أفراد الشعب، والطبقة "الوسطى"، وتمثل "12%" من أفراد الشعب، وهي في تراجع وتآكلٍ مستمرين من حيث نسبتها التمثيلية في البُنية الاقتصادية للمجتمع الأردني، وذلك بانضمام أفراد هذه الطبقة التي الطبقة "الفقيرة"، بسب السياسات الحكومية المتعاقبة والنظام الاقتصادي المتبع في الدولة، والطبقة "الثرية"، بكل مستويات الثراء، بما في ذلك "الثراء الفاحش"، وتمثل "4%" من أفراد الشعب، وهي الطبقة التي تخدمها كافة السياسات الاقتصادية، وكافة التشريعات، وتوسِّع تلك السياسات والتشريعات في فضاءات ثرائها، وتمعن في توسيع الهُّوَّة بينها وبين باقي أفراد الشعب يوما بعد يوم، تكريسا لحالة بشعة من الفرز الطبقي الفريد من نوعه على مستوى العالم، يجعل "4%" من أفراد المجتمع يستحوذون على "47,8%" من الثروة الإجمالية، ممثلة في الناتج القومي الإجمالي، فيما لا يحظى الـ "84%" من أبناء الطبقة الفقيرة سوى على ما نسبته "36,7%" من ذلك الناتج. إن هذا القدر من الاستحواذ المجحف على ثروة البلاد، جعل متوسط دخل الفرد الواحد من الفئة العليا من أبناء الطبقة فاحشة الثراء يصل إلى "76500" دينار سنويا، فيما لا يتجاوز متوسط دخل الفرد الواحد من الفئة الدنيا من أبناء الطبقة الفقيرة الـ "830" دينارا سنويا – هذا إذا استثنينا فئة العاطلين عن العمل التي يعتبر دخل الفرد منها "صفرا" – بفارقٍ مهول بين متوسطي الدخلين، يجعل الأول يستحوذ على دخل يكافئْ "92" ضعف دخل الثاني على أقل تقدير، أي بإجراء المقارنة بين صاحب أعلى دخل في فئة "الطبقة الفقيرة"، وصاحب أدنى دخل في فئة "الطبقة فاحشة الثراء".
2 – إن العاطلين عن العمل هم في الغالب الأعم من الطبقة الفقيرة، أي من الـ "84%" من أفراد الشعب، أي أنهم يُصنفون من هذه الطبقة ويحتسبون من بين أفرادها. وإذا كان العاطل عن العمل يمثل ظاهرة مؤلمة في المجتمع، بسبب عجزه عن الإنفاق على نفسه، وعلى من يعيلهم إذا كان معيلا، أو يعجز عن أن يبدأ بالتأسيس لفتح بيت وإضافة أسرة جديدة إلى المجتمع، إذا لم يكن معيلا، فإن العاطل عن العمل الممثل لهذه الحالة المؤلمة والمربكة للمجتمع والمُفَرِّخَة لكافة أنواع الأمراض المجتمعية، يجسِّد هذه الظاهرة عندما يكون من هذه الطبقة تحديدا، وذلك بسبب أن العاطل عن العمل إن وجد في الطبقة المتوسطة، فإنه يمثل حالة لا تولِّد الفقرَ أو تعيد إنتاجه على النحو السابق، لأن الأسرة من الطبقة المتوسطة تستطيع في العادة أن تخفف من معاناة حالة البطالة الموجودة في أحد أبنائها بتأمين حد أدنى من الدخل الإنفاقي الذي يخفِّف عنه مشكلات الحياة، مع بقائه يمثل حالة عاجزة عن الاندماج الإنتاجي في المجتمع بشكل سليم وفاعل في حسابات التنمية الحقيقية. أما المنتمين إلى طبقة الثراء الفاحش، فمن غير المتوقع أن يكون فيهم عاطلون عن العمل بالمعنى المُشَكِّل لظاهرة مَرَضِيَّة خطيرة كتلك الموجودة في عاطلي الطبقة الفقيرة والمترتبة عليها، أو حتى كتلك الموجودة في عاطلي الطبقة المتوسطة، بسبب أن أبناء هذه الطبقة في العادة يعملون في شركاتهم ومؤسساتهم، أو يولِّدون مؤسسات إنتاجية جديدة من ثروات أهلهم وذويهم.. إلخ. ومن هنا فإن الحديث عن ظاهرة البطالة كظاهرة تثير القلق، وتدعم الفقر وتولِّدُه وتجدِّدُه في المجتمع، إنما هو حديث عنها في صفوف الطبقة الفقيرة وعلى نطاقٍ واسع من جهة أولى، وفي صفوف الطبقة الوسطى وعلى نطاق ضيِّق نسبيا من جهة ثانية. ومن هنا فإننا نستطيع أن نعتبر كافة العاطلين عن العمل ممن ذُكِروا في مؤشرات الحكومة والبالغين "230000" مواطن مؤهل للعمل وباحث عنه، يمثلون جميعهم معضلةً حقيقية تعرقل الاندماج الإنتاجي في المجتمع، وتتطلب الحل.
3 – إن القطاعات التي تتوزع عليها القوة العاملة الأردنية تؤشِّر على اختلالات وتشوُّهات خطيرة في بُنْيَة التشغيل التي تُعتبر الوعاء الذي فيه وبه تَحدث التنمية، سواء كانت هذه الاختلالات لجهة جحم التشغيل في القطاع الخدمي بالقياس للقطاعين الزراعي والصناعي، أو لجهة حجم التشغيل في القطاع الحكومي بالقياس للقطاع الخاص. فأن يكون 77% من أفراد القوة العاملة مشتغلين في قطاع الخدمات الذي يشمل التعليم والصحة والوزارات والتجارة والنقل وغيرها، أي أن يكون "1140000" من هؤلاء يعملون في قطاعٍ لا يُنتِج السلع التي هي أساس الحياة، معتمدا في تأمين كافة السلع التي يحتاجها قطاع الخدمات ليؤديَ دوره في عجلة الاقتصاد، على عدد من العاملين في القطاعين الصناعي والزراعي هو 23%، أي ما مجموعه "340000" من إجمالي قوة العمل فقط، هو كارثة اقتصادية تهدِّد بالانهيار الكامل، بعد أن تحوَّلت الدولة بموجب هذا النهج إلى كيان لا يستطيع الاعتماد على نفسه حتى في تأمين مستلزمات الخدمات التي يشغِّل فيها قوته العاملة الأساس.
