"التضليل" و"التزييف" و"الكذب"
هي أدوات النظام الأردني
للحفاظ على علاقة السفاح الآثمة بين "السلطة" و"الثروة"

أسامة عكنان

المؤشرات الرقمية والإحصائية الحكومية الرسمية..
في آخر تقرير حكومي رسمي حول رفع الدعم عن السلع الأساسية وتعويض المواطنين بمبالغ نقدية، وردت المؤشرات الرقمية التالية، التي نوردها كما هي دون أيِّ تدخل، لنستخدمَها في تحليلنا لسياسة الحكومة التضليلية والكارثية والطبقية الصارخة في التعامل مع المعضلات التي تواجه اقتصاد البلاد..

* معدل عدد أفراد الأسرة الأردنية 5,7 فرد / إحصاءات عام 2008
* عدد الأُسَر الأردنية 1,15 مليون أسرة
* عدد غير الأردنيين هو 1,5 مليون نسمة / 15% من إجمالي السكان
* دعم الأسرة السنوي 1305 دينار / 229 دينارا للفرد "خطأ حسابي في تقرير الحكومة، والصواب 228" دينارا للفرد / أسرة فقيرة ومتوسطة
* الدعم السنوي للسلع الأساسية باستثناء الكهرباء 2 مليار دينار
* عدد الأسر الأردنية المستحقة للدعم هو 70% / الفقيرة والمتوسطة
* دخل الأسرة المستحقة للدعم يقل عن 1500 دينار شهريا
* عدد الأسر الغنية 30% من الأسر / أكثر من 1500 دينار شهريا
* توفر الحكومة برفع الدعم عن الأغنياء والأجانب 45% على الخزينة من أصل 2 مليار
* ستوزع من قيمة الدعم نقدا على الـ 70% ما نسبته 55% من أصل 2 مليار
* دعم أسطوانة الغاز السنوية يقدر بـ 150 مليون دينار
* دعم رغيف الخبز السنوي يقدر بـ 250 مليون دينار
وفيما يلي مؤشرات رقمية تترتب رياضيا وبشكل قطعي على المؤئرات السابقة..
* عدد السكان الإجمالي هو 8,055 مليون نسمة / "نتيجة الأرقام أعلاه"
* عدد الأردنيين هو 6,555 مليون نسمة / "نتيجة الأرقام أعلاه"
* عدد الحاصلين على الدعم هو 4,585 مليون، وهو ما يعادل 805 آلاف أسرة / "نتيجة الأرقام أعلاه"
* وإجمالي الدعم النقدي هو 1,05 مليار دينار / "نتيجة الأرقام أعلاه"
* وذلك في حال عدم استثناء الخبز وأسطوانة الغاز من رفع الدعم، أما في حال استثنائهما من رفع الدعم فإن الدعم سيكون / "مؤشر حكومي رسمي" 125 دينار للفرد / 718 دينارا للأسرة



تحليل المؤشرات الرقمية الحكومية السابقة..
هناك أخطاء عديدة وتناقضات مريبة ومربكة وغير مفهومة ولا مبررة علميا في الأرقام الواردة في تقرير الحكومة، وهي أخطاء وتناقضات تتخذ الأوجه التالية..

الوجه الأول.. إذا كان عدد غير الأردنيين الوارد في التقرير وهو "1,5" مليون صحيحا، وإذا كانت نسبتهم الواردة في التقرير من إجمالي السكان والتي هي "15%" صحيحة أيضا..
فهذا يعني أن تعداد السكان في الأردن هو "10" ملايين وليس "8" ملايين.. وهو يعني أن تعداد الأردنيين عندئذ هو "8,5" مليون نسمة وليس "6,5" مليون نسمة.. وبالتالي فإن عدد الأسَر الأردنية هو "1,5" مليون أسرة وليس "1,15" مليون أسرة.. ومن هنا فإن عدد الأسر المستحقة للدعم هو "1,05" مليون أسرة، وليس "805" آلاف أسرة.. أي أن الدعم المستحق لها هو "1,37" مليار دينار وليس "1,05" مليار دينار.. وهي تمثل نسبة "67,5%" من إجمالي الدعم السنوي المقدر بـ "2" مليار" وليس "55%" منه والتي لا تمثل سوى ما مقداره "1,1" مليار دينار.. وبالتالي فإن هناك فارقا بين النسبتين يتجسَّد في رقم مطلق مهول مقداره "270" مليون دينار..
أي أن الدعم المفترض إذا صحت الأرقام السكانية "التعدادات" بناء على هذا الافتراض، هو "1,37" مليار دينار، في حين تتحدث تقارير الحكومة عن "1,1" مليار دينار عندما تقول أن الدعم سيكون بنسبة 55% من أصل الـ "2" مليار دينار، وتتلاعب بالأرقام السكانية بشكل أرعن وغبي كي "تُدَوْزِن" المسألة، ومع ذلك فالمسألة ما زبطت معاها مع الأسف..
ولا يمكن الحديث في مبلغ مقداره "1,37" مليار دينار عن هامش خطأ مقداره "270" مليون دينار، تمثل ما نسبته "19,7%" من الرقم المفترض..