فالاقتصادات المتوازنة المتمتعة بالاستقرار والقدرة على التحرُّر من التبعيّة بكافة أوجهها، يسودها توزيع لقوة العمل على قطاعات الإنتاج، لا تتجاوز فيها حصة قطاع الخدمات الـ "45%" على أقصى تقدير، فيما تتوزع النسبة المتبقية بين قطاعي الزراعة والصناعة، بنسبٍ متفاوتة يحددها العنصر الأكثر هيمنة في تشكيل الناتج القومي الإجمالي زراعةً أو صناعةً. ففي الدول الصناعية الكبرى نجد أن قطاع الخدمات يشغِّل نسبةً تتراوح بين "30%" و"35%" من قوة العمل الإجمالية في الدولة، فيما تشغِّل الصناعة نسبة تتراوح ما بين "45%" و"50%" من تلك القوة، لتستحوذَ الزراعة على ما تبقى من قوة عمل متراوحة بين "15%" و"25%". أما في الدول النامية الناجحة مثل "الهند" و"البرازيل" و"جنوب إفريقيا" و"تركيا" و"ماليزيا".. إلخ، فإن قوة العمل المستخدَمة في قطاع الخدمات تتراوح بين نسبتي "40%" و"45%"، فيما تستحوذ الصناعة على ما يتراوح بين نسبتي "25%"، و"35%" من قوة العمل، والزراعة على ما يتراوح بين نسبتي "20%" و"35%" منها. وبمقارنة الوضع الأردني بهذه النسب العالمية، فإننا سنصاب بالغثيان.
من جهة أخرى فإن الاختلال والتشَوُّهَ الكارثيين في بُنْيَة الاقتصاد الأردني يطال توزيع قوة العمل على القطاعين العام والخاص، وليس على مختلف قطاعات الإنتاج فقط. فالعاملون في القطاع الخاص يشكلون ثلثي قوة العمل الأردنية, أو بنسبة مقدارها 68.6%, فيما تمثل نسبة الـ 31.4% المتبقية، قوةَ العمل التي يشغِّلُها القطاع الحكومي. أي أن عدد العاملين في القطاع الخاص يبلغ "1015000" فرد، وعدد العاملين في القطاع العام يبلغ "465000" فرد. وبمقارنة هذه الوقائع التشغيلية بالمؤشرات العالمية التي تُحَدِّثُنا عن اقتصادات مستقرة ومتوازنة، نجد أننا أبعد ما نكون عن وصف "دولة"، فلا توجد دولة في العالم – باستثناء الأردن وقلة من أشباه الدول – يزيد فيها عدد المشتغلين في مختلف منشآت ومؤسسات القطاع العام عن "25%" من إجمالي القوة العاملة في البلاد. وحتى في مثل هذه الدول نجد أن الحكومات والبرلمانات تنتهج سياسات وتسن تشريعات، تنطوي على حلول جذرية بهدف إعادة هيكلة القطاع العام للتخفيف من حجم العمالة المشتغلة فيه، لتقلَّ عن تلك النسبة التي تعتبر نسبة خطيرة ومنبئة بمجتمع يعتمد الكثيرون منه على القطاع الخاص، وهي حالة تعتبر تشوها واختلالا في البُنية الاقتصادية لدولةٍ معاصرة، إذ تعتبر النسبة العالمية النموذجية لإسهام القطاع العام في تشغيل القوة العاملة، متراوحة ما بين "15%" و"20%" فقط.
4 – إذا تجاوزنا دولة الكيان الصهيوني التي تتجاوز نسبة إنفاقها العسكري من ناتجها القومي الـ "10%" لاعتبارات نفهمها جيدا، باعتبارها أعلى نسبة إنفاق عسكري من الناتج القومي في العالم، فإننا نقف مدهوشين أمام الحالة الأردنية التي تصل فيها نسبة الإنفاق العسكري من إجمالي الناتج القومي الـ "8,6 %" أي ما قيمته 1,98 مليار دينار، ولا يدخل ضمن هذا الرقم ما تنفقه مختلف الأجهزة الأمنية أو شبه الأمنية الأخرى، "أمن عام"، "مخابرات عامة"، "درك"، "دفاع مدني".. إلخ.
ووجه الدهشة هو أن هذه النسبة تتجاوز نسبة النفقات العسكرية من إجمالي الناتج القومي في أقوى وأكبر وأعظم دول العالم، مثل "روسيا" و"الصين" و"الولايات المتحدة"، و"فرنسا" و"بريطانيا" و"الهند" و"جنوب إفريقيا" و"البرازيل".. إلخ.. أما عن تفوق هذه النسبة عن نموذجي ألمانيا واليابان فحدث ولا حرج. مع العلم بأن كل الدول التي تفوقَ عليها الأردن في هذه النسبة هي دول غنية وبإمكانها أن ترفع من نسبة إنفاقها العسكري، بل هي كلها دول صناعية تصنع كلَّ أنواع الأسلحة، من الرصاصة إلى القنبلة الذرية، ولها أجنداتها العالمية التي يُحسب لها ألف حساب.. إلخ.
إن الأردن يتربع بهذه النسبة على عرش واحدة من الدول الخمس الأكثر إنفاقا على مؤسساتها العسكرية من ناتجها القومي بلا أيِّ سبب مفهوم أو وجيه، فلا هو يستعد لحرب، ولا هو يتسلح تسلحا متطورا يتطلب كلَّ هذا الإنفاق، ولا هو يبني صناعة عسكرية تحقق له اكتفاء ذاتيا يجعله آمنا في صراعاته التي يُعِدُّ لها العدَّة، ولا هو يُجري مناورات وتدريبات دورية ثابتة ومُكْلِفَة استعدادا لحرب مصيرية.. إلخ. لا بل إن أغرب ما في هذه الظاهرة، أن الأردن زادت نسبه إنفاقه العسكري من ناتجه القومي الإجمالي بعد الصلح مع إسرائيل، في حين أن هذه النسبة كانت أقل من ذلك بكثير قبل عقد ذلك الصلح المهزلة. فإذا علمنا بأن إجمالي تعداد القوات المسلحة الأردنية لا يتجاوز الـ "110000" فرد من مختلف الرتب، تنتمي غالبيتهم العظمى التي يتجاوز تعدادها الـ "80000" فرد، إلى الطبقة الفقيرة بمرتبات ودخول تقل عن مستوى الفقر المشار إليه سابقا، فإننا نتساءل عن الوجهة التي تتجهها تلك النفقات العالية مقتطعة من الناتج القومي الإجمالي تلك الحصة على حساب الإسهام الفعلي في إفقار الشعب الأردني؟! وكيف يتسنى لدولة ليست في حالة حرب مع أي جهة أجنبية أن يكون إنفاقها العسكري على هذا النحو المتضخم غير المفهوم، إن لم يكن ذلك تجسيدا لواحد من أبشع أنواع الفساد المالي والإداري في الدولة، ناهيك عن حالة من التشوه البنيوي غير المسبوق في وظيفة هذه الدولة من حيث المبدأ؟!
5 – بعد كلِّ تلك التشوهات التي أتينا على ذكرها حتى الآن، تأتي ثالثةُ أثافي التشوُّهات لتستكمل البناء الكارثي لاقتصاد هذه الدولة الممسوخة اقتصاديا، عبر أكبر ظاهرة اختلال في الموازنة العامة للدولة. فأن يصل حجم العجز في الموازنة العامة إلى ما نسبته "6.1%" من "الناتح القومي الإجمالي" في عام 2012، أي إلى ما قيمته، 1,4 مليار دينار، وهي بالمناسبة أعلى نسبة عجز موازنة بالقياس للناتج القومي الإجمالي لدولة ما في العالم. فالخط الأحمر لدى الدول المتقدمة فيما يتعلق بالعلاقة بين الناتج القومي الإجمالي وعجز موازنات الحكومات هو هامش الـ "3%"، وعندما تزيد هذه النسبة بواحد في الألف فإن كلَّ صفارات الإنذار الاقتصادية تنطلق لتحذر من الخطر القادم. فإذا أضفنا إلى ذلك أنه لا توجد دولة في العالم تنتهج الاقتصاد الليبرالي الحر نهجا لها وتزيد موازناتها العامة السنوية عن ربع الناتج القومي الإجمالي، فإننا نقف مطولا عن حجم الهدر والاختلال في الاقتصاد الأردني الذي تقتطع الحكومة من ناتجه القومي الإجمالي موازنة عامة لها تزيد قليلا عن نسبة الخمس، لتتجاوز سقف الـ "7" مليارات دينار، لأن هذا يعني أن نسبة العجز في الموازنة العامة إذا كانت تمثل نسبة "6.1" من الناتج القومي الإجمالي، فإنها تمثل ما نسبته "20%" من الموازنة العامة ذاتها وهي نسبة عالية جدا وبكل المقاييس العالمية.
6 – خلاصة القول أننا ونحن نحلِّل الحالة الاقتصادية الأردنية ونشخِّص اختلالاتِها وتشوُّهاتِها، نكتشف أنها جميعها اختلالات وتشوُهات بُنيوية قائمة على "وظيفةٍ مرسومة" لهذا النظام عليه أداؤها على أكمل وجه بأن يفرِّغَ الأردن من كلِّ مواصفات الدولة القادرة على الاستقلال، إمعانا في ربطها بنهج التبعية، ومن كلِّ مواصفات الوطن بجعل الأردنيين مجرد سكان يقيمون فوق أرضٍ صُوِّرت لهم على أنها جرداء قاحلة لا مقوم من مقومات الحياة فيها، ليرفدَها الفساد المستفحل بكل أنواعه المرتكزة إلى مأسَسَة ثقافة العصبية المولِّدة لأسِّ الفساد كلِّه، فأصبح الاختلالُ كارثة، وأصبحت التشوهات مأساة منذرة بالخطر المحدق.
إننا في واقع الحال أمام اقتصاد ينطوي على نسبة فقر عالية، وعلى نسبة بطالة عالية، وعلى نسبة تخبط إحصائي عالية، وعلى نسبة تشغيل في القطاع الحكومي عالية، وعلى نسبة تشغيلٍ في قطاع الخدمات عالية، وعلى نسبة نفقات عسكرية عالية. أي أننا أمام اقتصاد ينطوي على كل التشوهات التي يمكن لاقتصاد دولة أن ينطوي عليها، وبأقصى حدودها المتصورة. وبالتالي فنحن أمام اقتصاد مترهل، تجب إعادة إنتاج كافة أساساته على قواعد أيديولوجية صارمة، وإلا فإن الدولة سائرة إلى الهلاك.
الحلُّ متاح، هو ما سنعرضه في التالي..
من هنا يبدأ الحل الحقيقي أيا كان المردود الأيديولوجي لهذا الحل
سأبدأ تحليلي بهذه القصَّة الواقعية المعبرة..
في مدرسة ابتدائية يوجد 200 طالب، و10 مدرسين، و5 إداريين، بالإضافة إلى ناظر المدرسة. مُدَرِّسَة الاجتماعيات في المدرسة عرضت على طلاب أحد صفوفها، الواقعة التالية:
"تمكنت إدارة المدرسة من شراء 1000 قلم حبر، لتوزعها على طلاب المدرسة والمدرسين والإداريين والناظر، لاستخدامها على مدار فصلي السنة الدراسية. وقام الناظر بتوزيع الأقلام على الـ "216" شخصا الذين تضمهم المدرسة على النحو التالي: كلُّ طالبٍ أخذ قلمين، وكل مُدرِّس أخذ "10" أقلام، وكل إداري أخذ "20" قلما، واستأثر الناظر لنفسه ببقية الأقلام والبالغ عددها "400" قلم. بينما كانت حاجة "الطالب" هي "3" أقلام سنويا وليس قلمين فقط، وحاجة المُدَرِّس هي "5" أقلام سنويا وليس "10" أقلام، وحاجة "الإداري" هي "10" أقلام سنويا وليس "20" قلما، فيما كانت الحاجة الحقيقية لـ "المدير" هي فقط "50" قلما سنويا. أي أن الحاجة الإجمالية لـ "216" شخصا يتشاركون الحياة والمرافق والخدمات في المدرسة هي "750" قلما.