إن هذا الرقم – أي "270" مليون دينار، وهو ما يقارب الـ "400" مليون دولار أميركي، غير مسموح بأن يكون هامش خطأ في اقتصاد بحجم الاقتصاد الأميركي الذي يتحرك ضمن هوامش التريليونات، فكيف يمكن القبول به خطأ في اقتصاد يتحرك ضمن هامش أقل من الـ "30" مليار دولار!!!!

الوجه الثاني.. إذا كان تعداد الأردنيين الوارد في التقرير هو الصحيح، وهو أنهم يبلغون بحسب إحصاءات عام 2008 ما عدده "6,5" مليون نسمة.. وإذا كان عدد الأسر ومعدل أفراد الأسرة الواحدة هو أيضا صحيح، أي "5,7" فرد للأسرة، بواقع "1,15" مليون أسرة.. فهذا يعني إذا افترضنا صحة نسبة غير الأردنيين إلى مجموع السكان وهي "15%"، أن إجمالي تعداد السكان في الأردن هو "7.5" مليون نسمة، وأن تعداد غير الأردنيين منهم هو فقط "مليون" نسمة وليس "1,5" مليون نسمة!!!!!
فمن أين جاء نصف المليون الإضافي من غير الأردنيين؟!!
والأهم من ذلك لماذا جاء؟!!
هل يعقل أن هامش الخطأ في تعداد الوافدين في دولة تحترم نفسها، أكثر من "33%"؟!!
وعلى أيِّ أسس توضَع الدراسات الاقتصادية والمالية وتُقَرَّر مبالغ الدعم إذن؟!!
فضلا عن ذلك، وبناء على أرقام الدعم الواردة في تقرير الحكومة، فإن الحديث يدور حول مبلغ دعم مقداره "1,05" مليار دينار.. أي أن الحكومة ستوفر من الدعم ما مقدارة "950" مليون دينار، هو المبلغ المتبقي بعد رفع الدعم البالغ "2" مليار دينار، وإعادة مبلغ "1,05" مليار دينار منه للمواطنين الأردنيين المستحقين له.. ومن ثمَّ فإن النسبة تقل قليلا عما ورد في تقرير الحكومة، حيث أن هذا المبلغ يمثل "52,5%" وليس "55%" من إجمالي قيمة الدعم المرفوع.. وأن "47,5%" من أصل الملياري دولار هي وفورات على الخزينة وليس فقط "45%"..
وسنكتفي في هذين الوجهين من أوجه الخطأ بأن نشير إلى أن نشرة دائرة الإحصاءات العامة لعام 2009 أشارت إلى أن تعداد الأردنيين هو 5,97 مليون نسمة، أي أقل بـ "600" ألف نسمة عما جاء في تقرير الحكومة لعام 2008..
أين الصح وأين الخطأ؟!
هل كنا 6,5 مليون نسمة عام 2008 وتراجعنا بـ "600" ألف نسمة بعد ذلك بعام؟!!!!!!!!!
الجواب عند النظام الرشيد، خادم الشعب الأمين!!

الوجه الثالث.. يتحدث التقرير الحكومي عن دعم مقداره فقط "125" دينارا للفرد بدل "228" دينارا، إذا لم يتم رفع الدعم عن رغيف الخبز وأسطوانة الغاز. ويشير ذات التقرير إلى أن دعم كل من ذلك الرغيف وتلك الأسطوانة يُحَمِّل الخزينة عبئا مقداره "150+ 250 = 400" مليون دينار من أصل "2" مليار، هي إجمالي الدعم باستثناء الكهرباء، وهو ما يعني أن هذين البندين من بنود الدعم يحصلان على ما نسبته "20%" من إجمالي حصة دعم المواد الأساسية باستثناء الكهرباء طبعا.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح..
إذا كان المواطن سيحصل على مبلغ تعويضي قدره "228" دينارا في حال رفع الدعم عن كافة السلع بما فيها "رغيف الخبز" و"اسطوانة الغاز" – ما عدا الكهرباء – فإن المنطق وقواعد العلم والرياضيات تقتضي جميعها في حال عدم رفع الدعم عن "أسطوانة الغاز" و"رغيف الخبز"، أن يتم تخفيض الدعم النقدي التعويضي للمواطن بنسبة تكافئ نسبة إسهام حصة دعم هذين البندين في المبلغ الإجمالي الذي تتكبده الخزينة، والذي تبين لنا بناء على أرقام الحكومة ذاتها والواردة في التقرير أنها "20%" فقط..
وهو ما يعني أن يتم تخفيض مبلغ الدعم النقدي من "228" دينارا إلى "183" دينارا فقط، وليس إلى "125" دينارا. لذلك نرجو من الحكومة الرشيدة أن تطلعنا على أيِّ قوانين وقواعد علمية اعتمدت في احتساب استحقاق المواطن في حال عدم شمول رفع الدعم لكل من رغيف الخبز وأسطوانة الغاز، حتى تكون الـ "20%" من الـ "228" دينارا مساوية لـ "103" دنانير التي نعلم جميعا أنها تساوي من أصل الـ "228" ما نسبته "45%" وليس "20%"؟!!!!!