قبل حلول الفصل الدراسي الثاني بشهرين، انضم للمدرسة "100" طالب جديد، فما كان من الناظر إلا أن أجبر كلَّ طالب من المائتي طالب الأصليين على التنازل عن قلم من القلمين المقرَّرَين له في القسمة السابقة، ما جعل المدير يسحب من أقلام الطلاب ما مجموعه "200" قلم، أعطى منها "100" قلم للطلبة الجدد، بواقع قلم لكل طالب، وعاد ليوزع الـ "100" المتبقية بعد أخذها من الطلاب على المدرسين والإداريين، وبواقع قلمين لكل مدرس، و"4" أقلام لكل إداري، مستأثرا لنفسه ببقية الأقلام المائة وهي "60" قلما. تاركا لكلِّ طالب من الطلبة الـ "200" الأصليين، قلما واحدا لا يكفيه إلا لفصل دراسي واحد، ومانحا كلَّ طالب من الـ "100" طالب الجدد قلما واحدا، لن يكفيَه هو بدوره إلا لمنتصف الفصل الثاني، وألزم الجميع بتدبُّر أمورهم من خارج المدرسة ومستودعاتها".
وبعد أن عرضت المُدَرِّسَة هذه الواقعة على طلابها "الأطفال" وجَّهَت إليهم الأسئلة التالية:
* هل قسمة الناظر عادلة أم ظالمة؟!
* هل أخذُ الناظر أقلاما من الطلاب الأصليين لتوزيعها على الطلاب الجدد، رغم عدم كفاية ما أعطاهم إياه أصلا، جائزٌ أم غير جائز؟!
* هل اقتصار الناظر على الأخذ من الطلاب، وعدم الأخذ من المدرسين والإداريين، رغم أنه أعطاهم أقلاما أكثر من حاجتهم، عدل أم ظلم؟!
* فإذا كنت تعتبر أن الناظر ظالم، وأنه مخطئ لأنه لم يتبع الطريقة المثلى في توزيع الأقلام وفي إعادة توزيعها بعد حضور طلاب جدد، فما هي الطريقة العادلة لتوزيع الأقلام في نظرك؟!
وتركت الطلاب يفكرون مليا ثم بدأت تستمع لإجاباتهم..
لم يلفت انتباهها من بين كلِّ الإجابات إلا تلك التي أدلى بها الطالب "ابن صاحب مصنع الملابس"، والطالب "ابن الموظف الحكومي"، والطالب "ابن الفلاح". فبماذا أجاب هؤلاء الأطفال الثلاثة مُدَرِّسَتهم المبدعة؟!
إجابة ابن صاحب مصنع الملابس..
كلُّ ما فعله الناظر صحيح وهو من حقه. هكذا يفعل أبي في مصنعه، وهكذا يتصرف مع العمال.
إجابة ابن الموظف الحكومي..
الناظر إداري فاشل، فقد كان عليه أن يعطي كلَّ طالب من الأساس "3" أقلام تمثل حاجته طول السنة. وعندما حضر مائة طالب جديد، كان عليه أن يسحب من كلِّ مُدَرِّس قلمين، بمجموع "20" قلما، ومن كل إداري "4" أقلام، بمجموع "20" قلما، وأن يتنازل هو عن "160" قلما، ليكون مجموع الأقلام المتاح بهذه الحركة، هو "200" قلم يقوم بتوزيعها على الطلاب الجدد، بواقع قلمين لكل طالب. هذا أقصى ما يمكن للناظر أن يفعله.
إجابة ابن الفلاح..
الناظر ظالم وإداري فاشل وهو يحرص على حماية المدرسين والإداريين من المساس بممتلكاتهم من الأقلام على حساب الطلاب، ليسكتوا عنه وعن سرقته لأقلام المدرسة التي ليست أقلامه أصلا. وكان عليه أن يفكر على النحو التالي..
* إعطاء كلِّ طالب من الـ "200" الموجودين في المدرسة أصلا، "3" أقلام تمثل حاجته الحقيقية طول السنة، بمجموع "600" قلم.
* إعطاء كلِّ مدرس من الـ "10" الموجودين في المدرسة، "5" أقلام تمثل حاجته الحقيقية طول السنة، بمجموع "50" قلما.
* إعطاء كل إداري من الـ "5" الموجودين في المدرسة، "10" أقلام تمثل حاجته الحقيقية طول السنة، بمجموع "50" قلما.
* أن يأخذ هو فقط "50" قلما، تمثل حاجته طول السنة.
* أن يقوم بالحفاظ على "200" قلم في مستودع المدرسة للاحتياجات الطارئة أو للطلبة الجدد، كي لا يضطر للمساس بحاجات الطلاب والمدرسين والإداريين الفعلية، فيتأثر أداؤهم الدراسي أو التدريسي أو الإداري.
* أما الـ "50" قلما المتبقية، فليوزعها كيف يشاء، فمادام كل واحد من الـ "216" شخصا الموجودين في المدرسة أخذ حاجته السنوية، وضمن عدم المساس بها في حالة الطوارئ وحضور طلبة جدد، فلم يعد يهمني كيف ستوزَّع الأقلام الفائضة عن الحاجة في المدرسة.
الناظر يمثل النظام الحاكم، المدرسون والإداريون يمثلون التحالف الطبقي الحاكم، الطلاب يمثلون الشعب، المدرسة تمثل الدولة، والألف قلم تمثل ثروة الشعب في سنة، توزيع الناظر للأقلام الألف يمثل النموذج الاقتصادي الظالم والمجحف السائد، الطلبة الجدد يمثلون الزيادة الطبيعية أو غير الطبيعية في السكان والتي تتطلب إدارة عادلة وحكيمة للثروة لتأمين نمو فيها يتناسب مع احتياجاتهم المرتقبة، ما فعله الناظر لتغطية جزء من احتياجات الطلبة الجدد يمثل سياسة الإرهاق الضريبي والإفقاري الذي يتبعه النظام لحل أزماته بما لا يؤثر على مصالح وامتيازات التحالف الطبقي الذي يمثله، أما ما قاله ابن صاحب مصنع الملابس فيمثل موقف أبناء التحالف الطبقي المستفيد من النموذج الاقتصادي السائد عادة، وما قاله ابن الموظف الحكومي فيمثل نمط تفكير الفئات الاتكالية والتواكلية التي تحاول الإمساك بالعصا من المنتصف والموافقة على انصاف الحلول وترحيل أنصاف الأزمات إلى أوقات لاحقة، أما ما قاله ابن الفلاح، فيمثل حتميةَ حلِّ الأزمات المترتبة على نموذج اقتصادي قائم، باتباع نموذج اقتصادي جديد ومختلف، بعد أن يكون النموذج القائم قد أوصل البلاد إلى حافة الهاوية.
مُكَوِّنات الحل
المُكَوِّن الأول من مكونات الحل..
إن الخروج من دوامة الفقر والبطالة – بناء على ما تثبَّت لدينا حتى الآن من مؤشرات وإحصائيات وتحليلات – يكمن في النهوض بالطبقة الفقيرة، عبر النهوض بمستويات معيشة أُسَرِها وتشغيل العاطلين عن العمل فيها، دون المساس بمستوى معيشة أُسَرِ وأفراد الطبقة الوسطى التي لا يجوز أن يتناقصَ مستوى دخلها بأيِّ حال، لأن حالة الاستقرار في المجتمع تكمن في الارتقاء بالطبقة الفقيرة لتصبح مستويات معيشتها – كمرحلة أولى – في مستوى معيشة أبناء الطبقة الوسطى أو قريبة منها على الأقل، ولا تكمن في قضم دخول الطبقة الوسطى لتسهمَ في حلِّ مشكلةِ الفقراء والعاطلين عن العمل.
إن النظام يلجأ دائما إلى هذه السياسة الطبقية الرعناء عند كل أزماته التي يسببها فساده والتي تسببها وظيفيته التاريخية. فهو ومن منطلق تجسيده لمصالح طبقة معينة هي طبقة الأثرياء، وتمريره لأدوار إمبريالية صهيونية عالمية، يلجأ إلى الإمعان في إفقار الفقراء، وإلى سحب أبناء الطبقة الوسطى أو فئات واسعة منهم لينضموا إلى طبقة الفقراء، عملا على حلِّ أزماته هو وليس على حلِّ أيِّ أزمة من الأزمات الناتجة عن الفقر والبطالة. في حين أن أيَّ حل يجب أن يكون محافظا على مستوى معيشة الطبقة الوسطى أو رافعا لها، جنبا إلى جنب مع رفع مستوى معيشة الفقراء لتقتربَ بالتدريج من مستويات معيشة الطبقة الوسطى.
وبالتالي فإن الحلَّ لا يمكنه أن يتحقق إلا عبر اقتطاعات من ثروة الطبقة الثرية، وإعادة تدويرها وتوزيعها وتحريكها في مرافق الاقتصاد، بما يتناسب مع ما يلزم من أموال لتحقيق أهم هدفين مرحليين وهما "القضاء على الفقر" و"القضاء على البطالة"، التي يعتبر القضاء عليا مُكونا أساسيا من مُكونات القضاء على الفقر، باعتبار البطالة هي أحد العناصر الكبرى المجسِّدة لحالة الفقر في المجتمع.
المُكَوِّن الثاني من مكونات الحل
بما أن خط الفقر في الأردن هو "10000" دينار سنويا للأسرة الواحدة، فإن الخروج من دوامة الفقر يبدأ عبر النهوض بدخل أُسَرِ الطبقة الفقيرة ليصبح الدخل السنوي لكلِّ أسرة لا يقل عن هذا المستوى. مع التأكيد على ان هذه هي البداية فقط، لأن السيرورة الاقتصادية نموا وتنمية، لا تهدف فقط إلى تحرير الفقراء من معيشتهم التي يعانون منها تحت مستوى خط الفقر ليلامسوا أطرافه، بل هي تهدف إلى إحداث حالة من النمو الدائم في مسويات معيشة كلِّ المواطنين ونقلهم بالتالي إلى مستويات من الرفاهية متقدمة كلما كان ذلك ممكنا. ولكننا وبسبب عمق الكارثة التي يعاني منها الأردن من خلال سياسات هذا النظام الطبقي الوظيفي، نجد أنفسنا معنيين بالتدرُّج في الحلول، مبتدئين بانتشال الفقراء من مستنقع فقرهم أولا، عبر الممكن والمتاح، ليتم الانتقال بهم وبباقي المواطنين في مراحل لاحقة إلى مستويات متقدمة من تطوير معيشتهم ودخولهم واستهلاكهم.
المُكَوِّن الثالث من مُكَوِّنات الحل
بطبيعة الحال، ولكي يتحولَ أيُّ حل لمشكلتي الفقر والبطالة إلى حقيقة ثابتة متجذِّرَة في اقتصادات الدولة، ولكي يتمَّ التأسيس لحالةٍ تنموية تعطي للنمو الاقتصادي المستهدف دلالتَه الحقيقية المتمثلة في التعبير عن التغطية السلعية والخدمية الموضوعية لاحتياجات النمو السكاني من جهة أولى، ولاحتياجات تطوير مستويات الاستهلاك لدى المواطنين من جهة ثانية، ولاحتياجات الدولة الأردنية في إطار دورها الوطني والقومي والتحرّري المرتقب من جهة ثالثة، يُفترض أن تخرج أيُّ إعادةٍ لتوزيع الناتج القومي الإجمالي عن دائرة "فكرة الدعم النقدي المباشر" الذي يحوِّل الثروة المدعوم بها إلى ثروة غير متجدِّدة، وذلك عبر خلق حالة استثمارية منتجة وفاعلة تحقِّق الغايات الثلاث السابقة.
ولأن الطبقة الفقيرة هي طبقة غير قادرة على الادخار لأجل الاستثمار، فإن دعمَها للخروج من براثن الفقر والبطالة، يجب أن يكون جزءا من بيئة استثمارية مدروسة تحقِّق هدف إخراجها ذاك من براثن الفقر، إلى جانب الأهداف الثلاثة السابقة، عبر إعادة تدوير جزء من دخول وثروات أبناء الطبقة الثرية في الناتج القومي الإجمالي، لتصبَّ من جديد في بُنى استثمارية تحقق الغايات السابقة.