الوجه الرابع.. يشير التقرير إلى أن القيمة الإجمالية للدعم السنوي باستثناء دعم الكهرباء بلغت "2" مليار دينار. وأن الدعم الموجه نحو "أسطوانة الغاز" و"رغيف الخبز" هما "150" مليون دينار، و"250" مليون دينار على التوالي من ضمن الـ "2" مليار بطبيعة الحال. أي أن دعم السلع الأساسية باسثناء الكهرباء والغاز والخبز وصل إلى "1,6" مليار دينار. وهنا يطرح السؤال الهام والخطير التالي نفسَه..
إذا كانت أهم السلع بالنسبة للمواطن الأردني وهي "أسطوانة الغاز"، و"رغيف الخبز" لم تُدْعَم سوى بمبلغ "400" مليون دينار سنويا، فما هي السلع الأساسية غير هاتين السلعتين وغير الكهرباء، والتي تدعمها الحكومة بـ "1,6" مليار دينار في السنة مُسَبِّبَة كل هذا الضغط على الخزينة، خاصة إذا علمنا أن "السكر" و"الأرز" قد رفع الدعم عنهما منذ وقت طويل، هذا إذا سلمنا فعلا بأن هناك دعم حقيقي لأسطوانة الغاز ولرغيف الخبز أصلا؟!!!!
يبدو أن الحكومة الرشيدة تدعم العطور والماكياجات وأدوات الزينة والملابس الداخلية وأجهزة الفيديو واللاب توب والأجهزة الخلوية وسيارات المرسيدس ومنتجات الثقافة المستوردة والأدوية والأجهزة الطبية والسماك المدخنة، بل والأسماك الطازجة.. إلخ!!!!
سبحان الله، ما أصدق من قال.. "الكذب حبله قصير"..
ومع ذلك دعونا نتابع هذا الهراء..
الحكومة تدعم أسطوانة الغاز بـ "150" مليون دينار في السنة، كما يقول التقرير..
فإذا علمنا أن معدل استهلاك الأسرة الأردنية من الغاز بناء على تحليل سابق نشرناه عندما عقَّبنا على آخر خطاب لرأس النظام، هو "4" أسطوانات شهريا بما فيها تلك المستخدمة لغايات التدفئة باحتساب متوسط الاستهلاك المتذبذب بين أشهر البرودة واشهر الحرارة والدفء، فهذا يعني – بالاستناد إلى أن عدد الأسر الأردنية هو "1,15" مليون أسرة كما ورد في التقرير – أن الحكومة تدعم سنويا "50" مليون أسطوانة غاز، فإذا أضفنا إليها حوالي "10" ملايين أسطوانة أخرى يستفيد من دعمها غير الأردنيين بناء على تعدادهم الذي تأكدنا منه سابقا، فإن إجمالي ما كانت تدعمه الحكومة هو "60" مليون أسطوانة غاز كحد أدنى. وذلك بواقع "150÷ 60 = 2,5" دينار للأسطوانة الواحدة. أي أن التكلفة الحقيقية لأسطوانة الغاز الواحدة هي "9" دنانير وتباع بواقع "6,5" دينار بعد دعمها بـ "2,5" دينار من خزينة الدولة.
لا يمكن للأرقام التي بين أيدينا أن تعني شيئا غير هذا على الإطلاق..
فلنواصل..
الحكومة ستقوم ببيع الـ "60" مليون أسطوانة بسعر "9" دنانير للأسطوانة الواحدة، أي بما قيمته الإجمالية "540" مليون دينار، كي تسترد الدعم الذي تدفعه وهو "150" مليون دينار، وستقوم بإعادة جزء من هذا المبلغ إلى "805" آلاف أسرة مستحقة للدعم وتمثل "70%" من إجمالي الأسر الأردنية، لكي لا تكون هذه الأسر قد دفعت الفارق بعد رفع الدعم، وكي تكون قد حصلت على ما من شأنه إبقاء سعر أسطوانة الغاز بالنسبة لها "6,5" دينار. وهذا المبلغ الذي ستدفعه الحكومة على شكل دعم لأسطوانة الغاز سيبلغ بناء على أرقام الحكومة وتقاريرها حوالي "100" مليون دينار.. هكذا تقول الحكومة!!!!!
أي أن الحكومة سوف تسترد مبلغا قدره "50" مليون دينار من دعمها لأسطوانة الغاز، كان يستفيد منه الأغنياء وغير الأردنيين..
ممتاز، لا غبار على المبدأ والفكرة، ولكن..
لماذا لا تستعيد الحكومة مبلغ الـ "150" مليون دينار كاملا، ودون أن تضطر لدعم الغاز أو لتقديم معونة للمحتاجين؟!
أليس هناك حلٌّ يُمَكِّنُها من ذلك، ويُجَنِّبُها الوقوع في متاهات البحث عن هذه الحلول الغريبة والمريبة؟!
بل ويجعلها تساعد المحتاجين وتُخَفِّفُ عنهم إن كانت حكومة رشيدة، ولم تكن حكومة تفكر فقط في المحافظة على المعادلات الطبقية السائدة الناتجة عن هذا التزاوج المريب بين "السلطة" و"الثروة"؟!