المُكَوِّن الرابع من مُكَوِّنات الحل
إن التأسيس لدولة أردنية مستقرة اقتصاديا وقادرة على تحقيق المستويات المطلوبة من الاستقلال الاقتصادي المتناسب مع دورها المفترض لها وطنيا وإقليميا ودوليا، يجب أن يستند إلى خلق بيئة استثمارية تستطيع تحقيق الأهداف التالية في مدى زمني محدد وفق خطط مدروسة، خلال مدة لا تزيد عن عشر سنوات وعبر خطتين خمسيتين، وذلك على النحو التالي..
1 – تغيير نسب إسهام قوة العمل المتاحة في المجتمع في مختلف القطاعات الاقتصادية، لتصبح..
أ – لجهة العلاقة بين القطاع العام والقطاع الخاص.. "20%" قطاع عام بدل "32%"، و"80%" قطاع خاص بدل "68%".
ب – لجهة العلاقة بين السلع والخدمات.. "40%" قطاع خدمات بدل "77%"، و"30%" قطاع صناعة، و"30%" قطاع زراعة، بدل "23%" للقطاعين معا..
ج – استثمار أكبر عدد من قوة العمل الحقيقية في المجتمع، لترتفع من نسبة "26%" من إجمالي تعداد السكان والمعتمدة لدى الحكومة حاليا، لتصبح "30%" من إجمالي تعداد السكان، مع العلم بأن قوة العمل الحقيقية في الأردن هي "40%" من تعداد السكان بحسب التصنيفات الحكومية الرسمية لمن يعتبرون في سن العمل، إلا أننا نؤجل وضع الخطط اللازمة تشغيل الـ "10%" المتبقية من هذه القوة إلى خطط لاحقة، لأنها في معظمها من النساء وممن هم دون سن الـ "22"، اي ممن لا يندرجون ضمن العاطلين عن العمل المعتمدين لدى الحكومة وبالتالي في هذا التحليل.
2 – تخفيض نسبة ما تمثله الموازنة العامة للدولة من الناتج القومي الإجمالي من "32%" حاليا لتصبح في نهاية الخطتين الخمسيتين المقترحتين بما لا يزيد عن "25%" من ذلك الناتج.
3 – تخفيض نسبة العجز السنوية في الموازنة العامة للدولة إلى ما لا يزيد عن "5%"، خلافا لما هو عليه واقعها الحالي، إذ يبلغ العجز فيها ما لا يقل عن "20%". والحرص على ألا يزيد عجزها بالقياس للناتج القومي الإجمالي في كلِّ الأحوال عن "1%".
4 – تخفيض نسبة النفقات العسكرية من الناتج القومي الإجمالي إلى ما يتراوح بين "3%" و"5%"، بدل "8.6%" هي النسبة الحالية.
5 – استغلال كافة الموارد المحلية للتأسيس لقطاعي زراعة وصناعة يحققان ما لا يقل عن "80%" من الاحتياجات المحلية الزراعية والصناعية، فضلا عما يزيد عن "100%" من الاحتياجات المائية، واحتياجات الطاقة.
كيفية تجسيد المُكَوِّنات الأربع السابقة على أرض الواقع
1 – إن "230000" من الفقراء هم مواطنون في سن العمل ويقدرون عليه ويبحثون عنه لكنهم متعطلون عنه. وهم جميعا إما في موقع المعيلين لأسر معدمة "35000"، وإما أفراد في أسرٍ فقيرة أو معدمة "195000"، ويفترض أن يؤهلوا لتأسيس أسر جديدة. أي أن أسر الطبقة الفقيرة سيتم خصم "35000" أسرة منها باعتبارها أسرا سيحسب معيلوها على مجموعة العاطلين عن العمل الذين توجد اعتبارات أخرى لانتشالهم من براثن الفقر والبطالة عبر تشغيلهم، كما ورد في المؤشرات الإحصائية التي اعتمدنا عليها.
أي أن الأسر الفقيرة التي تمثل "84%" من الأسر الأردنية والتي تعدادها "966000" أسرة ستنقص في حسابات هذا البند لتصبح فقط "931000" أسرة. وهي التي يجب كي يرتفعَ مستوى دخولها جميعها، ويصبح خارج حافة الفقر وبداية مرحلة الكفاف الدنيا، كمستوى أولي يجب أن تحققه الخطة الخمسية الأولى من السنوات العشر المقترحة كمدى زمني لإعادة التوازن الكامل إلى اقتصاد الدولة الأردنية، استنادا إلى أن حاجة الأسرة الواحدة هي "10000" دينار سنويا للوصول إلى هذا السقف، أن تحظى من الناتج القومي الإجمالي بما قيمته "9.31" مليار دينار.
وهذا يعني أن العجز المتحقق لدى هذه الأسر بحسب واقع دخولها الحالية والبالغ مجموعها "8,45" مليار دينار لتلامس ذلك السقف، هو ما قيمته الإجمالية "860" مليون دينار. ويمثل هذا المبلغ حجم الاقتطاع الأول الذي يجب أن يتمَّ سحبه من الطبقة الثرية لضخه في مختلف فئات الطبقة الفقيرة، ليتم القضاء على ظاهرة الفقر. وبالتالي فسوف يُضَخ هذا المبلغ والبالغ "860" مليون دينار، على شكل إعادة هيكلة للمرتبات، لإخراج عاملي تلك الطبقة من براثن المستوى الأول من الفقر بتأهيلهم ليصبحوا في مستوى الكفاف، في أيِّ موقع كانوا.
2 – إن قوة العمل التي سيتم تشغيلها على مدى الخطتين الخمسيتين الأولى والثانية تتكون من العناصر التالية..
أ – "230000" متعطل عن العمل بدخل يؤمِّن القفز على خط الفقر ويراوح حول "15000" دينار سنويا، ليكونوا منذ البداية ضمن الحد الأدنى للطبقة المتوسطة.