إن هذا ممكن، ولكن، قبل أن نقول كيف، دعونا نقرأ فظائع وفضائح جديدة في أرقام الحكومة الواردة في التقرير، لها علاقة بما سنقوله بهذا الخصوص..

الوجه الخامس.. ورد في التقرير أن نسبة الأسر الفقيرة والمتوسطة الدخل هو "70%" من تعداد الأسر الأردنية، وهؤلاء قال التقرير أن دخل الأسرة الواحدة منهم يقل عن "1500" دينار شهريا. فيما تبلغ نسبة الأسر الغنية وعالية الدخل "30%" من العدد الإجمالي للأسر، وهي تلك التي يتجاوز دخل الأسرة الشهري منها الـ "1500" دينار..
أي أن "805" ألف أسرة أردنية يقل دخلها الشهري عن "1500" دينار، بينما "345" ألف أسرة يزيد دخلها عن الـ "1500" دينار في الشهر..
قد يعتقد البعض أن هذه الأرقام وهذه التقسيمات والتصنيفات لها قيمة اقتصادية، أو أنها تؤشِّر على شيء ما له معنى في عالم الاقتصاد والإدارة المالية للدول، في حين أنها معدومة القيمة، ولا دلالة لها، وبعيدة عن التأشير على أيِّ شيء مما تحاول الحكومة بتقاريرها السخيفة أن تروِّجَ له وتزيِّفَ به وعي المواطنين وتخترق سايكولوجياتهم..
إنه نوع من الإيحاء غير البريء والموبوء بالمكر، بأن "70%" من الأسر الأردنية تتقاضى دخلا شهريا يراوح حول الـ "1500" دينار، فكلمة أقل من "1500" دينار من الصعب تصور أنها قد تعني "300" دينار مثلا!! إنه نوع ماكر من اللعب على التداعي السايكولوجي للأرقام المبهمة..
فعندما تقول لشخص تواعدتَ معه أنك ستوافيه قبل صلاة المغرب من اليوم التالي، فهذا لا يعني أنك ستأتيه بعد صلاة الظهر من ذلك اليوم. وسيكون هو غبيا إن فهم منك ذلك وانتظرك بعد صلاة الظهر، وستكون أنت مضللا إن كنت تقصد شيئا من ذلك!!!
إن الـ "1000" دينار أقل من "1500" دينار، وإن الـ "500" دينار هي أيضا أقل من "1500" دينار، لا بل إن الـ "100" دينار هي أيضا أقل من الـ "1500" دينار..
إنها رسالة مضَلِّلَة مفادها أن حالة العوز والفقر المؤلمة والكارثية غير موجودة في الأردن، لأن الإيحاء النفسي للقول بأن الفقراء هم من تقل دخولهم عن 1500 دينار في الشهر، يجعل شاشة الاستقبال الذهني لدى المتلقي تراوِحُ معنى عبارة "أقل من 1500 دينار" في حدود الدورات حول هذا الرقم. وبالتالي فإن الحكومة رؤوفة ورشيدة وكريمة ورائعة إلى درجة أنها تفكر في تخفيف العبء الاستهلاكي عن الأسرة التي يقل دخلها عن الـ "1500" دينار شهريا، رغم أن هذا الدخل ليس هينا ولا هو بالقليل، وهو مناسب على العموم للخروج من عنق زجاجة الفقر بكل تأكيد..
وبالتالي فأين المشكلة يا من تجأرون وتصرخون وتولولون بأن الشعب الأردني جائع ومعدم؟!!!
إن من يقول أن "99%" من الأسر الأردنية يقل دخلها السنوي عن مليون دينار محق أيضا، لكنه لا يعبر عن أيِّ شيء له علاقة بالواقع الذي نبحث عن حلول لمشكلاته، أما من يريد أن يعكس لنا صورة الواقع كما هي كي يساعدنا على فهمه وإيجاد الحلول له فيقول بمنتهى الشفافية أن "42%" من الأسر الأردنية تتقاضى دخلا شهريا يقل عن "600" دينار، أي أنها أسرٌ فقيرة فقرا مدقعا. والأدق منه في تصوير الواقع يقول أن أكثر من "35%" من الأسر الأردنية تتقاضي دخولا أقل من "400" دينار شهريا، أي أنها أسرٌ معدمة، ومع أن هذين الصنفين من الأسر لا يظهران في عبارة "أقل من 1500" دينار، إلا أنهما مع الأسف صنفان منطوان في هذه الصورة المزيَّفة والمضلِّلَة..
وفي المقابل، وعند الحديث عن الأسر التي يزيد دخلها عن "1500" دينارـ، سوف نجد الحكومة تمارس النوع ذاته من التضليل والتزييف والخداع السايكولوجي، وإن يكن في الاتجاه المضاد..
إنه نوع من الإيحاء الخبيث بأن أثرياء الأردن الذين يحققون دخولا توجب عليهم التعفُّف عن استحقاق الدعم، يمثلون "30%" من الشعب الأردني، وهي نسبة الثراء التي لا توجد حتى في الولايات المتحدة والسويد وفرنسا وألمانيا واليابان، ولا حتى في دول الخليج النفطية..
وعندما تطرح الحكومة مقولة أن الثري هو من يحقق دخلا أعلى من "1500" دينارا شهريا، فهي تحاول أن تحقننا بجرعة من الوهم الكاذب بأن الـ "70%" من الأردنيين، وهم من قالت أنهم يحققون دخلا شهريا أقل من ذلك، ليسوا فقراء ولا معوزين بذلك القدر المؤلم، ماداموا غير بعيدين عن الأرقام التي تدل على البحبوحة والثراء والغنى. وبالتالي فلا توجد هناك أزمة حقيقية في البلاد، والمسألة مسألة تخفيف أعباء بشكل طبيعي لا يرهق أحدا، والأمر كله لا يخرج عن الولولة والصراخ الفاجرين بلا أيِّ داعي من دعاة العدمية الذين هم "نحن" المطالبون بالإصلاح والتغيير والعدالة والحرية بطبيعة الحال!!!
إن الحكومة تحاول أن تبعدنا عن التفكير في أن الـ "2000" دينار أكثر من الـ "1500" دينار، وأن الـ "10" آلاف دينار هي أيضا أعلى من الـ "1500" دينار، بل هي لا تريدنا أن نفكر، ولا حتى أن يخطر لنا على بال أن من كان دخله الشهري "مليون دينار" هو أيضا مصنف ضمن هذه الشريحة، تماما مثلما كان صاحب الدخل الذي يقل عن "100" دينار شهريا مصنفا في شريحة ذوي الدخل الأقل من "1500" دينار..
إن الحكومة الرشيدة التي تريد أن تنتهج نهجا إصلاحيا حقيقيا يقوم على مبدأ تخفيف العبء عن المثقلين به على وجه الحقيقة، لا تزيِّف الوعي وتخترق الجدار السايكولوجي الغافل للمواطن بهذا الهراء وبهذه الترهات، وبهذا القدر من التسطيح للحالة القائمة..
من الناحية العلمية التي يعترف بها علم الاقتصاد، ومثلما أن تصنيف الفئات العمرية لأفراد المجتمع لا يقوم على تقسيمهم إلى فئتين، إحداهما دون الثلاثين سنة والأخرى فوق الثلاثين سنة، بسبب أن هذا التصنيف لا معنى ولا قيمة ولا فائدة ولا دلالة له على أيِّ صعيد تنموي أو اقتصادي أو حتى تربوي..
نقول.. من الناحية العلمية التي يعترف بها الاقتصاد الجزئي، والإدارة المالية للدولة، لا يتم تصنيف الدخل على ذلك النحو المريب والمعيب فاقد الدلالة، الذي صفعت به الحكومة الأردنية حتى نخبَها ومثففيها عندما تلقفوه وراحوا يحاولون فهم ما يحدث وتحليله في ضوئه دون مناقشته هو في ذاته من حيث كونه تصنيفا بلا أيِّ دلالة أو تأشير على أيِّ شيء..
تصنيف الدخل في دولة مثل الأردن تتفاوت فيها الدخول بشكل مذهل، يتم – لمن يريد أن يبحثَ عن حلول حقيقية – على النحو التالي..
1 - فئة أصحاب الدخول التي تقل عن "200" دينار شهريا..
2 - فئة أصحاب الدخول التي تزيد عن "200" دينار، وتقل عن "400" دينار شهريا..
3 - فئة أصحاب الدخول التي تزيد عن "400" دينار، وتقل عن "600" دينار شهريا..
4 - فئة أصحاب الدخول التي تزيد عن "600" دينار، وتقل عن "800" دينارا شهريا..
5 – فئة أصحاب الدخول التي تزيد عن "800" دينار، وتقل عن "1000" دينار شهريا..
6 – فئة أصحاب الدخول التي تزيد عن "1000" دينار وتقل عن "1500" دينار شهريا..
7 - فئة أصحاب الدخول التي تزيد عن "1500" دينار وتقل عن "2000" دينار شهريا..
8 - فئة أصحاب الدخول التي تزيد عن "2000" دينار وتقل عن "5000" دينار شهريا..
9 - فئة أصحاب الدخول التي تزيد عن "5000" دينار وتقل عن "10" آلاف دينار شهريا..
10 – فئة أصحاب الدخول التي تزيد عن "10" آلاف دينار وتقل عن "100" ألف دينار شهريا..
11 - فئة أصحاب الدخول التي تزيد عن "100" ألف دينار وتقل عن مليون دينار شهريا..
12 - فئة أصحاب الدخول التي تزيد عن "مليون" دينار شهريا..
وعند اعتماد مثل هذا التصنيف سوف نكتشف انعدام أيِّ دلالة علمية مؤشِّرة للوسط الحسابي المضَلِّل الذي استخدمته الحكومة في تقريرها كي تزيِّفَ وعيَنا وتُزَوِّرَ الحقيقة أمامنا..