ب – إعادة هيكلة وتمركز وتشغيل "300000" عامل في مختلف القطاعات بما يتناسب مع خطة إعادة الانتشار والتمركز في مناطق الاستثمار الجديدة حيث مناطق الحصاد المائي، واستصلاح الأراضي، والصناعة الاستخراجية، في البادية الشرقية بالدرجة الأولى، بدخل يؤمن القفز على خط الفقر، ويراوح حول "15000" دينار سنويا، ليكونوا هم أيضا ومنذ البداية ضمن الحد الأدنى للطبقة المتوسطة.
ج – دمج الـ "4%" من تعداد السكان – والذين هم جزء حقيقي من قوة العمل الموجودة في الأردن، والتي لم تشر إليها إحصائيات ومؤشرات الحكومة، ولا أدخلتها في حساباتها، بعد أن أضفناهم إلى الـ "26%" الذين يمثلون قوة العمل المعترف بها رسميا – في عملية الإنتاج، عبر تشغيلهم على مدى سنوات الخطتين الخمسيتين بدخل يؤمِّن القفز على خط الفقر، ويدمجهم منذ البداية في دائرة الحد الأدنى من الطبقة المتوسطة، ويراوح حول "15000" دينار سنويا. ويقدر عدد هؤلاء بـ "262000" عامل كامن.
أي أننا نتحدث عن تشغيل قوة عاملة تعدادها "792000" عامل، على مدى عشر سنوات، عبر خلق استثمارات قادرة على تشغيلهم. فإذا علمنا أن أبسط قواعد النمو الاقتصادي في العالم، تنص على أن الدولة تحتاج إلى "12" وحدة من رأس المال كحدٍّ أقصى لتُنْتِجَ وِحدةً إضافية واحدة من الناتج المحلي الإجمالي كحدٍّ أدنى. أو بلغة النِّسَب، أن كل 1% نُموٍّ في الناتج القومي الإجمالي كحدٍّ أدنى، يَحتاج إلى استثمارات تُقَدَّر بـ "12%" من قيمة هذا الناتج كحدٍّ أقصى.
ولكي نضمن تحقيق معدل نمو حقيقي في أولى سنوات الخطة لا يقل عن "2,5%" قادرة على تغطية نسبة الزيادة السكانية وما ينبثق عنها من نسبة زيادة في قوة العمل، فضلا عن تشغيل جزء من قوة العمل المتعطلة وإعادة تمركز جزء من قوة العمل العاملة، فإننا نحتاج إلى استثمارات تعادل "30%" من الناتج القومي الإجمالي. ولو افترضنا أننا سننطلق من ناتج عام 2012 والبالغ "23" مليار دينار، فهذا يعني أننا نحتاج لتنفيذ خطتنا إلى حوالي "6,9" مليار دينار من الناتج الإجمالي.
إن استثمارات بقيمة "6,9" مليار دينار في السنة تستطيع تخصيص ما قيمته "2,07" مليار للأيدي العاملة وللتوظيف والمرتبات التي تتطلبها تلك الاستثمارات، وذلك بنسبة "30%" من أصل قيمة الاستثمار كاملا كما مر معنا حين حددنا النسب المعتادة بين مخصصات قوة العمل ومخصصات ما سواها في أيِّ استثمار. وهذا المبلغ من أصل الاستثمار يستطيع تشغيل "138000" عامل. أي أننا بهذه المعادلة الاستثمارية التشغيلية نستطيع تحقيق نمو اقتصادي حقيقي بإمكانات ذاتية لأول سنة من سنوات الخطة بنسبة "2,5%"، وهو ما سينعكس على الناتج القومي الإجمالي للسنة التي تليها بما قيمته "600" مليون دينار.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكننا تأمين استثمارات بقيمة "6,9" مليار دينار لتحقيق تلك الغاية، دون الاعتماد على أيِّ قروض داخلية أو خارجية، وبإمكانات الاقتصاد الوطني الذاتية كي يتمَّ الخروج من الحلقة المفرغة للمديونية عامة وللاقتراض الخارجي خاصة؟!
من الطبيعي في خطة تهدف إلى تحقيق الغايات المذكورة في المُكَوِّن الرابع سالف الذكر، أن تعتمدَ على الإمكانات الفعلية الحقيقية للناتج القومي الإجمالي، ولن يتأتي ذلك إلا بضخِّ هذه الاستثمارات من حصة الطبقة الثرية والبالغة "11,2" مليار دينار، من الناتج القومي الإجمالي. ولأن هذه الحصة أصبحت بعد خصم الـ "860" مليون دينار التي اقتطعت كضرائب للنهوض بالفقراء من براثن الفقراء على شكل إعادة لهيكلة مرتباتهم ودخولهم، "10,34" مليار دينار، فإن ما يتبقى من تلك الحصة بعد أن يتم ضخ مبلغ الـ "6,9" مليار دينار منه إلى الاستثمار، هو "3,44" مليار دينار.
فإذا علمنا أن هذه السياسة الإنفاقية "استثمارا وتشغيلا"، سوف تشتمل ضمنيا على كافة البنود الإنفاقية المنطواة في بُنْيَة الموازنة العامة للدولة، بكلٍّ من المرتبات ومشاريع صيانة وتطوير البُنى التحتية. فلا يبقى للموازنة العامة من متطلبات إنفاقية إلا ما تعلق بالمصاريف الجارية خارج نطاق المرتبات، ويمكن لهذا البند الإنفاقي أن يتمَّ ضغطه عبر سياسة ترشيد استهلاكي معقولة وغير مبالغ فيها، كي لا يتجاوز الـ "1" مليار دينار.
وبالتالي فمن الواضح أن ما سيتبقى لأفراد الطبقة الثرية ليستهلكوه أو ليدَّخروه خارج نطاق الخطط الاستثمارية والضريبية والإنفاقية الملزمة للدولة، يتيح لكلِّ أسرة من أسر تلك الطبقة دخلا سنويا مقداره "53000" دينار، دون المساس بواقع الملكيات والحيازات الأصلية للثروات والأموال.