لأننا سنكتشف أن الـ "70%" الذين حاولت الحكومة أن تعتبرهم فئة واحدة هي فئة ذوي الدخل الأقل من "1500" دينار، يتوزعون بشكل كارثي على المجموعات الست الأولى، بشكل يجعل من أولئك الذين يتقاضون دخلا يتراوح من "1000" إلى "1500" دينار شهريا، لا يشكلون سوى ما نسبته "5%" من الـ "70%"، أي ما نسبته "3,5%" من إجمالي الأسر الأردنية، في حين أن الانطباع الذي يولده التصنيف الحكومي الرسمي أن تلك الفئة تمثل الـ "70%" أو ما يقاربها على أقل تقدير. بينما يشكل أصحاب الدخل المتراوح من "600" إلى "800" دينار ما نسبته "20%" من الـ "70%"، أي ما نسبته "14%" من إجمالي الأسر الأردنية، في حين أن من يقل دخلهم عن الـ "600" دينار يشكلون ما نسبته 60%" من الـ "70%" أي ما نسبته "42%" من إجمالي الأسر الأردنية..
وإذا انتقلنا إلى الشريحة المقابلة، وهي تلك التي حاول النظام أن يقنعنا بأنها شريحة الأغنياء الذين يرفلون في بحبوحة، فسنجد الأمر نفسه يتكرر وإن يكن بشكل معكوس. وسنكتشف أن الـ "30%" من الأسر التي اعتبرتها الحكومة ثرية، تتوزع بشكل كارثي على المجموعات الست التالية، بشكل يجعل أولئك الذين يتقاضون دخلا يتراوح من "1500" دينار إلى "2000" دينار، يشكلون نسبة "60%" من الـ "30%" أي ما نسبته "18%" من إجمالي الأسر الأردنية، لتتناقص النسبة كلما صعدنا نحو الفئات عالية الدخول بشكل ملفت..
وبالتالي فنحن في واقع الأمر أمام "1,15" مليون أسرة أردنية، موزعة بشكل تقريبي على النحو التالي..
1 – "42%" من الأسر دخلها الشهري أقل من "600" دينار، معظمهما دون الـ "400" دينار أصلا.. أي أبعد ما تكون عن ملامسة خط الفقر حتى بمعايير الحكوملت الأردنية.. "فقر مدقع يصل إلى درجة الإعدام أحيانا".
2 – "21%" من الأسر دخلها يتراوح من "600" إلى "1000" دينار، وبالتالي فما تزال هذه الفئة دون خط الفقر والعوز الذي حددته الحكومات الأردنية نفسها.. "فقر الكفاف"..
3 – "21%" من الأسر دخلها يتراوح من "1000" إلى "2000" دينار شهريا، وهي الأسر التي تدور حول خط الاكتفاء وتقاربه دون أن تتحرر من سطوته الحقيقية إلا في الحدود الدنيا.. "الكفاية والكفاية المريحة"
4 – "12%" من الأسر يتراوح دخلها من "2000" إلى "10" آلاف دينار، وهي الأسر التي تخطت حدود الفقر والحاجة واستمتعت بنوع من الرفاهية التي تتيح لها أن تعتبر من الفئات التي تعيش في بحبوحة نسبية.. "الرفاه المريح"..
5 – "3%" من الأسر يتراوح دخلها من "10" إلى "100" ألف دينار شهريا، وهي أسر ثرية لا تؤثر فيها تقلبات الأسعار بأيِّ شكل.. "الثراء الواسع"..
6 – "1%" من الأسر يزيد دخلها عن "100" ألف دينار شهريا.. "الثراء الفاحش"..
والخلاصة أن "84%" من الأسر الأردنية تعيش ضمن خط الفقر والكفاية، وقلة قليلة من هؤلاء تعيش ضمن خط الكفاية المريحة، أما باقي الأسر الأردنية والبالغة نسبتها "16%" فهي التي تعيش حالة الرفاه والثراء، مع العلم بأن الثراء الباذخ هو من حظ فئة لا تزيد عن "4%" من تلك الأسر..
فأيُّ قدر من التضليل والتزييف يمكن أن يتضمنه تقرير يحذف كل هذه الحقائق، ويتجاوز كل هذه التصنيفات العلمية، ليقول لنا بكل تبسيط وتسطيح أن الأردنيين ينقسمون إلى فئتين من الأسر، إحداهما محتاجة هي تلك الني يقل دخلها عن "1500" دينار شهريا، والأخرى ثرية هي تلك التي يزيد دخلها عن "1500" دينار شهريا؟!
أيُّ نوع من الفتنة المجتمعية يريد أن يبثها النظام بين مختلف فئات الشعب بأن يصور أن صاحب الدخل الذي يقل قليلا عن "1500" دينار، ينازع من يزيد دخله قليلا عن "1500" دينار في دخله، مغيبا حقيقة الحقائق كلها، وهي أن الدخل القومي الأردني بأكمله يتربع على عرش الاستفادة منه والتحكم فيه وتوجيهه وإدراته، ذلك الـ "1%" من الأسر التي تجاوزت دخولها "المليون" دينار سنويا؟!!
نعود بعد هذا التصنيف التوضيحي الذي أجلى لنا أسلوب الحكومات في تغييب الوعي وفي الترويج للباطل وتكريس التزييف والغزو النفسي للمواطن، نعود لنناقش الحكومة في تقريرها، لجهة أسلوبها في استعادة قيمة الدعم ممن لا يستحقونها برفع الدعم وتحرير الأسرار عن السلع الأساسية، وردها لمن يستحقونها نقدا فيما بعد، لنرى أن هذه أكذوبة جديدة من أكذوبات الحكومات، فقط لتستدرَّ الحد الملائم من عواطف مواطن مكلوم ومُهان ومُحطم ماديا، في حين أن الحلول موجودة ومتاحة حتى مع افتراض أن المسألة فعلا كما تدعي الحكومة، هي مسألة تخفيف عبء عن الخزينة عبر رفع دعم ما نزال نشك فيه ولا نصدق أنه قائم أصلا!!

الوجه السادس.. تبين لنا من التقرير السابق أن الحكومة تدعم "أسطوانة الغاز" بـ "150" مليون دينار سنويا، وأنها برفع الدعم وتقديم مبالغ نقدية للمواطنين الذين صنفتهم بطريقتها السابقة المختلة البعيدة عن الموضوعية، كتعويضٍ لهم عن رفع ذلك الدعم، سوف تسترد مبلغ "50" مليون دينار من أصل الـ "150" مليون التي تدعي أنها تدعم بها أسطوانة الغاز.
إن الحكومة تعرف قطعا دخل كل أسرة، أو على الأقل فهي بناء على تصنيفها وعلى توزيعها للمبالغ النقدية ستكون قادرة على تصنيف الأسر المحتاجة من تلك التي لا تحتاج، وهذا يعني بالضرورة أنها تملك سجلاتها الخاصة القادرة على منحها مصداقية في تصنيفها، بل هي تستوفي ضريبة الدخل بناء على هذه المعرفة السجِلِّيَّة الدقيقة قطعا، سواء عندما يتعلق الأمر بالأفراد أو بالمؤسسات، وإلا فمن حقنا سؤالها عن مبرر التصنيف الذي على أساسه سوف تدفع الدعم النقدي إلى مستحقيه وتمنعه عن غير مستحقيه!!
لقد تبين لنا من تصنيفنا السابق أن هناك ما يلي..
1 – "84%" من الأسر الأردنية، أي ما يعادل "966" ألف أسرة، تقل دخولها الشهرية عن "2000" دينار، أي أن أعلى تلك الأسر دخلا، تحصِّل ما مقداره "24" ألف دينار في السنة..
وسوف نحاول طرح حلٍّ يعفي هذه الأسر كاملة من تبعات استرداد الحكومة لأموال الدعم.
2 – "12%" من الأسر، أي ما يعادل "137" ألف أسرة، يتراوح دخلها من "2000" إلى "10" آلاف دينار، أي أن أقل تلك الأسر دخلا، تحصِّل ما مقداره "24" ألف دينار في السنة..
وسوف نحاول أن نجعل الحل المطروح مشركا إياها في دفع جزء من تبعات استرداد الحكومة لأموال الدعم.
3 – "3%" من الأسر، أي ما يعادل "35" ألف أسرة، يتراوح دخلها من "10" إلى "100" ألف دينار شهريا، أي أن أقل تلك الأسر دخلا، تحصِّل ما مقداره "120" ألف دينار في السنة..
وسوف نحاول أن نشرك هذه الفئة من الأسر الثرية في تبعات أوسع لجهة مساعدة الحكومة على استرداد مبالغ الدعم.
4 – "1%" من الأسر، أي ما يعادل "12" ألف أسرة، يزيد دخلها عن "100" ألف دينار شهريا، أي أن أقل تلك الأسر دخلا، تحصِّل ما مقداره "1,2" مليون دينار في السنة..
وسوف نحرص على جعل مساهمة هذه الأسر في استرداد قيم الدعم الحكومي هي المساهمة الأكبر بسبب قدرتها الواضحة على ذلك.
فكيف يمكننا في ضوء هذه الوقائع أن نشكلَّ حلا تسترد به الحكومة مبالغ الدعم لأسطوانة الغاز والبالغة "150" مليون دينار كاملة غير منقوصة، دون أن تسبب أيَّ عبء لـ "84%" من الأسر الأردنية وفق تصنيفنا السابق؟!!
* سوف نحمل الفئة "4" مبلغ "100" مليون دينار من قيمة الدعم، أي بواقع "8,500" دينار سنويا لكل أسرة من أصل الـ "12" ألف أسرة تنتمي إلى هذه الفئة..
وهذا يُتَرِّب على هذه الفئة أن تدفع أقلها دخلا سنويا، وهو دخل لا يقل عن "1,2" مليون دينار، نسبة تعادل "0,7%" من دخلها ذاك لتخفيف العبء عن الخزينة دون المساس بالشريحة الأوسع من المواطنين..
* سوف نحمِّل الفئة "3" مبلغ "40" مليون دينار من قيمة الدعم، أي بواقع "1,140" دينارا سنويا لكل أسرة من أصل "35" ألف أسرة تنتمي إلى هذه الفئة..
وهذا يرتب على هذه الفئة أن تدفع أقلها دخلا سنويا، وهو دخل لا يقل عن "120" ألف دينار، نسبة تعادل "0,9%" من دخلها ذاك لتخفيف العبء عن الخزينة دون المساس بالشريحة الأوسع من المواطنين..