في العام التالي من الخطة يمكننا ملاحظة أن الحكومة بإمكانها أن تقتطع من أصل الـ "600" مليون دينار المتحققة كنمو في الناتاج القومي الإجمالي ما قيمته "100" مليون دينار على شكل ضرائب لتطوير مستوى معيشة الطبقات التي ما تزال تسعى إلى أن تجسِّد واقع الطبقة الوسطى. فيما سيتم اعتماد حسابات الاستثمار والتنمية للعام الجديد من واقع ناتج قومي إجمالي قيمته "23.5" مليار دينار. وتستمر المعادلة على هذا النحو. بحيث أنه بإمكاننا في نهاية الخطة ذات السنوات العشر ملاحظة النتائج التالية..
1 – حالة تشغيل كاملة لكافة قوى العمل المستهدفة بالتشغيل والتي ستدخل سوق العمل على مدى تلك السنوات والتي قدرناها بـ "792000" عامل.
2 – ناتج إجمالي للسنة العاشرة من الخطة يتراوح حول الـ "45" مليار دينار.
3 – اختفاء الطبقة الفقيرة نهائيا، وانقسام المجتمع إلى طبقتين فقط هما، الطبقة المتوسطة التي ستصبح تمثل ما لا يقل عن 80% من إجمالي السكان، بالإضافة إلى الطبقة الثرية.
4 – التأسيس الإستراتيجي للبيئة الاستثمارية الدائمة، دون إحداث تغييرات جوهرية في مواقع الملكيات والحيازات في الأموال والثروات.
5 – إنشاء قطاع زراعي وقطاع صناعي واعدين مؤسِّسَين لدولة متوازنة ومستقرة ومكتفية اقتصاديا بشكل يخولها استقلالا حقيقيا في قراراتها السياسية.
6 – خلق علاقة متوازنة بين الموازنة العامة للدولة والناتج القومي الإجمالي.
7 – الاستغناء الكامل عن المديونية الخارجية كمصدر من مصادر التمويل، وتقليص الاعتماد على المديونية الداخلية إلى أبعد الحدود.
8 – تخفيض التجارة الخارجية في بُنْيَة الناتج القومي الإجمالي إلى ما دون المستويات الحرجة والكاشفة للاقتصاد الوطني.
9 – تحقيق أعلى درجات الدعم للعملة الوطنية في مواجهة كافة العملات الخارجية.
10 – اكتفاء ذاتي كامل في الطاقة وفي المياه.
11 – ارتفاع متوسط دخل الفرد في الأردن من "3500" دينار في السنة، إلى "6500" دينار في السنة، بنسبة ارتفاع في دخل الفرد تقدر بـ "86%"، وهي نسبة نمو في الدخل الفردي عالية جدا عندما يتم تحقُّقُها في اقتصادٍ منهار ومشَوَّه مثل الاقتصاد الأردني خلال عقد واحد من الزمن.
12 – يمكن بعد مرور عدة سنوات من عمر الخطة أن يُصار إلى البدء في تعديل النسبة المصرَّح بها لأبناء الطبقة الثرية فيما يتعلق بواقع استهلاكهم من إجمالي دخولهم، برفعها تدريجيا بما لا يتعارض مع الاستمرار في تنفيذ الخطة التنموية حتى نهايتها. ومن الممكن في هذا السياق، أن يكون مستوى الحد الأقصى للاستهلاك المسموح به لأسر تلك الطبقة من ثوراتها ودخولها، قد عاد ليرتفعَ في نهاية السنة العاشرة للخطة إلى "84000" دينار سنويا، بعد أن كان هبط في أولى سنوات الخطة إلى "53000" دينار.
13 – مع العلم بأننا سنكون قد توصلنا إلى تلك النتائج دون أن نأخذ في الاعتبار خلال تطبيقنا للخطة، المردودَ الإيجابي على البيئة الاستثمارية والتشغيلية والتنموية المستهدفة، لأيٍّ من العناصر النالية..
أ – استعادة كافة المؤسسات والشركات التي تمت خصخصتها، بما ينطوي عليه ذلك الأمر من رفد الاقتصاد الوطني وناتجه القومي الإجمالي بأموال وثروات لا يستهان بها.
ب – استعادة أيّ جزء من الأموال العامة المنهوبة عبر مكافحةٍ ممنهجة للفساد والمفسدين، بما في ذلك أيضا من رفدِ الخزينة بأموال معدومة لم تكن قيد الاحتساب في أيِّ مشاريع تنموية.
ج – تأمين بيئة استثمارية محلية جالبة لرأس المال العربي المنتج للصناعات التصديرية، بما يعنيه ذلك من ثروات تشغيلية وذات مردود بالعملات الصعبة على الاقتصاد المحلي، وغير مستنزفة لتلك العملات إلى خارج الوطن.
د – إعادة صياغة الدولة الأردنية على قاعدة مناهضة المشروع الإمبريالي الصهيوني بإلغاء كافة مظاهر الصلح والتطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، وهو ما يفرض التزام الدول العربية بدعم الأردن بما سيتناسب ساعتئذ مع واقع أنه بلد صمود وتصدي ومواجهة، تحمي العرب من الاختراق الصهيوني وتعمل على تحرير الأرض المحتلة.
لا يوجد أي حلٍّ اقتصادي للحالة الأردنية غير ما أشرنا إليه في هذا التحليل. وما على السلطات التنفيذية والتشريعية في نظام وطني قومي غير وظيفي عند اتخاذ القرار باعتماد هذا الحل الأيديولوجي سوى البدء بإعطاء كافة الخبراء والفنيين والمختصين الفرص الكاملة لرسم السياسات التفصيلية لاعتماد النظم الضريبية والاستثمارية والتشغيلية والديموغرافية والتشريعية والنقدية والمالية المناسبة لإنجاز هذا المشروع.
هذا ما توصلنا إليه وما نتصور ألا إمكانية لحل سواه، وكلُّ من يتصور أن هناك حلولا أخرى ممكنة ومتاحة لإعادة التوازن إلى الاقتصاد الأردني لتحقيق الغايات التي رمينا إلى تحقيقها من خلال مشروعنا هذا، فإن عليه أن يورد لنا هذه الحلول ويطلعنا على الكيفية التي سوف يحل من خلالها معضلاتنا الاقتصادية إذا أصَرَّ على ألا يكون ذلك على أنقاض النظام الاقتصادي القائم حاليا وبلا أدنى تحفُظ!!!!!
… انتهى