* سوف نحمل الفئة "2" مبلغ "10" ملايين دينار من قيمة الدعم، أي بواقع "73" دينارا سنويا لكل أسرة من أصل "137" ألف أسرة تنتمي إلى هذه الفئة..
وهذا يرتب على هذه الفئة أن تدفع أقلها دخلا سنويا، وهو دخل لا يقل عن "24" ألف دينار، نسبة تقل عن "3" في الألف من دخلها ذاك لتخفيف العبء عن الخزينة دون المساس بالشريحة الأوسع من المواطنين..
أما كيف ستستوفي الحكومة هذه الاقتطاعات من تلك الفئات، وكيف ستحدد الفواصل بينها، وأيُّ المعايير المحاسبية ستتبع للتعامل مع الدخول المترتبة لكل فئة، فهذا شأن الخبراء الذين يستطيعون استيفاءَها، إما من خلال رفع أسعار أسطوانات الغاز على هذه الفئات، أو من خلال رفع نسبة مشاركتهم في الضريبة بسن ضريبة على أصحاب تلك الدخول تسمى مثلا " ضريبة الغاز"، أو من خلال أيِّ وسيلة أخرى ممكنة قد يتفتق عنها الذهن وتدفع إليها الحاجة.. إلخ..
آلية التطبيق سهلة، المهم الفكرة التي تكون قد وضعت حلا للمعضلة، حلا لا يؤثر ولا بأيِّ شكل على من أسهم فيه بسبب تدني مساهمته بالقياس لدخله، وأعاد للحكومة أموال الدعم التي تدعيها، وأبقى على الشرائح الفقيرة والمحتاجة وذات الدخل المحدود دون المساس بقدراتها الشرائية..
دعونا ننتقل الآن خطوة إلى الأمام محاولين وضع حلٍّ لقيمة الدعم التي تدعيها الحكومة بأكملها، وهي "2" مليار دينار، دون أن تضطر الحكومة لحل المعضلة بهذه الثنائية المقيتة، ألا وهي رفع الدعم وإعادة دفع مبالغ نقدية لفئة معينة، بكل الفوضى والامتهان اللذين سيترتبان على هكذا طريقة في التعامل مع المواطنين، ودونما حاجة إلى التنازل عن أيِّ مبلغ من هذا الدعم لأيٍّ كان، بل لصالح الخزينة نفسها..
إن مبلغ الـ "2" مليار الذي تدعي الحكومة أنه يمثل كل أشكال الدعم ماعدا دعم الكهرباء، يكافئ "13" ضعف الدعم الموجه لأسطوانة الغاز، وبالتالي فلو اتبعنا الأسلوب السابق نفسه، وحمَّلنا تبعات رفع الدعم عن تلك السلع لتلك الفئات الثلاث من الأسر، فإننا سوف نتوصل إلى حلٍّ لهذه المعضلة من خلال النتائج التالية..
* تحميل الفئة "4"، ما يعادل ما لا يزيد عن "10%" من دخل أقل تلك الأسر دخلا سنويا وهو الدخل المتراوح حول حد "1,2" مليون دينار، وذلك عندما يتم اقتطاع عُشر هذا المبلغ مساهمة منها في دعم الخزينة وتخفيف عبء الدعم عنها.
* تحميل الفئة "3"، ما يعادل ما لا يزيد عن "10%" من دخل أقل تلك الأسر دخلا سنويا وهو الدخل المتراوح حول حد "120" ألف دينار، وذلك عندما يتم اقتطاع عُشر هذا المبلغ مساهمة منها في دعم الخزينة وتخفيف عبء الدعم عنها.
* تحميل الفئة "2"، ما يعادل ما لا يزيد عن "3%" من دخل أقل تلك الأسر دخلا سنويا وهو الدخل المتراوح حول حد "24" ألف دينار، وذلك عندما يتم اقتطاع أقل من ثلث عُشر هذا المبلغ مساهمة منها في دعم الخزينة وتخفيف عبء الدعم عنها.
وهكذا تُحَلُّ مشكلة الدعم، وتستعيد الحكومة كافة أموال هذا الدعم المزعوم، لتصبح أموالا متاحة لها لاستثمارها في أيِّ مشاريع إنتاجية تخفف من حدة البطالة والفقر.. إلخ، دونما حاجة إلى رفع الأسعار بشكل يرهق كواهل الـ "84%" من المواطنين الذين تستهدفهم عادة كل أشكال الضرائب ورفع الأسعار ورفع الدعم وإذلال الكرامة.. إلخ..
وهذا بطبيعة الحال دون أن نتطرق لأشكال أخرى من الحلول التي تساعد على تخفيف العبء عن الموازنة، وهو ما نؤجل الحديث فيه إلى مقالات لاحقة ومناسبات أخرى..
ولكننا موقنون بأن الحكومات لن تلجأ إلى مثل هذه الحلول الحقيقية والجادة التي تُحَمِّلُ التبعة الحقيقية في الحل لغني وثري لن يتأثرا بالحل حماية لفقير ومحتاج، وذلك لسبب بسيط، هو أن هذه الحكومات هي نتاج نظام وظيفي طبقي كومبرادوري بيروقراطي فاسد، يجد مهمته الأولى في الدفاع عن طبقته على حساب الشعب وطبقاته المسحوقة..